«نادي باريس» يحذر من تمويل دول فقيرة بـ«قروض انتهازية»

رئيس البنك الدولي والرئيس الفرنسي بعد لقاء في قصر الإليزيه
رئيس البنك الدولي والرئيس الفرنسي بعد لقاء في قصر الإليزيه
TT

«نادي باريس» يحذر من تمويل دول فقيرة بـ«قروض انتهازية»

رئيس البنك الدولي والرئيس الفرنسي بعد لقاء في قصر الإليزيه
رئيس البنك الدولي والرئيس الفرنسي بعد لقاء في قصر الإليزيه

تكرر المؤسسات المالية الدولية دورياً دقّ ناقوس الحذر من تراكم الديون التي تهدد النمو الاقتصادي العالمي، وتخلّ بميزان الاستقرار المالي. وعلى رأس الدول المهددة بهذا الخطر، تأتي الدول الفقيرة التي ترضخ لشروط قروض مقرونة باستثمارات قد تفقدها ملكيتها لمواردها. هذا ما حصل في اجتماعات احتضنتها العاصمة الفرنسية باريس، الثلاثاء الماضي، بحضور 40 وزير مالية ومحافظي بنوك مركزية، ومدير عام صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، والرئيس الجديد للبنك الدولي ديفيد مالباس، وذلك تحت مظلة «نادي باريس» ورئاسة اليابان لمجموعة العشرين.
هدف المؤتمر كان التنبيه بشدة من فرط الاستدانة، ولا سيما الدول النامية، وفقاً لوزير المالية الفرنسي برونو لومير الذي افتتح المؤتمر وحدد له هدف التوصل إلى قواعد عملية مشتركة جديدة لإدارة الديون، على أمل الوصول إلى نتائج عملية تعرض على اجتماع مجموعة العشرين نهاية يونيو (حزيران) في اليابان، ثم اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع نهاية أغسطس (آب) في فرنسا.
وبحسب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فقد تضاعف منذ 2012 عدد الدول الفقيرة أو محدودة الإيرادات التي ترزح أكثر فأكثر تحت أعباء الديون الثقيلة، حتى بات بعضها تحت خطر التعثر وإعلان عدم السداد. وبين تلك الدول من استفاد في العام 2000 من شطب واسع للديون، لكنه عاد و«وقع في الفخ نفسه» بحسب تقرير عرض أمام المؤتمرين، إذ ارتفعت قروض تلك الدول كنسبة من نواتجها الاقتصادية من 30 إلى 50 في المائة. وذكرت لذلك عدة أسباب، أبرزها عدم قدرة الدول المرهقة بالقروض على مواجهة الأزمات والصدمات الخارجية، في ظل عدم تنويع اقتصاداتها، لأن معظمها متعلق بموارد المواد الأولية فقط، في مقابل حاجاتها المتزايدة لتمويل تحديث بناها التحتية.
وشدد الوزير الفرنسي برونو لومير على خطورة النتائج الاقتصادية والسياسية للإفراط في الاستدانة، وأبرزها الاضطرار إلى خفض الإنفاق بشكل «متوحش»، بما يؤثر حتماً في الطبقات الشعبية. وتناول المؤتمرون أيضاً قضية «السيادة» التي تتضرر جداً جراء الارتهان للديون الخارجية وكبار الدائنين العالميين. مع التحذير من أن دولاً فقيرة تفقد حريتها في التصرف بمواردها وأصولها الاستراتيجية وبناها التحتية.
وفي النقطة الأخيرة، كانت الصين مقصودة بشكل غير مباشر، لأن البعض يتهمها بأنها تبالغ في إقراض دول، ثم تضع يدها على تقرير مصير موارد ومرافق تلك الدول مباشرة أو عبر شركاتها العامة. والمثل الذي يذكر دائماً يخص سيريلانكا التي عجزت عن سداد ما عليها لبكين، فإذا بها تتنازل لشركة صينية عامة عن أحد أكبر موانئها لمدة 99 عاماً.
