بيني غانتس.. «قائد المصادفات» وحامل مشعل الجيش الإسرائيلي

كيف صار الجنرال المتقاعد مصدر أول تهديد جدّي لنتنياهو؟

بيني غانتس.. «قائد المصادفات» وحامل مشعل الجيش الإسرائيلي
TT

بيني غانتس.. «قائد المصادفات» وحامل مشعل الجيش الإسرائيلي

بيني غانتس.. «قائد المصادفات» وحامل مشعل الجيش الإسرائيلي


على الرغم من أن الكثيرين ممن يريدون التخلص من حكم بنيامين نتنياهو في إسرائيل باتوا محبطين ولا يرون بارقة الأمل في تحقيق أهدافهم، فإن بيني غانتس يعيد الآمال إلى الشارع الإسرائيلي، بعدما بات مصدر أول تهديد حقيقي لإسقاط رئيس الوزراء والحلول مكانه. الاستطلاعات التي كانت تظهر تنامياً ملحوظاً في قوته، تعطيه اليوم - بعد اتحاده مع حزب «يوجد مستقبل» وضم الجنرال غابي أشكنازي - صارت تعطيه أكثرية واضحة. في ضوء ذلك، ما عاد نتنياهو يخفي غضبه وعصبيته، فألغى زيارته إلى موسكو ولقاءه مع الرئيس فلاديمير بوتين، بطريقة متسرعة أثارت غضباً بالغاً عند الروس... وهرع إلى أحزاب اليمين المتطرف يدعوها إلى التكتل في قائمة انتخابية واحدة، بما في ذلك ورثة تنظيم مئير كهانا الإرهابي، وأعلن أنه سيكرّس كل وقته الآن لتوحيد معسكر اليمين المتشدد كي لا يضيع أي صوت عليه.

من هو الجنرال بيني غانتس... الذي يهدّد اليوم رئاسة بنيامين نتنياهو المتطاولة حكومة إسرائيل؟ وهل هو صاحب القوة والكاريزما التي يفتش عنها الناخب الإسرائيلي؟ وكيف استطاع أن يفرض نفسه منافساً قوياً لنتنياهو وتمنحه الاستطلاعات 20 مقعداً قبل أن يتفوّه بكلمة؟
منذ البداية، تنبغي الإشارة إلى أن غانتس، ولو أنه جاء إلى الساحة الانتخابية باسمه وشخصه ودرجته العسكرية الرفيعة، فإن المراقبين والمتابعين يلمسون أن وراءه مؤسّسة ضخمة في إسرائيل و«ماكينات عمل» قوية ومجربة. وعندما خاض غانتس مفاوضات مع أحزاب عدة، أبرم الاتفاق الأول مع موشيه يعلون، وهو مثل غانتس رئيس سابق لأركان الجيش، كما أنه شغل منصب وزير للدفاع. ثم انجلى للجمهور أنه يدير محادثات مع رئيس أركان ثالث للجيش هو غابي أشكنازي، المدير العام الأسبق لوزارة الدفاع. وبالتالي، صار راسخاً أن «حزب غانتس» هو «حزب جنرالات»، ليس شكلاً فحسب، بل بالمضمون أيضاً.
إنه حزب يعبر عن مصالح «المؤسسة العسكرية الأمنية» الإسرائيلية ورؤيتها، وهي التي شهدت خلافات كبيرة مع نتنياهو خلال فترة حكمه في العقد الأخير. واختيار غانتس، بالذات، لقيادة هذا الحزب، كانت لكونه الأكثر تجربة في الصدام والخلاف مع نتنياهو. وتاريخه العسكري ما زال «طازجاً» في ذاكرة الناس. إذ خلع البزة العسكرية فقط قبل أربع سنوات.
وعلى الرغم من تاريخ غانتس الحافل في الجيش، حيث أمضى فيه 38 سنة، فإنه «قائد المصادفة»؛ لأن المصادفات لعبت دوراً بارزاً في حياته. فعندما كان نائباً لوحدة عسكرية للمظليين مشاركاً في هجوم على خلية لـ«حزب الله» قرب جسر القاسمية، بجنوب لبنان، عام 1982. ويومذاك أصيب قائده فتولى غانتس قيادة الوحدة واحتل طريق بيروت الغربية. وعندما عاد حصل على ترقية وصار قائداً لها.
وعام 1999، تولى قيادة وحدة الارتباط المحتلة لبنان، بعدما قتل قائدها العقيد ليرز غيرشتاين. وعام 2006، كان غانتس أحد المرشحين لخلافة دان حالوتس في رئاسة الأركان. لكن وزير الدفاع يومها، عَمير بيرتس، فضّل عليه غابي أشكنازي، الذي كان قد خلع بزته العسكرية. فتقبل القرار بصبر لأن أشكنازي كان صديقه الشخصي.
وعام 2010، كان غانتس أحد المرشحين لخلافة أشكنازي في رئاسة الأركان، لكن وزير الدفاع آنذاك، فضل عليه يوآف غالانت، فقرّر أن يترك الجيش. وبالفعل اتجه نحو الحياة المدنية. وراح يفتش عن حظه في عالم الأعمال. غير أن الحكومة اضطرت إلى إلغاء قرارها والتخلي عن غالانت، بسبب قضية فساد مرتبطة به. وهكذا عاد غانتس إلى الجيش وعيّن رئيساً للأركان. وهذه المصادفة هي التي قادته ليكون مرشحاً اليوم لرئاسة الحكومة.

