«يونيسكو» تعتمد 2019 عاماً دولياً للغات الشعوب الأصلية

أول مبادرة عربية أطلقها باحث عراقي

«يونيسكو» تعتمد 2019 عاماً دولياً للغات الشعوب الأصلية
TT

«يونيسكو» تعتمد 2019 عاماً دولياً للغات الشعوب الأصلية

«يونيسكو» تعتمد 2019 عاماً دولياً للغات الشعوب الأصلية

تأتي مبادرة منظمة الأمم المتحدة لاعتماد عام 2019 عاماً دولياً للغات الشعوب الأصيلة التي مكّنتها قدراتها من ابتكار لغتها الخاصة في زمن، لكن العصر الراهن لم يمكّنها من المحافظة عليها لأسباب كثيرة تتعلق بالعولمة أو الانحسار أو غلبة اللغات الأخرى. وتأتي هذه المبادرة التي أوكلت مهمتها لمنظمة اليونيسكو من أجل التنبيه للحفاظ على لغات السكان الأصليين في بلدان وجودهم، والعمل على المحافظة عليها ورعايتها وتنشيطها. وفي ضوء هذه الدعوة، فإن الأمم المتحدة أوصت الدول والمنظمات والجهات الأكاديمية بضرورة دعم السكان الأصليين في المحافظة على لغاتهم وتشجيع النشاطات التي من شأنها ديمومتها وتعليمها للنشء الجديد، وتوثيق كل ما يتعلق بها وبتراثها.
وفي البلدان العربية، هنالك عدد من لغات الشعوب الأصيلة التي بعضها معرّض لخطر الانقراض. وما يؤسف له حقاً أنه لم يتم التنبه لموضوعها والاهتمام بها على الرغم من الاهتمام الدولي المعروف.
الباحث والكاتب العراقي الدكتور العراقي قيس مغشغش السعدي، الذي نشط في الكثير من الفعاليات الثقافية بهذا الخصوص، قدم مناشدة للجهات المسؤولة في العراق، ومخاطبة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس، بالاهتمام باللغة المندائية، ذات الأصول الآرامية. وهي لغة طائفة الصابئة المندائيين في العراق وجنوب إيران، التي تعد من أبرز اللغات المعرّضة لخطر الانقراض؛ ذلك أن المتحدثين فيها لا يتجاوز عددهم اليوم، حسب قول المؤلف، 100 فرد، كما أن تحدثها داخل الأسرة قد توقف منذ عشرات السنين. وما حافظ على بقائها أنها اللغة التي ما زالت تستخدم في طقوسهم الدينية وتنسخ بها كتبهم الدينية. والاهتمام بها «ليس من أجل المندائيين أنفسهم، بل لأنها لغة العراقيين الأوائل وبعض إرثهم، وقد ظلت تحفظ صيغهم القواعدية وأساليب بناء ولفظ واشتقاقات الكلمات التي لا تزال ميزة العامية العراقية لحد اليوم وستبقى»، كما يذهب السعدي. يقول عن هذه اللغة: «كان تسجيلها في أطلس اليونيسكو للغات المهددة بالانقراض لعام 2006 بسعي مني شخصياً، كما قمت بالكثير من النشاطات مساهمة في الحفاظ على هذه اللغة، تمثلت بوضع أول كتاب تعليمي منهجي لها، ثم وضع قرص تعليمي للنطق والتلفظ، كما قمت بوضع قاموس مندائي - عربي وبالعكس، وقاموس آخر مندائي - إنجليزي وبالعكس، وعملت على تصميم أكثر من حرف طباعي لغرض تسهيل عملية الطبع باستخدام الكومبيوتر، وقمت بإبراز الخط المندائي بأعمال فنية مشابهة لأعمال الخط العربي، وكتبت الكثير من المقالات بخصوصها، مطالباً الجهات الدولية والعراقية للاهتمام بها، كما تابعت مئات المفردات التي ما زالت شائعة في اللسان العراقي وثبّت عائديتها للغة المندائية كفرع نقي من الآرامية الشرقية، وعملت على إصدار كل ذلك بهذا الكتاب الموسوم معجم المفردات المندائية في العامية العراقية».
بعد السومرية التي كان مركز تأسسها وقيام حضارتها في «أور» جنوب العراق، وبعد حضارة «أكد» التي شملت أرض الرافدين وما قام إثرها من حضارات وبخاصة الآشورية في نينوى شمال العراق وبابل في وسط وجنوب العراق، واعتمادهما اللغة الآرامية فيما عرف بالآرامية الشرقية، الشمالية منها لدى الآشوريين والجنوبية لدى البابليين، فإن هاتين اللهجتين هما أساس الألفاظ الشائعة في اللغة العامية المحكية في العراق، إضافة إلى الألفاظ الدخيلة التي جاءت مع المحتلين والمستعمرين.
ولأن بيئة المندائيين المعهودة هي الجنوب العراقي، ولسعة انتشارهم في العصور الغابرة ودرجة تأثيرهم في المنطقة، فقد سادت اللغة التي يتكلمونها، وصارت لغة المجتمع خاصة أنها تتأسس على سومرية حضارة العراق. وإذ انحسر كيان المندائيين فقد ظلت لغتهم الآرامية الشرقية لصق اللسان الحاكي. ومع تنبيه الأكاديميين، وبخاصة المستشرقون، إلى أهمية اللغة المندائية في هذا الخصوص، إلا أن الأمر ظل من وجهة نظر الجميع على أنه تشابه وتقارب في بعض الألفاظ. لذا؛ حينما دخلت اللغة العربية إلى البلدان التي كانت لغتها الأساس اللغة الآرامية، ورغم أن العامة صاروا يقرأون القرآن بلغته ويتناقلون الأحاديث النبوية بلغتها، لكنهم ظلوا يتخاطبون باللغة الأقرب إلى فهم العامة.
يقول الدكتور السعدي: «... (أكو، ماكو) صارت سمة اللهجة العراقية، والثابت قاموسياً أن مرجعية هاتين المفردتين من اللغة المندائية، لغة العراقيين القدماء التي ظل الصابئة المندائيون محافظين عليها وإلى اليوم، وهكذا. في حين سيقرأ القارئ مئات المفردات التي تم تثبيت طريقة ورودها في العامية العراقية ومن ثم لفظها بالمندائية ومعناها العربي والإنجليزي وشرح عائديتها وكيفية ورودها أصلاً في الاستخدام مع الأمثلة بشكل أكاديمي. وإن جاء ورود المفردات في الأمثال والأشعار والأغاني القديمة قمت بذكر ذلك تعزيزاً وبما يجعل مادة الكتاب مشوقة من هذه الناحية أيضاً».
ويؤكد الكاتب، أن اللغة المندائية باعتبارها الفرع النقي للغة الآرامية الشرقية، هي شهادة في المعنى وشهادة في الوجود، يتداولها اللسان العراقي عامة وعدد من شعوب الدول العربية المجاورة، التي ترد في اللغة العربية ولا تتأسس عليها، كما أنها من بقايا لغات سكان وادي الرافدين قبل أن تعتمد وتشيع اللغة العربية على لسانهم، بعد الفتح العربي، وبعضها سومري وآخر أكدي آرامي، طمس التعرف على أصولها واستخداماتها السابقة، وصار من يحاول معرفة مرجع هذه الكلمات كباحث الآثار الذي يبحث وينقب.
يقول المؤلف: «وفي كل ذلك وجدت نفسي كمنقب الآثار الذي يبحث عن اللقى الثمينة المدفونة بين المفردات التي علاها غبار الزمن فمُسحت بعض أحرفها ودُمج الآخر وربما طـُمست إلا من حرف أو نغمة. ولا شك أن مثل هذا العمل تكتنفه صعوبات جمة، ذلك أن الباحث فيه ليس أمام تدوين لمفردات اللغة العامية المحكية ومن ثم البحث في أصول هذه المفردات وألفاظها بحسب ما متوافر من تلك الكلمات أبجديا، بل هو إزاء الذي ما زال محكياً في اللغة العامية وذا مرجعية في اللغة المندائية كوريث للآرامية الشرقية. فالأمر يتطلب المتابعة لما بين اللغة المندائية واللغة العامية من مفردات وألفاظ ومعانٍ والعكس. وهذا ما لم يتم تناوله سابقاً».
ويأتي كتاب «معجم المفردات المندائية في العامية العراقية» الذي تبّنت إصداره مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية ودار الرافدين للطباعة والنشر توافقا مع قرار الأمم المتحدة ليكون أول إصدار بهذه المناسبة.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تخفّض نداءها الإنساني إلى النصف وسط تراجع حاد في تمويل المانحين

الاقتصاد فتاة فلسطينية تُلوّح بيدها فيما تنتظر تلقي الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة الجوع في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

الأمم المتحدة تخفّض نداءها الإنساني إلى النصف وسط تراجع حاد في تمويل المانحين

خفّضت الأمم المتحدة يوم الاثنين، نداءها الإنساني للعام المقبل إلى نحو نصف ما كانت تطمح إليه هذا العام، في اعتراف واضح بتراجع تمويل المانحين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا دعت الأمم المتحدة الأحد سلطات «طالبان» إلى رفع حظر تفرضه منذ 3 أشهر على عمل موظفاتها الأفغانيات في مقراتها في أفغانستان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو «طالبان» إلى السماح للأفغانيات بالعمل في مكاتبها

دعت الأمم المتحدة، الأحد، سلطات «طالبان» إلى رفع حظر تفرضه منذ 3 أشهر على عمل موظفاتها الأفغانيات في مقراتها في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (كابول)
المشرق العربي صورة عامة للعاصمة دمشق (إ.ب.أ) play-circle

لجنة أممية: المرحلة الانتقالية في سوريا ما زالت «هشَّة»

اعتبر خبراء أمميون، اليوم (الأحد)، أن المرحلة الانتقالية في سوريا ما زالت «هشَّة» بعد عام من إطاحة حكم بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب) play-circle

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

طالب الرئيس اللبناني جوزيف عون وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب من جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

غناء اليودلية والطبخ الإيطالي مرشحان للانضمام إلى تراث «اليونيسكو» الثقافي

أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
TT

غناء اليودلية والطبخ الإيطالي مرشحان للانضمام إلى تراث «اليونيسكو» الثقافي

أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)

من المقرر أن يبدأ خبراء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) مداولاتهم في الهند، اليوم (الاثنين)، بشأن الممارسات والتقاليد التي يجب إعلانها كتراث ثقافي غير مادي، مع ترشح فن الغناء السويسري اليودلية والطبخ الإيطالي ضمن الترشيحات هذا العام.

وتم ترشيح ما مجموعه 66 عادة وحرفة من جميع أنحاء العالم لإدراجها في إحدى قوائم التراث الثقافي الثلاث للهيئة الثقافية والتعليمية التابعة للأمم المتحدة.

وتشمل الترشيحات أيضاً ثقافة حمامات السباحة في آيسلندا، و«ديبافالي» وهو مهرجان الأضواء الهندوسي المعروف باسم «ديوالي».

كما تم ترشيح تقليد العرائس الخشبية «رود ماريونيت» في بروكسل، وكذلك مهرجان جيفاتا، وهو مهرجان رأس السنة الجديدة الذي يحتفل به شعب ولايتا في إثيوبيا.

ولكي يجري الإعلان رسمياً عن ممارسة أو حرفة كتراث ثقافي غير مادي، يجب تناقلها من جيل إلى جيل والحفاظ عليها حية من مجتمع ما، من بين معايير أخرى.

وقال كريستوف وولف، نائب رئيس اللجنة الألمانية للمنظمة: «يمثل التراث الثقافي غير المادي المشاركة الثقافية والتنوع والحيوية».

وتُعقد الدورة العشرون للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي في نيودلهي في الفترة من الاثنين إلى السبت.

وفي هذا العام، سيفحص الخبراء 11 ترشيحاً لقائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، و54 ترشيحاً للإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، بالإضافة إلى اقتراح واحد لسجل ممارسات الصون الجيدة.


مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.