زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون

بعد 25 شهراً من دخوله قصر الإليزيه

زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون
TT

زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون

زلزالان سياسيان يعيدان رسم المشهد السياسي في فرنسا لصالح إيمانويل ماكرون

قبل 25 شهراً، وصل إيمانويل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية. وفي حينه، اعتبر المراقبون ما حدث «زلزالاً» سياسيا هز فرنسا، ذلك أن وزيراً سابقاً شاباً دون سن الأربعين من عمره، لا يدعمه حزب سياسي بل «حركة» حديثة العهد، تضم خليطاً من اليمين واليسار، نجح في تهميش الحزبين الرئيسيين في البلاد. لقد تمكّن ماكرون وحركته الوليدة يومذاك من إلحاق الهزيمة بحزب «الجمهوريون» - وريث الديغولية التاريخية - والحزب الاشتراكي اللذين تعاقبا على حكم فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة على يدي الجنرال شارل ديغول في العام 1958. ونشير إلى أن الحزب الأول أعطاها خمسة رؤساء هم ديغول وجورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك، والثاني أعطاها رئيسين هما فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند.
ولكن، ها هو الرئيس الجديد يعلن أنه لا ينتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار. ويقول بأن ما يريده حقيقة هو إجراء إصلاحات جذرية للمجتمع الفرنسي وإطلاق اقتصاده من عقاله، وهو ما عجز سابقوه إلى قصر الإليزيه عن القيام به... إما لقصور في الرؤية أو للتحجر الإيديولوجي أو، أخيراً، للخوف من النتائج والتداعيات.
ما وعد به إيمانويل ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية التي حملته إلى الإليزيه قبل سنتين سارع إلى وضعه موضع التنفيذ بعد فوزه المفاجئ بالرئاسة. إذ شكل حكومة مختلطة سياسيا، وأدخل «المجتمع المدني» إلى مجلس الوزراء وإلى «الجمعية الوطنية» (البرلمان) بالتساوي بين الجنسين، وراهن على عنصر الشباب.
ومن ثم، حصل على أكثرية برلمانية ساحقة، ولجأ خلال الأشهر الأولى من حكمه إلى المراسيم التي تعفيه من المرور بالدورة التشريعية التقليدية، وفرض أسلوب الحكم «العامودي» الذي يوفّره دستور «الجمهورية الخامسة» لرئيس الجمهورية وأبدى «سطوة» في إدارة شؤون البلاد.
وتوالت الإصلاحات التي وعد الرئيس الشاب بها الفرنسيين بسرعة عالية: قانون العمل، والشفافية، والرعاية الاجتماعية، والنقلة البيئوية، وإلغاء الضريبة على الثروة وإصلاح النظام الضريبي، والنظام التعليمي، والصحّة، والضريبة على الشركات الرقمية الكبرى، وقانون المحافظة على الأمن، واللامركزية الإدارية...
كل ذلك أعطى انطباعاً بأن الرئيس الجديد، الذي لا ينام إلا ساعات قليلة، لا يترك وزراءه ومستشاريه يرتاحون إلا لماماً، وأنه يتمتّع بدينامية وإرادة تميّزانه عن غيره من الطاقم السياسي.

البُعد الأوروبي
كما جاء ماكرون إلى السلطة حاملاً مشروعاً إصلاحيا على الصعيد الداخلي، كذلك تأبط مشروعاً إصلاحيا للاتحاد الأوروبي. وهو في ذلك لم يغشّ أحداً، بل أبرز قناعاته الأوروبية ورغبته في دفع «القارة القديمة» إلى مزيد من الاندماج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي حتى لا تبقى رهينة للخارج. وكان رهانه على التعاون مع ألمانيا، وهنا ربما دغدغ مخيلته حلم الاستفادة من تراجع شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب أزمات الهجرة وأيضاً انشغال بريطانيا بالخروج من الاتحاد، ليفرض نفسه زعيماً أوروبياً... ومحاوراً ندّاً لقادة القوى العظمى الثلاث الولايات المتحدة والصين وروسيا. ولعله نجح في ذلك إلى حد بعيد.
بيد أن الأهم من ذلك كله - على الصعيد الداخلي - أن ماكرون، بوصوله إلى الرئاسة، همّش بالطبع الحزبين الرئيسيين... بل إنه أصاب من الحزب الاشتراكي مقتلا.
هذا الرئيس كان قد جاء إلى السياسة بفضل الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي عيّنه بداية مستشاراً اقتصاديا، ثم مساعدا لأمين عام الرئاسة... فوزيرا للاقتصاد، لكنه - أي ماكرون - لم يتردّد في الترشح ضد «معلّمه» وتهميش حزبه الذي كان يسيطر على الرئاسة والبرلمان ومفاصل الإدارة جميعاً.

