الانتخابات الفلسطينية المعلقة منذ زمن... أجريت مرتين خلال 23 سنة

«فتح» تريدها «تشريعية» فقط و«حماس» تفضّلها «عامة» شاملة

الانتخابات الفلسطينية المعلقة منذ زمن... أجريت مرتين خلال 23 سنة
TT

الانتخابات الفلسطينية المعلقة منذ زمن... أجريت مرتين خلال 23 سنة

الانتخابات الفلسطينية المعلقة منذ زمن... أجريت مرتين خلال 23 سنة

لا أحد، ولا حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه، يعرف إذا ما كانت ستجري انتخابات تشريعية في الأراضي الفلسطينية خلال الشهور القليلة المقبلة، لأنه، بخلاف الدول الأخرى، تتحكم في هذا الأمر ثلاث سلطات، هي: السلطة الفلسطينية التي يقودها عباس في الضفة الغربية. و«سلطة» حماس التي تحكم قطاع غزة. وطبعاً، إسرائيل التي تسيطر على كل شيء، ناهيك بتدخلات إقليمية ودولية على شكل مهدّدين أو ناصحين. وعلى الرغم من أن الدعوة لإجراء انتخابات لم تصدر بمرسوم رئاسي بعد، فإن عباس يقول إنه ينوي ذلك «قريباً»، لأن «الديمقراطية» هي الطريق الوحيدة لاستعادة الوحدة. يمثل موقف محمود عباس موقف حركة «فتح» والقريبين منها. وهو يتركز على أن الانتخابات قد تنجح في تحقيق ما فشلت فيه المباحثات والاتفاقات والمصالحات. وهذا موقف مناقض لموقف حركة «حماس» والقريبين منها، ومؤداه أن الانتخابات التشريعية المزمعة ستعزّز الانفصال (بين الضفة الغربية وقطاع غزة) ليس أكثر.

لم تقفز فكرة إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية فجأة إلى طاولة الرئيس محمود عباس، ذلك أنها كثيراً وُضِعت على الطاولة بهدف إنهاء سيطرة حركة «حماس» على مجلس معطّل. غير أن إخراج الفكرة إلى النور في هذا الوقت، جاء لسبب أكثر أهمية، ضمن ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني... وبشكل يضمن تعزيز نفوذ حركة فتح على مؤسسات ومفاصل السلطة في مواجهة انسداد الآفاق «التفاوضية» مع إسرائيل وحماس والولايات المتحدة. وأيضاً، يأتي بصورة قد تؤدي إلى تقويض سلطة «حماس» على أعتاب انتقال محتمل للسلطة التي وصل رئيسها إلى عمر 83 سنة، مع معاناته من مشكلات صحية.

- خلفية القرار
اتخذ القرار بعد مشاورات حثيثة في المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير وداخل مركزية حركة فتح وتنفيذية المنظمة، بناءً على قرار بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي تسيطر عليه حماس.
معلوم أن عباس كان قد أعلن نهاية العام الماضي حل المجلس التشريعي بقرار من المحكمة الدستورية، وإجراء انتخابات تشريعية. وحمل إعلان عباس، آنذاك، تفسيرات للأمر، عندما قال إن المحكمة الدستورية أصدرت قراراً بحل المجلس والدعوة لإجراء انتخابات خلال ستة أشهر... «وإننا سنلتزم بقرار المحكمة الدستورية».
وهاجم عباس حركة حماس، قائلاً إن المبادرة المقدمة بشأن المصالحة «لم تلقَ أيَّ استجابة» منها، متهماً الحركة بتنفيذ «مشروع خاص» في غزة يقوم على «إقامة دولة في غزة وحكم ذاتي في الضفة».
من ناحية ثانية، كانت مسألة حل المجلس التشريعي قد نوقشت بشكل طارئ في الاجتماع الأخير للمجلس المركزي الفلسطيني في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كواحدة من بين خطوات ستتخذها السلطة ضد حماس، بسبب تعذّر إنجاز المصالحة. وجاء قرار المحكمة الدستورية بعدما أعلنت «فتح» أنها بصدد اتخاذ قرارات لتقويض «سلطة الانقلاب» في القطاع، وذلك رداً على ما سمّتها «اشتراطات (حماس) بشأن المصالحة».
ولقد استندت «فتح» في دعوتها لحل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات إلى أن «المجلس المركزي قد أنشأ السلطة الوطنية في 16/ 10/ 1993م، وتعاملت منظمة التحرير بمسؤولية عالية مع أعمال السلطة ومؤسساتها. ورعت وأشرفت على الانتخابات عامي 1996 و2006م، وتعاملت بإيجابية كاملة مع نتائجها. إلا أن ما قامت به «حماس» في 14/ 6/ 2007م وحتى يومنا هذا، يمثل خروجاً على قيمنا وأخلاقيات عملنا الوطني، وقد عطّلت بذلك أعمال المجلس التشريعي الذي فقد قدرته على مزاولة عمله التشريعي والرقابي، ولم يعد قائماً بالفعل».

- أسباب أخرى مهمّة
لقد أنهى قرار عباس حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات جديدة، بلا شك، حالة جدل حول رئيس المجلس التشريعي السابق الدكتور عزيز الدويك وأحقيته في منصب الرئيس في حال شغوره. ويُذكر أنه قبل أشهر قليلة من قرار عباس أشعلت حركة «حماس» مجدّداً معركة خلافة الرئيس بإعلانها أن الدويك، القيادي في «حماس» (ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني آنذاك) سيخلف عباس في حال غيابه «وفق القانون الأساسي» للسلطة. وهو الإعلان الذي ردَّت عليه «فتح» بقولها إن الدويك لم يعُد على رأس المجلس «المنعدم قانونياً»، ملوّحة باتخاذ قرارات «مصيرية» حول الأمر.
كذلك خرج الدويك بنفسه، ليقول إنه في حال تعذر قيام الرئيس بواجباته، أو في حال غيابه تحت أي عذر أو ظرف، أو وفاته، أو تخلّفه عن القيام بواجباته فان الرئيس القادم حسب القانون والدستور في هذه الحالات هو رئيس المجلس التشريعي. وأردف: «أنا الآن رئيس المجلس التشريعي، وبالتالي، سأكون أنا أو أي شخص غيري يتقلد هذا المنصب هو الرئيس القادم».
ومن ثم، حذّر الدويك من أن الفوضى ستعمّ في حال تجاوز السلطة الفلسطينية والقائمين عليها الدستور الفلسطيني والقانون الأساسي. وطالب الجميع بـ«احترام القانون والاستحقاقات الدستورية والأخذ بها» وألا يجري تجاوزهما «بأي صورة من الصور وتحت أي ظرف من الظروف، وإلا فستسود الفوضى بدل النظام داخل المجتمع الفلسطيني». والجدير بالذكر أن القانون الأساسي الفلسطيني ينصّ على أن يتسلم رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة مؤقتاً في حال أي غياب قهري للرئيس لمدة لا تزيد على 60 يوماً، تجري خلالها انتخابات رئاسية. وعام 2004، حين توفي الرئيس السابق ياسر عرفات، حل مكانه رئيس المجلس التشريعي آنذاك، روحي فتّوح، قبل أن ينتخب الفلسطينيون محمود عباس رئيساً.
فور صدور تحذير الدويك، ردّت حركة «فتح» بقولها إن فترة رئاسة المجلس انتهت، وأنه يجب انتخاب رئاسة جديدة بعد دعوة الرئيس محمود عباس للمجلس من أجل الانعقاد، ناهيك من أن «المجلس معطَّل» منذ نحو 10 سنوات، ويجب البتُّ في مصيره عبر المجلس المركزي الفلسطيني.
واليوم، إذا ما نظّمت انتخابات فإن رئيس المجلس التشريعي سيخلف عباس مؤقتاً، ولكن في حال لم تُنظّم فإنه - وفق مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» - سيكون رئيس المجلس الوطني والمركزي، الذي هو الآن سليم الزعنون، هو الذي سيخلف عباس. أما السبب فهو أن «المركزي» الذي أخذ صلاحيات المجلس الوطني يُعدّ عملياً اليوم أعلى هيئة تشريعية فلسطينية.
... ولكن هل ستجري انتخابات فعلاً؟

- شروط صعبة لإجراء الانتخابات
من الناحية العملية، يحتاج إجراء الانتخابات كحال أي دولة إلى مرسوم رئاسي، لكن على الأرض يحتاج الأمر إلى موافقة كل من إسرائيل و«حماس». وفي حين قالت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية إنها بانتظار صدور المرسوم الرئاسي الذي يحدد موعد الانتخابات من أجل بدء العمل الفعلي لإجرائها، يقول رئيس اللجنة حنا ناصر إن طواقمه جاهزة من الناحية الفنية لإجراء الانتخابات، لكنهم بانتظار صدور المرسوم الرئاسي الذي يحدد موعدها. ويتضح من تصريحات لمسؤولين في السلطة أن هذا المرسوم بانتظار سماع إجابات واضحة من إسرائيل و«حماس» معاً. وبحسبهم فإن موافقة إسرائيل واجبة من أجل إجراء الانتخابات، بينما يمكن تجاوز رفض «حماس».
عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» حسين الشيخ، قال: «المرحلة المقبلة هي مرحلة (معركة القدس)، ولن نسمح بإجراء أي انتخابات من دونها». وأضاف: «مستحيل أن تجري الانتخابات بمن دون القدس التي هي خط أحمر... ويجب أن تشمل الانتخابات كل الجغرافيا الفلسطينية، والقدس أولاً. نحن لا نخون ولا نبيع، ويجب أن تجري فيها الانتخابات، كما جرت عام 2006، وسنقاتل من أجل ذلك، ولن نسمح بوجود فراغ بالمؤسسات التشريعية بالبلد وغيابها أضر كثيراً بنا».
وأوضح الشيخ أن «الرئيس (عباس) اجتمع مع رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر مرتين، وطلب منه البدء بكل الإجراءات التحضيرية لإتمام الانتخابات البرلمانية، والتواصل مع كل الأطراف والأطياف، وأيضاً التوجه لغزة وفتح حوار صريح مع (حماس)، ودعوتها لقبول الدعوة لإجراء الانتخابات البرلمانية والقبول بإرادة الشعب». وأكدت اللجنة المركزية للانتخابات أنها حقاً بصدد زيارة غزة من أجل لقاء «حماس».

- حكومة تسبق الانتخابات
يؤكد حديث الشيخ، من جانب آخر، أن رفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس سيعني إلغاءها لكنه لم يشر إلى ذلك بالنسبة لـ«حماس»، إذ لَمّح مسؤولون في فتح إلى أنه يُمكن إيجاد بدائل لرفض «حماس»، من بينها اعتبار الوطن دائرة انتخابية واحدة، ولكن يفترض أن تهيئ حكومة جديدة الظروف في كل من الضفة وغزة والقدس من أجل إجراء هذه الانتخابات. وبينما يبقى موضوع الانتخابات معلّقاً، فإن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، مهمتها إجراء هذه الانتخابات، قادم لا محالة.
وستأتي هذه الحكومة ضمن تصوُّر متعلق بترتيب البيت الداخلي بشكل يعزّز نفوذ «فتح»... ويضعف «حماس». وفي هذا الاتجاه، قال الدكتور صائب عريقات، أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صراحةً، إن المطلوب من الحكومة الفلسطينية المرتقبة استعادة قطاع غزة وإجراء انتخابات عامة. وأردف عريقات مفصّلاً: «ما نريده من هذه الحكومة هو العمل على تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة، والعمل بكل ما تملك لاستعادة قطاع غزة وإزالة أسباب الانقسام، والعمل المشترك لإسقاط صفقة القرن... أيدينا ممدودة من أجل ذلك».
وفي المقابل، حثّ عريقات «حماس» على المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، مشدِّداً على أنه «لا أحد يفكر في أن تكون هناك دولة فلسطينية من دون غزة... فنحن بحاجة للعودة لصناديق الاقتراع. لا يمكن ولا يحلم أو يفكّر أي أحد أن هناك دولة فلسطينية من دون قطاع غزة». وتابع: «نحن لدينا مشروع وطني فلسطيني تمثله منظمة التحرير ودولة فلسطين، باستعادة وإعادة فلسطين إلى خارطة الجغرافيا وعاصمتها القدس على حدود عام 1967. وهناك مشروع حزبي للإخوان المسلمين... وهذا المشروع أصبح أهم من القضية الوطنية الفلسطينية، ولا بد من وضع النقاط على الحروف الآن». ثم تابع: «هناك دعوة لإجراء انتخابات عامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة... والذي يرفض هذه الانتخابات ويصرّ على استمرار الانقلاب في قطاع غزة... فإنه شاء أم أبى أصبح أداة في صفقة القرن».
في هذه الأثناء، يفترض أن تكون مركزية حركة «فتح» قد أنهت مشاورات أولية مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بهدف الاتفاق على تشكيل حكومة المنظمة التي تستثني حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وينتظر أن تنهي الحكومة المزمع تشكيلها اتفاقاً واجه الكثير من المشكلات بين «فتح» و«حماس»، ونتج عنه تشكيل «حكومة الوفاق» التي تحوّل دورها الآن لتسيير أعمال.

- موقف «حماس» الرافض
من جهتها، هاجمت حركة «حماس» كل خطوة اتخذها عباس بدءاً من حل المجلس التشريعي مروراً بتشكيل حكومة جديدة وانتهاء بالدعوة لانتخابات. وقال عاطف عدوان، القيادي في حماس، إن حركته ترفض إجراء انتخابات تشريعية فقط، وتعتبر «تنظيم انتخابات تشريعية بالضفة الغربية بمعزل عن قطاع غزة ومدينة القدس المحتلة خدمة لصفقة القرن»، واستطرد: «أي انتخابات لا بد أن تتم على أساس التوافق الفلسطيني واتفاقات المصالحة».
وأشار عدوان إلى أنه، حسب الاتفاقيات الموقعة مع «فتح»، فإن إجراء الانتخابات يجب أن يسبقه تهيئة البيئة والمناخات المناسبة لذلك. هذا يشمل وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ووقف مطاردة الناشطين من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من قبل الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية، وأن تشمل الانتخابات غزة والقدس، وألا تكون مقصورة على الضفة الغربية.
وهدّد عدوان بأن لدى «حماس» خيارات متعددة للرد على تشكيل حكومة جديدة «منها تشكيل حكومة وحدة وطنية»، مضيفاً أن «الفصائل الوطنية مدعوة للمشاركة في تحمل أعباء الوطن». وتابع أن «الحكومة التي ستشكل في الضفة ستقوم بأمور الضفة الغربية ولها توجّهات سياسية واقتصادية وأمنية لا تناسب أجندة المقاومة». ثم قال: «حكومة الفصائل أحد الخيارات للرد على تشكيل الحكومة بالضفة، إضافة إلى خيار إحياء اللجنة الإدارية، أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني من التكنوقراط».
وبالفعل، قدّرت مصادر مطلعة في غزة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن تلجأ «حماس» لإعادة إحياء اللجنة الإدارية التي شكّلتها سابقاً، وكانت تدير شؤون القطاع، قبل أن تحلّها تحت وطأة اشتراطات «فتح» من أجل اتفاق مصالحة. وأكدت المصادر أن «حماس»... «تواجه مشكلة في إقناع فصائل بالانضمام إليها في حكومة جديدة بغزة بسبب رفض معظم الفصائل المشاركة في حكومة ثانية ستُعدّ انقلابية أو مساهمة بشكل كبير في فصل قطاع غزة عن الضفة».
أيضاً رفضت «حماس» إقالة الحكومة التي يرأسها رامي الحمد الله وتشكيل حكومة جديدة. واعتبر فوزي برهوم، المتحدث باسم «حماس»، أن «استقالة حكومة الحمد الله تأتي في إطار تبادل الأدوار مع حركة (فتح) ورئيسها محمود عباس من أجل ترك المجال لتشكيل حكومة انفصالية جديدة تخدم أجندة أبو مازن وحركة (فتح)... إن شعبنا بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية ومجلس وطني توحيدي وإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني».ما تقدّم يعني أن إجراء «انتخابات عامة» (أي أن تشمل انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني) هو مطلب «حماس» كي تشارك في أي تجربة انتخابية محتملة، لكن ما تريده «فتح» الآن هو انتخابات برلمانية فقط... رافضة فتح الباب أمام انضمام «حماس» لمنظمة التحرير قبل إنهاء الانقسام الحالي، خشية من انتقاله إلى المنظمة كذلك.

- خلفية تاريخية للانتخابات الفلسطينية
بدأت عملية السلام في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1991، حين تمخَّض عن هذا المؤتمر محادثات ثنائية بين كل من الفلسطينيين والسوريين والأردنيين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. وتبع ذلك التوقيع على «إعلان المبادئ» بشأن إقامة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدءاً بغزة وأريحا أولاً، مع إبقاء مسألة القدس معلقة، حيث اتفق على بحثها بمفاوضات الوضع الدائم. كذلك نص الإعلان على أن يشرف الحكم الذاتي على مجالات التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة، إضافة إلى مهام وصلاحيات أخرى اتفق عليها، كما أقر إنشاء قوة شرطة فلسطينية.
وانتخابياً، نص الاتفاق أيضاً على ضرورة إجراء انتخابات عامة لاختيار أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني على أن تكون هذه الانتخابات حُرّة ومباشرة. ونصت اتفاقية المبادئ اللاحقة والموقعة في واشنطن بتاريخ 28 سبتمبر (أيلول) 1993 على بنود متعلقة بالانتخابات. ومنها أنه يتسنى للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية حُكْم نفسه بناء على أسس ديمقراطية، بما يشمل إجراء انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحرة للمجلس التشريعي تحت إشراف ومراقبة دولية متفق عليها، بينما تقوم الشرطة الفلسطينية بتأمين النظام العام.
وجاء في النص أنه ستشكِّل هذه الانتخابات مرحلة انتقالية حاسمة لتحقيق المطالب الفلسطينية العادلة المشروعة. وورد في الملحق الأول من الإعلان حول صيغة الاقتراع وشروطه أنه يحقّ لفلسطينيي القدس الذين يقطنون بها المشاركة في العملية الانتخابية وفقاً لما اتُّفق عليه بين الطرفين.

- المجلس التشريعي الفلسطيني
هو إحدى مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وأُسِّس عام 1996، بناء على «إعلان المبادئ» و«اتفاقية أوسلو» الموقَّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل. وجاء تأسيسه إثر الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أُجرِيَت في بداية ذلك العام.
يلعب المجلس التشريعي الفلسطيني دور البرلمان، إذ أصبحت من مهامه مسؤولية سن القوانين، والرقابة على السلطة التنفيذية. وهو يتألف من 132 نائباً (عضواً) يجري اختيارهم عن طريق الانتخاب الحر من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ويتكوّن المجلس من هيئة رئاسة المجلس، التي تضم رئيس المجلس ونائبين له وأمين سر. وجرى العُرف أن يصار إلى انتخابهم من بين أعضاء المجلس في أول دورة برلمانية لمدة عام كامل، إضافة إلى عدة لجان تنظم نشاط الأعضاء. أما مدّة المجلس فهي أربع سنوات من تاريخ انتخابه، وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية.
تقوم مهام المجلس التشريعي الفلسطيني على التشريع وتتمثل في سن القوانين وتعديلها وإلغائها، ومراقبة سلوك السلطة التنفيذية، ومدى التزامها بالقواعد الدستورية، والمحاسبة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوظيفة الرقابة. وتمتلك السلطة التشريعية الحق في استجواب أعضاء السلطة التنفيذية ومراجعتهم، وتمتلك الحق في رفع توصياتها بحجب الثقة سواء عن الحكومة ككل أو عن بعض الأشخاص في الحكومة، وتمتلك حق الطلب من بعض الأشخاص في السلطة التنفيذية أن يقدموا استقالتهم إذا ثبت بحقهم أي مخالفات. وتجدر الإشارة إلى أنه عام 1996 انتخب مجلس تشريعي في انتخابات فازت فيها «فتح» دون منافسة. وقاطعت المعارضة الفلسطينية («حماس» و«الجهاد») الانتخابات. ثم في عام 2006 دخلت «حماس» انتخابات المجلس التشريعي وفازت على «فتح». وغدا إسماعيل هنية، من «حماس»، رئيس وزراء الحكومة، في حين قاطعت «الجهاد الإسلامي» الانتخابات.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.