المحكمة الدولية ترسّخ مفهوم العدالة بعد 14 عاماً على اغتيال الحريري

مصدر مطلع في لاهاي لـ «الشرق الأوسط» : الأحكام تصدر مطلع الصيف

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
TT

المحكمة الدولية ترسّخ مفهوم العدالة بعد 14 عاماً على اغتيال الحريري

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان

منذ انتهاء المحاكمات الغيابية لأربعة من كوادر أمن تنظيم «حزب الله» اللبناني، المتهمين بتدبير وتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري، يلازم قضاة غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان برئاسة القاضي ديفيد راي، غرفة المذاكرة لإصدار الأحكام بحق المتهمين، إلا أن ذلك لم يبدد هواجس غالبية اللبنانيين التوّاقين للعدالة الذين تتزاحم في مخيلاتهم الأسئلة عن الأسباب التي تؤخر صدور الأحكام بعد أكثر من خمسة أشهر على انتهاء المحاكمات.
يتفهّم المتابعون لعمل المحكمة هذه الهواجس التي تبلغ حدّ القلق أحياناً، بالاستناد إلى التجربة اللبنانية، والإخفاق في كشف أي من جرائم الاغتيالات السياسية التي وقعت إبان الحرب الأهلية وبعدها، بفعل سيطرة قوى الأمر الواقع، سواء عبر الوصاية الأجنبية أو عبر النفوذ الحزبي، إلا أن مصدراً مواكباً لمسار المحكمة الدولية في لاهاي، توقّع «صدور الأحكام بقضية اغتيال الحريري مطلع الصيف المقبل، أي بعد نحو ثلاثة أو أربعة أشهر على أبعد تقدير».
وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «أسباب التأخير مبررة، ومردها إلى وجود أكثر من 6 ملايين ورقة ووثيقة، وهي تخضع الآن للدرس والتدقيق والاختصار»، مشيراً إلى أن «هذه المهمة يتولاها مساعدون قانونيون ما زالوا منكبين على فرز الأوراق منذ انتهاء المحاكمة، ويعملون على تصنيفها وإنشاء موجزات عنها تحت إشراف قضاة المحكمة». وقال: «هذه الوثائق هي عبارة عن أدلة علمية وفنية وتقارير خبراء وإفادات شهود ومرافعات المدعي العام ووكلاء الدفاع عن المتهمين».
وكشف المصدر أن «العمل يسير بوتيرة جيدة وثابتة، وكلّما أنجز جزء من الملف يوضع جانبا»، متوقعاً أن «يكون الحكم ما بين الـ500 و1000 صفحة، وبثلاث لغات، عربية وإنجليزية وفرنسية»، مذكراً بأن ذلك «يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير من الترجمة والتدقيق، قبل أن يقرأه القضاة ويتم إخراجه إلى حيّز الوجود، وهذه الآلية صعبة وتحتاج لوقتٍ كافٍ».
وينتظر أن تصدر المحكمة أحكامها غيابياً بحق أربعة كوادر من «حزب الله» متهمين بتنفيذ الجريمة وهم سليم العياش وأسد صبرا وحسين عنيسي وحسن مرعي، فيما أسقطت الملاحقة عن مصطفى بدر الدين الذي قتل في دمشق في عملية غامضة.
ويبدو أن المحكمة الدولية خيّبت التوقعات التي كانت تنحو باتجاه صدور قرارات اتهامية إضافية، إلا أن ذلك لم يحصل حتى الآن، وهنا أوضح مصدر مطلع في المحكمة الدولية، أنه «لا وقت محددا لصدور قرارات جديدة، لكن ثمّة معلومات عن قرارات قيد الإعداد بدعاوى متلازمة، وليست بقضية الحريري (في إشارة إلى محاولتي اغتيال الوزيرين السابقين مروان حمادة وإلياس المرّ، واغتيال القيادي في الحزب الشيوعي جورج حاوي)، لكن حتى الآن لم يصدر شيء». وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «التوقعات بصدور قرارات جديدة، جاءت عندما طلب قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة (دانيال فرانسين) من غرفة الاستئناف، بعض التفسيرات المتعلّقة بقانون العقوبات اللبناني، لإسقاطها على أحد الملفات الواقعة تحت سلطة المحكمة، من دون أن يفصح عن طبيعة هذه الملف». وتوقع المصدر أن يكون القاضي فرانسين «أعاد الملف إلى المدعي العام لدى المحكمة مجدداً بعد تسلمه جواب محكمة الاستئناف، لإجراء مزيد من التحقيقات وتقديم أدلة جديدة حولها».
وتستقطب إجراءات المحكمة اهتمام الأوساط السياسية والقانونية والشعبية في لبنان، بمن فيهم الوزراء والقضاة الذين واكبوا مراحل إنشائها، وتقييمهم لأدائها حتى الآن، ورأى وزير العدل السابق إبراهيم نجّار الذي واكب المفاوضات ومراحل توقيع الاتفاقيات التي أبرمت بين لبنان والأمم المتحدة بشأنها، أنه «من الناحية القانونية وبمنظار القانون الدولي، فإن مسار المحكمة الدولية كان ولا يزال بعيداً عن أي اتهام أو اعتبار يفيد بأن المحكمة منحازة إلى طرف على حساب الآخر»، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوجاهية كانت سيدة الموقف، والمحكمة منحت فريق الدفاع عن المتهمين كل الضمانات القانونية والمعنوية». وأضاف: «أستطيع القول إن نظام المحكمة الخاصة بلبنان، جاء متطوراً أكثر بكثير مما تميزت به المحاكم الدولية الأخرى، ورغم الإطالة في أمد المحاكمة، خصوصاً وأننا لا نزال في المرحلة الابتدائية، أقول وأنا مرتاح الضمير إن هذه المحكمة كانت على مستوى ما انتظره منها اللبنانيون، وهي تعبّر عن حقيقة ما يسمّى القضاء الصالح».
وعن الانتقادات السياسية التي توجه للمحكمة من قبل المتضررين منها، أي «حزب الله» وحلفائه، اعتبر الوزير إبراهيم نجّار أن «الاتهامات التي توجه للمحكمة غير مستغربة، لأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم يخل من التداعيات السياسية على مستوى لبنان والمنطقة ككل، وهو ما أدى إلى تدخل مجلس الأمن الدولي الذي أقرّ قانون المحكمة تحت البند السابع من شرعة الأمم المتحدة».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.