عُمان الماضي تعانق عُمان الحاضر بجمال روحها وطبيعتها

ما بين كهوف وصحارٍ وجبال وقلاع

مراكب تقليدية في مسقط
مراكب تقليدية في مسقط
TT

عُمان الماضي تعانق عُمان الحاضر بجمال روحها وطبيعتها

مراكب تقليدية في مسقط
مراكب تقليدية في مسقط

مقال جميل نشرته صحيفة بريطانية منذ فترة بعنوان: «Oh Man» تُعبر فيه كاتبته عن دهشتها لكمية الجمال الذي التقطته عيناها وخزنته ذاكرتها، أثناء زيارتها لسلطنة عُمان. تغنت بثقافتها وحسن ضيافتها، وكل ما يشكل شخصيتها من تراث غني نابض بالحياة، وقيم عربية أصيلة، وشعور قوي بالهوية، وتمسك بمفاخر الماضي، والسحر الخاص في البنايات واطئة الارتفاع، التي لا تتطاول كثيراً عن الأرض، وكأنها لا تريد أن تتعب عين الناظر، وأشياء أخرى كثيرة كانت من بين ما ذكرته في مقالها. وهي لم تبالغ؛ لأن كل من زار السلطنة رجع بالانطباع نفسه. فهي غنية بتاريخها، جميلة بطبيعتها. جمال يتجلى في صحاريها الشاسعة وجبالها وسواحلها البكر، فضلاً عن مساجدها الأليفة، وقلاعها الحصينة، ومحمياتها الطبيعية، وأسواقها الشعبية الضاجة بالحياة.
لكن السلطنة لم تبقَ سجينة التاريخ والماضي؛ بل تقدم أطباقاً دسمة من الأنشطة التي تخاطب كل الأذواق، وتجعلها واحة لمحبي الهدوء، ومكسباً لهواة المغامرات، مثل السباحة، والقفز بالمظلات، وتسلق الجبال، والغوص في المياه العميقة، والصيد، وغيرها.
تقع سلطنة عُمان في الربع الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وتطل على ثلاثة بحار، هي بحر العرب وبحر عُمان والخليج العربي. وكانت السلطنة في أواخر القرن الخامس عشر إمبراطورية قوية، تتنافس مع الدول الكبرى على النفوذ والقوة، بينما تعد العاصمة مسقط من الموانئ الرئيسية في المنطقة، ومن بين أهم الموانئ التجارية على المحيط الهندي.
ورغم الخلط في القراءة الذي يحدث أحياناً بين عَمَّان عاصمة الأردن، وعُمَان السلطنة؛ خصوصاً عندما يغفلون وضع الضمة على العين، فإن هذا الاسم موغل في القدم. وهنالك كثير من الكتابات السومرية التي تشير إلى عُمان؛ حيث كانت ثمة روابط وصلات تجارية مع بلاد الرافدين. وعُرفت هذه المنطقة التاريخية باسم جبل النحاس أيضاً، وإن اختلفت الآراء في أصل تسمية عُمان. فالبعض يرجعه إلى قبيلة عُمان القحطانية، والبعض يأخذه من معنى الاستقرار والإقامة، حيث يقول ابن الإعرابي: العمن أي المقيمون في مكان، ويقال: أعمن الرجل أي دام على المقام.
9 أماكن لا تفوتك زيارتها في عُمان
1- جبل الشمس
يقع هذا الجبل في ولاية الحمرة في محافظة الداخلية. تُعد قمته أعلى قمة جبل في عُمان. وسمي بهذا الاسم لأنه أول نقطة تشرق عليها الشمس في السلطنة، وآخر نقطة تغيب عنها، وهو مقصد السياح والمواطنين على السواء؛ خصوصاً في فصل الصيف، حيث لا تتعدى درجة الحرارة في قمته العشرين نهاراً، وتكون دون العشرين ليلاً، بينما تصل في الشتاء إلى عشر درجات تحت الصفر، بسبب تساقط الثلوج. الجميل في هذا الجبل كثرة سفوحه وقممه، مع سهولة الانتقال من سفح إلى آخر. ولكن قبل الوصول إلى قمة الجبل الرئيسية، توجد هوة عميقة تدعى «شرفة نخر»، وهي واحدة من أجمل الأماكن التي تستهوي السياح، بينما يمكن لصاعد الجبل أن يلاحظ الفوالق الصخرية الأكبر في العالم، والنباتات النادرة على سفوحه، مثل البوت والعلعلان.
ويضم الجبل بين جنباته نحو 30 قرية صغيرة، تشتهر بالصناعات اليدوية الشعبية، علماً بأن مختلف الخدمات الأساسية التي يحتاجها السائح تتوفر في الجبل.
2- أسوار قلعة مطرح
بنى البرتغاليون المغامرون هذه القلعة في أواخر القرن السادس عشر، على منحنى أحد التلال. ويقع برج المراقبة الحجري على بعد 1.5 كيلومتر شرقاً، على طول مسار الكورنيش المخصص للمشي. وما يميز هذه القلعة إطلالتها على ميناء السلطان قابوس، وسوق مطرح في مسقط. وتتميز بالطراز المعماري الفريد والتحصينات الدفاعية. وتضم القلعة مجموعة متنوعة من المدافع القديمة، منها المدافع العُمانية والبرتغالية والبريطانية والفرنسية والأميركية والهندية والفارسية، مع عربات ميدانية للمعارك، وأخرى بحرية للسفن، وثالثة للمباني.
وتبدو القلعة كأنها الممر الوحيد الذي يصل بين مطرح ومسقط، وتتكون من ثلاثة أبراج دائرية، أطلق عليها قديماً اسم «كوت مطرح»، وهي مبنية من الحجارة والصاروج، واستخدمت قديماً لأغراض دفاعية، أما اليوم فهي مفتوحة للزوار.
3- أشجار الباوباب
توفر زيارة عُمان فرصة لمحبي الطبيعة، للتعرف على هذه الأشجار العملاقة التي عادة ما توجد في أستراليا، وتحظى في أفريقيا بأهمية خاصة، كونها ترمز عندهم للخصوبة والعطاء. ويحرص سكان القرى هناك على الاحتفاظ ببذورها، وزراعتها عند انتقالهم من مكان إلى آخر. وهي واحدة من أطول الأشجار في العالم وأكثرها غرابة، وتسمى أيضاً «كريم التتار» و«الفئران الميتة» و«الأشجار المقلوبة»، واسمها العلمي «Adansonia Digitata»، أما في عُمان فتسمى شعبياً شجرة التبلدي. ويمكن مشاهدة هذه الأشجار في الوديان المرتفعة فوق مدينة صلالة الساحلية. كما يمر الطريق الجبلي في وادي دربات بعدة بساتين تضم بضع شجرات منها، ويوجد في منطقة ظفار نحو 200 شجرة، وفي ولاية ضلكوت بالمنطقة الغربية شجرة واحدة فقط.
4- كهف الهوتة
اكتشف السكان المحليون هذا الكهف منذ مئات السنين. يقع على بُعد بضعة كيلومترات إلى الغرب من الحمرا، في الجزء الجنوبي من سلسلة الجبل الأخضر. ويمكن الوصول إلى المدخل بعد رحلة قصيرة في القطار الكهربائي. وعادة ما تستكشف الجولات التي تنظمها بعض مكاتب السياحة، وتستغرق 45 دقيقة، أول 500 متر من الكهف المستطيل، الذي يضم بين جنباته نظاماً بيئياً فريداً؛ حيث توجد فيه الرخويات والقواقع وخنافس الماء الرقيقة، ونوع خاص من أسماك الكهوف العمياء ذات اللون الوردي الشفاف.
ولهذا الكهف فتحتان يدخل من إحداهما ماء الوادي المنحدر من أعلى الجبل، وتسمى هذه الفتحة بـ«الهوتة»، أما الأخرى «الفلاج» فيخرج الماء عبرها، بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة.
5- مقابر بات التاريخية
تقع هذه المقابر على سلسلة من التلال الصخرية في منطقة جبل وحيدة، وهي من أكثر المستوطنات تكاملاً في العالم منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد. وتوصف المقابر بأنّها «خلايا نحل حجرية»، كونها مرتبة بشكل مجسمات حجرية يتباعد بعضها عن بعض، ويشبه كلّ منها هرماً صغيراً محفوراً في الصخر. بُنيت بين عامي 3000 و2000 قبل الميلاد. ويبلغ ارتفاع قبابها 7 أمتار، وهي مصنوعة lن كتل من الحجر الرملي ذي اللون الصحراوي. يزداد جمال هذه الآثار مع شروق الشمس؛ لأنها تتلون باللون الوردي حيناً والرمادي والأصفر والأحمر في أحيان أخرى.
وفي الليل، ومع أفق مفتوح على الجبال الشاهقة والسماء الصافية المزينة بالنجوم، تأخذ ظلال تلك المقابر المخروطية أشكالاً تطول وتقصر في انسيابية ساحرة.
6- السلاحف البحرية الخضراء
يعد الخط الساحلي بالقرب من رأس الجنز موقعاً ملائماً للسلاحف البحرية الخضراء، التي تعشعش فيه بعد السفر لمسافات طويلة عبر المحيط المفتوح. وتنتقل هذه الكائنات الرائعة إلى المكان الذي ولدت فيه لتضع بيضها في رمال الشواطئ الذهبية، ما يُشكل فرصة كبيرة لاستمرار بقاء هذا النوع من السلاحف المهددة بالانقراض. وفي كل عام يعشش في المنطقة ما بين 6000 و13000 سلحفاة؛ حسب إحصائيات رسمية، بعد أن تأتي إلى السلطنة من مناطق أخرى بعيدة، مثل الخليج العربي والبحر الأحمر وشواطئ الصومال.
وليس غريباً أن يجذب هذا المشهد عدداً كبيراً من السياح الذين يتوافدون من كل أنحاء العالم، لتصوير ومراقبة دورة الحياة الخاصة بهذه المخلوقات الوديعة.
7- بحر الرمال الشرقية
تعتبر ولاية بدية من الواحات الجميلة القابعة على مدخل رمال الشرقية، وتعد الموطن الأصلي للبدو، ونقطة الدخول في عالم مليء بالإثارة والحيوية بعيداً عن صخب المدينة. ويوجد في هذه الرمال كثير من الواحات المزروعة بالأشجار المثمرة، والمحاطة بالكثبان الرملية التي تتدرج ألوانها من الأحمر إلى البني على امتداد البصر، بينما يعد الانحدار الحاد للرمال في الجزء الجنوبي لهذه الواحة من المواقع المتميزة لممارسة رياضة التزلج على الرمال، والقيام بجولات في الطرق الوعرة، أو صعود الرمال بسيارات الدفع الرباعي، إضافة إلى سباقات الخيول والهجن، وكثير من مغامرات الصحراء.
وتعد هذه الواحة من أجمل مناطق التخييم في السلطنة، وعادة ما يفضلها السياح نظراً لسهولة الوصول إليها، ولتوفر الخدمات القريبة منها.
8- صحراء الربع الخالي
أكبر صحراء رملية ممتدة بعضها مع بعض في كوكب الأرض، وتضم نصف رمال الصحراء. اكتسبت اسمها بسبب افتقارها للمستوطنات؛ لكن يمكن للسائح زيارتها في جولة ليلية في الكثبان الرملية لمراقبة غروب الشمس والسماء الصافية والنجوم تُرصعها. كما أن هنالك طريقاً تصل عُمان بالسعودية، يطلق عليها اسم «الأعجوبة الهندسية»، يشق رمال الربع الخالي، ويقطع أكثر من 800 كيلومتر بين البلدين، وقد احتاج تشييد هذا الطريق إلى إزالة أكثر من 130 مليون متر مكعب من الرمال.
9- سوق مطرح
تحتفظ هذه السوق بفوضويتها الجميلة، كما هي الحال مع بقية الأسواق الشعبية العربية. تضج فيها روائح اللبان والبخور والعطور العربية والتوابل الحادة، كما تباع فيها المصنوعات اليدوية العُمانية والمشغولات الفضية والخناجر والأقمشة التقليدية والأواني النحاسية والفخارية، بالإضافة إلى الحلوى العُمانية الشهيرة، ومنتجات النخيل والغزول والمجوهرات وأطباق تقديم الشواء العُماني التقليدي (لحم غنم متبل مطبوخ في فرن تحت الأرض).
ويرجع تاريخ نشأة هذه السوق إلى نحو مائتي عام، ولها تسمية أخرى معروفة بين أهل البلد، وهي «سوق الظلام» بسبب كثرة الأزقة الضيقة والمتاجر المكتظة التي كانت تحجب عنها أشعة الشمس خلال النهار، مما يدعو الناس إلى استخدام المصابيح اليدوية لتلمس الطريق. ورغم أن السوق ما عادت تشكو من العتمة، فإن الأزقة المتعرجة والمتداخلة مع بعضها قد توقع السائح بالحيرة إذا لم يكن معه دليل من أهل السوق، ومن السهل أن يضيع في واحد من هذه الأزقة. ولكن هذا التجربة لا تخلو من المتعة أيضاً؛ لأنها قد تكون سبباً في الوصول إلى أمكنة لم تكن على البال.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.