جدل الهوية المذهبية يعود إلى الواجهة في العراق

TT

جدل الهوية المذهبية يعود إلى الواجهة في العراق

اضطر وزير الدفاع العراقي الجديد نجاح الشمري للظهور متكتفاً وهو يؤدي الصلاة وسط حشد من الناس من كلا المكونين الشيعي والسني، في دلالة على أنه ينتمي إلى المذهب السني.
وبصرف النظر عن حقيقة الانتماء المذهبي أو العرقي لمن يتولى منصباً؛ سواء كان كبيراً أم صغيراً في العراق، خصوصاً بعد عام 2003، فإن ذلك يعد جزءاً من المحاصصة أو التوازن للتخفيف من هول صدمة المفاجأة أو الاستحقاق الانتخابي. وكانت الحقيبتان الأمنيتان الأهم في الحكومة العراقية، وهما الدفاع والداخلية، تأخرتا 8 أشهر نتيجة لإشكالية مزدوجة تتمثل أولاً في هوية الوزير، والثانية لأي جهة أو كتلة ضمن المذهب أو المكون يجب أن تذهب الوزارة. ففي حال كان وزير الدفاع سنياً يفترض أن يكون وزير الداخلية شيعياً، والعكس بالعكس. وأحياناً يجري التمسك بالمنصب أولاً قبل الوزير، بمعنى أن الشيعة حتى الآن يتمسكون بالداخلية بدل الدفاع التي تذهب بالضرورة للمكون الثاني من حيث متوالية الأغلبية السكانية أو الأقلية في العراق.
وطوال الأشهر الماضية كان الصراع على منصب وزير الداخلية شيعياً - شيعياً، بينما الصراع على منصب وزير الدفاع كان سنياً - سنياً. ومع كثرة المرشحين من قبل الطرفين، فإن النتيجة التي انتهى بها حسم المنصبين لكي تسير عجلة الحكومة تمت بالتوافق.
ومن باب المفارقة؛ فإنه إذا كانت هوية وزير الداخلية المذهبية الفريق ياسين الياسري واضحة تماماً لأن لقبه «الياسري» يقطع أي شك بأي انتماء مذهبي آخر سوى الانتماء إلى المذهب الشيعي كون الوزير «سيد»، فإن هوية وزير الدفاع نجاح الشمري ملتبسة كون قبيلة شمر، وهي واحدة من كبرى القبائل العراقية، تنقسم إلى المذهبين السني والشيعي.
الصلاة التي ظهر فيها وزير الدفاع وهو يؤديها على المذهب السني لم تقنع رئيس «حزب الحل» جمال الكربولي فضلاً عن كثيرين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين أكدوا أن الوزير شيعي الأصل لكنه «تسنن لأغراض المنصب». الكربولي وفي تغريدة له على «تويتر» قال إن «العراقيين يعتزون بمذاهبهم ومعتقداتهم، وتغيير المعتقدات والمذاهب أمر وارد لأنه مرتبط بالقناعات». وأضاف الكربولي أنه «حين ينسلخ الرجل عن مذهبه بهدف الحصول على المنصب؛ فإن أول ما يفقده هو الاحترام». ومضى الكربولي قائلاً: «لن نثق برجل يغير جلده ويدعي الانتماء ويصادر منصباً هو من حق المكون السني».
لكن رئيس كتلة «تحالف القوى العراقية» السابق عضو هيئة المساءلة والعدالة صلاح الجبوري الذي ينتمي إلى محافظة ديالى التي ينتمي إليها وزير الدفاع الجديد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المعلومات التي أمتلكها عن الرجل أنه سني منذ البداية»، مبيناً: «إنني لا أعرف الرجل شخصياً، لكن طبقا لما نقله لي زملاء له في الكلية العسكرية فإنه كان سنياً منذ ذلك الوقت».
أما كاظم الشمري، رئيس كتلة «الوطنية» في البرلمان العراقي التي رشحت الوزير نجاح الشمري، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما يقوله البعض بشأن الهوية المذهبية للوزير إنما هو كلام مفلسين لا أكثر»، مؤكداً من جهته هوية الوزير السنية.
كما سألت «الشرق الأوسط» وزير التربية السابق والنائب الحالي في البرلمان الدكتور محمد إقبال الصيدلي، وهو سني من محافظة نينوى بشأن ما إذا كانت هوية الوزير المذهبية هي التي تحدد مكانته أو كفاءته، أو معايير أخرى، فأجاب: «في ظل غياب التوازن الوطني في هيكلية الدولة منذ سنوات نعتقد أن الجمع بين الأمرين ضرورة للنجاح لإنهاء هذا الملف ولضمان استقرار الدولة وبنيتها الحيوية». ويضيف الصيدلي أن «تمثيل جميع مكونات الشعب العراقي في المواقع يعطي شعوراً بالاطمئنان للجميع وفي الوقت نفسه هو تحميل المسؤولية التضامنية للجميع»، مشيراً إلى أن «الكفاءة ليست حكراً على مكون دون آخر؛ حيث إن معيار الكفاءة والمهنية يكون أكثر مصداقية لو طبق في إعادة تقييم من شغل المواقع التنفيذية في عموم الدولة منذ سنوات وليس فقط على من يتم اختيارهم حالياً».
أما الدكتور معتز محيي الدين، رئيس «المركز الجمهوري للدراسات السياسية والاستراتيجية»، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأميركيين هم أول من أسس الانتماء المذهبي في العراق بعد عام 2003 عندما وضعوا فقرة الانتماء المذهبي في استمارة التقديم للتعيين في القوات المسلحة».
وأضاف محيي الدين أن «الأميركيين وعلى عهد الحاكم المدني للعراق بول بريمر وخلال حكومة مجلس الحكم حيث كان العراق بلا سيادة، أصروا على ذلك، لكن مما يؤسف له أن هذا التأسيس الخاطئ لا يزال معمولاً به في الجيش حتى اليوم؛ بما في ذلك عند الترقية لرتبة أعلى؛ حيث يتم تأشير مذهب الضابط». ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت قصة تغيير المذهب سوف تؤثر على أداء الوزير، يقول محيي الدين إنه «بصرف النظر عما إذا كان الرجل قد غير مذهبه أم إن هذا ادعاء عليه من آخرين لهذا السبب أو ذاك، فإن هذا الجدل سيؤثر على مهمته داخل الجيش حيث سيكون التساؤل واضحاً: لماذا يغير مذهبه من أجل المنصب؟».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».