يشكو أولادنا من الحصص المدرسية الخاصة بتعلّم العربية، فغالبيتهم يرون فيها مادة جافة وروتينية ويستصعبون بالتالي إجادة لفظ أحرفها وتحريكها وتعريبها على المستوى المطلوب. ويأتي مشروع «كتابي» الذي يطبّق حاليا في نحو 260 مدرسة رسمية في الصفوف الابتدائية في لبنان، ليساهم في حبّ تعلّم العربية من خلال اتباع برنامج تربوي حديث (تعليم العربية البرنامج المتوازن). فهذا البرنامج تم وضعه في جامعة كولومبيا الأميركية الخاص باللغة الإنجليزية، فتم تكييفه إلى العربية ليصبح ركيزة تتّبع في المناهج التربوية العربية. وإلى جانب لبنان الذي بدأ في تطبيقه منذ نحو 4 سنوات دول عربية أخرى تستخدمه في مدارسها وبينها الخليج العربي.
وضمن إطار هذا المشروع الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أقامت مؤسسة «وورلد ليرنينغ» يوم أمس، مؤتمراً حول تعلم القراءة في قطاع التعليم الرسمي برعاية وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب، وبالتعاون مع المديريّة العامة للتربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء في فندق هيلتون بيروت، شارك فيه نحو 700 شخص، من أكاديميين واختصاصيين ومسؤولين وخبراء تربويين في مجال القرائية.
تناول المجتمعون آخر المستجدات في مجال تعليم القراءة وأفق تحسين مخرجاتها عند التلاميذ في قطاع التعليم الرسمي. كما تضمن المؤتمر نقاشاً حول ما خلصت إليه آخر الأبحاث في مجال القرائية، وعرضاً للجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم العالي من أجل تحسين وتعزيز العملية التعلمية خصوصاً في الصفوف الأولى من التعليم الأساسي. ويهدف مشروع «كتابي» إلى تحسين مخرجات التعلم، وتعزيز الوصول إلى التعليم، ودعم الإدارة التربوية.
«هناك اليوم نحو 1000 أستاذ لغة عربية يطبّق هذا البرنامج في المدارس الرسمية بعد أن تدرّبوا على يد متخصصين». تقول بوليت عساف المديرة المسؤولة عن مشروع «كتابي»، وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ومن المتوقع أن يشمل في الأيام المقبلة 650 مدرسة رسمية جديدة بهدف تعميم هذا النموذج في النهج الدراسي اللبناني الذي احترمنا جميع ركائزه الأساسية ودون الحاجة إلى تغيير أي منها».
ويقوم هذا البرنامج على 3 ركائز، ألا وهي التقويم بأساليب جديدة وطرائق فضلى بتعليم القراءة وموارد رقمية وورقية. فيتم اختبار مهارات التلامذة في الأولى ويتبع برنامج «الإنذار المبكر» في الثانية للمتعثرين في القراءة. وفي الثالثة تتم الاستعانة بموارد رقمية وورقية موجودة في مكتبة الصف.
وعن كيفية تطبيق هذا البرنامج عمليا على الأرض توضح عساف: «يحصل يوميا لقاءات صباحية مع التلامذة فيتواصلون مع الأستاذ بالفصحى وليتلو بعدها قراءات صحيحة استنادا لقصص موجودة في مكتبة الصف فتكون نموذجا للجماعة. وفي المرحلة التالية تجري قراءات موجهّة أو مستقلة بحيث يقرأ قسم من التلامذة لوحده فيما يجري مساعدة ودعم المتعثرين في القيام بهذه المهمة».
وتتضمن مكتبات الصفوف قصصا من مستويات مختلفة يستفيد منها التلامذة، كل حسب مهاراته القرائية. وفي محور «حقيبة المعلّم» تجري مجموعة من الأنشطة بين الأستاذ وتلاميذه بوسائل تكنولوجية من كومبيوتر وعروض سمعية وبصرية وقراءة قصص رقمية. فيتعلّم التلميذ وبوضوح ملحوظ اللهجة والأداء والتحريك المطلوبين في قراءة ناجحة. وفي المؤتمر سيجري الاستماع إلى أساتذة ومرشدين ومديرون مدارس إضافة إلى تربويين يخبرون عن شهاداتهم الحيّة حول تطبيقهم هذا البرنامج.
وتشير دكتور إيفا كوزما خبيرة القراءة في مشروع «كتابي» بأن انطلاق هذا البرنامج جاء لتلبية احتياجات لبنان التي تصب في إشكالية تعلّم العربية بشكل عام. وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «في البرنامج المتوازن عملنا على اختيار أفضل الطرائق في التعليم الذي يعمل على التوازن بين جميع المهارات المتعلّقة بالقراءة. ومن خلاله حققنا تآلفا بين التلميذ والعربية بشكل عام، فصار يستمتع بالحصة العربية ويحبّها. ويتم التشديد في هذه الحصص على التعليم البصري بحيث تحفظ ذاكرة التلميذ الكلمات العربية فيقرأها بصورة تلقائية كلّما صادفته وفي أي نص كان». لا يجبر هذا البرنامج التلامذة على قراءات خصوصية في المنزل وقد تمّ تدريب الأهالي على استراتيجية القراءة. كما أن مكتبات الصف تحتوي على أهم كتب الأطفال المحلية التي تمّ اختيارها من لجنة متخصصة.
وتبلغ مدة حصة العربية 55 دقيقة تتضمن التحية بالفصحى ونشاطات ترتبط بعالم القراءة من خلال بطاقات الحروف وقراءة قصة وتستغرق نحو 10 دقائق. وينتقل بعدها التلميذ إلى ممارسة نشاطات سمعية (استظهار ومخرجات قرائية وقواعد عربية) فيوزعها الأستاذ على التلاميذ، كلّ حسب مهارته.
وعن النتائج الملموسة في هذا البرنامج تقول د. كوزما: «لقد لمسنا حماس التلامذة لحصة العربية إذ صار يطالب بقراءة القصة، وفي منحى وقائي للمتعثرين والذين يجدون صعوبة في التقاط الحرف، يخصص البرنامج المتوازن نحو 15 دقيقة يمضيها هؤلاء مع الأستاذ فيما يعمل الآخرون المطلوب منهم ولوحدهم».
وتؤكّد د. كوزما أن هذا البرنامج ساهم في متابعة التلميذ دراسته بسهولة وصولا إلى الصف الرابع التأسيسي. وبأن هذا العمل الجاري تطبيقه في الصفوف (الابتدائية) هو من الأهداف الرئيسية لمشروع «كتابي».
لفت المتحدثون خلال المؤتمر إلى الارتباط الوثيق بين إلمام التلاميذ بالقراءة وقدرتهم على التحصيل في المواد الأخرى، وبالتالي بقائهم في المدرسة. وشدّدوا على أهمية المطالعة باللغة العربية للأساتذة قبل التلامذة، على اعتبار أن القراءة تؤمّن رأس مال تواصليا، وهو ما يصب في صلب عمل «كتابي».
وفاجأت رئيسة بعثة الوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية USAID الدكتورة آن باترسون، الحضور معلنة أن مشروع «كتابي» الذي سيصل إلى ختامه خلال العام 2019 بعد 4 سنوات من العمل، سيتجدّد للدفع قدماً بالقراءة في الصفوف الابتدائية. وصرّحت أن الوكالة الأميركية ولبنان يؤمنان بأن التربية والتعليم هما الركيزة الأساسية للنجاح الاقتصادي ونوعية الحياة الجيدة وعملنا في القطاع التربوي يمتد لأكثر من عقد من الزمن، ونحن فخورون بما حققناه معاً من أجل بدء مشروع كتابي، حيث تحسّن مستوى القراءة (8 في المائة عن العام الماضي) لدى 79 في المائة من التلامذة في الصفوف الأولى في 260 مدرسة رسمية مشاركة في المشروع.
بحضور 700 خبير... مؤتمر «كتابي» يحفّز قراءة العربية
تموّله «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» ويشمل 910 مدارس لبنانية
بحضور 700 خبير... مؤتمر «كتابي» يحفّز قراءة العربية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة