«داعش» يراوغ بأكاذيب التمدد

أعلن «ولاية الهند» ويراهن على «خلايا طاجيكستان»

عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند  بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
TT

«داعش» يراوغ بأكاذيب التمدد

عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند  بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)

هل تكون الهند وطاجيكستان واجهتا تنظيم «داعش» المقبلتين بعد هزائم سوريا والعراق؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان عقب تلميحات أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، إلى تأسيس «ولايات جديدة»، خلال التسجيل المصور الذي ظهر فيه نهاية أبريل (نيسان) الماضي بعد اختفاء 5 سنوات. المساعي «الداعشية» الجديدة تأتي في إطار محاولات التنظيم إثبات قدرته على التمدد في مناطق بعيدة عن التي ظهر فيها وحاول تطبيق مشروع «الدولة المزعومة» بها وفشل، بعد أن تعرض لضربات عسكرية قوية وخسائر مادية وبشرية.
متخصصون في الحركات الإسلامية قالوا إن «داعش» يحاول أن يلفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وإثبات أنه ما زال موجوداً ويتوسع. مؤكدين أن «داعش» تحول إلى «خلايا نائمة» وهذا يُمثل بُعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، وسط مخاوف من عمليات كبرى في الهند أو طاجيكستان أو المناطق القريبة منهما.
ويرى مراقبون أن «داعش» يُحاول أن يبدأ من جديد حيث بداياته الأولى، فالتنظيم يمتلك خبرة استراتيجية سواء في الانكفاء والانزواء على النفس، أو العودة من جديد بعد الخفوت.

ظهور البغدادي
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم في مايو (أيار) الماضي، تأسيس ولاية جديدة في الهند. وذكرت دراسة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أن «إعلان التنظيم عن تأسيس ولايته الجديدة في الهند، جاء بعد نحو شهرين من التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الغربيين بشأن القضاء عليه بنسبة كبيرة، وبعد الظهور الأخير للبغدادي، والذي تزامن مع حلول الذكرى الخامسة لتأسيس التنظيم ذاته، وهو ما يكشف أن التنظيم كان يسعى عبر ذلك إلى توجيه رسالة مفادها أن المشروع الذي سعى إلى تطبيقه لم يسقط بعد، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها».
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، إن «(داعش) يحاول لفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة له، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وتأكيد أنه ما زال موجوداً ويهدد ويتوسع، فالتنظيم لم يُنفذ إلا 3 أو 4 عمليات في الهند على مدى السنوات الماضية، وهي عمليات لا تُذكر، ولا يستطيع القول إنه حقق في الهند أي نجاحات سابقة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «التنظيم يحاول أن يُعلن عن (ولاية الهند) عقب الفشل الكبير الذي مُني به في العراق وسوريا، والضربات التي تلقاها في ليبيا، وارتفاع الصراع الوجودي بينه وبين (القاعدة)، خصوصاً أن (القاعدة) كان له عمليات في الهند منذ أحداث أفغانستان ثم البوسنة والهرسك».
ولفت عبد المنعم إلى أن «بعض عناصر (القاعدة) لجأوا إلى آسيا الوسطى والقوقاز من قبل، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استقلت هذه الدول وورثت الصراعات المذهبية والسياسية، ويسعى التنظيم إلى استغلال التوترات التي تتسم بطابع ديني أو عرقي لتعزيز قدرته لتحقيق أهدافه».
ويشار إلى أن فقدان «القاعدة» النفوذ في الهند، اعتبره «داعش» فرصة للتمدد في المناطق التي سبق أن سعى تنظيم «القاعدة» إلى الظهور فيها.

بؤر جديدة
وعن أهداف «داعش» من إعلان عن «ولاية الهند». أرجعتها دراسة مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» إلى محاولة التنظيم الهروب إلى الأمام، إذ يبدو أن قادة «داعش» باتوا يدركون أن الحفاظ على هيكل التنظيم في كل من العراق وسوريا بات صعباً بدرجة كبيرة، خصوصاً بعد سقوط الباغوز التي مثّلت نهاية للمشروع الذي تبناه وحاول تطبيقه على الأرض، وهو ما دفعهم إلى البحث عن بؤر جديدة يُمكن من خلالها ليس فقط الحفاظ على هذا المشروع، إنما أيضاً تمكين العناصر الهاربة من البؤر «الداعشية» المحاصرة من الانتقال إليها. ورغم اهتمام «داعش» بمحاولات تعزيز نفوذه في القارة الأفريقية فإنه يواجه عقبات في مقدمتها النفوذ الذي يحظى به «القاعدة»، الذي تمكن من توجيه ضربات قوية إلى بعض المجموعات «الداعشية» في مناطق نفوذها، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما دفع قادة «داعش» إلى البحث عن مناطق جديدة يُمكن أن يحققوا من خلالها هذا الهدف. بالإضافة إلى أن التنظيم ما زال حريصاً على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، حيث يستخدم آليات مختلفة في هذا السياق، يتمثل أبرزها في الإعلان عن تأسيس «ولايات خارجية» تابعة له، أو مبايعة مجموعات إرهابية مختلفة قريبة من توجهاته.
لكن الدراسة ذكرت أن الفرع الجديد في الهند ربما لن يتمكن بسهولة من ممارسة الدور نفسه الذي سبق أن مارسه بعض المجموعات الإرهابية التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش»، خصوصاً أن تلك الخطوة الأخيرة جاءت في سياق محاولات التنظيم مواجهة انحسار نشاطه ورفع معنويات كوادره وعناصره.

تداعيات الانحسار
في غضون ذلك، يسعى «داعش» أيضاً إلى طاجيكستان في إطار التمدد في آسيا الوسطى، كونها تمثل أهمية كبيرة بالنسبة إليه، إذ يرى أن هذا التمدد يمكن أن يساعده في احتواء تداعيات الانحسار والتراجع الذي يعاني منه في العراق وسوريا.
وأكد المراقبون أن التنظيم سعى عبر الخلايا التي قام بتكوينها داخل طاجيكستان إلى تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، حيث وجه القضاء الطاجيكي في بداية مايو (أيار) 2016 اتهاماً إلى اثنين من عناصر التنظيم بمحاولة استهداف الرئيس إمام علي رحمانوف عام 2015.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن «داعش» تبنيه قتل أربعة من راكبي الدراجات الغربيين دهستهم سيارة في طاجيكستان... وقتل «داعش» في مايو الماضي، ثلاثة من حراس سجن مدينة فاخدات، و29 نزيلاً في السجن شديد الحراسة.
وعن حرص «داعش» على تعزيز نفوذه داخل طاجيكستان. قالت دراسة مركز «المستقبل» في هذا الصدد إن «روسيا تمثل إحدى القوى الدولية التي تحاول الخلايا التابعة لـ(داعش) استهداف مصالحها، خصوصاً في ظل الدور الذي تقوم به في سوريا، حيث رفعت مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر (أيلول) 2015 على نحو أسهم بشكل كبير في تغيير توازنات القوى لصالح النظام السوري، فضلاً عن أنها مثّلت ظهيراً دولياً حال دون صدور قرارات إدانة ضده من مجلس الأمن».
من جانبه، قال خالد الزعفراني، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيم تحول إلى (خلايا نائمة) الفترة الماضية، وهذا يمثل بعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، حيث الانتشار في شكل أفراد أو مجموعات صغيرة، والاندماج وسط المجتمعات المحلية في الهند وطاجيكستان، وفي المناطق الصحراوية التي لدى التنظيم خبرة الاختفاء فيها».

صراعات مذهبية
بينما أكد عبد المنعم أن «(داعش) أسهل له أن يعلن عن تأسيس ولاية هنا أو هناك، فهو يعمل في المساحات الفارغة أو الضيقة في المحيط الدولي الواسع، فهو يتحرك بقوة في أفريقيا، وفي طاجيكستان مستغلاً الخلاف السني والشيعي، لأن طاجيكستان وريث صراع 3 قوى (الشيوعية، والقوى السنية المتمثلة في تركيا، والشيعية المتمثلة في إيران)، فالصراع كبير في طاجيكستان، ويحاول التنظيم أن يدخل في هذه المساحات ويلعب عليها، فهو يدّعي تحركه ضد الرافضة، ثم يدّعي تحركه ضد الشيوعية، ومرة ثالثة يدّعي تحركه ضد القوى العلمانية، وهذا كله وفقاً لما يخدم مصالحه». وأشارت تقارير روسية في فبراير (شباط) الماضي، وفقاً للدراسة، إلى أن ثمة مخاوف عديدة تنتاب موسكو من احتمالات عودة مقاتلي «داعش» إلى دولهم الأصلية في آسيا الوسطى من أجل توجيه ضربات ضد مصالحها، خصوصاً في طاجيكستان، إذ تمكن «داعش» من تأسيس خلايا عديدة تابعة له داخل أفغانستان، التي يسعى عبرها إلى مهاجمة مصالح بعض القوى الدولية والمحلية، فضلاً عن استهداف التنظيمات الإرهابية المنافسة. وذكرت التقارير نفسها أن تنظيم «داعش» يحاول الاستعانة بخلاياه الموجودة في طاجيكستان في العمليات التي يقوم بتنفيذها داخل أفغانستان، لدرجة أن عدد الطاجيك داخل ما تسمى «ولاية خراسان» زاد بشكل ملحوظ في الفترة الماضية، بالإضافة إلى استغلال السجون في تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى التحذير من المخاطر التي يفرضها الجمع بين عناصر «داعش» والسجناء في قضايا أخرى داخل السجون الطاجيكية.
في هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم: «لا نستطيع أن نغفل أنه عندما يعلن (داعش) عن ولاية جديدة سواء في الهند أو طاجيكستان، أن تتبعها عملية كبرى سواء في هاتين الدولتين أو في منطقة قريبة منهما... وهو بذلك يريد أن يُغطي على عملية كبرى قد تحدث في آسيا الوسطى».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.