إحالة قاضيين جديدين في لبنان إلى المجلس التأديبي

TT

إحالة قاضيين جديدين في لبنان إلى المجلس التأديبي

أحالت هيئة التفتيش القضائي في لبنان، قاضيين جديدين إلى المجلس التأديبي، بعد تحقيقات أجرتها معهما طيلة الشهرين الماضيين، على خلفية حملة مكافحة الفساد داخل الجسم القضائي، وأوصت وزير العدل ألبرت سرحان بوقفهما عن العمل، ليصل عدد القضاة المحالين للتأديب إلى 7 حتى الآن.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن القاضيين الجديدين «أحدهما يشغل مركزاً حساساً في بيروت، والثاني في موقع مهم بقصر العدل في زحلة (البقاع)». وأشارت إلى أن «هيئة التفتيش القضائي أنهت تحقيقاتها مع القاضيين المذكورين، وأحالتهما إلى المجلس التأديبي، وأوصت وزير العدل بإصدار قرار يقضي بوقفهما عن العمل». ولفتت إلى أن «إحالة القاضيين جاءت بعد شبهات حولهما باستغلال مركزهما القضائي وصرف نفوذ، من خلال علاقتهما بسماسرة، والتأثير في مسار ملفات قضائية».
«هذه الإجراءات لا تشكّل إحراجاً للسلطة القضائية ولا تنعكس سلباً على أدائها وسمعتها»؛ على حدّ تعبير مصدر قضائي بارز أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الملاحقات التي تشمل قضاة تأتي في سياق التنقية الذاتية، ومعالجة الشوائب الموجودة في الجسم القضائي، وهي محدودة مقارنة مع السواد الأعظم من القضاة، الذين يعملون بنزاهة وشفافية وحيادية، ويحكمون باسم الشعب اللبناني»، رافضاً مقولة «الفساد القضائي» لأن ذلك يشوّه صورة القضاء وسمعته.
وكان وزير العدل ألبرت سرحان أوقف خلال الأشهر الماضية 5 قضاة عن العمل، بناء على توصية هيئة التفتيش القضائي، وهؤلاء ممنوعة عليهم مزاولة العمل إلى حين صدور القرار عن المجلس التأديبي، لأن الأخير غير ملزم بمهلة معينة لإصدار قراراته. وتوقّع المصدر القضائي أن «ينتهي قريباً المجلس التأديبي من تحقيقاته مع القضاة الخمسة المحالين إليه سابقاً، ويصدر القرارات المناسبة بشأن كلّ منهم على حدة، وهذه القرارات ستكون بين حدّين لا ثالث لهما: إما إعلان براءة القاضي وإعادته إلى العمل، وإما إدانته، وهذه الإدانة تتراوح بين التأنيب، وخفض الدرجة، وصولاً إلى فصله من العمل».
وأكد المصدر القضائي أن «خطة معالجة الشوائب وتنقية القضاء تسير على خطين: الأول يكون بملاحقة قانونية عبر إحالة قضاة إلى التأديب، شرط أن يكونوا ارتكبوا مخالفات شائنة. والثاني مسلكي ستظهر بوادره في التشكيلات والمناقلات المنتظر أن تحصل نهاية الصيف الحالي، إذ ينتظر نقل قضاة من مراكز جرى تعيينهم فيها قبل سنتين، وتصحيح الخلل الذي اعترى التشكيلات الأخيرة بحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب». في وقت رأى فيه مرجع قانوني أن «التشكيلات الأخيرة تحكمت فيها المحسوبيات والتبعية السياسية لهذا الزعيم أو ذاك، فجاءت نتائجها كارثية على صعيد الأداء والإنتاجية»، مشيراً إلى أن «بعض القضاة أحرجوا مرجعياتهم السياسية، ولذلك تمّ رفع الغطاء عنهم سواء عبر الملاحقات، أو الموافقة على نقلهم من مراكزهم في التشكيلات المقبلة».
وفي هذا الإطار، أمرت النيابة العامة في البقاع بتوقيف مساعد قضائي بقصر العدل في زحلة، بتهمة «تقاضي رشى مالية من أحد الموقوفين». وجاء توقيف الموظف بعدما استجوبته المحامية العامة الاستئنافية في البقاع ناديا عقل، وادعت عليه بجرم قبض رشى مالية بما يتنافى مع واجباته الوظيفية، وأحالته إلى قاضي التحقيق لاستجوابه، في وقت قررت فيه «ترك» 4 موظفين آخرين بسندات إقامة.
من جهة ثانية، توقف مجلس القضاء الأعلى، في بيان، عند التهجم والتعرض لشخص النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان (القاضية غادة عون) على خلفية الإشكال الذي وقع بينها وبين عدد من المحامين، إثر قرار أصدرته بتوقيف محاميين اثنين. وأشار مجلس القضاء في بيانه إلى أن التهجّم على القاضية «لا يبرره أي تذرع بالحصانات (التي يتمتّع بها المحامون)، فيما وسائل الاعتراض لها أصولها، وهو يدين بأقصى العبارات هذا التصرف». وقال إن «المجلس، ونظراً للإساءة التي أصابت القضاء اللبناني بمجمله من خلال هذا التصرف، طلب من مجلس نقابة المحامين في بيروت، اتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها أن تساهم في منع تكرار مثل هذا الأمر.
وأخذ علماً بأنّ مجلس النقابة وضع يده على الموضوع فور وقوع الحادث، كما طلب من النائب العام لدى محكمة التمييز بالإنابة فتح تحقيق فيما حصل».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.