استمر أمس التراجع في وتيرة القتال حول الجيب الأخير لتنظيم داعش بريف دير الزور، شرق سوريا، وسط تقارير عن تحضيرات لإخراج مزيد من العالقين فيه، وعن قوائم بأسماء مطلوبين «دواعش» يحملها جنود أميركيون يشاركون مع «قوات سوريا الديمقراطية» في حصار هذه المنطقة الواقعة شرق الفرات ويحاولون كشف أي معلومة تكشف ما حلّ بزعيم التنظيم الإرهابي أبو بكر البغدادي.
ودافع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مجدداً أمس عن سحب قواته من أفغانستان وسوريا. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن ترمب قوله، في تغريدة على «تويتر»، إنه ورث «فوضى شاملة في سوريا وأفغانستان، وحروباً لا نهاية لها»، وذات إنفاق غير محدود، وتجلب الموت. وأضاف أنه خلال حملته الانتخابية قال بقوة إن هذه الحروب يجب أن تتوقف في نهاية الأمر.
وأبدى ترمب تصميماً على تدمير تنظيم داعش بصورة كاملة قريباً بنسبة 100 في المائة، مضيفاً أنه سيراقب التنظيم عن كثب، وقال: «حان الوقت لأن نبدأ العودة إلى الوطن (سحب القوات) بعد سنوات كثيرة، وأن نتوخى الحكمة في إنفاق أموالنا. يتعين على بعض الأشخاص التحلي بالذكاء».
وبالتزامن مع ذلك قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها طلبت من «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة تخصيص موقع على الطريق إلى مخيم الهول يمكن فيه تقديم مساعدات للمدنيين الذين يفرون إلى المخيم في أجواء شديدة البرودة هرباً من المعارك الدائرة شرق الفرات، بحسب «رويترز». وتقاتل «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يهيمن عليها مقاتلو «وحدات حماية الشعب» الكردية، تنظيم داعش في جيب هجين بمحافظة دير الزور. وقالت المفوضية إن «قوات سوريا الديمقراطية» تسيطر «فعلياً» على المنطقة التي تضم الموقع لكنها لم ترد على الطلب الذي قدمته المفوضية لها قبل أسبوعين. ويفر مدنيون، معظمهم نساء وأطفال، باتجاه مخيم الهول الذي زاد عدد سكانه إلى ثلاثة أمثاله خلال شهرين ليصبح 33 ألفاً.
ونقلت «رويترز» عن المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أندريه ماهيسيتش قوله للصحافيين في جنيف: «الوضع الإنساني في هذا الجزء من سوريا حرج حالياً. لذلك نناشد توفير الأمان للمدنيين وتمكينهم من الخروج من منطقة الصراع ومن الحصول على المساعدة». وكانت منظمة الصحة العالمية قد قالت الخميس إن هناك تقارير عن وفاة ما لا يقل عن 29 من الأطفال وحديثي الولادة في المخيم الواقع بشمال شرقي سوريا خلال الأسابيع الثمانية الماضية غالبيتهم نتيجة الانخفاض الحاد في درجة حرارة الجسم والتعرض للبرودة.
وقال ماهيسيتش: «طلبت الجهات الإنسانية بشكل جماعي من القوات التي تسيطر على المنطقة تخصيص موقع مؤقت على الطريق إلى الهول يمكن تقديم مساعدات منقذة للأرواح فيه». وأضاف: «تقدم مساعدات ضئيلة - هذا إن قدمت - على الطريق لأولئك الذين يكابدون الجوع والبرد، وغالبيتهم العظمى من النساء والأطفال». وتابع بحسب ما أوردت «رويترز» إن «قوات سوريا الديمقراطية» صادرت أيضاً وثائق هوية وقيّدت حركة النازحين في مخيمات بمحافظة الحسكة، ودعا إلى السماح لهم بحرية التنقل،
وفي خصوص الوضع الميداني في جيب «داعش» الأخير بريف دير الزور، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى «تحضيرات لإخراج مزيد ممن تبقى من العالقين في الجيب المتبقي للتنظيم، قرب الضفاف الشرقية للنهر، تزامناً مع استمرار المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة بالتحالف الدولي من جانب، وقادة وعناصر تنظيم (داعش) من جانب آخر، للتوصل إلى توافق حول مصير الجيب ومصير القادة العسكريين والعناصر المتبقين من جنسيات مختلفة».
وقال «المرصد» إنه حصل على معلومات تفيد بأن عناصر من القوات الأميركية التي وصلت أخيراً ضمن قوة قوامها نحو 700 من القوات الخاصة، تقوم بالبحث عن مطلوبين من الخارجين من جيب «داعش». وأوضح أن جنوداً من هذه القوات توجهوا إلى الجبهات القريبة من جيب «داعش» الأخير وهم يحملون «صوراً لمطلوبين» حيث يقومون «بالبحث والتقصي عنهم من الخارجين» من الجيب المحاصر. وتابع أنه بالتزامن مع عملية البحث هذه تجري عملية بحث أخرى «عن قادة من الصف الأول للتنظيم... وتحصيل معلومة عن أبي بكر البغدادي زعيم التنظيم إن كان حياً».
وزاد «المرصد» أن القادة المتبقين في «الجيب الداعشي» يرفضون الخروج خشية اعتقالهم من قبل القوات الأميركية أو من مخابرات بلادهم، وخشية مواجهة السجن لمدى الحياة في حال القبض عليهم.
وأشار «المرصد السوري» إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» تمكنت صباح أمس الجمعة من إخراج ونقل مزيد من عائلات «داعش» ضمن ما تبقى للتنظيم عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، متحدثاً عن «إخراج نحو 150 شخصاً خلال الساعات الأخيرة من الجنسيتين الروسية والأوزبكية... غالبيتهم من الأطفال والمواطنات».
وفي الإطار ذاته، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير ميداني من قرب بلدة الباغوز بأن المتشدد الألماني مارتن ليمكي فرّ من آخر جيب يسيطر عليه «داعش» في شرق سوريا قبل أن توقفه «قوات سوريا الديمقراطية» في منطقة لاستقبال النازحين، وفق ما قالت زوجتاه اللتان هربتا معه أول من أمس الخميس.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن ليونورا (19 عاماً)، زوجته الثالثة التي تحمل الجنسية الألمانية، قولها إن ليمكي، البالغ بحسب قولها 28 عاماً، فرّ معها ومع زوجته الثانية من آخر بقعة تحت سيطرة «داعش».
وقالت الشابة وهي تحمل طفلها: «أتينا إلى هنا سوية، سلمنا أنفسنا سوية». وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أنها لم تتمكن من رؤية ليمكي، لكن «قوات سوريا الديمقراطية» توقف عادة في منطقة الفرز المشتبه بهم بانتمائهم للتنظيم المتطرف بعد التدقيق والتحقيق الأولي.
وقالت الزوجة الثانية، التي عرفت عن نفسها باسم سابينا (34 عاماً)، للوكالة الفرنسية مكتفية باسم «أبو ياسر» للحديث عن زوجها: «زوجي هنا، خرج معي أيضاً من لدى تنظيم (داعش)».
وادعت الزوجتان أن مارتن لم يكن مقاتلاً بل كان يعمل كتقني تصليح أجهزة إلكترونية. وقالت سابينا إن زوجها كان مريضاً وبالتالي لم يكن بإمكانه القتال. وأعربتا عن رغبتهما بالعودة إلى ألمانيا.
ووفق تقارير في الصحافة الألمانية، فإنه من المرجح أن ليمكي دخل سوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014. وقد كان عنصراً في «الحسبة» أي الشرطة الشرعية للتنظيم قبل أن ينضم إلى فريق الأمنيين، وقد يكون الألماني الذي اعتلى أكبر منصب في التنظيم.