ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة

تنفيذ «إصلاحات» المؤتمر الاقتصادي يحسم بين الإنقاذ والانهيار

ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة
TT

ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة

ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة

تحلو للبعض تسمية الحكومة اللبنانية الجديدة - التي أراد لها رئيسها سعد الحريري تسمية «حكومة إلى العمل» - بـ«حكومة سيدر». في إشارة إلى المؤتمر الذي عُقد في العاصمة الفرنسية باريس، في أبريل (نيسان) الماضي، وحصّل خلاله لبنان منحاً وقروضاً ميسرة بقيمة 11.5 مليار دولار أميركي، لإعادة تأهيل بنيته التحتية. ذلك أن القوى السياسية، رغم بعض السجالات الجانبية، ملتزمة على ما يبدو (أقله في المدى المنظور) بالانصراف إلى تعبيد الطريق أمام عشرات المشروعات التي يفترض أن تبصر النور خلال السنوات القليلة المقبلة لانتشال الاقتصاد اللبناني من الأزمة الكبيرة التي يرزح تحتها، ما أدى إلى شح في السيولة، وخاصة بالعملات الأجنبية. ويتعاطى الحريري مع «سيدر» على أنه بداية لعملية تحديث الاقتصاد اللبناني، وإعادة تأهيل البنية التحتية، إضافة إلى إطلاق إمكانات القطاع الخاص، وصولاً إلى تحقيق النمو المستدام.

تكفّل البنك الدولي بتأمين ثلث المبلغ، الذي وعد به المانحون خلال مؤتمر «سيدر»، الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس أخيراً لدعم لبنان، ووعد بمنح وقروض قيمتها 11.5 مليار دولار، بينما تكفلت دول الاتحاد الأوروبي بثلث آخر. أما الثلث الباقي فتعهدت بتأمينه الدول العربية وصناديقها التنموية. ولا تخرج نتائج «سيدر» بأي هبات، بل هي قروض ميسرة بفائدة لا تتعدى الواحد والنصف في المائة، مع فترات سماح تتراوح بين 7 و10 سنوات، وآجال تتعدى 25 سنة.
ولقد بدأت عملياً الاستعدادات للاستفادة من مبالغ «سيدر» ومشاريعه، مع زيارة المبعوث الفرنسي بيار دوكين، المكلف مواكبة تنفيذ مقررات المؤتمر إلى بيروت، أخيراً، حاملاً «رزمة» نصائح للمسؤولين اللبنانيين، مرتبطة بشكل أساسي بوجوب إقرار خطة للإصلاحات في القطاعات المتفق عليها كي تكون الصورة واضحة عند المستثمرين لكسب ثقتهم. وقال دوكين، في اختتام زيارته، إنه استخلص أن لبنان مستعد للبدء بالإصلاحات والاستثمارات.

