مبارك المهدي لـ«الشرق الأوسط»: الثورة انتصرت والقوات الأمنية ستنهار

نائب رئيس الوزراء السابق حذر من انقلاب يجعل من البشير «كبش فداء»

مبارك الفاضل المهدي
مبارك الفاضل المهدي
TT

مبارك المهدي لـ«الشرق الأوسط»: الثورة انتصرت والقوات الأمنية ستنهار

مبارك الفاضل المهدي
مبارك الفاضل المهدي

توقع مبارك الفاضل المهدي، نائب رئيس الوزراء السابق، ورئيس حزب «الأمة الإصلاح والتجديد»، ما اعتبره {انتصار الثورة السودانية}، والانتقال إلى مرحلة العصيان المدني والإضراب العام، و{انهيار القوات الأمنية في وقت قريب إذا ما تواصلت الاحتجاجات}.
وقال المهدي في مقابلة مع «الشرق الأوسط» بالخرطوم إن القوات المسلحة ستنحاز للمحتجين إذا بلغت الأوضاع مرحلة تهدد أمن البلاد واستقرارها، بغض النظر عن توجهاتها السياسية. محذرا من حدوث سيناريوهات متعددة، من بينها «انقلاب قصر» يجعل من الرئيس البشير «كبش فداء» ليستمر حكم الإسلاميين، وسيناريو آخر يتمثل في انقلاب يقوم به الرئيس نفسه بعسكرة الأوضاع في البلاد.
وأوضح الزعيم السياسي السوداني البارز أنه كان يتوقع حدوث ثورة وانفجار الأوضاع في البلاد مبكراً، نتيجة لما سماه «الغبن التراكمي من ممارسات النظام»، والقمع المنهجي الذي مارسه تجاه القيم المجتمعية، والتضييق على حياة الناس الخاصة، والنساء على وجه الخصوص. كما ندد المهدي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة المنحلة، بالمضايقات التي يوجهها النظام للمواطنين، ووصفها بأنها «تخويف، ورفع العصا بوجوه الناس لجعلهم يرضخون... لكنها أتت بنتائج عكسية، وضاعفت من كراهية المجتمع للنظام، وزادها تزايد البطالة، وتعثر الاقتصاد، فجاءت الثورة».
وبخصوص الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد، أوضح المهدي أن تفاقمها أدى لاتساع الفجوة في النقد الأجنبي، ونتج عنها انخفاض سعر الجنيه وزيادة الأسعار، وشح في النقد المحلي، وتنامي معدلات التضخم، ما جعل الحياة خارج متناول أي شخص، بما في ذلك الميسورون، و«سارت الأشياء باتجاه الكارثة والانفجار، وتقديراتي كانت صحيحة... فقد حدثت الثورة».
ورأى المهدي أن تلقائية الثورة هي سبب قوتها واعتبرها «مصدر قوتها لأنها غير مصنوعة، بل تعبير تلقائي عن الأزمة، ولهذا ستستمر ولن تخبو... والحكومة لم تخاطب الأزمة، بل كان رد فعلها هو رفض الاحتجاجات، والإصرار على الاستمرار في الحكم، والتهديد واستخدام القوة المفرطة، وقتل المتظاهرين»، ما أدى لنتائج عكسية استفزت الشعب ومست كرامته ورجولته.
وحول تقييمه لنتائج الاحتجاجات المستمرة قال المهدي «كثير من الناس يرون أن الثورة انتصرت لأنها دخلت كل بيت، وتحولت لحالة اجتماعية... وأنا أرى أن الأوضاع في البلاد لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الثورة، التي انتصرت معنويا وستنتصر ماديا». معتبرا في هذا السياق أن الثورة شكلت «هزيمة نفسية للحكومة... هزيمة كسرت قناعاتها، ودفعت إسلاميين كثيرين للانضمام للثورة، بما في ذلك أبناء مسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الحاكم اعتقلوا بسبب مشاركتهم في المظاهرات... وهذا يعد في نظري أكبر هزيمة للنظام».
وبخصوص السيناريوهات المحتملة توقع المهدي عدة احتمالات، من بينهما «انحياز الجيش للشعب». بيد أنه اشترط لحدوث هذا الأمر ترجيح الكفة لصالح الشارع والمحتجين، وتطورها لعصيان مدني وإضراب عام حتى تستطيع القوات المسلحة عبور الشارع لتنحاز للشعب، وقال بهذا الخصوص إنه من طبيعة القوات المسلحة، «ألا تتخذ مواقف إلاّ إذا حدث شلل تام، وعندها تهب لانتشال البلاد من الأوضاع التي تعيشها، وتتدخل لحماية الأمن القومي وحفظ الاستقرار وترتيب الأوضاع مع الشارع».
في السياق ذاته، حذر المهدي من سيناريوهات أخرى تجري في الظل، مستشهدا بحديث عن اجتماع بين الرئيس وقادة القوات النظامية، يحتمل أن تتشكل بموجبه حكومة عسكرية، بيد أنه استدرك قائلا «لكن هذا السيناريو هو مرحلة قبل الاتفاق على وضع انتقالي»، كما تحدث عن سيناريو «انقلاب القصر» الذي ينفذه إسلاميون ضد الرئيس البشير، وتحويله لـ«كبش فداء»، والإتيان بعسكري بديل يتولى المسؤولية ليواصلوا معه المشوار.
وانتقد المهدي تهديدات أطلقها قياديون في الحزب الحاكم، أمثال علي عثمان محمد طه، والفاتح عز الدين، باللجوء للقوة وقطع رؤوس المحتجين، وقال إنها تؤكد ضعفهم، وتكشف حالة التشظي داخل الحركة التي أتت بالانقلاب. كما وصف المهدي «الإسلاميين» بأنهم «مصابون باكتئاب نفسي بسبب فشل مشروعهم، والثمن الغالي الذي دفعوه من أجل الانقلاب، وتحولوا بسببه إلى شراذم متصارعة، غارقة في مستنقع الفساد والعنف، وقال بهذا الخصوص إن «نماذج كثيرة من الإسلاميين نادت بالخروج والانضمام للشعب والتكفير عما حدث... لكن رغم كل المكابرة ورغم التهديدات هم في أضعف حالاتهم، فالقوي لا يهدد، بل يفعل».
وحول احتمالات توحد «الإسلاميين» في السودان، نفى المهدي بشكل قاطع هذا الاحتمال بقوله «لقد حاولوا التوحد... لكن هذا لم يحدث، والآن هم أنفسهم يشهدون انتفاضة داخلية... فيما ينحاز عدد كبير منهم للثورة».
وبخصوص مدى نجاح قوات الأمن في وقف الاحتجاجات، توقع المهدي انهيار الأجهزة الأمنية حال توسع الإضرابات، وقال «سنشهد انهيار هذه القوات لأن وجودها في الشارع يزيد شعورها بالعزلة، كما أن فشل الإسلاميين في توفير الإسناد لهم يعجل بانهيارهم... وهناك تقارير بأن بعضهم تردد في ضرب الناس، وأن الشرطة تلقي الغاز على غير المتظاهرين، وأنهم رفعوا علامة النصر للمحتجين في بعض المناطق».
كما أرجع المهدي لجوء السلطات للملثمين لاعتقال وتعذيب النساء والرجال إلى «تفاقم الشكوك حول الأجهزة الأمنية... وقد اضطر النظام لإنزال الأمن الشعبي. لكنه خائف من العزلة والعقاب الاجتماعي، لذلك تلثموا حتى لا يعرفوا... وهذا بحد ذاته هزيمة».
وندد المهدي برفض بعض المنسلخين عن النظام الانضمام للثورة، بقوله «في الحركة السياسية هناك غيرة، وهي من مساوئ الحركة السياسية السودانية... لقد خيل لبعض اليساريين والحزب الشيوعي أنهم انفردوا بالثورة، ويريدون قطف ثمارها، وأن أي تدخل يضعف حظوظهم»، مضيفا أن «النضال لا يحتاج لترخيص، فهذه قضايا وطنية، ولكل أبناء السودان الحق في النضال والتعبير، كل بطريقته».
أما بخصوص احتمالات تدخل دولي في السودان، فقد استبعد المهدي ذلك بقوله «لا أرى أن الوضع الدولي يسمح بتدخل إلاّ في إطار قرارات مجلس الأمن، وإدانات الأشخاص وتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية، ووقف التطبيع مع أميركا أوروبا... وربما يأتي في وقت لاحق التفكير في تدخل إقليمي حال انفلات الأمور في السودان باتجاه يشكل خطرا على الأمن والسلام الدوليين».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.