جاء تأكيد الحكومة السورية التزامها باتفاق أضنة الموقع مع تركيا في العام 1998 وطلبها من الجانب التركي القيام بخطوات محددة لتفعيله، بينها الانسحاب من المناطق السورية ووضع ترتيبات مشتركة على الحدود، ليمنح موسكو الورقة الضرورية لمواصلة إدارة الحوار مع أنقرة حول هذا الملف.
لم تكن دمشق تتذكر اتفاق أضنة، قبل أن تعلن تركيا قبل أيام أن تحركها في مناطق الشمال السوري يستند إلى الاتفاق الموقع بين الطرفين، وما تلا ذلك من التقاط الكرملين هذا الإشارة للبناء عليها في بحثه عن تسوية مرضية للطرفين.
بهذا المعنى فإن موسكو نجحت مرة أخرى في التقاط المسار المناسب الذي يضمن لها المحافظة على التوازن المطلوب بين حلفائها برغم تناقضاتهم الكثيرة، وإلزام النظام في التعامل مع هذا المسار. حصل ذلك سابقا، في ملف تدمير الترسانة الكيماوية السورية، وحصل ذلك في ملف الوضع على الجبهة الجنوبية، كما حصل جزئيا عندما اتفقت مع أنقرة على ملف إدلب، ثم أعلنت أن «الحكومة السورية مطلعة على الاتفاق وملتزمة به» وفقا لتصريح سابق لوزير الخارجية سيرغي لافروف، أثار في وقته تساؤلات كون دمشق كانت تواظب حتى تلك اللحظة على انتقاد «الاحتلال التركي» في هذه المنطقة.
لكن الحديث عن اتفاق أضنة من وجهة النظر الروسية لا يتطابق تماما مع الفهم التركي له، ولا مع الفهم الذي عبر عنه بيان وزارة الخارجية وشؤون المغتربين في سوريا. إذ إنه من جانب ترى موسكو أن الاتفاق يشكل «أساسا مهما للنقاش» وفقا لتصريح الرئيس فلاديمير بوتين خلال وجود نظيره رجب طيب إردوغان في موسكو قبل أيام.
والمعنى الواضح الذي عبر عنه بوتين أن الاتفاق «يمكن أن يشكل قاعدة قانونية للنقاش والبناء عليها لإغلاق كثير من النقاط العالقة، وخصوصا لجهة ضمان المصالح الأمنية لتركيا على حدودها الجنوبية». هذه العبارات تدل مع ربطها بالإضافات التي قدمها الوزير سيرغي لافروف خلال زيارته إلى المغرب أخيرا، حول ضرورة إطلاق الحوار بين أنقرة ودمشق، على أن موسكو ليست متمسكة بحرفية الاتفاق حول عمق المنطقة العازلة على الشريط الحدودي، وأن مسألة الخمسة كيلومترات التي ينص عليها الاتفاق يمكن أن تكون محور نقاش بين الطرفين. ما يهم موسكو أكثر هو رسم ملامح شبه نهائية لترتيبات المنطقة تؤسس لوضعها ضمن آليات التسوية السياسية المقبلة، وبشكل يرضي تركيا الشريك الأساسي لموسكو في مسار أستانة، ويرضي أيضا الحكومة السورية وإيران.
لذلك، فإن موسكو تنطلق من دعم أي توافق على تفعيل وتجديد اتفاق أضنة، والهدف الروسي يتمحور حول ضمان سيطرة الحكومة السورية على كل أراضيها ومنح الأتراك في الوقت ذاته الحق في التحرك في مناطق الشمال لضمان المصالح الأمنية، على أن يتم ذلك على أساس قانوني له صفة معترف بها، وهنا تكمن أهمية أن يكون تطوير اتفاق أضنة مرتبط بمحادثات تركية – سورية.
كان لافروف واضحا في طرح المعادلة الروسية عندما قال إن المناقشات الجارية حول مسألة المنطقة العازلة، لا يمكن أن تقر باتفاق منفرد بين روسيا وتركيا، ومن الضروري أن يكون موضوعا للاتفاق بمشاركة الحكومة السورية. وقال إنه سيكون على أنقرة أن «تتفاوض على هذا الأمر مع دمشق، ومع ضمان أقل درجة ممكنة من التدخل الخارجي» قبل أن يستكمل بأن «هذا ما ننطلق منه في العمل الجاري في إطار عملية أستانة. وفي فبراير (شباط) سينعقد اجتماع جديد بمشاركة الدول الضامنة الـ3 (روسيا وتركيا وإيران) وممثلي الحكومة السورية والمعارضة، بالإضافة إلى مراقبين من الأمم المتحدة والأردن، وأعتقد أنه سيتم العمل على كل هذه المسائل هناك».
هنا أيضا تبرز إشارة واضحة إلى أن أي اتفاق جديد يطور اتفاق أضنة يجب أن يكون نتيجة عملية تفاوضية بين أنقرة ودمشق.
وهذا الأمر مع كونه يعزز أوراق روسيا كلاعب أساسي مع تركيا في المنطقة بعد الانسحاب الأميركي، فهو يضع «قواعد لعبة جديدة» تنقل أنقرة ودمشق من المواجهة الكاملة إلى عمل مشترك يلبي مصالح الطرفين. قد يكون هذا واحدا من أسباب إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل يومين أن «نقطة الخلاف الوحيدة الباقية تتعلق بدور ومصير الرئيس بشار الأسد. إذ يبدو أن «تفاهمات موسكو وأنقرة وصلت إلى مرحلة بعيدة برغم عدم الإعلام رسميا عن بعضها»، وفقا لتحليلات معلقين روس.
موسكو ترى في «اتفاق أضنة» مدخلاً لـ«قواعد جديدة» في سوريا
موسكو ترى في «اتفاق أضنة» مدخلاً لـ«قواعد جديدة» في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة