تحديد جنس الجنين... حقائق وتكهنات

دراسات لفصل الحيوانات المنوية الحاملة للكروموسومات الذكرية والأنثوية

تحديد جنس الجنين... حقائق وتكهنات
TT
20

تحديد جنس الجنين... حقائق وتكهنات

تحديد جنس الجنين... حقائق وتكهنات

لا توجد دراسات علميه موثقة عن تحديد جنس الجنين قبل الحمل، بل هناك تكهنات ومعتقدات لا تستند على أسس علمية مثل موعد التبويض أو نوعية الطعام أو الجدول الصيني. ولكن البحوث العلمية أثمرت في التوصل إلى طريقة لفصل الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية اعتمادا على الاختلاف في نسبة الحمض النووي بينهما بواسطة فحص يسمى «مايكروسورت» وبهذه الطريقة يمكن اختيار جنس الجنين بشكل علمي سوف يسعد الآباء والأمهات.
جنس الجنين
عند الحديث عن جنس الجنين فإن كلا من الوالدين لديه فرصة بنسبة 50 في المائة لإنجاب صبي و50 في المائة أخرى لإنجاب فتاة. وتعتمد طريقة تحديد جنس الجنين على الحيوان المنوي الذي يصل أولاً للبويضة. وبذلك فإن الحيوانات المنوية للزوج هي المسؤولة بالكامل عن تحديد جنس الجنين، أما المرأة فهي مجرد مُستقبِل ولا دخل لها بتحديد نوع الجنين. وتحمل الحيوانات المنوية للرجل نوعين من الكروموسومات
«إكس» و«واي» (XY)، أما البويضة فتحمل اثنين من نوع واحد من الكروموسومات وهو الكروموسوم «إكس X».
وما يصل أولاً من تلك الحيوانات المنوية هو الذي يُحدد جنس المولود. وإذا وصل الحيوان المنوي الذي يحمل الكروموسوم «واي» أولاً إلى البويضة وتم التلقيح يكون الجنين ذكراً، أما إذا وصل الكروموسوم «إكس» أولاً إلى البويضة ونجحت عملية التلقيح يكون الجنين أنثى، لذلك أقر العلماء أن تحديد نوع الجنين يحدث قبل الحمل بمجرد اجتماع الحيوان المنوي الأسرع مع البويضة.
وتثبت نتائج الدراسات أن الحيوانات المنوية الحاملة للكروموسوم واي يكون حجمها أصغر وأسرع من الحيوانات المنوية الحاملة للكروموسوم «إكس»، وهذا يعني أن فرص الحمل بصبي في كثير من الأحيان قد تكون أعلى من فرص الحمل بأنثى.
هناك العديد من العوامل التي تحدد فيما إذا كان الحيمن ذكريا أو أنثويا، منها أعمار الوالدين ودورة الإباضة للمرأة ومستوى الإجهاد والنظام الغذائي والوضع الجنسي.
وتفيد بعض البحوث أن الإجهاد لدى الوالدين يمكن أن يؤدي إلى ولادة المزيد من الإناث في حين أن العيش في أجواء الحروب والصراعات قد يفضي إلى المزيد من مواليد الذكور.

دراسة الشجرة العائلية
وقد دققت دراسة إحصائية حديثة نشرها الباحث كوري جيلاتلي Corry Gelalatly من جامعة نيوكاسل في بريطانيا في الإصدار الإلكتروني من مجلة «أيفوليوشنيري بيولوجي» في مئات السنين من تاريخ الشجرة العائلية. وأشارت إلى أن الرجال يرثون ميلا نحو الحصول على مزيد من الأبناء أو البنات من آبائهم.
وهذا يعني أن الرجل الذي لديه العديد من الإخوة أكثر احتمالا لأن يكون لديه أبناء، في حين أن الرجل الذي لديه العديد من الأخوات أكثر احتمالا لأن يكون لديه بنات. ولكن الحالة هذه لا تنطبق على النساء إذ لا يمكن التنبؤ بما هو للرجال.
وشملت الدراسة 927 شجرة من الشجرات العائلية وكانت تحتوي على معلومات من 556387 شخصا من أميركا الشمالية وأوروبا... وأشارت أيضا إلى أن الجينات غير المكتشفة حتى الآن هي التي تتحكم فيما إذا كان السائل المنوي للرجل يحتوي على كروموسومات «إكس» أكثر من «واي» أو العكس، التي تؤثر على جنس الجنين.
وعلى نطاق واسع، فإن عدد الرجال الذين لديهم حيوانات منوية من النوع «إكس» هو أكثر مقارنة بالرجال الذين لديهم حيوانات منوية من النوع «واي»، وهذا ما يؤثر على نسبة جنس الأطفال المولودين كل عام.
ولادات وتفسيرات
وفقا لدراسة حديثة من ديفيد ستينسالتز David Steinsalz الأستاذ المشارك في الإحصاء في جامعة أوكسفورد فقد سجلت إنجلترا ومقاطعة ويلز كل عام، نسبة أعلى من ولادات الذكور مقارنة بالإناث، منذ بداية تسجيل الولادات عام 1838 باستثناء سنة واحدة في عهد الملكة فيكتوريا. وفي عام 2017 مثلا كان الفرق نحو 17 ألفا لصالح الذكور، أما النسبة فتبلغ 105 ذكور لكل 100 من الإناث وهي حالة اعتيادية بل طبيعية وهي نسبة قد تكون سأئده في جميع أنحاء العالم تقريبا. ومن المستغرب أن هذه النسبة كانت معروفة منذ القرن السابع عشر، ولا تعرف إجابات عن أسباب ذلك رغم وجود العديد من التفسيرات التي تناولت هذا التفاوت في النسب.
• التفسير الأول هو نظرية تطورية تقول بأنه من أجل أن يكون هناك عدد متساو من الذكور والإناث في مرحلة البلوغ يجب أن يكون هناك مواليد ذكور أكثر. ويعزو ديفيد ستينسالتز ذلك إلى كثرة تعرض الذكور للموت في مرحلة الطفولة وفي مراحل الحياة من الحوادث والمخاطر الأخرى والمشاكل الصحيه. لذلك فإذا كان عدد الذكور أكثر من الإناث في بداية الحياة هذا يعني سوف يتساوى العدد في مرحلة البلوغ وفقا لهذه النظرية. وفي الواقع فإن عدد النساء البالغات ينحى إلى التفوق على عدد الرجال البالغين حسب مكتب الإحصاءات الوطنية.
• التفسير الثاني هو البقاء في الرحم، إذ تشير بعض البحوث إلى احتمال فقدان الإناث في الرحم خلال الحمل المبكر، كما أظهرت الدراسات الأخرى أن الأجنة الذكور أكثر هشاشة في المراحل المتأخرة من الحمل مما يؤدي إلى ولادة أجنة ميتة.
أبناء وبنات
التركيبة الجينية لدى الرجل تلعب دورها في تحديد جنس المولود.
يتكون الجين من جزأين معروفين باسم «الأليلات» (alleles)، كل واحد منها موروث من كلا الوالدين. وقد أوضح الباحث جيلاتلي في بحثه أن من المرجح أن الرجال يحملون نوعين مختلفين من «الأليلات»، وهو الأمر الذي يؤدي إلى وجود ثلاث مجموعات محتملة في الجين الواحد تسيطر على نسبة الحيوانات المنوية لكل من «إكس» و«واي».
• الرجال في التركيبة الأولى المعروفة بمصطلح «mm» (ذكر ذكر) التي تنتج وفرة من الحيوانات المنوية «واي»، ومن المرجح أن يكون لديهم أبناء.
• الرجال في التركيبة الثانية المعروفة بمصطلح «mf» (ذكر أنثى) التي تنتج حيوانات منوية متساوية في عددها من كل من «إكس» و«واي»، وبالنتيجة يتساوى فيها عدد الذكور والإناث المولودين.
• الرجال في التركيبة الثالثة المعروفة بمصطلح «ff» (أنثى أنثى) تنتج وفرة من الحيوانات المنوية «إكس» ومن المرجح أن يكون لديهم إناث.
إن الجين الذي ينتقل من كلا الوالدين، والذي يسبب لبعض الرجال أن يكون لديهم المزيد من الذكور والبعض الآخر يكون لديهم المزيد من الإناث، قد يفسر لماذا نرى عدد الرجال والنساء متوازناً تقريباً في السكان. أما الرجال الذين لديهم بنات أكثر فلن يتم تمرير جيناتهم إلى الجيل المقبل، مما يسبب ولادة عدد أكبر من الإناث في الأجيال اللاحقة.
وتشير دراسة جامعة نيوكاسل إلى أن المزيد من الأولاد يولدون بعد الحروب العالمية، وقد يكون ذلك بسبب الجينات. ونظراً لأن الاحتمالات كانت لصالح الرجال الذين لديهم أبناء أكثر وهم يرون أبناءهم عائدين من الحرب، فإن هؤلاء الأبناء كانوا أكثر ميلاً ليصبحوا آباء للأولاد، لأنهم هم أنفسهم ورثوا هذا الميل عن آبائهم.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الرجال الذين لديهم بنات أكثر قد يكونون فقدوا أبناءهم الوحيدين في الحرب، وكان من الأرجح أن يكون هؤلاء الأبناء آباء للبنات. وهذا يفسر السبب في أن الرجال الذين نجوا من الحرب كانوا أكثر احتمالاً لإنجاب الذكور مما أدى إلى ازدهار ولادة الذكور في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية.
فصل الحيوانات المنوية
لعل البحث العلمي الآخر الذي نُشِر في مجلة «هيومان ريبرادكشين» يمثل فتحاً جديداً، إذ توصل الباحثون إلى أنه يمكن تحديد الحيوان المنوي الذي يحمل الكروموسوم الذكري «واي» وتفريقه عن الحيوان المنوي الذي يحمل كروموسوم الأنوثة «إكس» وذلك من خلال احتواء الأخير على نسبة أكبر من الحمض النووي بنسبة 2.8 في المائة عن الكروموسوم الذكري «واي».
وبناءً على ذلك، ومن خلال صبغة الحيوانات المنوية بصبغة الفلورسين وقياس نسبة الطيف الضوئي المنعكس منها بعد تسليط ضوء أشعة الليزر عليها، يمكن تفريق كل من الحيوان المنوي الذي يحمل كروموسوم الذكورة عن الحيوان المنوي الذي يحمل كروموسوم الأنوثة بواسطة فحص يسمى «مايكروسورت» ويجري في معهد الوراثة وأطفال الأنابيب بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل
TT
20

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

بني أحدث أحياء باريس على مدى العقدين الماضيين فوق ساحة لسكة حديد سابقة، وقرب محطة جديدة على خط مترو باريس رقم 14، كما كتبت ليز ستينسون(*).

ينقسم حي كليشي-باتينيول، الواقع في الدائرة السابعة عشرة، إلى ثلاثة أحياء تقريباً، تحتضن منطقتان متطورتان منه حديقة مارتن لوثر كينغ الضخمة والرائعة.

تطل شوارع الحي الهادئة، الخالية في معظمها من السيارات، على متاجر ومقاهٍ ومدارس. وتشغل الشركات والمؤسسات الطوابق الأرضية من مباني الشقق والمكاتب المصممة بمجموعة مذهلة من الأشكال والمواد. إذ تجد بعض الهياكل منحنية بشكل خفيف، والبعض الآخر ذا زوايا حادة؛ بعضها مغطى بالجص، والبعض الآخر بالخيزران. وكل مبنى فريد من نوعه ضيق ومتناسق، وجيرانه متنوعون... على مقربة منه.

سمات خفية لحي بيئي

وتعتمد المباني في الحي على مصدر طاقة حرارية أرضية للتدفئة، وألواح شمسية للكهرباء. ويتم جمع القمامة وإعادة تدويرها عبر نظام أنابيب هوائية. و50 في المائة من منازل كليشي-باتينيول Clichy-Batignolles، البالغ عددها 3400 منزل، هي مساكن اجتماعية لأفراد مختلطي الدخل، و20 في المائة إيجارات خاضعة للرقابة، و30 في المائة شقق سكنية بأسعار السوق.

