محكمة تونسية تنظر في اتهام بورقيبة وألمانيا باغتيال زعيم سياسي

ابن يوسف عُرف بخلافه المتواصل مع زعيم الحركة الوطنية ورفضه وثيقة الاستقلال

TT

محكمة تونسية تنظر في اتهام بورقيبة وألمانيا باغتيال زعيم سياسي

نظرت الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية في تونس أمس، قضية اغتيال صالح بن يوسف، الزعيم الوطني الذي اعترض على موافقة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة على وثيقة الاستقلال الداخلي للبلاد، وعارضه، واعتبره «استقلالاً منقوصاً».
وأرجأت المحكمة الحكم النهائي في هذه القضية التي وجهت فيها عائلة ابن يوسف التهم إلى زعيم الحركة الوطنية التونسية الحبيب بورقيبة وإلى ألمانيا التي نُفّذت فوق أراضيها جريمة الاغتيال لكنها لم تسع إلى الكشف عن الجناة، إلى وقت لاحق، وتوقعت مصادر حقوقية تونسية أن تتواصل جلسات المحاكمة والمحاسبة خلال الأشهر المقبلة، وذلك بسبب الصعوبات والمعوقات الكثيرة التي تعترض عملية الكشف عن تفاصيل أول عملية اغتيال سياسي، بعد استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956.
وتطالب عائلة ابن يوسف السلطات التونسية بالاعتذار الرسمي عن جريمة الدولة التي ارتكبتها، واعترافها بالجريمة اعتباراً إلى أن ثلاثة أجهزة رسمية تابعة لها (رئاسة الجمهورية، ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية) نسّقت ونفّذت الجريمة، ورد الاعتبار للزعيم الوطني، وتأكيد دوره في الحركة الوطنية، وإلغاء حكمين بالإعدام أصدرهما القضاء التونسي ضده سنتي 1957 و1958 بإيعاز من بورقيبة، علاوة على استعادة جثمان الفقيد.
كانت هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية مكلفة مسار العدالة الانتقالية من 1955 إلى 2013) قد أحالت ملف القضية إلى الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية في 12 من ديسمبر (كانون الأول) 2018 لتحديد المتهمين بالقتل العمد والمشاركة في ذلك.
وتعود أطوار جريمة الاغتيال السياسي لصالح بن يوسف إلى 12 من أغسطس (آب) 1961، حيث تمت تصفيته بمدينة فرانكفورت الألمانية، دون أن يتم الكشف عن تفاصيل الجريمة والأطراف التي أمرت بتنفيذها. لكن الشبهات تحوم كثيراً حول الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، الذي تنسب إليه تصريحات مفادها أنه أعطى أوامره قائلاً: «يجب القضاء على هذا الرجل»، في إشارة إلى ابن يوسف.
وكان ابن يوسف يقود الشق المحافظ داخل الحركة الوطنية التونسية، وكان كثيراً ما يختلف مع الحبيب بورقيبة، زعيم الحركة الوطنية، الذي كان يتزعم الشق الحداثي المرتبط بمفاهيم الدولة المدنية، بعيداً عن سيطرة شيوخ جامع الزيتونة المحافظين.
وتمكنت هيئة الحقيقة والكرامة من جانبها بفضل الوثائق، التي حصلت عليها مؤخراً، من تحديد هوية ثلاثة أشخاص ضالعين في هذه العملية، انطلاقاً من وثائق أرشيفية حصلت عليها الهيئة من ألمانيا وتونس، وبعد الاستماع إلى أحد المتهمين في هذه القضية الشائكة.
