هل يتراجع استهلاك اللحوم عربياً؟

ثورة عالمية في إنتاجه

إنتاج اللحوم معملياً
إنتاج اللحوم معملياً
TT

هل يتراجع استهلاك اللحوم عربياً؟

إنتاج اللحوم معملياً
إنتاج اللحوم معملياً

في شهر أغسطس (آب) 2013، شهد العالم أول اختبار تذوق للحم مصنع في أنابيب اختبار قام بتطويره مجموعة من الباحثين في جامعة ماستريخت الهولندية، من مجموعة خلايا جذعية بقرية، بتمويل من سيرجي برين، الشريك المؤسس لمحرك البحث «غوغل»، وبكلفة تجاوزت 300 ألف دولار. محور الاختبار إنتاج شطيرة «لحم اصطناعي» تزن 130 غراماً فقط، وكانت النتيجة أن الطعم قريب من مذاق اللحم الحيواني.
لا تعدو إمكانية تصنيع لحوم في المختبرات كونها واحدة من بين التطورات الكثيرة في عالم الغذاء المتغير دوماً، وهي بفكرتها الاستثنائية وأسلوبها غير الطبيعي تمثل نقطة تحول ثالثة في علاقة الإنسان مع الحيوانات التي تستهلك كطعام. وتبقى التربية المكثفة للمواشي والدواجن هي الناظمة لإنتاج اللحوم في العالم حالياً، أما ظهور سوق ترتكز على اللحوم الاصطناعية فهو حلم قد يتحقق في المستقبل المنظور. فالأمور متداخلة، وفي كل بلد يقترن إنتاج اللحوم بالسياسات الاقتصادية وطبائع المجتمع ونظم الإنتاج، وهذا يترك أثراً واضحاً على البيئة والإنسان والحيوان.

- آثار سلبية على البيئة
في جميع أنحاء العالم، يجري تخصيص المزيد من الموارد لإنتاج اللحوم. وعلى عكس ما هو شائع، فإن قطاع تربية المواشي، لا صناعة الأخشاب، هو المحرك البشري الأول لإزالة الغابات عالمياً. ووفقاً لمنظمة «غرينبيس»، يعد إنتاج اللحم البقري مسؤولاً وحده عن 14 في المائة من المساحات التي يجري اقتطاعها من الغابات حول العالم سنوياً، كما أنه العامل المباشر الذي تسبب في إزالة 80 في المائة من مجمل المساحات المقطوعة ضمن غابات الأمازون.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) قد أجرت في سنة 2006 تقييماً للآثار البيئية الناجمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن صناعة اللحوم. وفي تقريرها «الظل الطويل للثروة الحيوانية»، أشارت «الفاو» إلى أن قطاع المواشي والدواجن مسؤول عن 18 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي، وهذا يفوق ما يتسبب به قطاع النقل بأكمله.
وجاءت دراسة أعدها باحثون في جامعة أكسفورد البريطانية سنة 2018 متوافقة مع تقديرات «الفاو»، حيث خلصت إلى أن إنتاج الطعام مسؤول عن 26 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة، وأن المنتجات الحيوانية تتسبب بنحو 58 في المائة من الانبعاثات المرتبطة بإنتاج الطعام عالمياً، رغم أنها لا توفر لمتناوليها أكثر من 20 في المائة من السعرات الحرارية التي يحصلون عليها عبر الغذاء.
وتقول دراسة جامعة أكسفورد إن تجنب تناول اللحوم والألبان قد يخفض ما ننتجه من غازات الاحتباس (أو بصمتنا الكربونية) من الطعام بنحو الثلثين. ولا يقل عن ذلك أهمية معرفة أين تنتج الأطعمة التي نتناولها، والكيفية التي تُنتج بها، حيث يمكن للمواد الغذائية نفسها أن تترك آثاراً بيئية متباينة من مكان إلى آخر. فعلى سبيل المثال، ينتج عن الماشية التي ترعى على أراضي الغابات الجرداء 12 ضعف كمية غازات الدفيئة التي تتسبب بها الماشية التي ترعى في الحقول الطبيعية. وتؤدي لحوم البقر المنتجة في أميركا اللاتينية إلى انبعاث 3 أضعاف كمية الغازات المسببة للاحترار العالمي التي تعزى للحوم البقر المنتجة في أوروبا، نتيجة تربيتها على مساحات أرض تزيد بعشر مرات.
ويستخدم البشر نحو ربع مساحة اليابسة لرعي المواشي وتربية الدواجن. كما يخصصون 43 في المائة من الأراضي الحقلية لإنتاج الأعلاف، أو ما يعادل 14 مليار هكتار من الأراضي الزراعية في سنة 2016. وبالتالي، فإن الأرض المخصصة للإنتاج الحيواني تمثل 30 في المائة من مساحة اليابسة، إذا استثنينا السطوح الجليدية.
ويمتد تأثير إنتاج اللحوم ليطال الموارد المائية العذبة، حيث أظهرت دراسة أعدها باحثون سويديون، ونشرت في مجلة «سياسة الغذاء» سنة 2016، أن إنتاج كيلوغرام واحد من لحوم البقر يحتاج إلى 15500 لتر من الماء، بينما يمكن استخدام الكمية ذاتها لإنتاج 12 كيلوغراماً من القمح، و118 كيلوغراماً من الجزر.
ويُقدر أن إنتاج الأعلاف حول العالم مسؤول عما نسبته 15 في المائة من كميات المياه الجوفية التي يجري ضخها سنوياً، لا سيما في منطقة السهوب المرتفعة جنوب الولايات المتحدة، وأجزاء كثيرة من الهند والصين وبوتسوانا. وفي السعودية، كانت كمية المياه التي تستهلكها زراعة الأعلاف الخضراء تساوي 17 مليار متر مكعب، في مقابل 3 مليارات متر مكعب يستهلكها القطاع السكني والتجاري سنوياً، وهذا ما دفع الحكومة السعودية إلى البدء في تطبيق حظر على زراعة الأعلاف للحفاظ على الموارد المائية، اعتباراً من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.

- تضاعف في الإنتاج العالمي
تتداخل في صناعة تربية الماشية المكثفة كثير من العوامل السياسية والاقتصادية، إلى جانب تداعياتها البيئية والأخلاقية، لأن هذا النوع من السلع يتسبب بأضرار بيئية واضحة، ويحظى في المقابل بتواطؤ السلطات. وهذه الأضرار تزداد سنة بعد سنة، بعدما دخل العالم في «ثورة بنية»، حيث أنتج المزارعون 276 مليون طن من أنواع اللحوم المختلفة في سنة 2007، وهذا يعادل 4 أضعاف ما أُنتج في سنة 1961. ومنذ ذلك الحين، ارتفع هذا الرقم إلى 323 مليون طن في سنة 2017، أي بزيادة 17 في المائة في غضون 10 سنوات.
ويقدر تقرير «التوقعات الزراعية 2018 - 2027»، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن يرتفع إنتاج العالم من اللحوم بمقدار 15 في المائة في غضون السنوات العشر التالية. ومن المتوقع أن تستأثر البلدان النامية بأغلبية الزيادة الكلية في الإنتاج، بفضل اتساع استخدام نظم التغذية المكثفة التي تقوم على الحبوب.
ويشير التقرير إلى تناقص في الطلب العالمي على لحوم الدواجن والخنزير، في مقابل زيادة الطلب على لحوم العجول والخراف، لا سيما لدى المستهلكين في البلدان النامية، وذلك بفضل نمو الدخل الذي يسمح بتنويع مصادر البروتين الحيواني، لتشمل المنتجات ذات السعر الأعلى، مثل اللحوم الحمراء.
ومن الواضح أن النمو المتسارع في إنتاج اللحوم خلال السنوات الخمسين الماضية كان نتيجة زيادة عدد سكان العالم إلى أكثر من الضعف، إلى جانب ارتفاع مستوى الدخل العالمي إلى أكثر من 3 أضعاف خلال الفترة ذاتها. ولكن الزيادة في كميات اللحوم المعروضة لم تكن لتتحقق من دون تطور آليات الإنتاج الصناعي المكثف، التي سمحت لعدد محدود من الشركات الضخمة بالسيطرة على أغلبية إنتاج البروتين الحيواني حول العالم.
وحسب المعطيات الأخيرة الواردة في تقرير «التوقعات الزراعية 2018 - 2027»، يحظى سكان أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) بأعلى حصة من اللحوم عالمياً، حيث استهلك الفرد الواحد سنوياً 94.36 كيلوغرام من اللحوم المختلفة، وفقاً لمتوسط السنوات بين 2015 و2017، في حين كان معدل الاستهلاك العالمي من اللحوم 34.26 كيلوغرام في السنة.
وكان للنمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته بعض الدول، خصوصاً دول بريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، تأثير كبير في زيادة الاستهلاك العالمي، حيث تجاوزت حصة الفرد من اللحوم في هذه الدول 32 كيلوغراماً سنوياً. وإذا استثنينا الهند، حيث يقارب استهلاك الشخص 4 كيلوغرامات فقط في السنة بسبب المعتقدات الدينية، فإن باقي دول «بريكس» عرفت تضاعفاً في الاستهلاك. وفي الصين، على سبيل المثال، ارتفع استهلاك المواطن من اللحوم إلى 20 كيلوغراماً في نهاية ثمانينات القرن الماضي، بعدما كان في الستينيات لا يتجاوز 5 كيلوغرامات في السنة. وفي السنوات الأخيرة، تجاوز الاستهلاك 60 كيلوغراماً.

- اتجاهات متباينة عربياً
ليس ببعيد عن معدلات استهلاك اللحوم في دول «بريكس»، تبلغ حصة الفرد الواحد في العالم العربي 25 كيلوغراماً في السنة. وللمقارنة، يمثل هذا الاستهلاك ضعف حصة الشخص في أفريقيا، حيث يبلغ المعدل 12.4 كيلوغرام، وهو أدنى استهلاك لمنطقة محددة في العالم.
لكن معدل الاستهلاك العربي يخفي خلفه تباينات واسعة، ترتبط بمعدلات الدخل الوطنية. فالدول الخليجية، إلى جانب لبنان والأردن، تستهلك اللحوم بكميات تفوق المعدل العالمي، وقد تجاوز الاستهلاك في الكويت والسعودية خلال سنوات محددة أكثر من 100 كيلوغرام للشخص في السنة. أما الدول الأقل دخلاً، بالإضافة إلى العراق والجزائر، فيتراوح الاستهلاك السنوي للفرد فيها ما بين 20 و30 كيلوغراماً في السنة.
وما يميز استهلاك اللحوم في العالم العربي اعتماده على الدواجن بشكل كبير، ثم على لحوم أنواع الماشية المختلفة، باستثناء لحم الخنزير، علماً بأن النوع الأخير هو الأكثر طلباً في السوق العالمية.
وفيما شهدت جيبوتي وموريتانيا تراجعاً في استهلاك اللحوم خلال السنوات الخمسين الماضية، فإن جميع الدول العربية عرفت زيادة ملحوظة في معدلات الاستهلاك. وتأثرت هذه الزيادة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، لا سيما بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وحرب الخليج الثانية 1990 - 1991، وتراجع أسعار النفط خلال العقد الأخير، واضطرابات الربيع العربي. ويؤكد تقرير «الأمن الغذائي.. تحديات وتوقعات»، الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) سنة 2014، ضرورة أن تكون نظم الإنتاج الحيواني في العالم العربي مستدامة، وتراعي حماية البيئة، من خلال تخفيف التلوث، وتعزيز كفاءة استخدام المياه، والاستخدام المستدام للأراضي، كما يدعو التقرير إلى التقليل من استهلاك اللحوم، والتحوّل إلى استهلاك المزيد من الخضراوات والفاكهة والحبوب، من أجل حماية البيئة والصحة العامة في وقت واحد.
ويبدو أن الدول العربية لا تملك خياراً آخر سوى السير في هذا الاتجاه، نتيجة ندرة الموارد المائية المتاحة، ومحدودية الأراضي الصالحة للرعي، وزراعة الأعلاف. ولعل التحولات التي شهدتها البلدان الخليجية في السنوات القليلة الماضية، من خلال الحد من زراعة الأعلاف للحفاظ على المياه الجوفية، والسير في خفض الدعم الحكومي، كانت عاملاً مؤثراً في تراجع استهلاك اللحوم في الإمارات والكويت، وتباطؤ الاستهلاك في السعودية.


مقالات ذات صلة

خبراء ينصحون: لا تشترِ هذه الأطعمة مرة أخرى

صحتك فتيات يتناولن الآيس كريم على جسر ويستمنستر في لندن (إ.ب.أ)

خبراء ينصحون: لا تشترِ هذه الأطعمة مرة أخرى

ينصح الخبراء باستبعاد مجموعة من الأطعمة تماماً من وجباتك الغذائية. وللأسف، أكثر الأطعمة غير الصحية التي نتناولها هي غالباً الأطعمة الأفضل طعماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد طفل يلعب في حقل للشعير بمدينة صنعاء اليمنية (إ.ب.أ)

أسعار الغذاء العالمية تنخفض للشهر الثالث في نوفمبر

انخفضت أسعار السلع الغذائية الأساسية العالمية للشهر الثالث على التوالي في نوفمبر، مع تراجع أسعار السلع الرئيسية باستثناء الحبوب.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد إحدى مناطق الاستزراع السمكي في المنطقة الشرقية (واس)

السعودية تعيد رسم خريطة الأسماك... من الاستيراد إلى التصدير

يشهد قطاع الاستزراع السمكي في السعودية منذ سنوات طفرة متسارعة جعلته اليوم أحد أعمدة تحقيق الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الواردات

أسماء الغابري (جدة)
العالم العربي خطة أممية تهدف إلى تحسين إنتاجية وتنوع وجودة الزراعة في اليمن (الأمم المتحدة)

خطة طوارئ أممية لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن

وضع مكتب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في اليمن خطة طوارئ جديدة لتعزيز وتنفيذ برامج واستراتيجيات تُعنى بأولويات الأمن الغذائي في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات

محمد ناصر (تعز)
شؤون إقليمية اشتعال النيران في ناقلة النفط «كايروس» التابعة لـ«أسطول الظل» الروسي إثر هجوم أوكراني عليها بالبحر الأسود قبالة ساحل تركيا يوم 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

تركيا قلقة إزاء هجمات أوكرانيا على ناقلتين تابعتين لـ«أسطول الظل» الروسي

عبّرت تركيا عن قلقها إزاء هجمات تبنتها أوكرانيا على ناقلتَيْ نفط تابعتين لـ«أسطول الظل» الروسي، في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها بالبحر الأسود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.