تصحيح العلاقات اللبنانية ـ العربية يشترط حصر المهمة في الحريري

انتقادات وزارية لتصريحات باسيل عن التطبيع مع النظام السوري

الرئيس سعد الحريري في اجتماع إقرار البيان الوزاري أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس سعد الحريري في اجتماع إقرار البيان الوزاري أمس (دالاتي ونهرا)
TT

تصحيح العلاقات اللبنانية ـ العربية يشترط حصر المهمة في الحريري

الرئيس سعد الحريري في اجتماع إقرار البيان الوزاري أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس سعد الحريري في اجتماع إقرار البيان الوزاري أمس (دالاتي ونهرا)

تدخل الحكومة اللبنانية فور نيلها ثقة البرلمان في اختبار جدي للتأكد من مدى التزامها بسياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن النزاعات والحرائق المشتعلة في المنطقة، خصوصاً في دول الجوار لأن مجرد عدم الالتزام بذلك - كما يقول عدد من الوزراء الأعضاء في لجنة صياغة البيان الوزاري لـ«الشرق الأوسط» - سيقحم لبنان في لعبة المحاور العربية والدولية، وبالتالي لا مصلحة له في الانحياز لهذا الطرف أو ذاك لما يترتب عليه من أضرار تلحق بمصالحه الوطنية.
ولعل رئيس الحكومة - بحسب الوزراء أنفسهم - أول من يدرك مخاطر الإبقاء على سياسة النأي بالنفس في البيان الوزاري من دون أن يقترن لاحقاً بالتزام من بعض الأطراف المشاركة في الحكومة، على غرار المواقف التي سبقت إعداد هذا البيان وتحديداً من قبل رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي يتصرّف من حين لآخر وكأنه «فاتح على حسابه».
فتصريحات باسيل التي أدلى بها من خارج اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري، وفيها دعوته إلى عودة سوريا إلى كنف جامعة الدول العربية والدخول في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، إضافة إلى أنه لولا «حزب الله» لما انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حضرت بامتياز على طاولة لجنة الصياغة، كما ذكر وزير «اللقاء الديمقراطي» أكرم شهيّب.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية بأن شهيّب شدد في رد مباشر على ما قاله باسيل حول ضرورة الالتزام بسياسة النأي بالنفس وقال: «سبق أن أبدينا ملاحظات على الخطاب الذي ألقاه باسيل لدى استضافة لبنان مؤتمر القمة الاقتصادية العربية ولم نفتعل من أقواله مشكلة لأننا كنا في حكومة لتصريف الأعمال. أما اليوم مع تشكيل الحكومة الجديدة فإن الوضع اختلف ولا يحق له التطرّق إلى هذه المواقف من دون موافقة الحكومة».
وأيدت الوزيرة مي شدياق المنتمية إلى حزب «القوات اللبنانية» الموقف الذي عبّر عنه شهيّب، قبل أن يتدخّل الرئيس الحريري واضعاً النقاط على الحروف في هذا المجال.
ونُقل عن الحريري قوله: «ما من أحد يعبّر عن رأي الحكومة إلا رئيسها فهو الناطق باسمها وإن كل ما قيل، في إشارة مباشرة إلى باسيل، لا يُلزمنا بشيء ويعبّر عن رأي شخصي لرئيس (التيار الوطني) وليس بصفته وزيرا للخارجية وأنا لم أتواصل معه قبل أن يقول هذا الكلام».
ولفت الحريري إلى تمسُّك الحكومة بسياسة النأي بالنفس وهذا ما سيرِد في بيانها الوزاري، فيما سأل وزراء عن الأسباب التي دفعت باسيل إلى القول إنه لولا «حزب الله» لما انتخب العماد عون رئيساً، وكأنه ينكر على الحريري وحزبي «القوات» و«التقدمي» ممن أيّدوا عون، دورهم في إيصاله إلى سدة الرئاسة الأولى.
كما سأل الوزراء إذا كان كلام باسيل يخدم الجهود الرامية إلى ترميم علاقات لبنان بعدد من الدول العربية التي لم تقصّر يوماً في مد يد العون للبنان، لا سيما إبان الشدائد التي مر بها بدءاً من العدوان الإسرائيلي في حرب تموز على لبنان؟
ولماذا أصر باسيل قبل أن تنال حكومة الحريري الثقة على «تقديم أوراق اعتماده» بالمعنى السياسي للكلمة لاسترضاء «حزب الله» والنظام في سوريا مع أن عودة الأخيرة إلى الجامعة العربية يعود لقرار تتخذه الدول العربية؟
وهناك من يقول إن باسيل قرر أن يحسم أمره، وبالتالي فإن ما صدر عنه ليس زلّة لسان وإنما جاء عن سابق تصوّر وتصميم لاعتقاده أنه بمواقفه هذه يدخل في مبارزة مع زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، لعله ينجح في أن ينتزع منه الأفضلية التي يحظى بها سواء من قبل «حزب الله» أو النظام في سوريا بغية تجييرهاح ما يتيح له أن يصرف مفاعيلها السياسية في معركة رئاسة الجمهورية مع أنه يُدرك سلفاً أن من المبكّر جداً فتح ملف الانتخابات الرئاسية. لذلك يرى هؤلاء الوزراء أنه لا حل في ثني باسيل عن ترداد مواقفه هذه المؤيدة لـ«حزب الله» والنظام في سوريا، وأن ما صدر عنه لا يخدم رئيس الجمهورية الذي يقدّم نفسه على أنه الرئيس الجامع للبنانيين، إضافة إلى ما يترتب على مواقف باسيل من حساسية لدى عدد من الدول العربية. ويؤكد الوزراء أنفسهم أن «الشعبوية» التي يعتمدها باسيل لا تخدم الجهود الرامية إلى تصحيح العلاقات اللبنانية - العربية لإعادتها إلى ما كانت عليه في السابق، ويرون أنه لا حل ما لم يبادر رئيس الحكومة إلى وضع هذا الملف في عهدته كما كان يفعل في السابق والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.
وعليه، فإن ترميم العلاقات اللبنانية - العربية في حاجة الآن إلى إحاطة مباشرة من الحريري لأنه الأقدر على تصحيحها بعدما ثبت أن وجود باسيل على رأس الخارجية لم يدفع في اتجاه تصويبها، وأن الأخير يعرف قبل غيره أين هي مكامن الخلل ولم يبادر إلى إعادة هذه العلاقات إلى فتراتها الذهبية. إضافة إلى أن رئيس الحكومة يبقى محط ثقة الدول العربية ولديه الخبرة والقدرة على تنقية هذه العلاقات من الشوائب بما فيها المواقف التي تصدر عن باسيل بلا أي مبرر.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».