- النشأة والسجل العسكري
ولد بنيامين «بيني» غانتس في إسرائيل لوالدين أوروبيين أشكنازيين، يوم 7 يوليو (تموز) 1957. أمه مالكا فايس، ولدت في جنوب شرقي المجر، وهي من الناجين من «المحرقة النازية» (الهولوكوست) لليهود، ووالده ناحوم غانتس ابن لأحد الضحايا الذين قتلوا بأيدي النازيين. الوالدان هاجرا إلى فلسطين في زمن الانتداب البريطاني على متن سفينة «حاييم الوزروف»، التي رفض البريطانيون أن ترسو في ميناء حيفا، فتوجهت إلى قبرص، ومن هناك دخلا أرض فلسطين بالتهريب. وكان والده ناشطاً في الحركة الصهيونية، وعيّن في منصب نائب رئيس الوكالة اليهودية.
تعلم بيني في مدرسة صهيونية - دينية، يديرها التيار الذي يسيطر في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية اليوم. وانضم إلى الجيش عام 1977، واختار سلاح المظليين. ولذلك شارك في شبابه في الكثير من الحروب والعمليات، بدءاً من غزوة الليطاني إلى حرب لبنان. ثم شارك في قمع «الانتفاضة الثانية» وحتى الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014. وتولى خلال خدمته العسكرية مناصب عدة، منها: قائد فصيلة، ثم قائد سرية في لواء المظليين. وبعد دورة تعليمية في الولايات المتحدة عُيّن قائد وحدة «شالداغ»، كوماندو المظليين التابعة لسلاح الجو. ثم عام 1987 عُيّن قائد كتيبة 890 في لواء المظليين، وشارك في أربعة اشتباكات مع «حزب الله» في جنوب لبنان، وشاركت وحدة «شالداغ» تحت قيادته بعملية «شلومو» عام 1991 التي أحضروا بها نحو 15 ألف مهاجر من إثيوبيا. ثم عُيّن عام 1992 قائداً للواء المظليين في قوات الاحتياط. وعام 1995 عُيّن قائداً للواء المظليين، وبعد سنتين ذهب للدراسة الأكاديمية في الولايات المتحدة، وفي 1999 عُيّن قائداً لوحدة الارتباط مع جنوب لبنان.

- قائد عسكري في الضفة
في عام 2000، عُيّن غانتس قائداً لقوات الجيش العاملة في الضفة الغربية المحتلة، وقاد عملياً بداية الاجتياح الشرس عام 2002، لكنه نقل من هناك وعيّن في السنة نفسها قائداً للمنطقة الشمالية برتبة لواء. ثم تولّى عام 2005 قيادة مجمع القوات البرّية، وفي تلك الفترة اندلعت حرب لبنان الثانية.
خلال الفترة ما بين 2007 و2009 عمل غانتس ملحقاً عسكرياً لدى الولايات المتحدة، وعاد ليصبح نائباً لرئيس الأركان العامة. وبقي في هذا المنصب حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، عندما ترك الجيش لرفض الحكومة تعيينه رئيساً للأركان، لكنه أعيد إلى الجيش وعيّن رئيساً للأركان بعد ثلاثة شهور. وإبّان خدمته رئيس أركان نفّذ عمليات حربية كثيرة، أبرزها القصف في سوريا و«حرب 2014» على قطاع غزة، التي قتل فيها 2202 فلسطيني، بينهم أكثر من 500 طفل فلسطيني، منهم 180 رضيعاً، ونحو 250 امرأة، وأكثر من 100 مُسنٍّ، وتشرد بسببها مئات الآلاف الذين اضطروا إلى ترك منازلهم.
في مقابلة صحافية معه لمجلة الجيش «بمحنيه» يوم 28 يناير (كانون الثاني) 2005، اعترف غانتس بأنه لم يكن يرغب في الالتحاق بالجيش النظامي، وأراد الانتقال للحياة المدنية بعد إنهاء خدمته العسكرية الإجبارية. لكن والده أقنعه بتغيير رأيه. ويُذكر أنه خلال خدمته العسكرية، وإلى جانب الدورات التعليمية التابعة للجيش، مثل كلية القيادة والأركان وكلية الأمن القومي، درس غانتس التاريخ في جامعة تل أبيب وحصل على اللقب الأول، ثم حصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا ودرجة ماجستير أخرى من جامعة الدفاع الوطني الأميركية (NDU) في الإدارة والموارد الوطنية.

- مواقفه ومآخذه
بالنسبة للمواقف، كان غانتس قد أشاد بالانفصال عن قطاع غزة، لكنه قال إنه يحبذ أن تتم انسحابات كهذه في المستقبل بالاتفاق مع الفلسطينيين... لا بتجاهلهم كما فعل شارون. وأطلق تصريحات تبين مدى ألمه من التدهور الخلقي في السياسة، ومن الهوة الآخذة في الاتساع بين طبقات المجتمع وشرائحه المختلفة.
ثم هاجم نتنياهو معتبراً أنه يمثل «قيادة تتمحور حول نفسها». ثم قال: «ستضم حكومتي رجال دولة وليس أباطرة»، و«لا تسامح مع الفساد». وركّز على حرصه على أخلاقيات أسلوب الحكم التي ينوي اعتمادها، مقارناً القيادة الحالية بـ«بيت إمبراطوري فرنسي» في عهد لويس الرابع عشر. قائلاً: «لا إمبراطور بين القياديين الإسرائيليين. الدولة ليست أنا. الدولة هي أنتم، هي نحن جميعاً». وتابع في تلميح مباشر إلى خصمه «حكومة أخلاقية هي المثال لنا، ولأطفالنا. قلت الحقيقة طيلة حياتي وحافظت على نظافة يدي».
ورداً على اتهام نتنياهو له بأنه يسار تقليدي، أكد غانتس أنه ليس يمينياً ولا يسارياً، بل وسطياً. وفي خطاب الترشح، وجه غانتس تحذيرات قوية إلى كل من إيران و«حزب الله» اللبناني وحركة حماس، قائلاً إنه يرى في «القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل»، كما أكد أنه لا انسحاب من هضبة الجولان السورية.
لكن، في المقابل، أعلن غانتس أيضاً أن حكومته – في حال فوزه - «ستبذل كل ما في وسعها من أجل السلام» في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه حذر وهدد «لن نسمح لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون من الجهة الأخرى لجدار الفصل من تهديد أمننا وهويتنا كدولة يهودية».
وفي أول فيديوهات ترويجية لحزبه، تباهى غانتس بـ«إنجازاته» العسكرية في غزة، كما تباهى في تسجيلات مصوّرة بعدد المسلحين الفلسطينيين الذين قتلوا والأهداف التي نجح في تدميرها تحت قيادته في حرب عام 2014 التي خاضتها إسرائيل ضد حركة حماس وقطاع غزة، قائلاً إنه «تم قتل 1364 إرهابياً» في القطاع الذي «أعيد إلى العصر الحجري». وتابع: «صوّتوا لي: أنا أكثر شراسة من نتانياهو، لكنني نظيف».
وفي الوقت الحاضر، مع زخم النزول إلى المعترك السياسي والزخم الأكبر المتمثل في تشكيل «تحالف الجنرالات» مع حزب الوسط بقيادة يائير لبيد - الذي نجح في استقطاب أصوات غير قليلة من اليمين المعتدل - يبرز بيني غانتس مرشحاً قوياً يمتلك قدرات جدية لاستبدال نتنياهو. غير أن الأمر يتوقف على استمرار المعركة و«الذخيرة» والكمائن التي يعدها كل طرف لضرب الآخر. فإذا ما قُدّمت لائحة اتهام ضد نتنياهو بقضايا الفساد، ستتخذ المعركة منحى آخر. وإذا ما وقع غانتس في زلة لسان أو أخطأ في تصريح، وأوجد له خصومه السياسيون في تاريخه «لطخة» ما، ستتخذ المعركة منحى معاكساً.

- «الوجه الأميركي» للانتخابات
هنا ينبغي التذكر أنه إلى جانب كل من نتنياهو وغانتس يوجد خبراء استراتيجيون أميركيون، حضروا إلى إسرائيل للعمل بأجور باهظة، كلٌّ لإنجاح مرشحه. وهؤلاء لا يعرفون شيئاً اسمه الرحمة.
إنهم يستخدمون كل أسلحة القتال الفتاكة. ويحددون موضوعات النقاش، ويُبرزون قضايا، ويطمسون قضايا أخرى، ويقرِّرون الأجندة في الساحة السياسية. ثم إنهم يكتبون الخطابات، ويجرون التدريبات للمرشحين حول كيفية الظهور في الإعلام واختيار الجمل الحادة التي تتغلغل فورا إلى ذهنية الناخبين. وأخيراً، لا آخراً، يجرون استطلاعات الرأي التي ترفع معنويات المرشح وجمهوره أو تخفضها بجانب تقرير «الأجندة الانتخابية» للمجتمع الإسرائيلي برمته.
هؤلاء الخبراء يعتبرون الناخب الحقيقي.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».