مسيرات ضخمة في الجزائر تطالب بتنحي بن صالح

تزيد الضغوط على قيادة الجيش للنزول عند شروط الحراك... والشرطة تعلن كشف خلية إرهابية خططت لهجمات وسط المحتجين

مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

مسيرات ضخمة في الجزائر تطالب بتنحي بن صالح

مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

نزلت حشود ضخمة من الجزائريين إلى الشوارع في مختلف المدن الكبرى للتعبير عن تمسكها برفض تسلّم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح منصب الرئيس الانتقالي في البلاد خلفاً للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. وشكّلت مسيرات أمس (الجمعة)، اختباراً لموقف الحرك الشعبي من انتقال السلطة إلى بن صالح، واختباراً مماثلاً للعلاقة مع المؤسسة العسكرية التي تبدو الآن تحت ضغط للنزول عند إرادة الشارع وتغيير الشخصيات التي تسلّمت قيادة المرحلة الانتقالية بعد تنحي بوتفليقة.
«لقد ضحوا برئيس مريض من أجل أن يستمر النظام». كان هذا رأي سليم مشري، وهو قيادي في التنظيم الجزائري المستقل عن الحكومة، «نقابة مستخدمي الإدارة العامة»، الذي شارك أمس مع مئات الآلاف في مظاهرات بالعاصمة، للمطالبة برحيل رئيس الدولة المعيّن، عبد القادر بن صالح، ومعه رئيس الوزراء نور الدين بدوي، ورئيس «المجلس الدستوري» الطيّب بلعيز. وهذه القناعة يشاركه فيها عدد كبير من نشطاء الحراك ممن يخشون «الالتفاف على المطلب الرئيسي، وهو رحيل النظام بكامله»، بحسب ما قال بعضهم.
ورغم إغلاق مداخل العاصمة وبإحكام شديد، منذ يومين، للحؤول دون التحاق أعداد كبيرة من خارجها بالحراك، عجَّت الساحات العامة، أمس، كعادتها بالحشود من كل الفئات المهنية ومن كل الأعمار. وبدأ تجمّع المتظاهرين في الساعات الأولى من النهار بالبريد المركزي، معقل «الثورة السلمية» التي انطلقت في 22 فبراير (شباط) الماضي. وكان طلبة «الجامعة المركزية» من أوائل المتظاهرين الذين رفعوا الراية الوطنية والشعارات المطالبة برحيل «كل رموز النظام».
سامية مشاط، وهي مغتربة جزائرية بفرنسا، جاءت من باريس أول من أمس (الخميس)، للمشاركة في المظاهرة، وحجزت أمس ليلاً على آخر طائرة نحو العاصمة الفرنسية، حيث يعيش زوجها وأولادها الثلاثة. قالت وهي ترتدي ألوان العلم الجزائري: «شاهدنا (أول من أمس) بن صالح يستقبل بدوي بمقر الرئاسة، وقد تحدثا في شؤون البلاد بحسب ما بثه التلفزيون الحكومي. ألا يعلمان أنهما مرفوضان شعبياً؟ يجب أن ينسحبا من المشهد. إنهما من مخلفات نظام بوتفليقة».
وبالقرب من سامية، كان خمسيني يرفع لافتة تنتقد موقف رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي أكد في خطاب، الأربعاء الماضي، دعمه لبن صالح رئيساً للمرحلة الانتقالية. وقالت وسائل إعلام بعد هذا الخطاب إن قيادة الجيش تدير ظهرها للحراك، علماً أن موقفها المساند للمحتجين دفع ببوتفليقة إلى التنحي في الثاني من الشهر الحالي وأطلق سلسلة ملاحقات ضد رجال أعمال كانوا محسوبين على الرئاسة، لكنهم متهمون بالثراء غير المشروع وفي قضايا فساد أخرى مشتبه فيها.
وقالت مصادر مقربة من وزارة الدفاع إن الفريق قايد صالح، الضابط العسكري الثمانيني، قد يغيّر موقفه من الفترة الانتقالية والشخصيات التي ستشرف عليها، وذلك بناء على مدى قوة المحتجين وإصرارهم على تنحية بن صالح. وكان قائد المؤسسة العسكرية قد تعهد مرتين في وقت سابق بـ«النزول عند مطالب الشعب كاملة»، وأعطى مؤشرات إلى عدم اعتراضه على اللجوء إلى حل سياسي بدل التقيّد بـ«المادة 102» من الدستور التي تتحدث عن تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 90 يوماً، في حالة استقالة رئيس الجمهورية. وتنتهي الفترة الانتقالية بتنظيم انتخابات رئاسية في 4 يوليو (تموز) المقبل، بحسب ما وعد الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح في كلمة له قبل أيام.
وقال نجل دبلوماسي جزائري يعمل في السنغال، وجاء من داكار إلى الجزائر من أجل المشاركة في المظاهرات: «هل يدرك من قرر هذه الانتخابات الانتحارية (الاستحقاق الرئاسي في 4 يوليو) أن شروطها غير متوافرة، وأن الإصرار عليها سيدفع البلاد لانسداد يكون الخروج منه أكثر تكلفة؟».
وأظهرت قوات حفظ النظام العام بعتادها ورجالها، إصراراً لافتاً أمس على صد محاولات محتملة من المتظاهرين للتوجه إلى قصر الرئاسة بحي المرادية بأعالي العاصمة، حيث يتواجد بن صالح وفريق المساعدين الذين ورثهم من الرئيس المستقيل بوتفليقة. وقد استعملت قوات الأمن في «ساحة موريس أودان»، القريبة من البريد المركزي خراطيم المياه لثني المتظاهرين عن مغادرتها. غير أنها بعد فترة قصيرة انسحبت أمام قوة السيل البشري الجارف.
ومساء أمس أعلنت الشرطة الجزائرية أنها أحبطت مشاريع إجرامية واسعة النطاق باعتقال مجموعة إرهابية مدججة بالأسلحة والذخيرة، كانت تخطط للقيام بأعمال إجرامية وسط المتظاهرين، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية. وقالت الشرطة، في بيان، إن هذه المجموعة عملت على استغلال الكثافة البشرية الناجمة عن التعبئة للسعي إلى تنفيذ مخططها. وأضافت أن «التحريات المنجزة سمحت بالتوصل إلى أن بعض الأسلحة التي كان يحوزها هؤلاء المجرمون، تم استعمالها في جرائم اغتيال في حق بعض منتسبي مصالح الأمن خلال العشرية السوداء (موجة العنف التي ضربت الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي)».
وتابع البيان: «خلال هذه الأسابيع، تم تحديد هوية أجانب، تم توقيفهم والكشف عن مخططاتهم، ممن جاءوا خصيصاً لإذكاء التوترات ودفع الشباب للجوء إلى أنماط متطرفة في التعبير، قصد استغلال صورهم عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». وكشفت الشرطة عن اعتقال بعض الأجانب وبحوزتهم «تجهيزات حساسة».
وكانت مديرية الشرطة أصدرت قبل ذلك بياناً دعت فيه مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي إلى «ضرورة التحلي بالحيطة والحذر من تداول ونشر بعض الصور والفيديوهات القديمة، التي تهدف إلى تضليل الرأي العام والإساءة إلى جهاز الشرطة»، في إشارة إلى مشاهد عنف من جانب شرطة مكافحة الشغب ضد المتظاهرين، بوسط العاصمة. وقال البيان إن «هذه الصور والفيديوهات المتداولة تتعلق بأخبار مغلوطة وأحداث قديمة، جرى بعضها في دول أجنبية، تنسب إلى جهاز الشرطة الجزائرية، وترمي أساساً إلى تغليط الرأي العام الوطني».
وعرفت كبرى مدن البلاد وحتى مناطق الصحراء، مشاهد مشابهة لما عاشته العاصمة أمس. ففي مسيرات مليونية، طالب الجزائريون عبر مناطق البلاد بتنحي «رموز النظام»، ودعوا رئيس أركان الجيش إلى «تنفيذ وعوده». وكما جرت العادة، يرتقب أن يصدر رد فعل من قيادة الجيش، بعد هذه المظاهرات الضخمة. فإما يعدل الفريق قايد صالح عن موقفه بخصوص بقاء بن صالح رئيساً للدولة، وإما يستجيب للمطالب الشعبية.
إلى ذلك، قال اللواء المتقاعد علي غديري إن الالتزام بالدستور هو الأسلم في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها الجزائر. ولم يتردد غديري، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، في الإعراب عن قلقه لما يمكن أن تؤدي إليه حماسة واندفاع الحراك الشعبي خصوصاً مع قيام كثير من النخب السياسية بالحديث باسمه. وأوضح غديري، الذي أعلن نيته الترشح لخوض السباق الرئاسي: «المادة 102 من الدستور تنص على أن يتولى رئيس مجلس الأمة منصب الرئيس لمدة 90 يوماً، ولكن البعض يرفض تولي عبد القادر بن صالح... وأنا أرى أن علينا التمسك بالنص الدستوري ولا داعٍ لأي تخوف... فبن صالح كان يستمد قوته ونفوذه من (الرئيس السابق) بوتفليقة، وبوتفليقة ذهب، وبالتالي لا قوة لبن صالح ولا لرئيس المجلس الدستوري (الطيب بلعيز) ولا لرئيس الحكومة (نور الدين بدوي) ولا لغيرهم من رموز النظام القديم... لم يعد لكل هؤلاء أي تأثير، وبالتالي لا ضرر من وجودهم خلال المجال المحدد لحين إجراء الانتخابات». واستطرد: «الجيش لم ينقلب على الحراك، وإنما هو ملتزم بالدستور وبتطبيق نصوصه، كما أنه حريص على تقليص المدة الانتقالية... المسار الدستوري ربما قد يكون أشق، لكنه الأضمن لإجراء الانتخابات في أقرب أجل ممكن... وكل من ينادي برئاسة جماعية أو أي حل آخر فإنه يسهم بذلك في تمديد المرحلة الانتقالية».
يشار إلى أنه في أعقاب إعلان وزارة الداخلية الجزائرية فتح باب الترشيح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، أكد غديري أول من أمس (الخميس)، نيته الترشح للسباق الانتخابي.
وشدد غديري على أن قلقه لا يتعلق بجهات أو أحزاب بعينها، وقال: «هناك قوى إسلامية وغير إسلامية وحتى قوى أجنبية تستعد لخرق الحراك والتموقع من الآن داخل المجتمع، وبالطبع لن يكون هذا في صالح البلاد». واعتبر أن «الإسلاميين بالجزائر لا يشكلون خطراً كبيراً، فقد هُزموا سياسياً وعسكرياً... كما أنهم يدركون أنهم فشلوا في مصر وفي سوريا، وأصبح الفشل يرافقهم أينما كانوا».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.