اتساع فجوة اللامساواة المالية والاقتصادية في ألمانيا

أحد العمال في برلين (أ.ف.ب)
أحد العمال في برلين (أ.ف.ب)
TT

اتساع فجوة اللامساواة المالية والاقتصادية في ألمانيا

أحد العمال في برلين (أ.ف.ب)
أحد العمال في برلين (أ.ف.ب)

في المؤشرات الماكرو - اقتصادية، يبدو الاقتصاد الألماني بصحة جيدة، فالبطالة تتراجع، والصادرات تزداد، ونسبة النمو الاقتصادي مستقرة. لكن ذلك لا ينعكس إيجاباً على مختلف شرائح المجتمع؛ إذ إن عدد ونوع من هم على هامش هذا الاقتصاد القوي يرتفع سنة بعد أخرى. وهذا ما أكدته دراسة حديثة صادرة عن مؤسسة «فريدريش إيبرت».
تقول الدارسة: «يتسع الفارق بين المناطق الغنية والأخرى الفقيرة، ويحب الحذر من مفاعيل سرعتين؛ واحدة تسابق الريح في ولايات مزدهرة، وأخرى تكاد تنعدم في ولايات راكدة؛ لا بل تعاني من كساد أحياناً».
والمناطق المعنية بقلة الازدهار هي في ألمانيا الشرقية الفقيرة تاريخياً، وبعض مناطق غرب ألمانيا بسبب التغيرات الهيكلية التي ضربت القطاع الصناعي؛
ففي مدينة غلزنكيرشن، على سبيل المثال، يبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد 16203 يورو، وفقاً للدراسة، أي نصف الدخل المسجل في مقاطعة غنية قرب ميونيخ. فالبطالة في غلزنكيرشن تبلغ 10.7 في المائة؛ أي أعلى بكثير من المتوسط الوطني العام، كما أن المدينة، مثل مدن أخرى كثيرة، ترزح تحت أعباء ديون كبيرة، ونموها لا يذكر، ومشكلات الهجرة فيها متعاظمة. وتشير الدراسة إلى أن هذا التفاوت يؤدي إلى توازن مختل أكثر فأكثر بين الحكومة الفيدرالية المركزية وحكومات المقاطعات الفقيرة. ولا تملك كل المقاطعات أدوات المواجهة والتأقلم نفسها مع تحديات العولمة والتقدم الرقمي والتغير الديمغرافي، لذا تتسع الفوارق وتتعمق الاختلالات. ومن النتائج المباشرة لذلك فقدان ثقة الأقل حظوة اقتصادية من المواطنين بالسياسة والسياسيين التقليديين، وزيادة سماع أصوات اليمينيين المتطرفين والإيمان بشعارات شعبوية مقلقة. ويلاحظ ذلك في الإحصاءات الدالة على انخفاض المنتسبين إلى الأحزاب التقليدية والتاريخية مع ارتفاع الشك في قدرتها على قيادة البلاد؛ وفقاً لمعدي الدراسة.
وفي التحليل أيضاً، تحذير من زيادة عدد الفقراء في المدن الصناعية المتطورة؛ ففي إحدى تلك المدن هبطت البطالة منذ عام 2005 من 3.4 في المائة إلى 2.3 في المائة، لكن الفارق بين مداخيل الأغنياء والفقراء يزداد طولاً وعرضاً بعدما ارتفعت إيجارات العقارات بنسبة كبيرة، وارتفعت تكلفة المعيشة بشكل عام، وباتت فرص العمل أكثر عرضة للتقلب مع التحولات العميقة الحادثة في عدد من القطاعات.
ولتجنب تفاقم هذا الواقع، شكلت الحكومة العام الماضي لجنة هدفها إعادة التوازن إلى ظروف عيش المواطنين، على أن تنجز هذه اللجنة تقريراً في يوليو (تموز) المقبل يتضمن توصيات عملية لمكافحة اللامساواة في الدخل والازدهار.
وتشير الدراسة إلى إمكان عرض آليات لإعادة هيكلة الدعم الحكومي المقدم للاستثمارات في عدد من القطاعات والمقاطعات. ومقترحات كهذه يفترض أن تأخذ في الاعتبار الحاجات الخاصة والمختلفة للولايات والمناطق، على أن تمنح السلطات المحلية صلاحيات إطلاق المبادرات الرامية إلى ردم الفجوة.
ولكسر هذه الحلقة غير السوية، تقترح الدراسة قيام صندوق مشترك لمعالجة ديون المقاطعات الفقيرة حتى تستطيع العمل براحة أكبر على مواجهة مشكلات البطالة والهجرة وتزخيم النمو الاقتصادي. وبين الاقتراحات أيضاً تخفيف عبء الاشتراكات المفروضة على العامل ورب العمل لتسهيل خلق الوظائف المجزية.
ووفقاً لمعدي الدراسة، فإن ألمانيا مقسمة إلى 5 مناطق متفاوتة الازدهار؛ أبرزها وسط ألمانيا «الصلب» اقتصاديا، ويعيش فيه 33 مليون نسمة، وهو الذي يمنح الأرقام الوطنية العامة قوتها، وفيه استثمارات موجهة نحو المستقبل، ويتمتع بميزات تنافسية عالية، ومع ذلك يعيش في هذا «الوسط» فقراء متأثرون جدا بارتفاع تكاليف المعيشة الذي بدأ يضرب أيضاً الطبقة الوسطى. وهذا ينطبق أيضاً على جنوب ألمانيا وبعض مدن غربها، كما على برلين.
ويبلغ عدد سكان المناطق الفقيرة نسبياً والريفية غير المتطورة بشكل عام نحو 14 مليون نسمة، أي نحو 16 في المائة من إجمالي سكان ألمانيا.
وتبقى مناطق شرق ألمانيا الأكثر هشاشة اقتصاديا، وذلك رغم مرور 30 سنة على توحيد شطري البلاد، وفقاً لدراسة نشرتها مؤسسة «هانز بوكلر»، وأكدت فيها أن 6 مدن فقط من أصل 77 مدينة وتجمعاً سكانياً، يبلغ دخل الفرد فيها سنوياً 20 ألف يورو فما فوق. في المقابل، فإن ذلك الدخل المرتفع نسبياً يتمتع به سكان 284 من 324 مدينة وتجمعاً سكانياً في الشطر الغربي للبلاد.
لكن الفقر في الغرب موجود أيضاً، لا سيما في المدن الصناعية التي تأثرت بإقفال المناجم وأزمة قطاع الحديد والصلب، وأورث ذلك بطالة زادت على 12 في المائة في مناطق معينة.
وفي ألمانيا فوارق كبيرة في مستويات الرواتب. فقد أكدت دراسة وطنية تناولت حقبة 10 سنوات أن 20 في المائة من أصحاب الرواتب المتدنية شهدوا تراجعاً في قدرتهم الشرائية بنسبة 7 في المائة، في المقابل، فإن 30 في المائة من أصحاب الرواتب المرتفعة شهدوا زيادة بنسبة بين 8 و10 في المائة في قدرتهم الشرائية.
إلى ذلك، ترافق هبوط نسبة البطالة على المستوى الوطني العام مع زيادة في عقود نصف دوام والعقود المنتهية بأجل مسمى، فتلك العقود كانت نسبتها 13 في المائة في أوائل تسعينات القرن الماضي، بينما هي الآن 21 في المائة. كما أن نسبة الرواتب التي هي أقل من ثلثي المتوسط العام للرواتب كانت تشكل من الإجمالي 16 في المائة، بينما هي الآن 23 في المائة، مما يعني أن الازدهار لا تتوزع منافعه على الجميع.


