عشرات الضحايا في قصف مركز لاحتجاز المهاجرين بطرابلس

دعوات أوروبية وأفريقية للتحقيق... واتهامات متبادلة بين «الجيش الوطني» وحكومة السراج

مهاجرون أفارقة ناجون من القصف يتلقون العلاج في أحد مستشفيات طرابلس أمس (أ.ف.ب)
مهاجرون أفارقة ناجون من القصف يتلقون العلاج في أحد مستشفيات طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

عشرات الضحايا في قصف مركز لاحتجاز المهاجرين بطرابلس

مهاجرون أفارقة ناجون من القصف يتلقون العلاج في أحد مستشفيات طرابلس أمس (أ.ف.ب)
مهاجرون أفارقة ناجون من القصف يتلقون العلاج في أحد مستشفيات طرابلس أمس (أ.ف.ب)

سقط 46 قتيلاً وأكثر من 88 جريحاً، معظمهم أفارقة، في غارة جوية استهدفت في وقت مبكر من صباح أمس، مركزاً للمهاجرين غير الشرعيين في ضاحية تاجوراء، الواقعة على بُعد نحو 15 كيلومتراً شرقي وسط العاصمة الليبية طرابلس، وعلى أثر ذلك تبادل «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وحكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج المدعومة دولياً، الاتهامات حول المسؤولية، وسط مطالب أوروبية وأفريقية بالتحقيق في الحادث.
وقال محمود الطوير، مدير مكتب الإعلام والتوثيق بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بضاحية تاجوراء، لـ«الشرق الأوسط»، إن عدد القتلى يفوق 46 وأكثر من 88 جريحاً، لافتاً إلى أن من بين الضحايا المنتمين إلى جنسيات أفريقية مختلفة، عدداً من المصريين والمغاربة والتونسيين.
وحسب إحصائية أولية نقلها بيان لوزارة الداخلية بحكومة السراج، أمس، عن العقيد المبروك عبد الحفيظ، الناطق الرسمي باسمها ورئيس جهاز الهجرة غير الشرعية، فقد بلغ عدد القتلى 40 قتيلاً و35 جريحاً من المهاجرين غير الشرعيين داخل مركز الإيواء، الذي يضم 120 مهاجراً من أصل 610 مهاجرين، ينتمون إلى بلدان أفريقية مختلفة.
ووفقاً لما ذكره مسؤولو الصحة بحكومة السراج فقد قُتل نحو 40 مهاجراً، وأُصيب أكثر من 70 آخرين بجروح.
وفي بيان لمجلسها الرئاسي سارعت حكومة السراج للتنديد بأشد العبارات بـ«الجريمة البشعة»، التي قالت إن «الطيران التابع لحفتر» استهدف فيها مركز إيواء المهاجرين في تاجوراء، ما أدى إلى قتل وجرح العشرات. وأضاف البيان أنّ هذا «الهجوم الجبان يعتبر بمثابة جريمة قتل جماعي، وجريمة حرب تضاف لقائمة الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية التي يرتكبها حفتر»، معتبرا أنّ «هذا القصف الذي طال مركز الإيواء كان متعمّداً، ولم يكن بشكل عشوائي، بل كان باستهداف مباشر ودقيق».
كما طالبت حكومةُ السراج البعثةَ الأممية لدى ليبيا بـ«إدانة هذا العمل البربري الهمجي، وإرسال على الفور لجنة تقصّي حقائق لمعاينة الموقع، وتوثيق هذه العملية الإجرامية»، داعيةً «المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح وحازم من هذه الانتهاكات المستمرة، والعمل على إيقاف هذا العدوان فوراً».
من جانبه، أدان موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، «بشدة» هذا الحادث، ودعا في بيان له، أمس، إلى «تحقيق مستقل لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الرهيبة بحق مدنيين أبرياء».
بدوره، رأى الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك لفيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد، ومسؤولين آخرين أن هذا الهجوم «يشكّل دلالة إضافية على الكلفة البشرية الباهظة للصراع الدائر في ليبيا، ويسلط الضوء على هشاشة وضع المهاجرين العالقين في هذا البلد، والذين وجدوا أنفسهم أسرى دوامة العنف».
وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه ينضم إلى دعوة الأمم المتحدة إلى «وجوب إجراء تحقيق فوري في الهجوم وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة».
من جهتها، اعتبرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أن «هذا القصف يرقى بوضوح إلى مستوى جريمة حرب». داعيةً المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الجريمة و«تطبيق العقوبات الملائمة» على من قام بهذا الهجوم الدموي.
وفي إيطاليا اتهم ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي، أمس، «قوات الجيش الوطني بالمسؤولية عن هذا القصف»، ونقلت عنه وكالة «أكي» الإيطالية للأنباء قوله في مؤتمر صحافي، أمس، إن «المسؤولية تقع على عاتق المشير حفتر».
من جهته، عبّر مارتن ريونلدز، سفير بريطانيا لدى ليبيا، عن صدمته من خبر الهجوم على المركز، واعتبر في تغريدة له، أمس، أن التصعيد «سوف يزيد ببساطة في تدمير ليبيا».
وانضم مارتن إلى وزارة الخارجية الإيطالية في مطالبة كل الأطراف بـ«وقف الاقتتال والبدء في الحوار»، حيث دعا الطرفين إلى «الإغلاق الفوري لمراكز التوقيف القريبة من الجبهة، وإخراج جميع المدنيين، بمن فيهم المهاجرون، إلى أماكن آمنة».
في سياق ذلك، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن «قلقها العميق» إزاء المعلومات الواردة عن استهداف مركز تاجوراء لاحتجاز المهاجرين بغارات جوية، و«مقتل لاجئين ومهاجرين».
كما أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وفرنسا، أمس، الغارة الجوية التي تعرض لها مركز إيواء المهاجرين في بلدة تاجوراء. ولم تتبنّ أي جهة هذه الغارة التي وقعت بعد يوم واحد فقط من إعلان «الجيش الوطني» أنه سيبدأ توجيه ضربات جوية مكثفة إلى أهداف في طرابلس بعد «استنفاد كل الوسائل التقليدية» للحرب.
في المقابل، قال المركز الإعلامي لغرفة عمليات «الكرامة»، التابع للجيش الوطني، إنه عقب ما وصفها بالضربة الجوية الدقيقة لمخازن الذخيرة بمعسكر الضمان، قامت الميليشيات المسلحة بقصف مقر الهجرة غير الشرعية بالهاون.
واعتبر في بيان له أن القصف يستهدف كالعادة البحث عن ذريعة لصنع رأي عام، وقال مخاطباً الميليشيات: «الصور بالأقمار (الصناعية) ونوع التفجير وزاويته في انتظار إثبات جرائمكم».
ونفت الغرفة نفياً قاطعاً محاولة ترويج حكومة السراج لاستهداف سلاح الجو بالجيش الوطني لمركز إيواء المهاجرين، واتهمت في المقابل «ميليشيات وعصابات الإخوان باستغلالهم بكل الأساليب والوسائل في أعمال حربية، وإجبارهم على تعبئة مخازن السلاح، ووصلت حتى تجنيدهم مقابل أموال، وإجبارهم على القتال أو بامتيازات أخرى، واستغلالهم في الحرب كدروع بشرية».
ونفى مسؤول في «الجيش الوطني» أن تكون قواته استهدفت مركز الاحتجاز، وقال إن ميليشيات متحالفة مع حكومة السراج قصفت المركز، بعد أن نفّذ «الجيش الوطني» ضربة جوية دقيقة أصابت معسكراً.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».