أهل القمّــة (1981)عن الزمن وأهله وأخلاقيات بنيه
يسجل للمخرج علي بدرخان أنه حرص في السبعينات والثمانينات على أن تأتي أعماله جامعة ثلاثة عناصر يؤمن بها: الإجادة والأهمية والجماهيرية.
ينبثق العنصر الأول من السعي لتحقيق أعمال جيدة التنفيذ في كل مرافق العمل، ويتكون العنصر الثاني من أهمية المضمون الذي يتداوله الفيلم. أما الثالث فهو حسن إنتاج وتحقيق الفيلم الذي لا يخون رغبة الجمهور السائد بل يلبي الأسباب التي دفعتهم لمشاهدة الفيلم، بما في ذلك «كاستينغ» جيد التوضيب مع أسماء مشهود لها بالنجاح فيما تقوم بتجسيده من شخصيات.
لا يتخلى «أهل القمّـة» عن هذه المكوّنات بل يؤكد عليها مستفيداً من أن الفيلم مستوحى من إحدى روايات نجيب محفوظ ومحاطاً بعدد من وجوه السينما المصرية المحببة آنذاك ومنها سعاد حسني وعزت العلايلي ونور الشريف وعايدة رياض وعمر الحريري.
هو فيلم آخر عن مصر الثمانينات. عن المجتمع في عصر أطلق عليه اسم «عصر الانفتاح» الذي كان له تأثيره الإيجابي في مقابل تأثيره سلبياً على صعيد مقابل. فمن ناحية حفّـز رأسمال ليقوم بدوره من دون ضوابط اشتراكية، لكنه من ناحية أخرى ساهم في خلق طفرة من الناس التي تستثمر هذا الانفتاح في مجالات ممنوعة تنهش في المجتمع الذي تعيش على حساب حاجاته المختلفة. «أهل القمة» هو فيلم لنماذج متباينة المواقع تتحرك بدافع من مبادئها من دون أن يكون أحدها خالياً من الشوائب. يؤدي نور الشريف في دور النشال زعتر الذي يجد لعمر الحريري محفظته ويكافئه ذاك بوظيفة في شركته ثم سرعان ما يثق بقدراته فيطلقه في سماء التهريب الجمركي (ثاني فيلم يتحدث، في سنة 1981. عن التهريب في الجمارك من بعد «أمهات في المنفى» لمحمد راضي) فيصبح نشال الأمس ساعد رجل الأعمال الأيمن في تلك العمليات.
تتحسن أوضاع زعتر ويفتح لنفسه دكاناً يبيع فيه كل تلك الأدوات المهربة في الوقت الذي يقع فيه بحب سعاد حسني، الفتاة التي وصلت إلى سن السابعة والعشرين من دون أن تتزوج، وهي شقيقة عزت العلايلي ضابط البوليس الذي عرف نور نشالاً صغيراً، ولم يعرف عمر الحريري لصاً كبيراً (إلا في النهاية). حين يكتشف الضابط الحب الذي بدأ ينشأ بين شقيقته سهام وبين زعتر يدرك لأول مرّة الحركة اللولبية التي بات المجتمع يعيش في داخلها. يكتشف أن القانون لم يعد السُلطة التي تحكم مسار الحياة الاجتماعية وأن ما بذله في سنوات الخدمة لم يحقق له، في ظل التطوّرات الجارية، أي تقدّم نوعي في الحياة.
ما يلي هو تناول لحياة اليوم كما سببتها سياسة الانفتاح من وجهة نظر المؤلف (نجيب محفوظ) ووجهة نظر المخرج علي بدرخان الذي لم يكن يوماً بعيداً عن النقد الاجتماعي في أفلامه فهو صاحب فيلم «الكرنك» (1975) الذي انتقد فيه مرحلة ما بعد هزيمة حرب 1967. ذلك الفيلم أيضاً كان عن رواية نجيب محفوظ التي نشرت قبل سنة واحدة من إنتاج الفيلم ومع الممثلين سعاد حسني ونور الشريف في واجهة عريضة ضمت كذلك كمال الشناوي وفريد شوقي وتحية كاريوكا وعماد حمدي وعلي الشريف من بين آخرين.
على ذلك، نجد أن «أهل القمة» يمتنع عن أن يكون نقداً صريحاً كما حال «الكرنك». ربما هي الرقابة (ذاتية أو رسمية) وربما يكون موقفاً شخصياً للمخرج الذي لا يريد إدانة الأطراف سياسياً، بل يفضل الحكم عليها أخلاقياً.
مع ذلك، لا يغيب بدرخان مخرجاً فذاً للأحداث، ومديراً بارعاً لشخصياته. الجميع يبدو مختلفاً هنا عن معظم ما قام بتمثيله سابقاً. ربما «حركات» نور الشريف هي ذاتها، لكن براعته في أداء الدور المتأرجح بين العاطفة الصادقة والجنوح صوب المصلحة الذاتية لا تُنسى. أما عزت العلايلي فيلعب دوره كما لو لم يكن ممثلاً على الإطلاق. تحت إدارة علي بدرخان يتمتع الممثل عادة بعناية إضافية، وهذا ما يحدث هنا.
سنوات السينما
سنوات السينما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة