رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي

تساؤلات حول حماية الحدود... ومخاوف من السيطرة على منابع النفط

رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي
TT

رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي

رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي

هلّل مواطنون في جنوب ليبيا، عند سماع نبأ وصول طائرة شحن عسكرية إلى قاعدة تمنهت العسكرية، نهاية الأسبوع الماضي، مُحملة بالسيولة النقدية مصدرها المصرف المركزي في مدينة بنغازي، وهو ما عدّوه «بادرة خير»، و«انفراجة لأزماتهم المتراكمة» منذ ثماني سنوات. حدث هذا بعد أيام قليلة من بدء العملية العسكرية التي يقودها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، لتطهير مناطقهم من «الجماعات الإرهابية والإجرامية»، والتصدّي لما يوصف بـ«خطر قادم» قد يستهدف حدود البلاد.
في هذه الأثناء، وبينما كانت المقاتلات الحربية تُحلق على ارتفاع منخفض في سماء مدينة سبها، لتعقب فلول تنظيمي «داعش» و«القاعدة» وعناصر المعارضة التشادية، بدت في الأفق مخاوف واسعة من بعض الأطراف، خاصة في غرب البلاد، من استحواذ «قوات حفتر» على آبار النفط، أو تحركه نحو العاصمة طرابلس، لبسط سيطرته وطرد الميليشيات المسلحة منها!

ما بين مواصلة القوات المسلحة الليبية تحركاتها في الجنوب الغربي من ليبيا، وتزايد مخاوف خصوم المشير خليفة حفتر، وخاصة تيار الإسلام السياسي من تمترس الجيش الوطني هناك، وتأثير ذلك على مستقبلهم في قادم الأيام، طُرحت أسئلة عدة عن الرسائل التي تحملها هذه العملية العسكرية.
أهم هذه الرسائل إمكانية نجاح التحركات في سد ثغرات الحدود الجنوبية الشاسعة، في وجه زحف متنوع من عصابات الاتجار بالبشر، ومهرّبي السلاح. وكذلك مدى قدرتها على فرض الأمن في المنطقة التي تُخرج ثلث النفط الليبي، وحمايتها أيضاً من أطماع إسرائيلية ودول أوروبية، يرى نواب وسياسيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أنهم يسعون مجتمعين إلى إعادة رسم المنطقة.

- «مرتزقة القذافي»
تعاني مدن الجنوب الليبي منذ إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. من أزمات عديدة متفاقمة، أبرزها: غياب مظاهر للدولة بشكل حقيقي، وتغوّل متمردين تشاديين ومرتزقة من دول أفريقية في الصحراء المترامية، وتزايد نشاطات العصابات المتاجرة بالبشر. ويقابل هذه الأزمات انعدام أي تحرك على الأرض من الحكومات المتعاقبة يشفي غليل سكانها، باستثناء تحذير أصدره القائد العام للجيش الوطني (حفتر) قبل قرابة ثمانية أشهر، أمهل فيه كافة الوافدين الأفارقة المتورطين في أعمال مع الميليشيات - التي وصفها بـ«الإجرامية» - لمغادرة جنوب ليبيا.
لقد هدّد حفتر باستخدام كل الوسائل العسكرية المتاحة، جواً وبراً، بعد انتهاء المهلة المحددة. وطالبت القيادة العامة أعيان مناطق الجنوب ومشايخها الاتصال بالغرف الأمنية في المناطق العسكرية بكل من سبها وأوباري وغات ومرزُق، ومن ثم رفع الغطاء الاجتماعي عن كل من يساهم في حماية أو إيواء أو مساعدة الوافدين الأفارقة بأي شكل من الأشكال مما يؤدي إلى زعزعة أمن المناطق الجنوبية.
غير أن المهلة التي منحها حفتر انتهت من دون رحيل فرق مَن يوصفون بـ«المرتزقة» التي أتى بهم القذافي قبل سنوات لمساندته على وأد الانتفاضة الشعبية. وأصبح الجنوب الليبي، على اتساعه، ميداناً فسيحاً ترتع فيه تلك الجماعات وغيرها، كما يرى عضو مجلس النواب سعيد امغيب، «ما حتم على الجيش الوطني الإسراع لإنقاذ الجنوب من مخطط قديم يُحاك له».
وذهب امغيب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «النظام الحاكم في تشاد المتمثل في الرئيس إدريس ديبي يخشى من تهديد المعارضة التشادية المطالبة بإقصائه عن الحكم، والتي تخلص من خطرها بعد أحداث ثورة 17 فبراير وذلك بتوغلها داخل الحدود الليبية بعد انقطاع الدعم الذي كان يوفره نظام القذافي».
لكن أمام تكرار الهجمات الإرهابية على البلدات الواقعة في قلب الصحراء الليبية، التي باتت في مرمى نيران «داعش»، وفي ظل استغاثات المواطنين، وجهت القيادة العامة بتطهير المنطقة هناك من تلك العناصر. وبعد ثلاثة أيام فقط تمكنت من استرداد أكثر من عشرة مواقع مهمة، في مقدمها مطار وقلعة سبها، ومقر اللواء السادس، ومعسكر الدعوكي، وقاعة الشعب التي كانت المعارضة التشادية تتخذها ملاذات آمنة خلال السنوات الماضية.
إلا أن المخاطر التي تحرّكت من أجلها القوات المسلحة الليبية، من قاعدة جوية على بعد 650 كيلومتراً من العاصمة طرابلس، ليس المستهدف منها التصدّي للجماعات الإرهابية والإجرامية فحسب. بل إن أمامها مهام يرى ليبيون أن تتمثل في حماية منابع النفط، الذي يتدفق بلا حدود في الصحراء الجنوبية، ووقوفها على الشط الآخر من البلاد في وجه تقارب تشادي - إسرائيلي بعد قطيعة دبلوماسية بين البلدين دامت 44 سنة.

- بقاء نتنياهو وديبي
ما كاد الليبيون ينسون الأحاديث عن أطماع فرنسا في الجنوب الغربي، حتى جاء لقاء الرئيس التشادي إدريس ديبي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط تسريبات أن الزيارة تتعلق بمنابع النفط الليبي. وذهبت القناة العاشرة العبرية إلى أن الأول قدم قائمة طلبات عاجلة إلى إسرائيل، على رأسها مطالب أمنية وعسكرية قد تستخدمها الحكومة التشادية ضد حركات تمرد في شمال تشاد وشرقها على مقربة من الحدود الليبية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ما يتعلق بفرنسا، فإن لديها قاعدة عسكرية في شمال النيجر. ويرى البعض أن باريس تراهن على هذه المنطقة كأحد مصادر الثروة من بترول وغاز ومعادن، وتسعى إلى بسط نفوذها، مستندة على إرث تاريخي هنا، إذ كان إقليم فزّان (الذي يغطي معظم جنوب وجنوب غربي ليبيا) لفترة طويلة تحت سيطرتها.
ولقد زاد موقع «ديبكا» الإسرائيلي، المقرّب من الدوائر الاستخباراتية، من مخاوف الليبيين بتأكيده أن الجيش التشادي - الذي يبلغ عديده 250 ألف عسكري - يقاتل على ثلاث جبهات قرب الجنوب الليبي، وخاصة في المنطقة الغنية بمنابع النفط، حيث تمتد الأنابيب إلى موانئ التصدير على سواحل البحر المتوسط. وذكر الموقع إن الرئيس التشادي يسعى من خلال توثيق علاقات بلاده مع إسرائيل إلى مشاركة تل أبيب في الحرب ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في أنحاء القارة الأفريقية وانضمامها إلى جهود الولايات المتحدة وفرنسا بهذا الاتجاه في هذه المنطقة.
التقارب الإسرائيلي - التشادي، وصفه عبد الله الرفادي، رئيس حزب الجبهة الوطنية الليبي، في حديث إلى «الشرق الأوسط» بأنه «أكبر خطر يهدد ليبيا وحدودها ومستقبلها». ورأى الرفادي أن هذه الزيارات المتبادلة تصب في «تحقيق حلم إسرائيلي قديم في السيطرة على ليبيا... ووجودها على حدودنا الجنوبية يشكل تهديدا مباشرا لبلادنا».
لكن امغيب، من جانبه، تحدث عن «مخطط قديم لفصل الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) عن الدولة الليبية»، وقال إن «زوجة ديبي تناولت ذلك في أحد احتفالات دولة تشاد بقولها إن الكفرة مدينة تشادية». وأردف أن وضع الحدود الجنوبية للدولة الليبية «خطير جداً ومهدّد من عدة أطراف خارجية، ما يستوجب وقفة عربية لمواجهة هذه التهديدات الاستعمارية»، و«ضرورة دعم كل النخب السياسية العربية لليبيا لمواجهة هذه التهديدات». واستكمل امغيب «... والأهم هو الدعم الشعبي للقوات المسلحة العربية الليبية في تحركاتها في الجنوب ومحاربتها للإرهاب».

- حماية حقل الشرارة
اللافت أن تحرك القوات العسكرية الليبية باتجاه الجنوب، الذي اعتبره نواب في إقليمي برقة (شرق) وفزّان (جنوب وجنوب غرب) خطوة في الاتجاه الصحيح، لا يزال يلقى معارضة من السلطات الحاكمة في العاصمة. إذ يرى بعضهم أنها تستهدف بسط نفوذ قوات حفتر على مصادر النفط هناك، كخطوة استباقية للانتخابات التي قد تجرى في البلاد العام الجاري، واستخدام الثروة النفطية كورقة ضغط لترجيح كفة الأخير إذا ما خاض الماراثون المرتقب.
ويضيف أنصار المعسكر الآخر المناهض لحفتر داخل الجيش التابع لحكومة الوفاق الوطني (المدعومة أممياً)، أن العملية التي أطلقها حفتر «لا تخرج عن كونها عملية تأميم للنفط الليبي»، خاصة إذا علمنا أن حقل الشرارة النفطي، الواقع في مدينة أوباري، والذي لا يزال مغلقاً لأسباب أمنية، من أكبر الحقول إنتاجية في البلاد، إذ تبلغ طاقته 340 ألف برميل يومياً ويخضع لحالة القوة القاهرة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
أبرز المتخوّفين من الإقدام على هذا الإجراء، هو مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة للمجلس الرئاسي في طرابلس. صنع الله عبر عن ذلك صراحة أمام مؤتمر خاص بالطاقة في معهد «تشاتام هاوس» في العاصمة البريطانية لندن، إذ قال «إعادة تشغيل الحقل تعقد أكثر بإطلاق مهمة دولية لمكافحة الإرهاب توسعت لتصبح محاولة للسيطرة على منطقة قد تحوي بنية تحتية وطنية للنفط»، في إشارة إلى العملية العسكرية في الجنوب.
وعبر صنع الله عن مخاوفه مضيفاً «ما يثير قلقي هو إطلاق سلسلة من الأحداث قد تكون لها تبعات غير معروفة بالنسبة لليبيا والمؤسسة الوطنية للنفط». ورأى «أن الحل المفضل لتأمين الحقل يتضمن نشر قوات حرس المنشآت النفطية الذي تديره المؤسسة»، لكنه أبدى بعض التردد من تنفيذ ذلك.
وللخلاص مع «مخاوف قادمة» اقترحت مؤسسة النفط كإجراء فوري تشكيل «قوة مختلطة قد توفر حلاً داخل إطار أمني تفاوضي» بقيادة حكومة الوفاق في طرابلس، وبدعم من الأمم المتحدة. وهو الاقتراح الذي وضع صنع الله في دائرة الاتهامات، فذهب عضو مجلس النواب سعيد امغيب، إلى اتهام رئيس مؤسسة النفط بأنه «يدور في فلك جماعة الإخوان المسلمين». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإخوان يعرفون جيداً أن سيطرة الجيش على الجنوب بداية زوالهم من المشهد العام، ونهاية تغولهم في البلاد وعودة سيادة الدولة على مؤسساتها»، متابعاً «هذا ما لا يريده التنظيم الساعي بأي وسيلة للسلطة والتحكم بمقدرات البلاد لتحقيق أهدافهم المزعومة».
تصريحات صنع الله استقبلت باعتراضات واسعة، وأبدت مجموعة «أبناء ليبيا» استغرابها واستهجانها مما ذهب إليه رئيس مؤسسة النفط، مشيرة إلى أن «الجيش الليبي هو من طرد العصابات الإجرامية من الحقول النفطية في شرق البلاد، وهو من يحميها وييسّر تصدير النفط الذي يتفاخر بتصديره صنع الله في محاضراته في مراكز الدراسات البريطانية وغيرها».

- الطريق إلى طرابلس
معركة الجيش في الجنوب دخلت «مرحلتها الثالثة»، وفق ما أعلنه المتحدث باسم القوات المسلحة العميد أحمد المسماري. وتتمثل هذه المرحلة بـ«تطهير مدينة سبها بالكامل من الإرهابيين والعصابات الإجرامية والعناصر المسلحة القبلية»، وسط تفاؤل المواطنين بقرب انتهاء أزماتهم الاقتصادية بتوفير السيولة النقدية، وتوقف استهدافهم من التنظيمات الإرهابية. ولكن في الوقت نفسه تتصاعد المخاوف في بعض الأوساط المتحكمة في العاصمة، التي ترى أن هدف حفتر هو دخول طرابلس، وأن عملية الجنوب ليست إلا خطوة تستهدف محاصرة المجلس الرئاسي في العاصمة، وأن الجيش الوطني يطوي المسافات، ولم يعد أمامه إلى التوجه للمنطقة الغربية، وهو التعهد الذي سبق وقطعه على نفسه القائد العام للجيش، بقوله إن تحرير العاصمة «يعد خياراً لا مناص منه، وسيتم وفق خطة مرسومة».
من جهته، أكد حفتر خلال لقاء سابق بوفد قبائلي «الجيش سيتحرك لطرابلس في الوقت المناسب والأمر محسوب». واستطرد «أن 85 في المائة من أهالي العاصمة مع الجيش الوطني... ولن ندخل بانقلاب أو التسلط على الناس... فقد تجاوزنا أكثر من 200 معركة لم نخسر واحدة منها».
ووفق المعلومات، يوماً بعد يوم، يتزايد المؤيدون لتلك العملية العسكرية، التي ثمنها أبناء قبيلة الزوايد المنتشرة في مناطق الجنوب، ووصفوها بأنها خطوة جريئة من القيادة العامة. ووجهوا رسالة إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، مؤداها أن كل أبناء الجنوب يرحبون بوجود الجيش في الجنوب، «وهو الأجدر بحفظ الأمن والاستقرار هناك».

- السلطة والقوة
في السياق ذاته، كثيرون، ومنهم عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، انتهوا إلى أن الجنوب بات خارج سيطرة حكومة الوفاق ومجلس الدولة معاً. وأرجع بن شرادة ذلك إلى أن المجلس الرئاسي لم يفعّل مخرجات «اتفاق الصخيرات»، ولم يعيّن أمراء لمناطق الجنوب العسكرية، كما لم يستكمل تعيين قيادات أمنية هناك. وقال في تصريحات صحافية، إن «الجنوب كان يبحث عمن ينقذه ووجد في المشير حفتر المنقذ من العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية التي عاثت فساداً في الأرض».
ما ذهب إليه بن شرادة لمح إليه وزير الداخلية الأسبق عاشور شوايل، الذي صرّح لفضائية «ليبيا الحدث» بأن «الشعب الليبي يحتاج لسلطة، والسلطة تحتاج لقوة... والقوة الآن أصبحت في الجيش ولا كلام غير ذلك». وانتهى قائلاً «السراج موجود ولديه سلطة، لكنه لا يملك القوة حتى يسيطر على البلاد. لذلك عندما نقول ميليشيا فهي كذلك، وعندما نقول جيش فإننا نعنى ذلك دون تردد لأن هذا هو الواقع على الأرض».
ختاماً، امتنع رئيس المجلس الرئاسي عن التعليق بشكل مباشر على العملية العسكرية في الجنوب، لكن اكتفى خلال زيارته الأخيرة إلى جمهورية التشيك بالحديث عن تطلع الليبيين «لبناء دولة مدنية ديمقراطية». وذكر أن «الطريق إلى هذه الدولة المنشودة لا يأتي إلا عبر إجراء انتخابات ليقول الشعب كلمته، ويختار وفق إرادته الحرة من يقود البلاد».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».