وخلال جلسات المؤتمر، ترددت كثيراً كلمة «الشفافية»، واستخدامها أتى في سياق ضرورة ضمان قواعد قروض عادلة وقابلة للسداد مقابل مشروعات جيدة.
ولم يستثنِ المؤتمرون المؤسسات المالية الخاصة من المسؤولية. فعلى سبيل المثال، غضت بعض تلك المؤسسات الطرف عن فضيحة في موزمبيق، التي أخفت قروضاً خاصة بالمليارات في عملية غير شفافة.
في المقابل، يؤكد صندوق النقد الدولي أن الهدف ليس تجفيف منابع التمويل، فإقراض تلك الدول أكثر من ضروري أحياناً، لأن حاجاتها «هائلة»، ولا سيما قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية. لكن على الدول المستدينة تحسين إدارتها للقروض وزيادة تعبئة مواردها الداخلية. ويتطلب ذلك تحديث إداراتها المالية والضريبية والجمركية، فضلاً عن إعلان موازنات شفافة لا لبس في أرقامها، مع الأخذ في الاعتبار أنه من الضروري ألا تتجاوز سرعة نمو الديون سرعة نمو الاستثمارات.
وبالعودة إلى الحالة الصينية، فإن عدداً من الحاضرين في المؤتمر، طالب بمزيد من الشفافية في القروض المقرونة باستثمارات، والتي تمنحها بكين لبعض الدول. في مقابل تحية وجّهتها كريستين لاغارد إلى الصين، لأنها تبذل جهداً في هذا السبيل لتقترب من المعايير العالمية للإقراض. وكان الرئيس الصيني وعد في أبريل (نيسان) الماضي بمزيد من الوضوح على هذا الصعيد.
ويذكر أنه في أفريقيا، وضمن مخطط الحزام والطريق أو طرق الحرير، تحولت الصين إلى مقرض أول لعدد من الدول. ويقول الباحث الفرنسي تيري بيرولت إن شوائب اعترت أو تعتري تلك القروض، واتسم بعضها بالانتهازية على حد وصفه، وإن الصين استخدمت ذلك لزيادة هيمنتها وتأثيرها الاقتصادي العالمي. فهي موّلت بنى تحتية مثل الموانئ وخطط السكة الحديد... لفتح أسواق لشركاتها.
وفي أفريقيا؛ حيث يقل الحضور الأوروبي والأميركي، يستقبل قادة بعض الدول القروض الصينية بشهية بالغة، لكن تحول دون ذلك مشكلات متعلقة بحسن الإدارة واحترام البيئة، يشدد صندوق النقد والبنك الدولي عليها، خصوصاً عند طرح قضية العلاقة الصينية الأفريقية.
وتجدر الإشارة على هذا الصعيد أن المبالغ المقرضة وصلت إلى نحو تريليون دولار، وبعضها مرتبط بشروط ترسية مشروعات على شركات صينية من دون مناقصات أو مزايدات عامة مفتوحة للمنافسين. ويلفت مصرفيون أوروبيون إلى قروض صينية مرتفعة الفوائد أو غير مرتبطة بعوائد سوقية واضحة أو غير عابئة بتراكم عبء الدين. ففي مونتينيغرو، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج إلى 70 في المائة بفعل قروض صينية، أبرزها قرض بنحو 800 مليون يورو لبناء خطوط طرق واسعة عبر الجبال. وفي حالة عدم السداد ترضخ دول إلى شروط قاسية أحياناً كما حصل مع سيريلانكا.
وتستحوذ الصين حالياً على 14 في المائة من ديون أفريقيا، جنوب الصحراء، وعلى ثلثي ديون جيبوتي. وأحصى مركز الأبحاث الأميركي «سنتر فور غلوبل ديفيلوبمنت» 80 حالة إعادة جدولة بشروط جديدة لقروض صينية لعدد كبير من الدول.



إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».