«سي إن إن» تحت المجهر بعد ضمها مسؤولة جمهورية لطاقم تغطية انتخابات 2020

حالة من الغضب تسود بين موظفي المحطة وتوقعات بازدياد الانقسام

TT

«سي إن إن» تحت المجهر بعد ضمها مسؤولة جمهورية لطاقم تغطية انتخابات 2020

عقب فوز الرئيس دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية عام 2016، كتبت جيسيكا ييلين التي عملت مراسلة لمحطة «سي إن إن» في البيت الأبيض مقالاً في زاوية الرأي بصحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «كيف يمكن إنقاذ (سي إن إن) من نفسها.
المقال كان بمثابة ترداد لجرس إنذار حول السؤال الذي بدأ يتداوله «مدمنو» هذه المحطة ذائعة الصيت وغيرها من المحطات المرموقة.
اتُهمت المحطات الإخبارية بأنها تحولت إلى مجرد استوديو يشغله خبراء وناقدون يجلسون أمام الكاميرات يتجادلون حول التغريدات والاستطلاعات. بات الرئيس ترمب محور كل شيء.
تباعاً، أثار قرار «سي إن إن» بتوظيف سارة إيسيغور إحدى الناشطات من الحزب الجمهوري كمحررة سياسية، في إطار استعداداتها لتغطية الانتخابات الرئاسية عام 2020. جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية.
كارل إيدسفوغ أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة كنت بولاية أوهايو قال في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن الإعلام انتهى في الولايات المتحدة، ولم يعد هناك صحافة. وأضاف: «صار التشويق هو سيد المرحلة، والمشكلة هي ترمب». وأشار إلى أن «المحطات لا تقوم بواجبها وبات همها الربح وليس المحاسبة».ووفقاً لإيدسفوغ: «إذا شاهد المرء أي محطة أميركية بنسختها الدولية، سيعثر على إعلام جيد، لكن داخل أميركا الأمر مختلف تماماً». واستطرد شارحاً أن «حتى المحطات المحلية ابتعدت عن محاسبة المسؤولين السياسيين ورجال الكونغرس وأخطاؤهم لم تعد تقلقهم». ولفت إلى «مشكلة إدارة وتمويل، الأمر الذي يضعف المغامرة على طرح قضايا مهمة».
بدورها، نقلت صحيفة «دايلي بيست» في تحقيق لها أن محطة «سي إن إن» أبلغت موظفيها في رسالة داخلية، أنها قررت تعيين سارة إيسيغور للاستفادة من خبراتها السياسية والحكومية. لكن الصحيفة أضافت أن الرسالة أغفلت أن يكون لإيسيغور أي تجربة صحافية، الأمر الذي انتقدته الدكتورة سحر خميس أستاذه الإعلام في جامعة مريلاند في حوار مع «الشرق الأوسط».
خميس قالت إنه من الطبيعي أن يكون هناك معلقين في المؤسسات الإعلامية، ومن اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة، لكن من النادر الاستعانة بشخصية سياسية لتولي منصب تحريري رفيع من دون خبرة إعلامية. وهو ما أثار تهكم الوسط الإعلامي.
ما أثار الجدل ليس فقط شحة تجربتها الإعلامية، لكن تاريخ سارة إيسيغور السياسي هو ما أثار جمهور المحطة التي تعتبر من أشد المعارضين لسياسات ترمب، وتحظى بمتابعة مكثفة، سواء من الجمهور المؤيد أو المعارض لها.
عملت إيسيغور في العديد من المنظمات والحملات السياسية اليمينية والمحافظة، وكانت مسؤولة حملة المرشحة الجمهورية كارلي فيورينا التي تنافست مع ترمب في انتخابات 2016. وكذلك في الحملة الرئاسية لميت رومني في مواجهة باراك أوباما عام 2012، واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، وفي حملة تيد كروز لمجلس الشيوخ عام 2018. كما أنها كانت تعمل كمتحدثة سابقة باسم وزارة العدل تحت قيادة الوزير جيف سيشنز حتى استقالته في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، وهي الوظيفة التي تطلبت منها بحسب صحيفة «ديلي بيست»، أن تقسم الولاء للرئيس ترمب، فيما هي مكلفة الآن من «سي إن إن» بتغطية أخباره.
إيسيغور متهمة بأن تغريداتها على «تويتر» تكشف حقيقة انتمائها، حيث نفت مؤخراً أن يكون الرئيس ترمب قد شكك في وثيقة ولادة الرئيس السابق أوباما، وتكرر على الدوام الحديث عن نظرية المؤامرة وعن هيلاري كلينتون وعن معارضتها للمهاجرين وحظر السفر على بعض الدول ذات الغالبية المسلمة.
وكتب أحد المتحدثين باسمها على «تويتر» في إشارة لمحطة «سي إن إن» أنها ستعمل في «شبكة أخبار كلينتون»، ما سيساعدها على تنسيق التغطية عبر التلفزيون والإعلام الرقمي وستتأكد من عرض القضايا والأخبار الصحيحة ونشر المقالات عبر الإنترنت.
فتح تعيين إيسيغور جدلاً حول دور الإعلام الأميركي والجمهور الذي يخاطبه، وحاجة القوى السياسية لمنصات اتصال وتخاطب مع جمهورها.
وفيما يعتبر على نطاق واسع أن وسيلة اتصال وتواصل جمهور المحافظين سكان «الولايات الداخلية الزراعية»، هي الراديو وبعض المحطات المحلية، كانت المدن الأميركية الكبرى مركز تجمع الفئات الشابة والمثقفين ورجال الأعمال والمال، وتربطهم بالإعلام وسائل تواصل متعددة، تكثفت في المرحلة الأخيرة مع ثورة وسائل الاتصال الاجتماعي.
المؤسسات المحسوبة على التيار المحافظ يقف على رأسها محطة «فوكس نيوز»، فيما مشاهير مقدمي البرامج المحافظين ينشطون خصوصاً في الإذاعات كنجوم «حركة حزب الشاي»، التي تولت إدارة المواجهة مع أوباما، والمواقع الإلكترونية المحافظة «كبرايبت» التي أسسها وأدارها ستيف بانون مستشار الرئيس ترمب السابق.
في المقابل، تقف أسماء مؤسسات «ليبرالية» كبرى مثل «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي» و«إن بي سي» و«إي بي سي» فضلاً عن صحف منها «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» و«بوسطن غلوب» وغيرها، مدعومة بمئات المواقع الإلكترونية وبمنصات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» وغيرها.
مدير «سي إن إن» جيف زوكر، الذي أشاد به ترمب عندما كان مديراً لمحطة «إيه بي سي» منتجة برنامج «إبرنتيس» الذي قدمه ترمب، دافع عن قرار المحطة، قائلا إن توظيف إيسيغور مفيد للمحطة وبأنها شخص استثنائي ستحسن تجربتها تغطية الشبكة، وهو ما وافق عليه في كتاب توظيفها ثلاثة من كبار مسؤولي المحطة، بحسب صحيفة «دايلي بيست».
لكن زوكر لا يخفي أن السنوات الثلاث الأخيرة، وهي الفترة التي صعد فيها ترمب، كانت من بين الأكثر نجاحاً في تاريخ المحطة. وقال في مقابلة مع برنامج «فانيتي فير»: «الناس يشتكون طوال الوقت من التحدث عن ترمب، ولكن في نهاية المطاف كل ما يريدون الاستماع إليه ومشاهدته هو ترمب. في كل مرة نبتعد فيها عنه لتغطية حدث آخر، يختفي الجمهور، ترمب يهيمن».
ويؤخذ على المحطة أنها على رغم انتقادها لترمب، فإنها خصصت الكثير من أوقات تغطيتها الإخبارية لمهرجاناته وخطبه حتى من دون تعليق، الأمر الذي اعتذر عنه زوكر.
في المقابل غطت المحطة القليل من نشاطات كلينتون السياسية، وخصص برنامجها الشهير «ستيوايشين رووم» الذي يقدمه وولف بليتزر أكثر من 60 في المائة من تغطيته لقضية بريدها الإلكتروني بحسب دراسة أجرتها جامعة هارفرد.
تدافع بعض الأوساط عن تجربة الاستعانة بسياسيين تحولوا إلى الإعلام، أمثال مقدم البرامج جورج ستيفانوبولوس الذي جاء من البيت الأبيض إبان عهد كلينتون إلى محطة «إي بي سي». لكن مسيرة انتقاله كانت بطيئة إذ عمل معلقاً سياسياً في المحطة قبل تحوله إلى مقدم بحسب «دايلي بيست». لكن البروفسور إيدسفوغ يقول إن ستيفانوبولوس ليس مثالاً جيداً، فقد حوَّل التلفزيون إلى تهريج، وأن تلك التجارب كاريكاتيرية والهدف منها ليس الموضوعية أو التوازن بل زيادة عدد المشاهدين، بمعزل عما تطرحه إدارة هذه المحطة أو تلك. ويهاجم إيدسفوغ أداء المحطات الكبرى، لكنه يؤكد أن هناك بعض المحطات والمؤسسات الإعلامية المحترمة التي تسعى للحفاظ على موضوعيتها وعدم الانحياز، لكنها للأسف تتركز في غالبيتها في الإعلام المكتوب، مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«ريبابليكا»، بحسب قوله.
إدارة «سي إن إن» تؤكد أنه كلما كانت وجهات النظر ممثلة أكثر في غرفة الأخبار كان ذلك أفضل، وأن إيسيغور ستكون واحدة من اثني عشر شخصاً سيساعدون في تنسيق تغطيتها السياسية للانتخابات وبأنها مؤهلة للغاية. وتؤكد أن أمثلة انتقال السياسيين إلى غرف الأخبار كثيرة، من ستيفانوبولوس إلى نيكول والاس ودانا بيرينو وتيم روسرت في محطات «إم إس إن بي سي» و«فوكس نيوز» و«إن بي سي». لكن البروفسور إيدسفوغ يقول: «أن تكون شخصاً استثنائياً لا يعني أنك مؤهل لتكون محرراً إخبارياً، فيما تنقل «دايلي بيست» عن مصادر في «سي إن إن» أن حالة من الغضب تسود بين موظفي المحطة، قائلين إن مقارنة إيسيغور بستيفانوبولوس لا تستقيم. فالأخير لم يقسم الولاء لكلينتون، وأنه بدأ عمله معلقاً وليس محرراً في غرفة الأخبار.
ويعتقد البروفسور كارل إيدسفوغ أن الساحة الإعلامية ستشهد المزيد مما شهدته في الحملة الانتخابية السابقة ومن ادعاءات الحياد، مؤكداً أن الانقسام سيزداد ويتعمق، وستغرق المحطات في مزيد من الانحياز.
الدكتورة سحر خميس أكدت من جهتها أن ما يضمن تغطية متوازنة لانتخابات 2020 هو ضبط المعايير المهنية والتحقق من الخبر. وأضافت أن الأمر قد يكون صعباً لأن الإعلام الأميركي بغالبيته إعلام تجاري يبغي الربح، والحل يكمن في محاولة إيجاد مؤسسات إعلامية لا تبغي الربح، ودعم المحطات غير الربحية مثل «بي بي سي» البريطانية و«إن بي أر» الأميركية.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.