- انطلاق ورشة الإصلاحات
أطلقت الدولة اللبنانية خلال الأشهر الماضية ورشة لتنفيذ إصلاحات إدارية ومالية، كان مؤتمر «سيدر» قد اشترط تنفيذها، وبدأت بقرارين وجّههما الرئيس الحريري إلى الوزارات والإدارات، دعاها فيهما إلى ترشيد الإنفاق وضبط الهدر، وصولاً إلى إجراءات تأديبية باشرت المؤسّسات القضائية والرقابية اتخاذها. وترافق ذلك مع وضع لجنة المال والموازنة النيابية ملف التوظيفات العشوائية التي حصلت خلال العام الماضي على الطاولة لمحاسبة المرتكبين، بالتزامن مع عمل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على تسريع عملية تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ولعل أبرز الاجتماعات التي عقدها الحريري قبل اجتماعه بدوكين، للبحث في الخطوات اللازمة للإسراع في تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، كان اجتماعه بمدير مكتب البنك الدولي لدول المشرق ساروج كومار جا، وممثلين عن المؤسسات المالية العربية والأوروبية والدولية المانحة. ونوقشت أولوية المشاريع التي يتضمّنها «سيدر»، والتأكيد لأول مرة بعد تشكيل الحكومة بعد 9 أشهر من التعطيل، على دعم كل المؤسسات من جديد للبنان، لتطبيق هذا البرنامج. وجزم البنك الدولي بأن التعهدات المالية التي التزم بها في باريس العام الماضي لا تزال قائمة، معرباً عن تطلعه إلى العمل مع حكومة لبنان، للمساعدة في تطبيق المشاريع ذات الأولوية في مختلف القطاعات.
ويبدو أن التوجّه هو لتشكيل لجنة تقنية، مقرها بيروت، تعقد اجتماعات دائمة كل شهر أو خلال شهرين، وترفع تقاريرها إلى هيئة دولية عليا، مقرها باريس، تتولّى تقويم ما نُفّذ، وأحياناً تتولى إدخال تعديلات على الاستراتيجية الموضوعة لضمان حسن تنفيذ المشروعات التي اتفق عليها في «سيدر». وتحدثت مصادر «الشرق الأوسط» في وقت سابق عن اتفاق بين دوكين والحريري على أن تجتمع الهيئة العليا في باريس على مستوى وزراء، أو على مستوى رئيس الوزراء، بحضور ممثلين عن الدول والمؤسسات المالية المانحة، على أن تكون اجتماعاتها سنوية، مع إمكانية أن تلتئم بصورة استثنائية إذا دعت الحاجة.
ووفق الدكتور نديم المنلا، مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، فإن التركيز الأساسي في المرحلة الراهنة هو على المواءمة بين المشاريع والتمويل، أي التأكد من أنه لن تحظى بعض القطاعات بتمويل كبير، في حين تبقى قطاعات أخرى من دون تمويل، إضافة إلى ضمان عملية الإسراع في إقرار وتنفيذ المشاريع، بحيث لا تتجاوز الفترة ما بين تحديد المشروع والبدء بالصرف عليه ما بين 12 إلى 15 شهراً.
ومن جهته، يعتبر الخبير المالي والاقتصادي الدكتور غازي وزنة أن المهلة التي حدّدها المنلا «منطقية جداً، فكل مشروع قبل انطلاق تنفيذه يحتاج إلى دراسة لتحديد الجدوى الاقتصادية والمالية منه، على أن ننتقل بعدها لعملية الموافقة عليه من قبل الحكومة، قبل إحالته إلى المجلس النيابي، وصولاً لعرضه على المجتمع الدولي للسير به واختيار الشركات المناسبة لتنفيذه، وهذا مسار طويل يحتاج للوقت». ويشير وزنة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قدرة الاقتصاد اللبناني أصلاً لا تتخطى المليار أو المليار ونصف المليار من المشاريع الاستثمارية سنوياً، علماً بأن كل مشروع يحتاج 3 أو 4 سنوات للتنفيذ.

- ثلاث مراحل
قُسمت الحصيلة المرتقبة لمؤتمر «سيدر» على 3 مراحل؛ الأولى من 5 سنوات، ورصد نحو 11 مليار دولار لها لتنفيذ 106 مشاريع، علماً بأن 30 في المائة من المبلغ هو من القروض و7 في المائة فقط من الهبات. والثانية رصد لها نحو 6.5 مليار دولار. والثالثة رصدت لها الحكومة اللبنانية نحو 5.8 مليار دولار، ليكون مجموع المبلغ الذي طلبته الحكومة نحو 23 مليار دولار، على أن يتراوح موعد التنفيذ بين 12 و15 سنة.
هذا، وقدّم لبنان خلال مؤتمر «سيدر» رؤية شاملة من أجل الاستقرار والنمو وفرص العمل. وتقوم هذه الرؤية على 4 ركائز متكاملة...
أولاً - برنامج إنفاق استثماري بالبنى التحتية، يتضمّن 250 مشروعاً، بكلفة 23 مليار دولار، مقسّم على 12 عاماً، وينفّذ على 3 مراحل.
ثانياً - إصلاح مالي، بمعدل واحد في المائة سنوياً.
ثالثاً - إصلاحات هيكلية لتحديث الإدارة ومكافحة الفساد وتحديث التشريعات لعمل القطاع الخاص، وإصلاحات قطاعية لتحقيق الفائدة القصوى من الاستثمارات بالقطاعات.
ورابعاً - استراتيجية لتطوير القطاعات الإنتاجية وزيادة حجم الصادرات.
وبحسب الرئيس الحريري، فإن الـ11.5 مليار دولار، التي تم الالتزام بها في مؤتمر باريس، تغطي الحاجات التمويلية للمرحلة الأولى من برنامج الإنفاق الاستثماري، وأكثر قليلاً. ولفت إلى أن المجال ما زال مفتوحاً لمساهمة دول جديدة كالصين واليابان وكوريا الجنوبية، موضحاً أنه يتابع اتصالاته في هذا المجال.

- الفرصة الأخيرة
وفي حين يعتبر خبراء اقتصاديون أن مؤتمر «سيدر» يشكل «خشبة الخلاص» للبنان، يفضّل الدكتور سامي نادر مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» القول إن ما أقرّه المؤتمر «يشكل الفرصة شبه الأخيرة للبلد لانعدام البدائل، خاصة أنه ضخ سيولة في الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من ضغط في السيولة، إن لم نقل من شح، وخاصة في العملات الأجنبية». ويوضح نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ العام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة في سوريا، يمكن الحديث عن «توأمة في العجزين»، أي عجز ميزان المدفوعات وعجز الخزينة، الذي يفاقم العجز الأول، شارحاً أنه في السنوات الـ4 الماضية تفاقم العجز بـ20 مليار دولار، في وقت لم يكبر اقتصادنا إلا بنحو 4 مليارات دولار. ويستخلص: «نحن بحاجة إلى نفقات استثمارية لتكبير الاقتصاد».
من ناحية ثانية، عقدت الجهات اللبنانية المعنية منذ أبريل الماضي اجتماعات ثنائية عدة مع البنك الدولي والبنك الأوروبي ومع كل المؤسسات، جرى خلالها الاتفاق على عدد من المشاريع، على أن تأخذ طريقها إلى مجلسي الوزراء والنواب. ويؤكد المنلا، مستشار الحريري، أنه «لا شروط فرضتها الدول والمؤسسات المقرضة»، رغم الحديث عن ربط تنفيذ المشاريع بإقرار الإصلاحات اللازمة، وعن أن المؤتمر ألزم النازحين (أي اللاجئين) السوريين العمل في المشاريع التي يموّلها. وبينما أشار المنلا إلى أن القانون اللبناني يسمح بعمالة سورية في قطاعات ثلاثة، منها البنى التحتية والبيئة والزراعة، اعتبر أن هذه العمالة «ستكون طبيعية، خاصة أن أكثر من نصف مليون سوري يعملون في البنى التحتية، وهذا أمر ليس غريباً على لبنان، ولا مستحدثاً بسبب النزوح، وذلك نتيجة النقص في العمالة بالبنى التحتية».
الأمر نفسه أشار إليه غازي وزنة، مذكّراً بأن اليد العاملة اللبنانية «غير متوافرة في كثير من المشروعات، كالعمل في الطرقات والسدود والصرف الصحي والبناء». وأوضح أنه لا أرقام دقيقة بخصوص اليد العاملة التي ستستلزمها مشروعات «سيدر»، متحدثاً عما بين 70 و80 فرصة عمل.
أما فيما يخصّها، فقد التزمت الحكومة في بيانها الوزاري، بالتنفيذ السريع والفعال لبرنامج اقتصادي، إصلاحي، استثماري، خدماتي واجتماعي وإنمائي متوازن، يستند إلى الركائز الواردة في رؤية الحكومة اللبنانية السابقة المقدمة إلى مؤتمر «سيدر»، وتوصيات المجلس الاقتصادي الاجتماعي. ووفق البيان، فإن هذا البرنامج هو سلة متكاملة من التشريعات المالية والاستثمارية والقطاعية ومن الإجراءات الإصلاحية التي يرتبط نجاحها بعدم تجزئتها أو تنفيذها انتقائياً، وأن يستكمل بما يقرّ من توصيات دراسة «ماكينزي» الاقتصادية.
أيضاً تم الالتزام بالتسريع في تنفيذ المشاريع التي تيسّر تأمين التمويل لها قبل انعقاد «سيدر»، والتي تقدر قيمتها بــ3.3 مليار دولار أميركي، والشروع في تنفيذ برنامج الإنفاق الاستثماري، كما جاء في مؤتمر «سيدر»، وتقدر قيمته بـ17 مليار دولار أميركي. وسيستثمر هذا المبلغ الأخير على مدى 8 سنوات بعد إقرار المشاريع والأولويات في مجلس الوزراء، ويُلحظ فيه مبلغ 5 مليارات دولار أميركي، من أصل قيمته الإجمالية، ويأتي من القطاع الخاص المحلي والخارجي، ضمن آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، على أن تجري مراجعة دورية للبرنامج الاستثماري، بهدف تحديثه وتطويره وفقاً لحاجات الدولة، وأولوياتها، وتأمين التمويل اللازم للاستملاكات.

- شراكة لبنانية - دولية
الحريري وصف مؤتمر «سيدر» بأنه شراكة بين لبنان والمجتمع الدولي، لتأمين استقرار لبنان وتحقيق نمو مستدام وإيجاد فرص عمل للشباب، وشراكة لمواجهة تداعيات أزمة النازحين (اللاجئين) السوريين، ولحماية النموذج اللبناني للسلم الأهلي والعيش المشترك.
هذا، وتعهد البنك الدولي منح لبنان 4 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتمويل مشاريع استثمارية، حسب ما أعلنت المديرة التنفيذية للمؤسسة الدولية كريستالينا جورجيفا. ومن جهتها، قررت المملكة العربية السعودية تجديد قرض بقيمة مليار دولار، كانت قدمته للبنان في السابق، من دون استخدامه، بحسب نديم المنلا مستشار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. أما بما يخص الدول الأوروبية، فقد منحت فرنسا لبنان 550 مليون يورو من القروض بفوائد مخفضة وهبات لتمويل مشاريع استثمارية. وأعلن السفير الفرنسي لدى بيروت برونو فوشيه أن الاتحاد الأوروبي سيساهم بحجم 150 مليون يورو، وهولندا بـ300 مليون، والمملكة المتحدة بـ130 مليوناً، أما إيطاليا فستقدم 120 مليوناً.

- الكهرباء أولاً
في هذه الأثناء، يرى خبراء اقتصاديون في بيروت أن أهمية «سيدر» تكمن في تبنّيه مشروعات استثمارية يناهز عددها 250 مشروعاً، وفي المبالغ التي رصدها وكيفية توزيعها على قطاعات حيوية، كرصد 5 مليارات دولار لمشاريع النقل والموصلات، و4 مليارات دولار لمشاريع الكهرباء، و5 مليارات دولار لمياه الشرب والري والصرف الصحي، و1.5 مليار دولار للنفايات الصلبة.
ويعتبر هؤلاء الخبراء أن الخطوة الأولى باتجاه انطلاق العمل بمشاريع «سيدر» هي تحقيق إصلاح جذري بقطاع الكهرباء، وهو ما أشار إليه بوضوح البنك الدولي. وتلحظ أي عملية إصلاح - بحسب الدكتور نادر - «ضبط العجز في هذا القطاع» الذي يشكل 30 في المائة من إجمالي العجز العام، وتأمين قوة دفع للاقتصاد من خلال تفعيل استراتيجيات النمو وتخفيض كلفة الإنتاج. أما الدكتور وزنة فيشير إلى «توافق بين القوى السياسية على إعطاء الأولوية لمعالجة أزمة الكهرباء والصرف الصحي»، وإن كانت التحديات تطال المشاريع الأخرى، في ظل خلاف مرتقب على تحديد هذه المشاريع، بحسب الأولوية وتوزيعها مناطقياً.
للعلم، يبلغ عجز الكهرباء في لبنان نحو مليار و800 مليون دولار. ووفقاً للبنك الدولي، فإن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، بسبب الأزمة السورية كانت 18 مليار دولار حتى عام 2015. وارتفعت نسبة الفقر والبطالة بشكل ملحوظ، وانخفضت الصادرات بمقدار الثلث.
وتعتبر دراسات اقتصادية حديثة أن لبنان بحاجة إلى ترشيد الإنفاق الاستهلاكي، وإلى تحسين الإمكانات التصديرية وضبط نمو الاستيراد الوطني. وفي الوقت ذاته، يحتاج إلى ترشيق حجم القطاع العام، وزيادة الاستثمارات الخاصة والعامة، باعتبار أن الاقتصاد اللبناني اقتصاد استهلاكي، يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الاستهلاكي للقطاع الخاص الذي يشكّل نحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن حجم القطاع العام يكبر، إذ إن مساهمته الاقتصادية باتت تقارب 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كل هذا في الوقت الذي يساهم الإنفاق الاستثماري الخاص بنحو 42 في المائة، بينما صافي التصدير أو العجز التجاري يساهم سلباً بنحو 38 في المائة من الناتج ذاته.
وفق «المركز اللبناني للدراسات»، فإن «سيدر» فشل في تقديم رؤية إنمائيّة ترشّد الاستثمار، معتبراً أن الوثائق الداعمة تخلط بين تنمية البنية التحتيّة وتلزيم المشاريع، وهي تحصر البنية التحتيّة بقائمة من الصفقات الكبيرة، وتمزج بين مفهوم «التنمية الوطنيّة» وبناء فرادى الطرق السريعة، والسدود، ومحطّات تكرير مياه الصرف، ومعامل توليد الطاقة، وشبكات الألياف الضوئيّة، والمطارات، والمرافئ.
وتعتبر إحدى دراسات «المركز» أنه لا يمكن لتنمية البنية التحتيّة أن تقتصر ببساطة على قائمة من فرادى المشاريع الشديدة الاعتماد على رأس المال. ويرى أنه تفادياً لإجراء رحلاتٍ مستقبليّة إلى باريس، يتوجب على الحكومة إعادة هيكلة أولويّات الإنفاق، واعتماد نظام ضريبي أكثر إنصافاً.

- «سيدر وهواجس «حزب الله»
> إذا كانت كل القوى السياسية اللبنانية تجمع على أهمية الأموال التي رصدها مؤتمر «سيدر» للنهوض بالاقتصاد اللبناني، فإن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، كان قد استبق المؤتمر بالتحذير من أبعاده السياسية والمالية، ورأى فيه «مجرّد إغراق لبنان في الديون، ورهن قراره للخارج».
وتشير مصادر مطلعة على أجواء الحزب إلى أن موقفه لم يتغير بالمطلق، وتذكر هذه المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب سيتعاطى مع مشاريع «سيدر» على «القطعة» وليس بالجملة، بحيث يلجأ إلى التدقيق بالملفات قبل إقرارها، بحيث يمكن أن توافق قيادة الحزب على صفقة بـ5 مليارات دولار، «إذا رأت أنها مفيدة، وترفض أي مشروع آخر». وتكشف المصادر أن الحزب أنشأ لجاناً متخصصة تضم 85 خبيراً ومراقباً، مقسمة على 3 خلايا، لمتابعة هذه الملفات، والشأن الاقتصادي كله، علماً بأنه يولى هذا الشأن أهمية قصوى. وتنحصر مهام الخلية الأولى بجمع المعلومات، بينما تقوم الخلية الثانية بالدراسات القانونية اللازمة، وتراقب الخلية الثالثة تقدير الجدوى. وبحسب المصادر، «اتفق على ألا يُعمم جدول أعمال أي جلسة حكومية على الوزراء - من الآن فصاعداً - قبل 24 ساعة، إنما قبل أسبوع على الأقل، ليتسنى للحزب إجراء الدراسات اللازمة لكل ما ورد فيه».
وهنا، يشير الدكتور غازي وزنة إلى أن «أكثر ما يقلق الحزب (كما تقول مصادره) سوء استخدام الأموال، فيتم تفعيل منطق المحاصصة»، إضافة إلى خوفه من أن تترافق المشاريع مع فرض إجراءات ضريبية جديدة، ووصولاً إلى مخاوفه مما يعتبره «خصخصة غير مدروسة»، باعتبار أن «سيدر» يلحظ إشراك القطاع الخاص بما نسبته 40 في المائة من المشاريع. أما الدكتور سامي نادر، فيرى أن أبرز نقاط ضعف «سيدر» أنه يرتب على الدولة ديوناً كان يمكن تفاديها، فيما لو شكلت الدول المانحة صندوقاً مخصّصاً للاستثمار في لبنان، «لكن حسابات داخلية وخارجية مختلفة عرقلت مثل هذا الخيار».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».