وكشف المحامي عفيف بن يوسف، عضو هيئة الدفاع عن عائلة صالح بن يوسف، في مؤتمر صحافي عُقد أول من أمس في العاصمة التونسية أن الأبحاث أكدت تورط الدولة التونسية في شخص رئيس الجمهورية (الحبيب بورقيبة)، واعتباره المدبر الأساسي لعملية الاغتيال، والتونسي البشير زرق العيون قائد الحرس الرئاسي ومدير الديوان الرئاسي في تلك الفترة والمتهم بتنفيذ العملية، وكذلك وزارة الداخلية، ممثلةً في شخص الطيب المهيري وزير الداخلية حينها، ووزارة الخارجية التونسية من خلال سفارة تونس في مدينة بايرن الألمانية، بحجة أنها قدمت مساعدات لمرتكبي جريمة الاغتيال.
على صعيد آخر، شاركت سلمى اللومي، مديرة الديوان الرئاسي التي استقالت من منصبها قبل يومين، في اجتماع المكتب السياسي لحزب النداء (مجموعة الحمامات) المناهضة لنجل الرئيس الباجي قائد السبسي. وكشفت مصادر سياسية مقربة من حزب النداء أن اللّومي قرّرت الانتصار لشق الحمامات، مؤكدة أنه تم الاتفاق على تعيينها في منصب رئيسة الحزب، وممثلته القانونية استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية السنة الحالية.
وتقود سلمى اللومي حالياً سلسلة من المشاورات من أجل ضمّ عدد من الأحزاب إلى نداء تونس (مجموعة الحمامات)، وتسعى إلى تشكيل ائتلاف أو جبهة حزبية انتخابية، تكون قادرة على تحقيق نتائج إيجابية في المحطة الانتخابية المقبلة.
من جهة ثانية أكدت السلطات التونسية مجدداً، أمس، أن الخبير الأممي المنصف قرطاس الموقوف لديها منذ أكثر من شهر بتهمة التجسس «لا يتمتع بالحصانة الأممية».
وقال سفيان السليتي، الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، لوكالة الصحافة الفرنسية إن قرطاس «لا يتمتع بالحصانة، وكان يستعمل جواز سفر تونسياً، ولم يأتِ في مهام أممية».
وتم توقيف قرطاس، الذي يحمل الجنسية التونسية والألمانية في 26 من مارس (آذار) الماضي، لدى وصوله إلى مطار العاصمة التونسية بتهمة التجسس، التي يمكن أن تصل عقوبتها في تونس الإعدام.
كما أكد السليتي: «حجز معدات تستعمل لمراقبة الطيران المدني والعسكري دون تراخيص رسمية» لدى قرطاس.
وطلبت الأمم المتحدة من السلطات التونسية، أول من أمس، «إسقاط الاتهامات» بالتجسس عن خبيرها قرطاس، المكلف ملف الأسلحة في ليبيا، والذي «يجب أن يفرج عنه فوراً» بحسب ما قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام. وأضاف المتحدث في لقائه الإعلامي اليومي أنه بعد دراسة الوثائق القضائية التي سلمتها السلطات التونسية أخيراً، خلصت الأمم المتحدة إلى أن الحصانة الدبلوماسية الممنوحة لهذا الخبير التونسي الألماني تبقى سارية. فيما أكد السليتي أن قرطاس متهم أيضاً «بجمع معلومات متعلقة بالإرهاب بطريقة غير قانونية».
وقالت محامية قرطاس، سارة الزعفراني: «إن أحد أبرز عناصر الاتهام جهاز» وُجد مع موكلها «يتيح الوصول إلى المعطيات العامة لرحلات الطائرات المدنية والتجارية». وهذا الجهاز «آر تي إل - إس دي آر» يخضع لترخيص مسبق في تونس، ويستخدم «فقط لمراقبة حركة الطيران باتجاه ليبيا للتعرف على الرحلات، التي قد تكون على صلة بانتهاك الحظر على السلاح».
ويتزامن توقيف قرطاس مع تكثيف عمل المراقبين الأمميين لمراقبة الخروقات، التي تطال الحظر على الأسلحة في ليبيا، والتي تزايدت مع تصاعد التوتر في البلاد، إثر إعلان المشير خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا، منذ شهر الهجوم على العاصمة طرابلس.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.