انهيار الحزب الاشتراكي
حقاً، حضور الحزب الاشتراكي، بعد خمس سنوات من رئاسة هولاند، تقلّص إلى درجة أن مرشحه الرسمي للرئاسة بونوا هامون حل في المرتبة الخامسة في انتخابات الرئاسة حاصلاً على نسبة 6.36 في المائة من الأصوات. ورغم الجهود التي بذلها «كوادر» الحزب لإنعاشه وتنشيطه فإنه بقي رميماً... والدليل على ذلك أنه في الانتخابات الأوروبية الأخيرة حلّ في المرتبة السادسة ولم يحصل إلا على نسبة 6 في المائة من الأصوات. وخلاصة المحللين السياسيين أن الاشتراكيين دخلوا مرحلة «الموت السريري» وما عاد أحد يحسب لهم حساباً. وبين مَن التحق بحزب ماكرون الناشئ الوسطي «الجمهورية إلى الأمام» أو بحركة جان لوك ميلونشون «فرنسا المتمرّدة» اليسارية ومَن ترك السياسة، سيكون من الصعوبة بمكان على هذا الحزب التاريخي العودة إلى الصف الأمامي في المستقبل المنظور.
كان وأد الحزب الاشتراكي أحد معالم الزلزال السياسي الأول الذي تسبب به بروز ماكرون على المسرح السياسي وانتخابه رئيسا. وكانت ارتداداته تُنبئ عن قرب حصول زلزال جديد يقضي على الإرث السابق ويؤسّس لمسرح سياسي مختلف تماماً عمّا ألفه الفرنسيون خلال السنوات الـ60 المنقضية. ولعل أبرز ظاهرة تنم عن ذلك أن اليمين المتطرّف ممثلاً بمرشحته مارين لوبن، ابنة مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي جان ماري لو بن، كانت منافسة ماكرون في الدورة الانتخابية الثانية الحاسمة من معركة الرئاسة. وهو ما أسس لـ«ثنائية» صورتها على الشكل التالي: قوتان سياسيتان رئيسيتان، في الجانب الأول قوة وسطية تجمع اليمين واليسار، ليبرالية، أوروبية وإصلاحية. وفي الجانب الآخر، قوة من اليمين المتطرّف الرافض للاندماج الأوروبي والساعي إلى استقطاب اليمين الكلاسيكي سياسيين وحزبيين والملتزم بأقصى المواقف إزاء الهجرات والإسلام.

اليمين المعتدل
و«السترات الصفراء»
إرهاصات هذه الصورة بدأت، في الواقع، بالظهور مع الانتخابات الرئاسية. إلا أن اليمين الكلاسيكي - أو المعتدل - ممثلاً بـ«الجمهوريون» لم يكن قد اندثر بعد على غرار الحزب الاشتراكي، منافسه السابق. ذلك أن فرنسوا فيّون، مرشحه الرئاسي ورئيس الوزراء الأسبق، رغم صعوباته وفضائحه، كان على مسافة نقطة واحدة من مارين لو بن جامعاً ما يزيد على 20 في المائة من الأصوات. وإذا كان صحيحاً أن مجموعة من نوابه التحقت بماكرون وأن الأخير اختار رئيس حكومته (إدوار فيليب) وعدداً من أبرز وزرائه (الاقتصاد والمالية...) من صفوفه لشقّها ولإضعافه، إلا أن نواة صلبة بقيت متمسّكة به. ولقد عمل رئيس الحزب الجديد، لوران فوكييه، الذي نُظر إليه على أنه «الرجل المنقذ» على إعادة إحياء شعلة الحزب ومنع النزيف الذي يعاني منه معوّلاً على الصعوبات التي يواجهها ماكرون وعلى تضعضع أكثريته.
وبالفعل، كثيرون نظروا إلى الحركة الاحتجاجية المُسمّاة «السترات الصفراء» على أنها «نقمة» لماكرون و«نعمة» لمعارضيه، وعلى رأسهم حزب «الجمهوريون» الذي عوّل عليها للاستفادة من الضعف السياسي الذي ألمّ بالسلطات وبماكرون شخصياً، وراهن على استغلالها من أجل إعادة شد عصب مناصريه.
والحقيقة أن الأشهر الستّة التي شهدت أعمال عنف استثنائية في العاصمة باريس والعديد من المدن الفرنسية، سبتاً بعد سبت وتعبئة وراء تعبئة، نسفت هيبة الرئيس الفرنسي وكادت أن تطيح به وبحكومته.
إلا أنه نجح، من خلال «التنازلات» التي قدّمها للمحتجين، ومن خلال ابتداعه ما سمّاه «الحوار الوطني الكبير» للتعرّف على ما يريده المواطنون... وأخيرا من خلال الخلاصات والإصلاحات التي قرّرها وطلب من الحكومة وضعها موضع التنفيذ، في أن يحد من خسائره السياسية ويطفئ جذوة الحركة التي تلاشت من ذاتها، مع أن بضعة آلاف من المتظاهرين ما زالوا ينزلون إلى الشوارع للتذكير بوجودهم كل يوم سبت.

امتحان الانتخابات الأوروبية
كان السواد الأعظم من المراقبين في فرنسا ينتظر الانتخابات الأوروبية لتبيان ميزان القوى السياسي الحقيقي في البلاد، وليرى ما إذا كان ماكرون سيقع أرضاً، وإذا كانت الانتخابات الأوروبية ستشكّل نتائجها معاقبة له وللسياسات التي اتّبعها خلال أكثر من سنتين... والتي وصفت بأنها كانت لحساب الأثرياء ورجال الأعمال والشركات وعلى حساب الطبقتين الوسطى والشعبية.
وخلال الأشهر الستة المنقضية كانت هذه المعالم القضايا الرئيسية التي رفع المتظاهرون لواءها مطالبين بسياسة مختلفة تقدّم العمل على رأس المال وعلى أصحاب الأسهم في الشركات. وما أثار شهية الأحزاب أن ماكرون جعل من الانتخابات الأوروبية «معياراً» ليس فقط داخلياً، وإنما أيضا أوروبياً، لأنه نصّب نفسه «مدافعاً» عن أوروبا وممثّلاً لمعسكر «التقدميين» في مواجهة «غلاة القومية». والخلاصة أن الأحزاب التقليدية، التي أصيبت بكبوة في الانتخابات الرئاسية، كانت تعوّل على الانتخابات الأوروبية للنهوض من كبوتها ولتوفير انطلاقة جديدة.
غير أن نتائج الانتخابات الأوروبية جاءت مخيبة لآمال هؤلاء.
صحيح أن حزب الرئيس الفرنسي «الجمهورية إلى الأمام» لم يحلّ في المرتبة الأولى، إلا أنه لم يُصبْ بنكسة... لا بل اعتبر ماكرون أن نتائج لائحة حزبه، التي أسندت قيادتها إلى وزيرة الشؤون الأوروبية السابقة ناتالي لوازو، حققت «نتائج مشرّفة». وبالأرقام، فإنها حصلت على نسبة 22.41 في المائة في حين حلت لائحة «التجمع الوطني» لليمين المتطرّف في المرتبة الأولى بحصولها على 23.31 في المائة.

ثلاث علامات فارقة
ثلاث علامات فارقة يتعين التوقّف عندها، والتي تبين اليوم صورة المشهد السياسي الفرنسي وما يحبل به من إرهاصات وتحوّلات للمستقبل.
تبين العلامة الأولى أن الخارطة السياسية الفرنسية التقليدية قد اندثرت إلى غير رجعة. وبعد الزلزال السياسي الأول الذي أطاح بالحزب الاشتراكي وهزّ أركان اليمين الكلاسيكي، جاء الزلزال الثاني ليبيّن أن اليمين الوسطي قد يكون أيضاً في طريق الانحدار... وربما الزوال. والدليل على ذلك أن لائحته في الانتخابات الأوروبية حلت في المرتبة الرابعة ولم تحصل إلا على 8.48 في المائة من الأصوات، أي أقل من نصف ما حصل عليه فيون في الدورة الرئاسية الأولى. والتفسير السياسي لهذا النزيف أن ناخبي اليمين الكلاسيكي قد هجروه، وانتقل المعتدلون منهم إلى الحزب الرئاسي بينما شدّ المتشددون رحالهم باتجاه حزب مارين لو بن. وهذه النتيجة بدأت تظهر آثارها لجهة التحضير للانتخابات البلدية المقرّر أن تجرى في العام المقبل. وليس أدلّ على ذلك أن رؤساء بلديات من حزب «الجمهوريون» حملوا حقائبهم ونزحوا باتجاه حزب «الجمهورية إلى الأمام» الماكروني متخوفين من زلزال ثالث يطيح بهم وبمناصبهم التي اعتادوا عليها منذ سنوات. وأخيراً، وقّع 60 رئيس بلدية بياناً يفسرون فيه الأسباب التي دعتهم إلى هجر حزبهم واختيار حزب آخر.
وتبيّن العلامة الثانية في صيغتها الحالية، والمؤهلة لأن تدوم لسنوات، وجود «ثنائية» حزبية قوامها من جهة الحزب الرئاسي ومن جهة ثانية اليميني المتطرّف حزب «التجمع الوطني» بقيادة لو بن. وثمة من يقول إن هذه الصيغة تلائم ماكرون تماماً، فهو بعدما «فجّر» الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية، ها هو اليوم يقضي على منافسه الأخطر أي حزب «الجمهوريون»... وبذا يكون قد أحلّ ثنائية جديدة محل الثنائية القطبية التقليدية. وعندما يقال إن الصيغة الجديدة تلائم ماكرون، فإن المقصود بذلك أنها تخدم طموحاته الرئاسية.
ألم يقل ماكرون في أكثر من مقابلة صحافية بأن انتخابه رئيساً في فرنسا «وضع حداً» لتقدم اليمين المتطرف في أوروبا؟ وبالتالي، فإنه من المشروع اعتبار أنه يرى لنفسه «رسالة» عليه أن ينفذ مضمونها، ألا وهو الوقوف بوجه اليمين المتطرف في بلاده أولاً... وعلى المستوى الأوروبي ثانياً.

الفرنسيون أمام خيار: ماكرون أو لوبن
> يجمع المحللون السياسيون اليوم على أن خصم الرئيس إيمانويل ماكرون المرجح جدا في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستحل في العام 2022 ستكون زعيمة اليمين المتطرف مارين لو بن. ذلك أن المشهد السياسي يظهر أن الحزبين «الكلاسيكيين» (الديغولي والاشتراكي) لن يعودا إلى سابق عهدهما إلا بعد مرور سنوات طويلة وربما بحلة جديدة.
فضلا عن ذلك، فإن الخطر الذي كان يمثله جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا المتمرّدة» اليساري المتشدد الذي حصل على نحو 20 في المائة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونجح في الوصول مع مجموعة من نوابه إلى الندوة البرلمانية، تراجع وهجه خلال الأشهر الماضية. فهو من جهة، لم يستطع أن يفرض نفسه «معارضاً أول» للرئيس الحالي، كما كان يطمح لذلك. ويضاف إلى ما سبق وجود نزاعات إيديولوجية وسياسية داخل الحركة التي نجحت في وقت ما بتهميش الحزب الشيوعي والحركات اليسارية الأكثر تطرفاً. بيد أن الانتخابات الأوروبية الأخيرة كشفت عن تراجعها ونزولها دون حاجز الـ10 في المائة. ولاكتمال الصورة من المفيد الإشارة إلى أن ميلونشون يعاني - وحزبه - من مشاكل مع القضاء، الأمر الذي شوّه صورته لدى الرأي العام وعرقل صعوده السياسي.
هكذا، لم يبقَ في ميدان التنافس مع ماكرون - كما تشي بذلك صورة الوضع السياسي الفرنسي - سوى مارين لو بن. والحقيقة أن الرئيس الحالي فعل كل ما كان في مقدوره كي تغدو الأمور على هذه الصورة. لقد أوجد بينه وبين لو بن الفراغ. وهذا الوضع يُريحه رغم أن حزب مارين لو بن احتل المرتبة الأولى في الانتخابات الأوروبية.
ويرى المحللون أن هذه «الثنائية» سيكون لها أثرها على التموضعات السياسية في غضون الأشهر المقبلة، ولذا نرى أن شخصيات من اليمين والوسط تلتحق بالركب الماكروني كونها راغبة في الحفاظ على مواقعها. وفي المقابل، ثمة من يجد أن لديه قرابة فكرية محافظة أو إيديولوجية يمينية مع حزب لو بن الذي يرى البعض أن صورته ما عادت تتطابق تماماً مع صورة الحزب النازي الفاشي. والقصد أن «التجمع الوطني» بات – كما يعتقد هؤلاء اليوم – حزباً يمينياً «عاديا» ولم يعد من المخجل في فرنسا ادعاء الانتماء إليه. لكن رغم ذلك كله، فإن الرأي السائد أن فرنسا ما زالت غير متقبلة لفكرة إيصال ابنة جان ماري لو بن إلى رئاسة الجمهورية. ومن ثم، في الدورة الثانية من أي منافسة رئاسية، سيميل الميزان لصالح منافس لو بن، أي إيمانويل ماكرون الذي عادت شعبيته إلى الارتفاع - خصوصاً لدى اليمين – بعدما صارت أزمة «السترات الصفراء» وراءه... وعاد ليطل على أوروبا وليلعب دورا على المستوى العالمي كما - على سبيل المثال - في أزمة الملف النووي الإيراني.
هل هذا السيناريو مؤكد؟
واضح أن لا شيء في السياسة نهائي، وأن حادثة ما أو قراراً خاطئاً من شأنهما تغيير المزاج الشعبي وإعادة خلط الأوراق. لكن إذا استمر ماكرون على سياسته، وعمد حقيقة إلى العمل ببرنامج الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والضريبية الذي وعد به بمناسبة استخلاص النتائج من «الحوار الوطني»، الذي دام شهرين ونصف، فإنه يتمتع بحظوظ كبيرة بأن يبقى في قصر الإليزيه حتى العام 2027.
الوضع الاقتصادي في فرنسا تحسّن، والبطالة بدأت بالتراجع والاستثمارات الخارجية تتدفق من جديد، وكلها عناصر تجير لصالحه.
أيضاً في أوروبا، ما زال ماكرون الرئيس الأكثر دينامية، رغم العداء الذي يثيره في إيطاليا والمجر وتشيكيا وغيرها. وبينما المستشارة الألمانية تتأهب لترك المسرح السياسي، ويبدو البريطانيون عاجزين عن الاتفاق على خطة للخروج من الاتحاد، عاد نجم الرئيس الفرنسي إلى اللمعان في السماء الأوروبية... وها هو يسعى لفرض شروطه بالنسبة لاختيار المسؤولين الكبار الخمسة (رئيس المجلس الأوروبي، ومدير المصرف المركزي الأوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية...)، والتخلي عن القواعد التي كان معمولا بها سابقاً... بحيث تأتي التعيينات الجديدة متناسبة مع رؤيته ومشاريعه الأوروبية.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.