خلافات ترمب مع الطبقة السياسية والبنتاغون تهدد وحدة الجمهوريين

بعد إعلان نيته اقتطاع أموال من موازنات عدد من الوزارات لبناء الجدار مع المكسيك

TT

خلافات ترمب مع الطبقة السياسية والبنتاغون تهدد وحدة الجمهوريين

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته اقتطاع أموال من موازنات عدد من الوزارات، وخصوصا من موازنة وزارة الدفاع، لبناء الجدار مع المكسيك، بعد إعلانه حالة الطوارئ، استياء المشرعين الأميركيين والطبقة السياسية، وقادة البنتاغون بحسب بعض الأوساط. ونقل عن قادة في وزارة الدفاع نفيهم لادعاءات الرئيس بأنه تشاور معهم قبل إعلانه حالة الطوارئ، وأن تقييمهم لأوضاع الحدود مع المكسيك لا يتفق مع اعتباراته السياسية والانتخابية.
ولعل توالي المواقف التي يدلي بها علنا قادة عسكريون كبار بما يتناقض مع ما يقوله ترمب، خصوصا في الجانب المتعلق بالعمليات العسكرية ونشر القوات والحروب التي تخوضها سواء ضد «داعش» أو المجموعات الإرهابية الأخرى أو على الحدود مع المكسيك وصولا إلى أفغانستان، تظهر أن سوء الفهم والتباعد بات كبيرا بين المؤسستين العسكرية والرئاسية. وبرزت في الساعات الأخيرة تحذيرات من انعكاس سياسات ترمب على وحدة الحزب الجمهوري نفسه. وقالت أوساط سياسية بأن هناك تخوفا جديا من حصول انقسام داخل الحزب قد يؤدي إلى فرز بين قياداته، وانضمام عدد من شيوخه ونوابه إلى الحملة التي يستعد الديمقراطيون لإطلاقها لإبطال قانون حالة الطوارئ، دفاعا عما سموه «دولة القانون ورفضا لتحويل الولايات المتحدة إلى دولة سلطوية».
في هذا الوقت حذرت أوساط مطلعة على مناقشات داخل أروقة البنتاغون من أن الخلافات مع الرئيس، قد تؤدي إما إلى مزيد من الاستقالات والإقالات من المؤسسة العسكرية، أو الاتفاق على تسويات مقبولة تراعي أجندة المؤسستين.
وتضيف تلك الأوساط أن قادة البنتاغون يرون أن المسار السياسي والميداني للولايات المتحدة، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في أي منطقة من العالم، قد يؤدي إلى تداعيات استراتيجية على أمن الولايات المتحدة، في ظل سياسة الانسحاب التي تنتهجها الإدارة من الميادين الدولية.
وكان قرار ترمب المفاجئ بسحب القوات من سوريا قد أدى إلى استقالة كل من وزير الدفاع جيم ماتيس والمبعوث الخاص لدى التحالف الدولي ضد «داعش» بريت ماكغورك.
بدوره كرر قائد القوات الأميركية الوسطى جوزف فوتيل الذي يغادر منصبه قبل سنة ونصف من انتهاء مدته بطلب من الرئيس، كرر موقفه خلال وجوده في دولة عُمان من قضية سحب القوات من سوريا وقال إن الرئيس لم يستشره ولم يطلب تقييمه قبل اتخاذ قراره.
قادة كبار آخرون في البنتاغون كقائد العمليات الخاصة الجنرال رايموند توماس ومساعد وزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة أوين ويست أكدوا خلال جلسات استماع أمام الكونغرس هذا الأسبوع على ما وصفوه بالمخاطر التي ستنجم عن الانسحاب السريع وغير المنظم سواء من سوريا أو أفغانستان قبل إنجاز المهمة.
مدير مركز مارغريت تاتشر للأمن الوطني نايل غاردنر في معهد هاريتاج في واشنطن المحسوب على المحافظين، قال «لـ«الشرق الأوسط»» إن استمرار القيادة الأميركية مهم والوقت ليس مناسبا للانسحاب من سوريا وأفغانستان. واعتبر أن الحفاظ على وجود عسكري أميركي قوي ضمانة لعدم عودة «داعش» إلى سوريا، ويمنع إيران من تثبيت أقدامها في سوريا.
ملف إيران الذي يحتل هو الآخر حيزا كبيرا في خلافات المؤسسة العسكرية مع البيت الأبيض، ميز فيها الجنرال فوتيل بشكل واضح بين اعتراضه على سلوكها ومخاوفه من سياساتها الإقليمية وبرامجها العسكرية، وبين ما اعتبره التزامها بالاتفاق النووي. لكنه أكد أن سياسة الانسحاب ستقود عمليا وتلقائيا إلى أن تملأ إيران الفراغ في أي مكان في المنطقة.
وشهد الأسبوع الماضي انتقادات وجهت للإدارة الأميركية التي رعت ونظمت مع بولندا مؤتمر وارسو للأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط. واعتبرت أن تركيز واشنطن على ملف إيران في ظل نيتها الانسحاب من ميادين المواجهة معها، يفقدها القدرة والأدوات لتطبيق سياسة عزلها، فيما طهران تعزز علاقاتها مع حلفاء آخرين على رأسهم روسيا وتركيا، بما يجنبها تداعيات الضغوط الأميركية.
في المقابل تدافع أوساط محافظة عن سياسات ترمب، ويقول نيل غاردنر إن الإجراءات العقابية الاقتصادية تفعل فعلها بعد انسحاب الشركات الأوروبية الكبرى، مؤكدا أن الحكومات الأوروبية ستدرك في النهاية أنه لا يمكن تحقيق أي مكسب من محاولة التحايل على العقوبات الأميركية. ويعتقد غاردنر أن بريطانيا قد تنفصل عن ألمانيا وفرنسا في موقفها من إيران وقد تنسحب من الاتفاق النووي معها بعد تنفيذ «بريكست» مع الاتحاد الأوروبي واحتمال تغيير رئيسة الوزراء تيريزا ماي هذا العام. ويؤكد غاردنر أن الضغط الاقتصادي يجب أن يقترن بالجهود المبذولة لعزل إيران على الساحة العالمية، وتقوية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وبناء القدرة العسكرية الأميركية.
ومقابل تمسك واشنطن بموقفها الداعي إلى الانسحاب من الاتفاق النووي والتفاوض على اتفاق جديد، يرى البعض أن إبقاء الأوروبيين على التزامهم بالاتفاق النووي يصب في مصلحة واشنطن، ويسمح لنظام التحقق المفروض من ضمن آليات الاتفاق بمواصلة الرقابة على أنشطة طهران النووية.
فالأوروبيون يحاذرون على الأقل في هذه المرحلة تقديم انتصارات لإدارة ترمب، ويراهنون على أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها سياسات الولايات المتحدة وخياراتها الاستراتيجية لن تبقى على حالها، في انتظار انتخابات عام 2020 لعلها تسفر عن نتيجة تغير المسار الذي أنتجته سياسات ترمب.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.