انسحاب أميركا من سوريا قُبلة حياة لـ«داعش» وتعزيز لإرهاب إيران

فلول التنظيم يتحينون الفرصة للنهوض... وآلته الإعلامية تنشر تقارير يومية بلغات عدة

سوريون يتفقدون موقع التفجير الانتحاري في مدينة منبج السورية الذي أدى إلى سقوط 4 أميركيين وإصابة العشرات الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
سوريون يتفقدون موقع التفجير الانتحاري في مدينة منبج السورية الذي أدى إلى سقوط 4 أميركيين وإصابة العشرات الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

انسحاب أميركا من سوريا قُبلة حياة لـ«داعش» وتعزيز لإرهاب إيران

سوريون يتفقدون موقع التفجير الانتحاري في مدينة منبج السورية الذي أدى إلى سقوط 4 أميركيين وإصابة العشرات الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
سوريون يتفقدون موقع التفجير الانتحاري في مدينة منبج السورية الذي أدى إلى سقوط 4 أميركيين وإصابة العشرات الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)

على حين غِرة ودون توقُّع أحدث الرئيس الأميركي رونالد ترمب، جلبةً وصخباً واسعَين في بلاده وحول الشرق الأوسط من جراء تغريدة تتصل بانسحاب القوات الأميركية من سوريا، والتي لا يتجاوز عددها ألفي جندي، إلا أن وجودها قد أسهم ولا شك في إدراك منجزات أميركية على صعيدين: الأول محاربة «داعش»، والثاني كبح النفوذ الإيراني المتصاعد في الداخل السوري. وقد تعلل ترمب بأن «داعش» قد قُضي عليه بالمرة، وأن المهمة هناك قد انتهت. وفي أول اجتماع لإدارته بعد موسم الأعياد، كان ترمب يحاجج بأن سوريا لا يوجد بها سوى الموت والرمال، وعليه فما فائدة البقاء هناك؟
الجدل الذي أحدثته تغريدة الرئيس ترمب، أدت إلى استقالة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، وإلى غضبة كبرى داخل صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، الأمر الذي أبطأ من سرعة الانسحاب، لكن السؤال المفتوح: ما تبعات مثل هذا القرار على عودة الدواعش مرة أخرى إلى سوريا والعراق؟ وكيف له أن يخدم المصالح الإيرانية الساعية إلى تكريس هيمنتها في المنطقة؟
يمكن بدايةً التطلع إلى ما قاله الرئيس ترمب عن فكرة انتهاء المهمة ومناقشة مصداقيتها وواقعيتها، سيما وأن الأمر حمل أصداء لجملة رئاسية أخرى جرت بها المقادير في العراق عام 2003 حين أشار بوش الابن إلى أن نصراً قد تحقق هناك، وأثبتت الأيام أن الأمر لم يكن سوى أحد ضروب الأوهام.
حمل الجدل حول إتمام مهمة القضاء على «داعش»، اثنين من الخبراء الأميركيين الثقات على الحديث بصراحة مطلقة، وهما جوشوا غيلتزر، المدير التنفيذي لمعهد الدفاع عن الحقوق الدستورية بجامعة جورج تاون الأميركية، والذي كان المدير الأعلى لمكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي الأميركي، وكريستوفر كوستا، المدير التنفيذي لمتحف الجاسوسية الدولية، وضابط الاستخبارات السابق الذي شغل منصب مدير قسم مكافحة الإرهاب في المجلس.
وعبر صفحات «نيويورك تايمز» وفي مقال مشترك يقولان: «صحيح أن ترمب محقٌّ في أن الولايات المتحدة أحرزت تقدماً هائلاً ضد تنظيم داعش، لكن التنظيم لم يُهزم، ومهمتنا في سوريا لم تُنجز بالكامل»... والسؤال: لماذا؟
عند الخبيرَين الأميركيين أن «الجزء الأصعب ربما لم يأتِ بعد، وهو التعامل مع بقايا نواة التنظيم في العراق وسوريا»، ويقران بأنه رغم جميع النجاحات الكثيرة التي حققتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإنها لم تتوصل بعد إلى طريقة كاملة لتجاوز أهم منعطف في سبيل هزيمة الجماعات المهنية مثل «القاعدة» و«داعش»، من أجل القضاء عليها فعلياً.
هل تعزز لغة الأرقام صحة ودقة أحاديث الخبيرين الأميركيين السابقين؟
المتابع لوسائل الإعلام الأميركية، المقروءة والمسموعة والمرئية، يدرك كم وقدر الأصوات التي سارعت إلى تفنيد ما قاله ترمب، بل ونقضه، سيما وأن فلول «داعش»، يتربصون ويتحينون الفرصة للنهوض مجدداً، كما تواصل آلة التنظيم الإعلامية، غير معروفة المقر الرئيسي، نشاطها، وتنشر تقارير يومية بلغات عدة.
خذْ على سبيل المثال ما نشرته أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي مجلة «لونغ جورنال»، من أرقام، فقد ادَّعى «داعش» تنفيذه (1922) عملية حول العالم خلال مدة 20 أسبوعاً، وحصل نصفها تقريباً (946) في العراق، وسُجلت (599) عملية في سوريا. وزعم التنظيم أنه قام بـ(44) عملية في سوريا خلال مدة أسبوع بين 6 و 13 ديسمبر الماضي.
ولم تقتصر عمليات «داعش» على العراق وسوريا فقط، فقد جاءت عملية سوق عيد الميلاد في مدينة ستراسبورغ الفرنسية والتي أسفرت عن مقتل 5 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 12 شخصاً، لتؤكد أن «داعش» حاضر بقوة، وبصورة غير هيراركية عنقودية حول العالم، وأوروبا في مقدمة الدول المستهدفة في هذا الإطار.
لم يختفِ «داعش» ولم يُقضَ عليه دفعة واحدة، ولهذا لا يمكن أن تكون المهمة قد انتهت بالفعل، فعناصر «داعش» الفارة لا تزال مختبئة، وتمارس القتال في سوريا والعراق، وقد جاءت عملية منبج الأخيرة التي راح ضحيتها 4 أميركيين، لتثبت خطأ استنتاج ترمب، عطفاً على الوجود الداعشي في مناطق عدة ما بين دير الزور ومنطقة الحسينية على الحدود العراقية.
وبعد الضربات المكثفة التي تعرض لها التنظيم في الأعوام الماضية، بدا كأنه عاد مرة أخرى إلى فكرة «الهياكل المتكيفة»، من خلال حروب الخلايا صغيرة العدد، والقادرة على إيقاع خسائر كبرى في الأفراد، ما يعني قدرة «داعش» على مقابلة الضغوط العسكرية الحالية، وبالتالي فحال اختفاء القوة العسكرية من على الأرض، أي مع الانسحاب الأميركي، سيكون من الطبيعي أن يعود الدواعش إلى سيرتهم الأولى، أي التمسك بالأرض، ومحاولة إحياء آمال «الخلافة المزعومة».
والشاهد أن الذين لديهم علم من كتاب الاستراتيجيات العسكرية الرصينة في مواجهة جماعات الإرهاب الداعشي، قد وجدوا في طرح الانسحاب الأميركي من سوريا، معضلة حقيقية في مواجهة الإرهاب العالمي في قادم الأيام.
في مقدمة أولئك يأتي الجنرال الأميركي جون ألين، ذو النجوم الأربعة، والذي عيّنه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مبعوثاً خاصاً له عند التحالف الدولي لقتال «داعش» قبل أربع سنوات. عبر صحيفة «واشنطن بوست» يسأل الجنرال ألين ترمب والأميركيين: «ما وضع التنظيم حالياً حتى نحكم على قرار الرئيس ونبيِّن صوابه من خطئه؟».
