لم تكن الانتقادات التي وجهتها مجموعة تابعة للمجلس الأوروبي راقبت الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في 31 مارس (آذار) الماضي لفرض قيودٍ على حرية تعبير المواطنين والصحافيين إلا تعبيراً عن واقع مقلق. هذا الواقع رصدته منظمات دولية معنية بحرية الصحافة إلى جانب المعارضة التركية، حيث تشتكي المعارضة غياب نوافذ إعلامية يمكنها الوصول عبرها إلى الجماهير، على غرار ما يحظى به حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي بات يسيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على أكثر من 95 في المائة من الصحف والقنوات التلفزيونية في البلاد بحسب إحصائيات من مصادر متعددة. لذا بعد أسبوعين على الانتخابات، ننظر إلى الدور الذي لعبه الإعلام قبلها، وخلالها، لنقيم الخطوات المتوقعة المقبلة.
تحدث رئيس بعثة المراقبة التابع لكونغرس السلطات المحلية والإقليمية في مجلس أوروبا أندرو دوسون صبيحة الانتخابات عن ضرورة قدرة الناس على التعبير عن آرائهم دون خوف من انتقام الحكومة. وقال: «نحن غير مقتنعين تماماً بأن تركيا تتمتع حالياً بأجواء انتخابية حرة ونزيهة، وهو أمر لازم لانتخابات ديمقراطية حقة تتماشى مع المعايير والمبادئ الأوروبية».
النتائج الأولية للانتخابات كشفت عن أبعاد جديدة فيما يتعلق بتأثير الإعلام على الرأي العام في تركيا يزداد فيها حضور وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في أوساط الشباب وفي المدن حيث فقد الحزب الحاكم مدناً ظل يحتكرها منذ ظهوره على الساحة السياسية منذ 17 عاماً أهمها أنقرة وإسطنبول وإزمير ثم إنطاليا وأضنة وغيرها من المدن الكبرى.
وفي إطار سلسلة الاستحقاقات الأخيرة التي بدأت مع الاستفتاء على تعديل الدستور للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في 16 أبريل (نيسان) 2017. ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في 24 يونيو (حزيران) 2018 وصولاً إلى الانتخابات المحلية في نهاية مارس الماضي برز أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت هي «الإعلام البديل» لأحزاب المعارضة ومرشحيها في مختلف الاستحقاقات وظهر تأثيرها واضحاً، لا سيما في الانتخابات المحلية الأخيرة، مع حالة السأم التي باتت تشعر بها جموع الناخبين من تكرار رسائل الحزب الحاكم وزعيمه الرئيس رجب طيب إردوغان وبعض مرشحيه على مختلف الشاشات وصفحات الصحف، مما دفع إلى البحث عن الجانب الآخر (المعارضة) عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي انتبهت إليها الأحزاب منذ الانتخابات المحلية قبل الأخيرة التي أجريت عام 2014. حيث كان قد بدأ اتجاه من الحزب الحاكم إلى زيادة مساحة سيطرته على وسائل الإعلام حتى غير المملوكة للدولة من خلال تدخل رجال أعمال كبار مقربين من الحكومة للسيطرة على الصحف والقنوات الخاصة وتغيير سياساتها الإعلامية وتوجهاتها.
يعتقد كثير من الخبراء أن اهتمام الأحزاب السياسية التركية بوسائل التواصل الاجتماعي يرجع إلى النجاح الذي حققته المعارضة في حشد جماهير المتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات الشهيرة التي شهدتها حديقة «جيزي بارك» في «تقسيم» بوسط إسطنبول في نهاية مايو (أيار) عام 2013.
وكانت تلك الاحتجاجات بدأت بسبب خطط لتطوير الميدان الأشهر في إسطنبول لكنها سرعان ما توسعت في أنحاء البلاد وانقلبت إلى احتجاجات على سياسات حكومة رئيس الوزراء في ذلك الوقت رجب طيب إردوغان.
وبعد هذا النجاح، فطنت غالبية الأحزاب التركية إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي كنمط حديث للإعلام يتجاوز الإعلام التقليدي الذي بات في معظمه نشرات مكررة لأخبار الحكومة ويخلو من التنوع وتغيب فيه أخبار المعارضة بشكل شبه تام.
بل إن تجربة أحزاب المعارضة، دفعت حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى أن يتحول بسرعة كبيرة إلى الاستفادة من تجربة خصومه في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التوسع في استخدامها وتشكيل فرق متخصصة فيها بعد أن لجأ لفترات إلى سياسة الحجب التي طالت «تويتر» و«يوتيوب» وغيرها خلال فترة احتجاجات جيزي بارك وما بعدها.
خلال فترة الدعاية للانتخابات المحلية الأخيرة، لم يظهر مرشحو أحزاب المعارضة أو رؤساء تلك الأحزاب على الشاشات التقليدية، إلا نادراً، لعدم قدرتهم على النفاذ إليها إلا من خلال الإعلانات مدفوعة الأجر، وبرز موقع التغريدات القصيرة «تويتر» كأبرز وأسرع وسائل التواصل مع الناخبين مع التوسع في استخدام «فيسبوك» و«يوتيوب» في نشر الإعلانات والمقاطع المصورة.
وعن هذه الظاهرة قالت الطالبة الجامعية نوران يلديز إن القنوات التلفزيونية لم تعد تجذب الشباب، فضلاً عن بحث مؤيدي الأحزاب المختلفة عن وسائل أخرى للاطلاع على برامج مرشحيهم حيث إن القنوات والصحف منحت حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي قاد إردوغان حملته بنفسه، غالبية مساحاتها وغطت التجمعات الانتخابية اليومية لإردوغان وكانت تنقل على الهواء في اليوم الواحد 3 أو 4 تجمعات أحياناً، مما دفع الناس إلى الملل.
وأكدت أنها كانت تتابع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر لأنها متاحة في كل وقت وبسبب سرعتها وتنوعها، مشيرة إلى أن هذه الوسائل حققت توازناً مع وسائل الإعلام التي كرست كل وقتها للحزب الحاكم.
وتقدر بعض الإحصائيات عدد مستخدمي «تويتر» في تركيا بأكثر من 15 مليون شخص، كما يتابع «يوتيوب» عدد أكبر، وتشير إلى أن هذه الوسائل باتت مصادر للأخبار لدى متابعيها، خاصة مع حرص جميع السياسيين في الحكومة والمعارضة على التواصل من خلالها.
كانت أحزاب المعارضة التركية اشتكت من غياب الحد الأدنى من الفرص لظهور مرشحيها للانتخابات الرئاسية، وكذلك تغطية مؤتمرات قادتها في الانتخابات البرلمانية اللتين أجريتا معاً بشكل مبكر في 24 يونيو (حزيران) الماضي، وكانت تتوقع أن ذلك سيتواصل خلال الانتخابات المحلية، فقررت أن تخوص معركتها بقوة اعتماداً على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت أكثر تأثيراً من وسائل الإعلام التي تتبع الحكومة أو تواليها بشكل ما أو بآخر.
ومن خلال متابعة الحملات الانتخابية، يعد مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، الفائز وفقاً للنتائج الأولية في إسطنبول، هو الأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما «تويتر»، في الوصول إلى الناخبين.
وصادرت الحكومة التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها البلاد في 15 يوليو (تموز) 2016. أكثر من 1100 شركة، وأخضعتها لإشراف صندوق التأمين على الودائع والمدخرات، واعتقل الصحافيون العاملون في الصحف والقنوات التابعة لأكثر من 170 وسيلة إعلامية ضمن هذه الشركات المصادرة.
وتوالت الانتقادات الموجهة إلى سياسة الحكومة التركية في التعامل مع ملف حرية الإعلام، وأصدرت مفوضة حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي دونجا مياتوفيتش، مؤخراً، تقريراً حول حرية التعبير في تركيا، ناقشت فيه إساءة استخدام القوانين من قبل السلطات التركية ودورها السلبي على حرية التعبير.
وقالت، خلال التقرير، إنه «لا يمكن أن تكون مكافحة الإرهاب ذريعة للتغاضي عن حقوق الإنسان ولا سيما حرية التعبير... القوانين التي تبنتها تركيا من أجل مكافحة الإرهاب جعلت الحياة مستحيلة بالنسبة للناس، وزادت حكومة تركيا من خلال تلك القوانين من قبضتها الأمنية وتعتقل كل شخص يخالفها الرأي». وجه حلف شمال الأطلسي (ناتو) انتقادات للتطورات التي شهدتها تركيا في الفترة الماضية على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان. وذكر تقرير أعدته الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، في نهاية العام الماضي، أن تركيا هي الدولة الوحيدة ضمن دول الحلف المصنفة كبلد «غير حر».
وقالت أورسولا شميت، العضو في البرلمان الألماني، إن تركيا مرت بتحول مقلق بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها في منتصف يوليو (تموز) عام 2016.
ولفت التقرير، الذي نشر الخميس قبل الماضي، إلى أن حلفاء تركيا الغربيين وجماعات حقوق الإنسان رأوا أن تصرفات حكومة أنقرة في أعقاب محاولة الانقلاب كانت غير ملائمة. وتم التعبير عن هذا الرأي بشكل متكرر من قبل أعضاء حلف الناتو خلال الدورة السنوية للجمعية في إسطنبول في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
وتحتل تركيا المرتبة 155 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة، بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود»، فضلاً عن احتلالها المرتبة الأولى على مستوى العالم في عدد الصحافيين السجناء، بحسب تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية، صدر في نهاية العام الماضي.
إعلام تركيا يعيش أزمة مصداقية بعد أسبوعين على الانتخابات
وسائل التواصل الاجتماعي قهرته بعدما أضحى منبراً لموالاة إردوغان
إعلام تركيا يعيش أزمة مصداقية بعد أسبوعين على الانتخابات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة