مصر تجدد تحذيرها لتركيا من التنقيب شرق المتوسط

القاهرة قالت إن أنقرة «تُزيد التوتر» في المنطقة

TT

مصر تجدد تحذيرها لتركيا من التنقيب شرق المتوسط

للمرة الثانية خلال شهرين، وجهت مصر اتهاماً لتركيا بـ«اتخاذ إجراءات من شأنها زيادة درجة التوتر في منطقة شرق المتوسط»، وأعربت القاهرة أمس عن «القلق من إعلان أنقرة اعتزامها التنقيب (عن الغاز) في محيط جمهورية قبرص».
وفي مايو (أيار) الماضي، قالت الخارجية المصرية إنها «تتابع باهتمام وقلق التطورات الجارية حول ما أُعلن بشأن نيات تركيا البدء في أنشطة حفر في منطقة بحرية تقع غرب قبرص».
واعتبرت مصر، أمس، أن «اعتزام تركيا التنقيب قبالة قبرص يعد إصراراً على مواصلة اتخاذ إجراءات أحادية من شأنها أن تزيد من درجة التوتر شرق المتوسط».
ودخلت القاهرة وأنقرة في مساجلات قانونية وسياسية عدة بشأن التنقيب في المتوسط، وأعلنت تركيا في فبراير (شباط) 2018 أنها لا تعترف بـ«قانونية اتفاق وقعته مصر وقبرص عام 2013 للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط»، فيما شددت القاهرة حينها على أن «الاتفاقية لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، وهي تتسق وقواعد القانون الدولي، وتم إيداعها بصفتها اتفاقية دولية في الأمم المتحدة».
وتبرر تركيا تحركها للحفر والتنقيب قبالة «قبرص الشمالية» بأنها تجري بموافقة من حكومة الثانية التي لا تعترف بها سوى أنقرة.
ودعت مصر، أمس، في البيان الصادر عن خارجيتها، إلى «ضرورة عدم التصعيد، والالتزام باحترام وتنفيذ قواعد القانون الدولي وأحكامه».
وترتبط مصر وقبرص باتفاق جرى توقيعه في عام 2018 لمد خط أنابيب من حقل أفروديت القبرصي (تقدر احتياطياته بما بين 3.6 تريليون و6 تريليونات قدم مكعبة) بغرض تسييلها في مصر، وإعادة تصديرها إلى أوروبا، وتقدر تكلفته بنحو مليار دولار أميركي، ومن المتوقع الانتهاء منه العام المقبل.
ويأتي التطور الأحدث بشأن الاعتراض المصري، الذي سبقته إدانة قبرصية للتحركات التركية للتنقيب قبالة سواحل الثانية، بعد نحو أسبوع على مصادقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاق بين بلاده وقبرص، بشأن إنشاء خط أنابيب بحري بينهما لنقل الغاز.
ووفق ما يقول الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، لـ«الشرق الأوسط» فإنه «ربما لا يُعد التصديق المصري على اتفاقية إنشاء خط الغاز مع قبرص هو العامل الأكثر تأثيراً في تحرك تركيا»، ويشرح أنه «من المتوقع أن يكون قرب حصول تركيا على منظومة (S 400) الروسية العسكرية المتطورة، في شهر يوليو (تموز) الجاري، عامل أساسي في زيادة جموح أنقرة التي بلا شك ستعضد موقفها العسكري بهذه المنظومة».
وفضلاً عن العامل العسكري، يرى قنديل أن «ظرفاً سياسياً جديداً يتمثل في وصول حكومة جديدة لسدة الحكم في اليونان، كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أول المهنئين لها، ربما يدفع الإدارة في أنقرة لمحاولة حشد دعم الجوار الدولي لبسط النفوذ التركي التوسعي، والتنقيب في مياه المتوسط».
وأسست بعض دول المتوسط في يناير (كانون الثاني) الماضي «منتدى غاز شرق المتوسط، ومقره القاهرة»، وهو يضم بخلاف مصر كلاً من: «اليونان، وقبرص، وإيطاليا، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل». وجاء في البيان التأسيسي للمنتدى أنه «بمثابة منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية، بما يتفق مع مبادئ القانون الدولي».
ويُقدر قنديل أن «الإصرار التركي على استمرار التنقيب، وتجاهل التحذيرات الدولية والإقليمية، الصادرة قبل شهرين، وكان في مقدمتها الاتحاد الأوروبي، يعتبر تطوراً خطيراً ينبئ بتصعيد وتوتر في المنطقة». ويذهب الخبير المصري في أمن الطاقة إلى أنه «يجب على الدول المعنية والمضارة من تلك التحركات للتنقيب، وصاحبة الموقف المناهض لها، التواصل مع الإدارة الروسية لوقف تسليم منظومة (S 400)، نظراً لأثرها على أمن واستقرار مكامن الطاقة في شرق المتوسط». وخلال الأسبوع الماضي، نفذ الجيش المصري تدريبات بحرية وجوية مشتركة مع فرنسا والهند في مياه البحر المتوسط، وقال ناطق باسم القوات المسلحة المصرية إن التدريبات «تُظهر ما وصلت إليه القوات المشاركة من قدرة قتالية عالية، ومستوى راقٍ من التدريب لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن البحري بالمنطقة، وتأمين الأهداف الحيوية بالبحر المتوسط». ومنذ أكثر من عام، بث الجيش المصري، في أثناء احتدام التجاذبات بين القاهرة وأنقرة على خلفية اتفاقية التنقيب، بيانات تظهر قدرات وجاهزية «القوات البحرية المصرية»، وتستعرض الأسلحة الحديثة التي انضمت إلى صفوفها، مثل حاملتي المروحيات من طراز «الميسترال» الفرنسية، اللتين تحملان اسمي «جمال عبد الناصر» و«أنور السادات». وبدا لافتاً في المقاطع التي بثها الجيش المصري حينها «ظهور عدد من سفن التنقيب عن الغاز في وسط المياه، وانتشار وحدات عسكرية حولها لتأمينها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.