وفي هذا السياق يمكن للرئيس ترمب أن يتذرع بأن «داعش» قد خسر غالبية المناطق التي هيمن عليها في سوريا والعراق، لكن الأمر الذي لا يمكن له أن ينكره هو أن مقاتلي التنظيم يعدّون بالآلاف، وإن تشتتوا بسبب القوة النارية الجوية للتحالف الدولي، وبفضل جهود قوات سوريا الديمقراطية في الميدان، إلا أن معاقل «داعش» في أفريقيا، وجنوب شرقي آسيا، لا تزال تعجّ بالدواعش، الخطر القاتل في الحال، وكذا في الاستقبال.
ولعل المؤكد أن فكرة القضاء المبرم وانتهاء المهمة لا يمكن أن تلامس سقف الحقيقة بمكان، فالآلة الإعلامية «الداعشية»، وفي زمن باتت تلعب فيه وسائط الاتصال الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة دوراً مزدوجاً، خيراً أو شراً، أضحى من اليسير عبرها إعادة ترتيب صفوف المقاتلين من جديد، بل الكارثة الأكبر تتمثل في المقدرة على حشد آلاف العناصر الجديدة في جميع بقاع وأصقاع الأرض بشكل يومي، ما يعني قدرته على نشر الفوضى والالتئام على أراضٍ مختلفة مرة ثانية. والتساؤل الآن: هل استطاع الجنرالات التأثير على الرئيس ترمب حتى يتمهل في الانسحاب؟
حسب الخبراء، فإن أغلب الظن أن الاجتماع الذي لم يدم سوى 45 دقيقة في العراق، مع المسؤولين العسكريين الأميركيين على الأرض، قد أوضح لترمب بعض ما كان خافياً عليه، فالتنظيم المتطرف بات قوة كبيرة وعنيدة، ولا يزال محافظاً على جيوب المقاومة ضد القوى المحلية، وذلك في خضمّ محاولته إعادة تشكيل نفسه، بالإضافة إلى إطلاقه حملة من الاغتيالات والضراوة والابتزاز ضد المجتمعات المحلية.
وبلغة خطاب مغاير، فإن خطأ أوباما في الانسحاب المتسرع من العراق عام 2011، يكاد يتكرر أمام أعيننا مرة جديدة، فالانسحاب الأميركي القادم ولا شك، حتى ولو بتمهل، سيعطي «داعش» قُبلة الحياة، وسيمكّنه من إعادة تنظيم صفوفه على الأرض في الأشهر والسنوات المقبلة، وكذا من إعادة ابتكار ذاته، واستعادة السيطرة على أراضي تسود فيها بيئات من الصراع قد تساعد المجموعة على الظهور مرة أخرى، ولسنوات طويلة قادمة.
أما المعضلة الأوسع التي يفتح الانسحاب لها أبوابه، فتتمثل في إتاحة المجال لـ«داعش»، وغيره من التنظيمات المتطرفة على الأرض للعمل بحرية أكبر في حشد السوريين الواقفين في منطقة الحياد الفكري والذهني، وربما المأزومين من جراء استحقاقات ومظالم بعينها، ما يعني حواضن بشرية جديدة يستمد منها التنظيم حياة وامتدادات في الحال والاستقبال.
أحد الأسئلة المطروحة على الرئيس ترمب: هل الانسحاب سيؤثر على عودة «داعش» فقط، أم أنه سيفتح آفاقاً لجماعات وفصائل إرهابية أخرى من توسيع نفوذها في العديد من المناطق السورية وبنوع خاص شمال غربي سوريا؟
يلفت توماس جوسلين الزميل البارز لدى معهد «الدفاع عن الديمقراطيات»، وكبير محرري مجلة «لونغ وور جورنال»، إلى أنه خلال الأسابيع الأخيرة، استطاعت «هيئة تحرير الشام» المدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تشديد قبضتها على شمال غربي سوريا. ويلفت توماس «إلى أن صدامات تحدث منذ العام الماضي، بين الهيئة وجبهة تحرير الشمال، التحالف المتكون من متمردين آخرين، ولكن سرعان ما أصبح لهيئة تحرير الشام اليد العليا على منافسيها، واستولت على مناطق استراتيجية مجاورة لمعقلها في محافظة إدلب».
ويقدم طرح الانسحاب الخاص بترمب من سوريا، والذي بدأ بالفعل منذ أسبوعين، بسحب عشرة آليات على سبيل جس النبض، فرصة ذهبية لـ«داعش» للحياة وسط الفوضى والقتال المتوقع حدوثه بين تركيا والأكراد... كيف ذلك؟
المعروف أن الجنرالات في وزارة الدفاع الأميركية كانوا قد رفعوا مقترحاً للرئيس ترمب يفيد بأنه تعويضاً لقوات حماية الشعب الكردية عن الانسحاب، وبعد أن قدمت خدمات جليلة في المعارك ضد «داعش»، فإنه لا بد من ترك أسلحة أميركية ثقيلة بين أياديها للدفاع عن نفسها ضد أي محاولات لعودة «داعش» من جديد.
المقترح المتقدم هذا أشعل نيران الغضب من جانب حكومة الرئيس إردوغان الذي ينظر إلى الأكراد على أنهم قوات مارقة، وربما لو يطلق ترمب تهديده بتدمير الاقتصاد التركي، لكان إردوغان قد شن عملية عسكرية كبيرة هناك في شمال شرقي سوريا ضد الأكراد، وهي غالباً عملية محتملة في أي وقت، وساعتها ستُقدم فرصة على طبق من ذهب للدواعش، لإحياء وجودهم وسط ركام القتال والفوضى بين الجانبين.
السؤال قبل الانصراف: هل قدَّر ترمب قبل إعلانه عن هذا الانسحاب مستقبل المشهد الإرهابي الإيراني، وليس الداعشي فقط، في سوريا والعراق وبقية المنطقة، وربما وصولاً إلى تل أبيب؟
يدرك المحللون السياسيون من الأميركيين وغيرهم، أن كل مربع قوة ونفوذ أميركي تخليه واشنطن، حكماً سوف تملأه إيران على الفور، وفي مقابل ألفى جندي أميركي سينسحبون من العراق، سيتمكن عشرات آلاف العناصر من وكلاء وميليشيات إيران من تثبيت أقدامهم في سوريا.
وعطفاً على ذلك فإن الشق السياسي من الانسحاب كارثي بدوره، ذلك أن إيران ستضحى صاحبة اليد العليا هناك في ما يخص رسم المشهد السياسي القادم، والذي لا بد له من أن يحقق لها منافع استراتيجية، في المقدمة منها اقتصادياً التحكم في مسألة إعادة إعمار سوريا، وهي التي تطالب الآن بالفعل بالأولوية في إعادة إعمار العراق.
غير أن الفوز الأكبر للإيرانيين، والذي يزعج ولا شك الجانب الإسرائيلي بدرجة غير مسبوقة، يتمثل في أن الانسحاب من الناحية الاستراتيجية سيمكِّن إيران من تحقيق حلمها الكبير، أي الوصول مباشرةً إلى مياه المتوسط بالنفوذ المباشر، ذلك أن الانسحاب الأميركي سيمنحها مساحة أكبر لاستئناف الجسر البري الذي لطالما سعت إليه، والذي يربط طهران ببيروت والمتوسط، وبشكل عام ستكون للانسحاب الأميركي تداعيات في أنحاء المنطقة، ترجِّح كفة ميزان القوة أكثر لصالح إيران.
والخلاصة أن الانسحاب الأميركي المتسرع أو البطيء قد يفتح أبواباً لولادة الطبعة الجديدة أو النسخة المتقدمة من «داعش»، والتي ستكون أشرس وأكثر ضراوة، ما يضع النيات الأميركية بالنسبة إلى الشرق الأوسط ولبقية العالم موضع الشك، فهل «واشنطن ترمب» تتطلع إلى القضاء على الإرهاب حول العالم قولاً وفعلاً، أم أنها تعطيه مسارب وأملاً جديداً في الانتشار حول العالم؟



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.