ويختلف هذا المكان تماماً عن أي مشروع تنمية حضرية معاصر في الولايات المتحدة. إنه أحد أفضل الأمثلة على مجموعة ناشئة من أفضل ممارسات التخطيط الحضري التي تنتشر في أوروبا. يمكنك تسمية هذه الأحياء «المناطق البيئية».

وفي كتاب جديد بعنوان «البناء من أجل الناس» Building for People، يُعرّف المهندس المعماري مايكل إلياسون الأميركيين على المبادئ التي يقوم عليها هذا النموذج الجديد للتنمية الحضرية. ويُقرّ بعدم ملاءمة مصطلح «المناطق البيئية ecodistricts»، تماماً كما هو الحال مع مصطلح «العمران الموجَّه نحو التنقل العام» transit-oriented development (أحياء يتاح فيها للسكان الانتقال بسرعة دون الحاجة إلى المواصلات - المحرر) قبله، وبصعوبة إيصال الصورة الحقيقية لهذه الأحياء للجمهور الأميركي.

يكتب إلياسون في الكتاب: «الكثير من جوانب التنمية الحضرية الحديثة، وخاصةً التنمية على مستوى المناطق، في بلدان أخرى مجهول تماماً حتى للمهنيين الممارسين».

ما هي المنطقة البيئية حقاً؟

تُعدّ محاولة إلياسون للتعريف بهذه الرؤية الجديدة لبناء المدن خطوةً منطقيةً تاليةً من مناصرته لـ«العمارة ذات الدرج الواحد single-stair architecture»، وهو مفهومٌ آخر يصعب شرحه وله آثارٌ عميقة على البيئة العمرانية (عادة لمبانٍ من 4 إلى 6 طوابق بسلم واحد وآخر للحريق- المحرر).

ولسنوات، دأب إلياسون على إقناع كل من يستمع إليه بأن المباني ذات الدرج الواحد، بدلاً من المباني ذات الدرجين التي تفرضها قوانين البناء الأميركية، يمكن أن تجعل الشقق أرخص وأكثر اتساعاً وراحة. والآن، تم إنجاز جزء كبير من هذه المهمة المتمثلة في رفع مستوى الوعي، فقد أقنع إلياسون وعدد من المناصرين المتفانين الآخرين عشرات المدن والولايات في جميع أنحاء البلاد باعتماد قوانين بناء جديدة تُقنن هذا النوع من المساكن، وكان آخرها لوس أنجليس وأوستن. وأصبح مصطلح «عمارة الدرج الواحد» شائعاً بين فئة معينة من المهتمين بالسياسات.

أحياء بيئية بمبان اقتصادية وبلا سيارات

في كتابه الجديد، يُوسّع إلياسون نطاق دعوته ليشمل ليس فقط المباني، بل الأحياء أيضاً. تُجسّد الأحياء البيئية مثل كليشي-باتينيول مفاهيم التصميم الحضري التي تتيحها عمارة الدرج الواحد، لا سيما عند دمجها مع شوارع خالية من السيارات، ومساحات خضراء واسعة، ومجتمعات متنوعة اقتصادياً. لطالما انبهرتُ بهذه المشروعات التنموية واسعة النطاق التي تُبنى في الصين أو أوروبا، وكيف تختلف اختلافاً كبيراً عن مشروعات التطوير الموجهة نحو النقل التي نُنفذها في الولايات المتحدة، يقول إلياسون لشركة فاست كومباني: «أحاول الآن استكشاف بعض الأسباب».

مدن الـ«15 دقيقة»

إحدى طرق فهم الحي البيئي هي اعتباره مدينةً بُنيت من الصفر، على بُعد 15 دقيقة. يقول كارلوس مورينو، وهو مُخطط حضري في باريس ساهم في وضع نظريات لكلا المفهومين. وبينما يُمكن وصف مدن الـ15 دقيقة بالأحياء التقليدية أو الحديثة، «فعندما نستحضر مفهوم الحي البيئي، فإننا نتحدث عن مشروعات عمرانية جديدة»، كما يقول: «في الوقت نفسه، فإن الحي البيئي، بهذه العناصر الثلاثة - الحي، والاستدامة، والتنوع - يتماشى تماماً مع مفهوم مدينة الـ15 دقيقة».

ما وراء العمران الموجَّه نحو التنقل العام؟

لم أدرك تماماً آثار هذا النموذج من التنمية الحضرية إلا بعد أن أتيحت لي فرصة زيارة كليشي باتينيول شخصياً. ومن الناحية النوعية، يبدو الحي مختلفاً عن أي مكان زرته في الولايات المتحدة، وخاصةً أي حي حديث البناء.

تُسهّل الشوارع الخالية من السيارات وذات حركة المرور المنخفضة الوصول إلى الحديقة، ومحطة المترو، والمتاجر، ومباني المكاتب، أو المدارس ودور الحضانة المنتشرة في الحي، بكل سهولة وأمان. وعلى الرغم من أن جميع المباني شُيّدت أخيراً، فإن تنوعها المعماري، ومساحتها الضيقة نسبياً، تُضفي على مشهد المدينة طابعاً بصرياً مُحفزاً.

كانت هناك سمات تصميمية أخرى غير عادية، بنظري الأميركي. لاحظتُ انتشار الشرفات في هذه المباني السكنية ذات الدرج الواحد. بدلاً من أن تكون هذه المساحات الخارجية الخاصة مُدمجة في الواجهة، كما تبدو غالباً في المباني السكنية الأميركية، فإنها مُدمجة في غلاف المبنى كعنصر واعٍ في التصميم العام.

يوضح مورينو أن جزءاً مما يجعل كليشي باتينيول، حياً مُنعشاً معمارياً هو وقوعه بين الأحياء التقليدية في وسط باريس، وأحياء الضاحية التاريخية التي تُحيط بالمدينة. ويضيف: «هذه هي سمة الحي البيئي، إنها هندسة معمارية حديثة للاستدامة».

انتشار عالمي للأحياء البيئية

يصف كتاب إلياسون أماكن مُماثلة في ألمانيا والنمسا والسويد، إلى جانب عدد قليل من الأحياء البيئية قيد الإنشاء في كندا. وقد بدأت بعض المشروعات في الولايات المتحدة في الاقتراب من هذا النموذج المثالي.

يُسلّط إلياسون الضوء على كولديساك، المجتمع الخالي من السيارات في تيمبي، أريزونا، لإظهاره أن الشوارع الداخلية المخصصة للمشاة يمكن أن تنجح في الولايات المتحدة. يستخدم مشروع تطوير ميشين روك الذي اكتمل مؤخراً في سان فرانسيسكو شوارع خالية من السيارات على نطاق أوسع، ويقوم بعمل أفضل في دمج الهندسة المعمارية الجذابة ومساحات الحدائق ومزيج متنوع من استخدامات الأراضي والسكان.

التحضّر... من دون سيارات

لكن هذه الأمثلة قليلة ثمينة، وهي تتضاءل مقارنة بكليشي باتينيول. يقول إلياسون: «لدينا هذه الفكرة حول التحضر في الولايات المتحدة بأن السيارات يجب أن تذهب إلى كل مكان». بعد التحرر من هذه الفكرة، تزداد كمية المساحات المفتوحة والعامة المتاحة للعمل بشكل كبير.

ويأسف إلياسون على أن مفهوم «مدينة الـ 15 دقيقة» في الولايات المتحدة يُفهم عموماً على أنه مجرد مسافة سير على الأقدام من المتاجر والمقاهي. وكما هو الحال مع العمران الموجَّه نحو النقل العام، فقد تمكنا من استيعاب أفضل ممارسات التخطيط الحضري هذه بشكل سطحي للغاية. ويضيف: «نحن منخرطون بشدة في الجانب الاستهلاكي لمدن الـ15 دقيقة لدرجة أننا لا نستطيع حتى التحدث عن تلك الأمور الأخرى».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».