مقالات ذات صلة

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
TT

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)

اخترق مؤشر ناسداك مستوى 20 ألف نقطة، يوم الأربعاء، حيث لم تظهر موجة صعود في أسهم التكنولوجيا أي علامات على التباطؤ، وسط آمال بتخفيف القيود التنظيمية في ظل رئاسة دونالد ترمب ومراهنات على نمو الأرباح المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأرباع المقبلة. ارتفع المؤشر الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا 1.6 في المائة إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 20001.42 نقطة. وقد قفز بأكثر من 33 في المائة هذا العام متفوقاً على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي، ومؤشر داو جونز الصناعي، حيث أضافت شركات التكنولوجيا العملاقة، بما في ذلك «إنفيديا» و«مايكروسوفت» و«أبل»، مزيداً من الثقل إلى المؤشر بارتفاعها المستمر. وتشكل الشركات الثلاث حالياً نادي الثلاثة تريليونات دولار، حيث تتقدم الشركة المصنعة للآيفون بفارق ضئيل. وسجّل المؤشر 19 ألف نقطة للمرة الأولى في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما حقّق دونالد ترمب النصر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، واكتسح حزبه الجمهوري مجلسي الكونغرس.

ومنذ ذلك الحين، حظيت الأسهم الأميركية بدعم من الآمال في أن سياسات ترمب بشأن التخفيضات الضريبية والتنظيم الأكثر مرونة قد تدعم شركات التكنولوجيا الكبرى، وأن التيسير النقدي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبقي الاقتصاد الأميركي في حالة نشاط.