تحولات «داعش» ما بعد الهزيمة

تفسير عملي لهجمات جماعة «التوحيد الوطنية»

العمل الارهابي الدامي في سريلانكا أثار الغضب حول العالم (أ.ف.ب)
العمل الارهابي الدامي في سريلانكا أثار الغضب حول العالم (أ.ف.ب)
TT

تحولات «داعش» ما بعد الهزيمة

العمل الارهابي الدامي في سريلانكا أثار الغضب حول العالم (أ.ف.ب)
العمل الارهابي الدامي في سريلانكا أثار الغضب حول العالم (أ.ف.ب)

تؤشر الهجمات التي هزت أربع كنائس وبعض الفنادق في سريلانكا، 21 أبريل (نيسان) الماضي، تزامناً مع عيد الفصح، وخلّفت أزيد من 300 قتيل ونحو 500 جريح، على تحول جوهري في الممارسة الإرهابية لتنظيم «جماعة التوحيد الوطنية».
غير أن فهم هذا التغيُّر المسلكي للتنظيم السيريلانكي لا يمكن أن يتم دون فهم «الانزياح الفكري والعملي»، الواقع لتنظيم «داعش»، بعد دحره بالعراق وسوريا، والإعلان الأميركي عن القضاء عليه، بداية سنة 2019.

تحوُّل «داعش» وتكيفه مع الوضع الجديد بشكل سريع، فاجأ كثيراً من المتخصصين، خصوصاً أن المسار الجديد يناقض البنية التنظيمية القديمة، ويقطع مع «فلسفة» التنظيم الواحدي الرأس، والمتمركز حول «الخلافة»، وما يُسمى الدولة الموحدة، ووجوب الهجرة للعيش تحت راية الخليفة الواحد. ويتجه إلى بناء تنظيم شبكي يقوم على الآيديولوجية الدينية القتالية، تقوده قيادة تقر وتضمن البيعة عن بعد للبغدادي. وفي الوقت ذاته تتمتع، باعتبارها فروعاً عالمية، بالاستقلالية في تحديد الأهداف، وفقاً للسياق والظروف المحلية.

«التوحيد الوطنية»

ضمن هذا السياق العالمي المتسم بتوالد الجماعات الإرهابية، أعلنت الشرطة السريلانكية في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، عن اعتقال أربعة أشخاص ينتمون لتنظيم إرهابي حديث النشأة، وقد ضبطت السلطات مجموعة من المتفجرات في حوزة المعتقلين بالعملية.
لكن المفاجأة، المسجلة حالياً، هي ظهور اسم التنظيم المتطرف لجماعة «التوحيد الوطنية»، على مسرح الأحداث بعد العمليات الوحشية في 21 أبريل بسريلانكا. وقد أثار عدد القتلى في التفجيرات اهتماماً خاصاً من قبل المنظومة الدولية، ووسائل الإعلام. غير أن الغموض الذي صاحب العمليات، سرعان ما كشف عن ارتباط «التوحيد الوطنية»، بالمنظمة الإرهابية العالمية «داعش» بزعامة البغدادي. هذا الأخير أثنى في تسجيله الأخير على الفرع السريلانكي، وتبنى التفجيرات واعتبرها ثأراً للباغور، آخر معقل فقده تنظيمه بسوريا، في مارس (آذار) 2019.
عُرفت «جماعة التوحيد الوطنية»، بزعامة محمد قاسم محمد زهران، باعتبارها تنظيماً دينياً يقوم ببعض الأعمال الاجتماعية والإغاثة، بالإضافة للتعليم الديني. كما عرفت الجماعة المتطرفة بمحليّتها، حيث لا ترتبط بتنظيم «توحيد تاميل نادو» الهندية بأي روابط تنظيمية. بل تعود جذورها لمجموعة متشددة أطلقت على نفسها اسم «جماعة التوحيد في سريلانكا».
ولم تكشف «التوحيد الوطنية»، عن نزعاتها المتطرفة إلا سنة 2016 حيث قام التنظيم بعمليات سرية لتخريب تماثيل بوذية، كما أصدر في السنة ذاتها منشورات تهاجم البوذيين والهندوس، في البلاد، مما أدى لاعتقال السلطات المتحدث باسم الجماعة وزعيمها في ذلك الوقت، عبد الرازق، في 2016، بتهمة التحريض على العنصرية، قبل أن تفرج عنه في العام نفسه. وفي هذه الفترة، كانت التوترات العرقية، خصوصاً بين البوذيين والمسلمين، تتصاعد علناً قبل أن يهدأ الوضع في نهاية المطاف، إلا أنه اندلع مرة أخرى سنة 2019.
يشار إلى أن سنة 2016، عرفت كذلك إقراراً من السلطات الرسمية بالتحاق 32 فرداً من مسلمي سريلانكا بتنظيم «داعش»، في سوريا والعراق. وتشير تقارير كثيرة إلى أن عودة بعض المقاتلين السريلانكيين من التنظيم إلى بلادهم، بعد هزيمة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، تضاعف من خطر ازدياد النشاط الإرهابي بالبلاد، وبجنوب شرقي آسيا عموماً.

الأسلوب المتجدد

يبدو أن الهجوم الذي ضرب في 21 أبريل سريلانكا، هو نفس أسلوب، تنظيم «داعش». فهذا التنظيم الذي يصارع من أجل تسجيل الإرهاب باعتباره «اسماً تجارياً» خاصاً به، يعتمد من حيث الأهداف المختارة على «سياسة موحدة»، تركز على هدفين: الأول قتل أكبر نسبة من الأجانب، والثاني ضرب البنية الاقتصادية للدولة المهاجمة. ويتضح أن هذه السياسة، التي تطبق خارج العراق وسوريا، لم تكن وليدة 2019. بل إن «داعش» طبقها منذ هجمات باريس عامي 2015 و2016، واعتبر نجاحها في أوروبا مقياساً لصوابية التوجه الداعشي الجديد.
السياسة ذاتها، المعتمدة على قتل الأجانب وإرباك الاقتصاد، نجدها كذلك في هجمات «داعش» قبل عامين في أبريل 2017. حيث وقع تفجيران انتحاريان في مدينتي طنطا والإسكندرية المصريتين، واستهدفا كنيسة وكاتدرائية. مما أسفر عن قتل 45 شخصاً، وإصابة أكثر من 120 آخرين. وفي 13 مايو (أيار) 2018، نفذت عائلة هجمات انتحارية على ثلاث كنائس في سورابايا، ثاني أكبر مدن إندونيسيا، مما أسفر عن مقتل 13 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 40 آخرين.
ويمكن القول إن السياسة الداعشية الجديدة، تُظهر من جهة، أن هجمات سريلانكا الأخيرة هي تعبير عن مزيد من التغيير في منهج «الدولة الإسلامية»، وقدرتها على استعمال التنظيمات المحلية، للتحول إلى راعٍ للإرهاب و«محتكر» لممارسته في جميع أنحاء العالم.
ومن جهة ثانية، يبدو أن تنظيم «داعش» وفكره المتطرف يلعب دوراً ما في الأحداث الدينية التي تقع بدولة جزر المالديف الصغيرة، إذ انضم نحو 450 من مواطنيها للقتال مع تنظيم البغدادي في سوريا والعراق. وبالتالي فهناك مخاوف من توسع تأثير «داعش» في المنطقة ليمتد من باكستان وصولاً إلى الهند ودولة النبال. فإذا كانت «داعش» تريد احتكار الإرهاب لنفسها، فإن التنظيمات الإرهابية المحلية بدورها ترغب في استثمار اسم «داعش» لتجلب وتستقطب المقاتلين.
يحصل هذا في الوقت الذي تفيد فيه كثير من التقارير المتعلقة بالإرهاب والأمن العالمي، بأن المقاتلين الأجانب المطرودين من العراق وسوريا، في طريقهم إلى الانتشار في أماكن مثل بنغلاديش والفلبين وإندونيسيا، وأن خبرتهم القتالية مكّنتهم من المساعدة في إنشاء خلايا لشن هجمات، حيث شهدت دكا هجوماً مفاجئاً في عام 2016 نفذته «جماعة المجاهدين في بنغلاديش»، وهي مجموعة محظورة لا ترتبط تنظيمياً بـ«الدولة الإسلامية».
وبعد ذلك، سيطر فرع تنظيم البغدادي في الفلبين على مدينة مراوي في عام 2017. وفي سورابايا الإندونيسية، وقعت هجمات مميتة على كنائس في عام 2018، وانضمت سريلانكا إلى القائمة سنة 2019. وفقاً لهذا المسار، فإن السياسة الجديدة لـ«داعش» تتجه لخلق توجه جديد في تدبير العلاقة بين التنظيم المركزي والمجموعات المحلية.
من جهة ثالثة، لا يمكن قياس الوضع الحالي لـ«داعش»، دون فهم أنه حركة آيديولوجية عالمية، وليست كياناً تنظيمياً واحداً، كما كانت وقت السيطرة على الموصل بالعراق والرقة بسوريا. فالتنظيم اليوم يعتمد على الولاء أكثر من اعتماده على الهيكلة التنظيمية، ويبدو أن تجربة المقاتلين الذين انضمّوا لـ«الخلافة»، وإعادة انتشارهم بعد الهزيمة، يساعد بشكل قوي في التكيف مع الوضع الجديد، والدخول في مرحلة التحول لتنظيم شبكي عالمي، قد يتجاوز تجربة «القاعدة» في هذا المجال. وهذا ما يظهر في تجربة «داعش»، غرب أفريقيا إلى جنوب شرقي آسيا، والجهاديين المنتشرين في جميع أنحاء العالم.
إن الهجمات التي تم ذكرها أعلاه، في سريلانكا، وسورابايا، ومراوي، تؤكد أن المجموعات المحلية، هي التي تمنح الإشعاع العالمي لـ«داعش». بينما يمنحها تنظيم البغدادي، آيديولوجيته واسمه، في خريطة الامتياز الجهادي المحلي، وهذا ما ينتج تموقعاً متجدداً للحركة الإرهابية العالمية.
صحيح أن هذا لا يكشف كل خيوط الارتباط بين العالمية والمحلية في الإرهاب الداعشي. لكن دور الخلية المحلية في سريلانكا يؤشر على وجود أفراد تم تدريبهم من قِبل مَن لهم تجربة وصلة مباشرة بالمركز، وهذا ما جعل منها هجمات من نوع جديد، تعبر عن تجربة الفرع المحلي في تمثُّل الآيديولوجية، والممارسة الإرهابية للتنظيم المركزي.
إن هذا التحول، الذي بدأ في باريس ما بين عامي 2015 و2016، وانتقل إلى آسيا، يحتاج من التحالف الدولي ضد الإرهاب، إلى بذل مزيد من الجهود لمساعدة السلطات البنغلاديشية، والإندونيسية، والفلبينية، والسريلانكية وغيرها، على مواجهة التهديدات الإرهابية التي تمثلها، التنظيمات المحلية في علاقتها بآيديولوجية «داعش» القتالية.
من الواضح أن هجمات سيريلانكا تمثل ضربة كبيرة لجهود مكافحة الإرهاب. غير أنه من المهم تعقب كل تفاصيل العملية الإرهابية وفك لغز علاقة «جماعة التوحيد الوطني» بتنظيم «داعش». وربما تكون المهمة العاجلة هي منع الخلية المسؤولة عن صنع المتفجرات، من النشاط مرة أخرى وتنافي تكرار الهجمات مرة أخرى. ذلك أن ترك مثل هذه التنظيمات المحلية دون تعقب جدي، يمنحها فرصاً لخلق التهديد والتوسع.
من جهة أخرى، يجب على سريلانكا والدول المجاورة لها، الدخول في تحالف إقليمي ضد الإرهاب، وخلق تعاون وتنسيق أمني مشترك يسهّل تبادل المعلومات، والخبرات، وإجراء تدريبات مشتركة، تهم الحد من النشاطات الإرهابية، في منطقة جنوب وشرق آسيا.
إجمالاً يمكن القول إن تنظيم البغدادي، استطاع خلق دينامية متوحشة في صيغة غير مركزية. فالتنظيم الذي يتحول بسرعة نحو بناء مجموعات محلية، بعقلية آيديولوجية موحدة واستقلالية تنظيمية أنجز قفزة مهمة مكّنته من الوصول لمناطق مختلفة في العالم. ولعب في ذلك على أوتار متعددة مثل، الإثنية والطائفية والمظلومية... فقد اعتبر مركز «صوفان للدراسات الأمنية» ومقره نيويورك أن هجمات سريلانكا هدفها توتير الوضع بين المجموعات الطائفية وزعزعة حكومات الدول التي تقع فيها. أما معهد أبحاث السلام في العاصمة النرويجية أوسلو، فقد اعتبر أن الجانب الأمني هو السبب الرئيسي في اختيار الأهداف بسريلانكا. ذلك أن الكنائس الكاثوليكية، والفنادق، لا تخضع للمراقبة الأمنية، كما أن البلاد تشهد تراخياً للقوى الأمنية في لعب دورها.
أما الجانب العرقي، الذي يلعب عليه «داعش» وفروعه، فلم يسجل المعهد أن هناك عنفاً بين الجماعات العرقية، خلال العشر سنوات الأخيرة. وبالتالي، من الصعب أن تتبنى الطائفة الإسلامية آيديولوجية وفكر تنظيم «داعش» الإرهابي، واستعماله ضد المجموعات العرقية والدينية الأخرى. وكل ما تقدم يجعلنا نقر بأن هناك جانباً من الغموض في طبيعة وأسباب وأهداف «داعش» من الهجوم على الكنائس والفنادق بسريلانكا، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن هذا الغموض، لا ينفي تمكن التنظيم من تنشيط خلايا ومجموعات، مكّنته من توسيع الجغرافية التي تتعرض لتهديداته، رغم أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أعلن منذ بداية 2019، عن هزيمة «داعش».
* استاذ زائر للعلوم السياسية
ـ جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

مقتل 10 أشخاص في هجوم بأفغانستان

آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم بأفغانستان

قال متحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية لوكالة «رويترز» للأنباء، اليوم (الجمعة)، إن 10 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم في هجوم بإقليم بغلان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.