كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟

خدمة ذكية تتعرّف على الوجوه والمزاج والعواطف البشرية

كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟
TT

كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟

كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟

أصبحت خدمة «غوغل فوتوز» (صور غوغل) التي ظهرت للمرة الأولى عام 2015، من أكثر التقنيات المؤثرة عاطفياً اليوم، وهي أيضاً تلعب دوراً مهماً في رسم قصصنا على طول الطريق.
يقول أحد الخبراء الأميركيين إنه تعرض لصدمة قوية وبكى بسبب «غوغل فوتوز»، عندما نظر إلى هاتفه في أحد الصباحات، ووجد إشعاراً من «فوتوز» يعلمه بأن روبوتات غوغل المختصة في معالجة الصور، قدّمت له مونتاجاً لهذه الصور على شكل مقطع فيديو. لم تكن هذه المرّة الأولى التي يرى فيها مقاطع فيديو من إنتاج الذكاء الصناعي، فـ«فيسبوك» يقدّم مونتاجات من هذا النوع، لذا لم يكن يتوقّع الكثير من غوغل. ثمّ نقر على «تشغيل» وخلال 30 ثانية، تأثر جداً إلى حدّ البكاء. إذ كان المونتاج عن ابنته سمارا (5 سنوات)، التي كانت تصوّر كلّ لحظات نشاطها وتحفظها كأي أب مهووس بالتصوير. وتحوّل هذا الهوس إلى كابوس أرشيفي أنتج صوراً وفيديوهات لسمارا وأخيها الأكبر خليل اللذين ولدا في عصر الهواتف الذكية، ولديه حتى الآن عدد كبير من الصور يفوق الوقت المتاح له لمراجعتها. وتساءل الخبير الأميركي، وهو فرهاد مونجو: ما هي الفائدة من التقاط جميع هذه اللحظات؟ إلا أن الإجابة تكمن في خدمة «غوغل فوتوز» نفسها.
- ميزة التعرّف الذكي
تستطيع كومبيوترات غوغل التعرّف على الوجوه، حتى مع تقدّم أصحابها في السنّ. ومن الواضح أيضاً أن خدمة «فوتوز» تفهم المزاج والتكافؤ العاطفي في التفاعل البشري من خلال الابتسام والضحك والعبوس والغضب ورقصات الفرح وبعض الجمل كـ«عيد ميلاد سعيد» أو «أحسنت». وقد عرض المونتاج الذي صنعته خدمة صور غوغل، ذو التأثير الهوليوودي، أخيراً مزيجاً من الأحداث الهامة كأعياد الميلاد والمسرحيات المدرسية، إلى جانب عشرات اللحظات العادية التي ترافق جمال الطفولة.
تضمّن المونتاج لقطات لسمارا وهي طفلة أثناء قصّ شعرها وقيامها ببضع خطوات غير متوازنة، وخلال اللعب مع أخيها وقتالها معه، وغوصها بشجاعة في صفّ السباحة؛ ثمّ عرض لحظات لها وهي أكبر سناً تتناول البيتزا، أو خلال رحلة ما، أو تقوم بحركات التنمر أمام الكاميرا.
وهنا حدثت الصدمة القوية: فمن قد يتوقع أن يتأثر حدّ البكاء بسبب برنامج إلكتروني؟ صحيح أنّ الصور على إنستغرام وسنابتشات تحرّك مشاعركم دائماً، ولكن خدمة «غوغل فوتوز» ليست من منصات التواصل الاجتماعي؛ إنّها نوع من التواصل الشخصي. انطلقت هذه الخدمة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وتديرها آلات على شكل قاعدة بيانات تخزّن مجموعاتنا المتنامية من الصور الشخصية.
ولكن رغم ذلك، تحوّلت «غوغل فوتوز» إلى واحدة من أكثر الخدمات المؤثرة عاطفياً التي أستخدمها بشكل منتظم. وأهمية هذه الخدمة لا تكمن في الفائدة التي يمكن أن تقدّمها فحسب، بل في قدرتها على تجنيبنا أي صداع ينتج عن تخزين عدد هائل من الصور التي نلتقطها والبحث فيها. والأكثر من ذلك، تقدّم لنا «غوغل فوتوز» عن طريق ما تعرضه، فرصة لفهم أنفسنا من خلال التصوير الفوتوغرافي.
بتركيزها الكبير على معالجة الذكاء الصناعي، ترجّح «غوغل فوتوز» ولادة عصر جديد من المؤرخين الآليين الشخصيين. إذ ستتحوّل تريليونات الصور التي نلتقطها إلى مادة أساسية تعتمد عليها الخوارزميات التي تعالج الذكريات وتبني القصص حول أكثر التجارب الإنسانية عاطفية. في المستقبل، ستعرف الروبوتات كلّ شيء عنّا، وستروي قصصنا.
قبل عقد مضى، توصّلت التقنية إلى حلّ جزئي واحد لأعداد الصور الهائلة التي نلتقطها: تحويل هذه الصور إلى مادة اجتماعية. فمن خلال خدمات كـ«فليكر» ومن ثمّ «فيسبوك» و«إنستغرام»، حاولنا تنظيم صورنا عبر جعل آخرين يقومون بهذه المهمة عنّا. وبالطبع، دائماً ما تكون أفضل صورنا هي تلك التي تحصل على أفضل الانطباعات في يوميات صفحاتنا الاجتماعية، أمّا الأسوأ بينها، فهي تلك التي لا ننشرها. ولكنّ منصات التواصل الاجتماعي أفضت إلى مشاكل جديدة أخرى، كالخوف من خسارة الصور، وتراجع الثقة بالنفس، والوحدة، وفقدان الخصوصية. بدورها، سعت غوغل إلى المشاركة في لعبة الصورة الاجتماعية. بدأت خدمة «غوغل فوتوز» نشاطها في منصّة «غوغل بلاس»، الشبكة الاجتماعية الفاشلة التي أسستها غوغل وأوقفتها لاحقاً. بعد سنوات قليلة، وبعد إدراكها بأن التواصل الاجتماعي ليس استثماراً ناجحاً بالنسبة لها، عادت الشركة إلى مبدأ جمع الصور عبر خدمة «فوتوز».
- خدمة سحابية
ترتكز مهمّة هذه الخدمة في طرحها الجديد على ثلاثة أمور: تقديم سعة تخزينية غير محدودة ومجانية لصوركم (ويمكنكم أن تدفعوا القليل مقابل تخزين صوركم بمقاسات ودقّة أكبر)، ووضعها في السحابة حتى تتمكّنوا من الوصول إليها أينما كنتم، والاعتماد على الذكاء الصناعي في حلّ المشكلة الأكبر التي يعيشها عصر الهواتف الذكية، ألا وهي حقيقة أننا نلتقط صوراً نادراً ما نعود إليها.
يقول أنيل سابهاروال، نائب رئيس غوغل والذي قاد فريق تطوير خدمة «فوتوز» والمسؤول عن إدارتها حتى اليوم: «لاحظنا أنكم لن تعيدوا إحياء أو تذكّر أي من هذه اللحظات. تذهبون في عطلة جميلة، وتلتقطون صوراً رائعة، تمضي السنوات، ولا تنظرون مجدداً إلى أي منها».
عندما انطلقت عام 2015، قدّمت خدمة «غوغل فوتوز» وسيلة فورية للراحة، عبر ميزة التعرّف على الوجه التي تتيح مشاركة الصور بشكل تلقائي. اليوم، عندما تلتقط صوراً لأولادك، تتعرف غوغل عليهم وتشارك هذه الصور مع عائلتك، وتشارك في المقابل الصور التي تلتقطها العائلة، معك. فوراً ودون تفكير وبطريقة رائعة، يصبح لدى كلينا مجموعة كاملة من الصور للأولاد ودون الشعور بأي قلق حول كيفية حمايتها.
ثمّ تأتي جهود غوغل اليومية لتذكيرنا بها. من الصعب جداً أن نصف براعة آلات غوغل في التنقيب في مجموعات الصور للعثور على أشياء جديدة تذهلكم بها. ففي مجموعة واحدة، تعرف باسم «آنذاك والآن»، تعثر هذه الآلات على صور للشخص نفسه، أو لمجموعة من الأشخاص، في مواقف متشابهة ولكن في فترتين زمنيتين مختلفتين: أولادكم في أول يوم لهم في المدرسة هذا العام مقابل أول يوم لهم من العام الماضي مثلاً، أو صورة لكم أمام مبنى الإمباير ستيت قبل 10 سنوات مقابل صورة أمام المبنى نفسه اليوم.
الشهر الماضي، أطلقت غوغل «ذا هوم هاب» Home Hub وهو جهاز منزلي جديد يعمل بالتشغيل الصوتي تعرض شاشته هذه الذكريات في عرض شرائح متواصل. الأمر سحري! وعندما تضع جهاز «هوم هاب» في مكتبك لأكثر من أسبوع، فإنه سيغيّر الطريقة التي تتعامل بها مع صورك بشكل جذري... ستشعر أنّها عادت إلى الحياة.
ولكن الكثيرين يشعرون بالرعب من المستقبل. فقد أجمع الكثير من باحثي علم الاجتماع على أنّ ذكرياتنا تتغيّر كثيراً بفعل الصور. وأظهرت إحدى الدراسات أنّ التقاط الصور بشكل مستمرّ يضعف قدرتنا على تذكّر الأحداث التي حصلت من حولنا. وتساهم الصور أيضاً في رسم انطباعنا عن أنفسنا، وإلى درجة تكوين ذكريات جديدة، حيث إن صورة خاطئة يمكن أن تقنعكم بأن شيئاً ما حصل فعلاً رغم عدم حصوله على الإطلاق. وتزداد منطقية هذه الآلات شيئاً فشيئاً في عالمنا البشري، فهي ترسم الحقيقة بأعمق طريقة ممكنة. لقد أصبحت كما الكاميرات، واقعاً لا مفرّ منه.


مقالات ذات صلة

تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد الرئيس التنفيذي لـ «إنفيديا» جنسن هوانغ يتحدث قبل انطلاق مؤتمر تقنية وحدات معالجة الرسوميات في واشنطن - 28 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

جنون الذكاء الاصطناعي يخلق أزمة جديدة في سلاسل الإمداد العالمية

يُشعل النقص العالمي الحاد في رقاقات الذاكرة سباقاً محموماً بين شركات الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الاستهلاكية لتأمين إمدادات آخذة في التراجع.

«الشرق الأوسط» (لندن )
تكنولوجيا شعار تطبيق «تشات جي بي تي» (رويترز)

شركة «أوبن إيه آي» تعلن حالة طوارئ في «تشات جي بي تي» بسبب المنافسة الشديدة

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» سام ألتمان عن حالة طوارئ شاملة في الشركة، في ظل المنافسة الشرسة التي تواجهها تقنيات برنامجها «تشات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شعار «أمازون ويب سيرفيسز» في معرض بنيودلهي بالهند (رويترز)

«أمازون» و«غوغل» تطلقان خدمة متعددة السحابة من أجل اتصال أسرع

ذكرت شركتا «أمازون» و«غوغل» أنهما أطلقتا خدمة شبكية متعددة السحابة تم تطويرها بشكل مشترك لتلبية الطلب المتزايد على الاتصال الموثوق به.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

تقرير: المؤسسات السعودية تجني مكاسب مبكرة من الذكاء الاصطناعي رغم تحديات التأسيس

يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)
يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)
TT

تقرير: المؤسسات السعودية تجني مكاسب مبكرة من الذكاء الاصطناعي رغم تحديات التأسيس

يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)
يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)

تشهد المملكة العربية السعودية مرحلة فارقة في رحلتها نحو بناء اقتصاد رقمي متقدم؛ إذ بات الذكاء الاصطناعي يشكّل ركيزة استراتيجية ضمن مسار التحول الوطني.

ويكشف تقرير شركة «كيندريل» حول «جاهزية الذكاء الاصطناعي 2025» عن أن المؤسسات في المملكة أصبحت في موقع متقدم إقليمياً من حيث الوعي والأهداف.

ويشير التقرير إلى أن المملكة تواجه تحديات، لكنها تحديات تأسيسية تتطلب تسريع خطوات البنية التحتية وبناء المهارات، فيما تستمر الرؤية السعودية في دفع مسار التطور التقني.

نضال عزبة المدير التنفيذي لدى «كيندريل» في السعودية متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (كيندريل)

عوائد تسارع النضج

يسجل التقرير أن المؤسسات السعودية بدأت تجني فوائد واضحة قبل الكثير من نظيراتها عالمياً. وتشمل أبرز المكاسب تحسين الكفاءة التشغيلية، وتسريع اتخاذ القرار، وتعزيز تجربة العملاء. ويؤكد المدير التنفيذي لـ«كيندريل» في السعودية، نضال عزبة، خلال لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» أن هذه النتائج ليست صدفة.

ويضيف: «بدأت المؤسسات السعودية تحقق عوائد ملموسة من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجالات الكفاءة التشغيلية وتسريع عملية اتخاذ القرارات وتحسين تجربة العملاء». ويربط هذه المكاسب بعوامل ثلاثة؛ وهي: التزام القيادة السعودية، وزيادة التجارب التطبيقية، ومواءمة المشاريع التقنية مع مستهدفات «رؤية 2030».

ومع ذلك، يحذر عزبة من المبالغة في التفاؤل، موضحاً أن «العالم كله لا يزال في مرحلته المبكرة، وأن القيمة المستدامة تتطلب أسساً رقمية أقوى، وبنية تحتية مرنة وقوى عاملة مهيّأة لتوسيع نطاق تطبيق الذكاء الاصطناعي».

وتدعم الأرقام هذا التوجه؛ إذ يشير التقرير إلى أن أكثر من 90 في المائة من المؤسسات الإقليمية تتوقع تأثيراً كبيراً للذكاء الاصطناعي على نماذج أعمالها خلال عام واحد، فيما ترى غالبية الشركات السعودية أن الاستثمارات الحالية تمهّد لمرحلة توسع أكبر تبدأ خلال 2026 وما بعدها.

يعتمد النجاح المستقبلي على تحقيق التوازن بين الأتمتة وتنمية المهارات البشرية عبر إعادة التأهيل المستمر وتصميم وظائف تتكامل مع الأنظمة الذكية (شاترستوك)

تحديات المرحلة المقبلة

تُعد العقبة الأكثر وضوحاً التي تواجهها المؤسسات السعودية -كما يوضح التقرير- هي صعوبة الانتقال من مرحلة إثبات المفهوم إلى الإنتاج.

ويوضح عزبة أن «أكثر من نصف المديرين التنفيذيين في المؤسسات السعودية أفادوا بأن الابتكار يواجه غالباً صعوبات بعد مرحلة إثبات المفهوم، بسبب تحديات تقنية عند الانتقال إلى مرحلة الإنتاج».

وتُعد الأنظمة القديمة والبيئات التقنية المجزأة من أبرز مصادر التعطيل، بالإضافة إلى غياب التكامل الجيد بين السحابة والأنظمة المحلية، ونقص الجاهزية في إدارة البيانات.

كما يبرز عامل آخر وهو الضغط لتحقيق عائد سريع على الاستثمار، رغم أن طبيعة مشاريع الذكاء الاصطناعي تتطلب بناء أسس طويلة المدى قبل حصد النتائج.

ويشير عزبة إلى أن تجاوز هذه المرحلة يعتمد على «تحديث البنية التحتية الأساسية، وتعزيز بيئات السحابة والبيانات، والاستثمار في مهارات القوى العاملة»، مؤكداً أن هذه الخطوات ليست ترفاً، بل هي شرط لتمكين التوسع المؤسسي.

أرقام تعكس حجم الفجوة

جاء في التقرير أن 53 في المائة من المديرين التنفيذيين في السعودية يواجهون تحديات تقنية رئيسية، تشمل أنظمة قديمة يصعب تحديثها، وبيئات تشغيل معقدة تُبطئ عمليات التكامل.

كما أشار 94 في المائة من المؤسسات إلى عدم قدرتها على مواكبة التطور التقني المتسارع، وهو رقم يعكس عبئاً تشغيلياً واستراتيجياً كبيراً.

ويقول عزبة إن هذه التحديات ليست دائماً مرئية للقيادات؛ إذ «يعتقد العديد من القادة أن بيئات عملهم قوية استناداً إلى الأداء الحالي، إلا أن عدداً أقل منهم يقيّم الجاهزية المستقبلية في ظل تطورات الذكاء الاصطناعي أو تهديدات الأمن السيبراني».

وتبرز أهمية التقييمات التقنية المستقلة وخرائط الطريق التي تحدد الثغرات وتعيد توجيه الاستثمارات نحو الأسس المهملة مثل البيانات والمرونة والأمن السيبراني.

تعاني السوق من نقص ملحوظ في المهارات التقنية والمعرفية وأن 35 في المائة من القادة يرون فجوات في القدرات الأساسية المطلوبة لتوسيع الذكاء الاصطناعي (غيتي)

معادلة الجاهزية الحقيقية

يرى التقرير أن الفجوة بين الثقة الذاتية والجاهزية الفعلية تمثّل أحد أخطر التحديات. فالقادة يعدون مؤسساتهم مستعدة، لكن الأرقام تُظهر هشاشة في البنية التحتية أو ضعفاً في التكامل أو نقصاً في القدرات التنبؤية.

وتُعد المرونة والامتثال للمعايير السيادية والاستعداد للأمن السيبراني عناصر أساسية في تقييم الجاهزية المستقبلية، خصوصاً في سوق تتجه فيها السعودية بسرعة نحو بناء بنى وطنية للذكاء الاصطناعي.

ويشير عزبة إلى أن «البيئات الجاهزة للمستقبل تتميز بالقدرة على دعم ابتكارات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وليس فقط نشر حلول معزولة».

انتقال وليس استبدالاً

تتوقع 91 في المائة من المؤسسات السعودية أن تشهد سوق العمل تحولاً كبيراً خلال 12 شهراً. وتعكس هذه النسبة إدراكاً متزايداً بأن الذكاء الاصطناعي لن يستبدل الوظائف بشكل مباشر، بل سيعيد صياغتها.

ويشير عزبة إلى أن الموظفين «سينتقلون إلى أدوار أكثر تحليلية واستراتيجية وإشرافية، فيما تُؤتمت المهام المتكررة»، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي «سيعمل بوصفه شريكاً تعاونياً، مما يجعل جاهزية الأفراد أمراً أساسياً لتحقيق أقصى قيمة».

وتواجه المؤسسات تحدياً إضافياً يتمثّل في ضرورة إعادة تصميم الوظائف وسير العمل وإعادة تأهيل القوى العاملة على نطاق واسع. وتبرز الحاجة إلى برامج تعليمية متواصلة ترفع من القدرة الرقمية، وتعمّق فهم الموظفين لكيفية التعاون مع الأنظمة الذكية.

تشير الأرقام إلى فجوات كبيرة في الجاهزية التقنية حيث أكد 53 في المائة وجود تحديات أساسية و94 في المائة عدم القدرة على مواكبة التطور السريع (غيتي)

فجوات المهارات

يشير التقرير إلى أن 35 في المائة من القادة السعوديين يرون فجوة واضحة في المهارات التقنية الأساسية المطلوبة لتوسيع الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك هندسة البيانات والأمن السيبراني وإدارة النماذج. كما عبّر 35 في المائة عن قلقهم من نقص المهارات المعرفية، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات.

ويرى عزبة أن تجاهل هذه الفجوات يجعل أي توسع في الذكاء الاصطناعي محفوفاً بالمخاطر. فالتكنولوجيا تتقدم بوتيرة أسرع من قدرة المؤسسات على إعداد الموظفين، مما يتطلب استثماراً مسبقاً في التدريب والتعليم المستمر.

الأتمتة وبناء القدرات البشرية

يُعد دمج الأتمتة مع المهارات البشرية عنصراً حاسماً لتحقيق أقصى قيمة من الذكاء الاصطناعي. ويشير التقرير إلى أن 31 في المائة من القادة السعوديين يشعرون بالقلق إزاء كيفية إعادة تأهيل الموظفين المتأثرين بالتغيرات التقنية.

ويسلط عزبة الضوء على ضرورة «دمج التعلم المستمر، وإطلاق برامج لمحو أمية الذكاء الاصطناعي، وتوفير وظائف جديدة في الأدوار التقنية والأدوار عن بُعد».

ويؤكد أن الأتمتة يجب أن تُرى بوصفها دعماً لقدرات الإنسان وليست بديلاً عنها، فالمؤسسات التي تحقق هذا التوازن ستتمكن من رفع الإنتاجية وتعزيز الابتكار دون تعطيل القوى العاملة.

الجاهزية لقيادة المرحلة المقبلة

تكشف نتائج التقرير عن أن السعودية تتحرك بسرعة نحو جاهزية متقدمة، لكنها في الوقت نفسه تدرك حجم العمل المطلوب لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة ومستدامة.

وتمنح مبادرات البنية التحتية الوطنية، وتطوير المهارات، وتحديث الأنظمة دفعة قوية للقطاع الخاص، كي يواكب التحول ويستفيد من الزخم التنظيمي.

ويختتم عزبة رؤيته بتأكيد أن «الفرصة واضحة للمؤسسات التي تبادر اليوم، فمع الزخم الوطني للتحول الرقمي يمكن للشركات تحويل التحديات الحالية إلى فرص تنافسية تُسهم في تشكيل معايير القطاع وموقع المملكة في اقتصاد الذكاء الاصطناعي العالمي».


ماسك ينفي تقارير عن تقييم «سبيس إكس» بمبلغ 800 مليار دولار

ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)
ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)
TT

ماسك ينفي تقارير عن تقييم «سبيس إكس» بمبلغ 800 مليار دولار

ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)
ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)

نفى الملياردير ورائد الأعمال الأميركي إيلون ماسك، السبت، صحة تقارير إعلامية أفادت بأن شركة «سبيس إكس» للفضاء ستبدأ بيع أسهم ثانوية من شأنها أن تقدر قيمة الشركة بنحو 800 مليار دولار، واصفاً إياها بأنها غير دقيقة.

وأضاف ماسك على منصة «إكس»: «لقد كانت تدفقات (سبيس إكس) النقدية إيجابية لسنوات عديدة وتقوم بعمليات إعادة شراء أسهم دورية مرتين في السنة لتوفير السيولة للموظفين والمستثمرين».


بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
TT

بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)

اختُتمت في ملهم شمال الرياض، الخميس، فعاليات «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2025»، الذي نظمه الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وشركة «تحالف»، عقب 3 أيام شهدت حضوراً واسعاً، عزّز مكانة السعودية مركزاً عالمياً لصناعة الأمن السيبراني.

وسجّلت نسخة هذا العام مشاركة مكثفة جعلت «بلاك هات 2025» من أبرز الفعاليات السيبرانية عالمياً؛ حيث استقطب نحو 40 ألف زائر من 160 دولة، داخل مساحة بلغت 60 ألف متر مربع، بمشاركة أكثر من 500 جهة عارضة، إلى جانب 300 متحدث دولي، وأكثر من 200 ساعة محتوى تقني، ونحو 270 ورشة عمل، فضلاً عن مشاركة 500 متسابق في منافسات «التقط العلم».

كما سجّل المؤتمر حضوراً لافتاً للمستثمرين هذا العام؛ حيث بلغت قيمة الأصول المُدارة للمستثمرين المشاركين نحو 13.9 مليار ريال، الأمر الذي يعكس جاذبية المملكة بوصفها بيئة محفّزة للاستثمار في تقنيات الأمن السيبراني، ويؤكد تنامي الثقة الدولية بالسوق الرقمية السعودية.

وأظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية؛ حيث بلغ إجمالي المشاركين 4100 متسابق، و1300 شركة عالمية، و1300 متخصص في الأمن السيبراني، في مؤشر يعكس اتساع التعاون الدولي في هذا القطاع داخل المملكة.

إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن أكثر من 25 صفقة استثمارية، بمشاركة 200 مستثمر و500 استوديو ومطور، بما يُسهم في دعم بيئة الاقتصاد الرقمي، وتعزيز منظومة الشركات التقنية الناشئة.

وقال خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز لـ«الشرق الأوسط»: «إن (بلاك هات) يُحقق تطوّراً في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات».

أظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية (بلاك هات)

وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد بنحو 27 في المائة على العام الماضي».

وسجّل «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا» بنهاية نسخته الرابعة، دوره بوصفه منصة دولية تجمع الخبراء والمهتمين بالأمن السيبراني، وتتيح تبادل المعرفة وتطوير الأدوات الحديثة، في إطار ينسجم مع مسار السعودية نحو تعزيز كفاءة القطاع التقني، وتحقيق مستهدفات «رؤية 2030».