ما من شك في أن مانشستر يونايتد سيكون قد وقع على الرجل المناسب لتولي تدريب الفريق إذا ما اختار الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو.
في الواقع، يعتبر مدرب توتنهام هوتسبير مرشحاً مبهراً اليوم على نحو يفوق ما كان عليه الحال عام 2016، عندما جرى ترشيحه كبديل للهولندي لويس فان غال، لكن اعتبر مسؤولو مانشستر يونايتد حينها أنه ينطوي على مخاطر أكبر من البرتغالي جوزيه مورينيو بسبب افتقار سجله إلى بطولات.
وإذا كانت تلك غلطة، فإن مانشستر يونايتد الآن في موقف يمكنه من تصحيحها، حتى وإن انتهى الأمر بتكبده 40 مليون جنيه إسترليني لفك ارتباط الأرجنتيني بناديه توتنهام، بينما سيترك بوكيتينو حال موافقته على عرض أولد ترافورد خلفه فريقاً أفضل وأكثر استقراراً. يواجه المدرب الأرجنتيني ضرورة اتخاذ قرار صعب للغاية، لكن حتى يحسم اختياره بخصوص مساره خلال الفترة المقبلة، تبقى قائمة البدائل المتاحة أمامه بمثابة مجرد خطة بديلة. وبغض النظر عن حصده لبطولات، فإن حقيقة اهتمام كل من مانشستر يونايتد وريـال مدريد بالمدرب ذاته تحمل وراءها كل ما يمكن قوله بخصوص مكانة وإمكانات بوكيتينو.
من ناحية، يرى الكثيرون أنه من الأفضل بالنسبة لهذا المدرب الشاب صاحب الأفكار التقدمية عدم الانتقال إلى مدريد، لأنه رغم كل ما يحيط النادي الإسباني من مجد وأضواء فإن سقف التوقعات هناك مرتفع على نحو هائل، في وقت يتسم النادي الإسباني بسمعة حرق المدربين الأكفاء بسرعة مخيفة. بيد أن الأمر الذي يثير القلق الآن أن القول ذاته قد ينطبق على مانشستر يونايتد أيضا.
من السهل القول بأن أحداً من آخر ثلاثة مدربين تعاونوا مع مانشستر يونايتد بصفة دائمة كان متوائماً بصورة نموذجية مع النادي، فلكل منهم أوجه قصوره التي تفاقمت وتعاظمت داخل النادي الأكبر على مستوى البلاد. إلا أنه في المقابل يمكن القول كذلك بأن مانشستر يونايتد ربما في حالة اليوم تتعذر إدارتها والتعامل معها من جانب أي مدرب، وأن النادي ضخم للغاية ويحتاج لمتطلبات هائلة يتعذر على رجل واحد الاضطلاع بها ووضعه تحت السيطرة، خاصة وأن أمجاد الماضي باتت تحكم على أي مدرب طموح جديد بالفشل في الارتقاء لمستواها.
الآن، انضم مورينيو إلى ديفيد مويز وفان غال في قائمة الفشل، في وقت يبدي ليفربول صحوة كبيرة ويمضي مانشستر سيتي قدماً تحت قيادة الإسباني جوسيب غوارديولا. لذا، ليس من الصعب أن نعي لماذا قد يرى مانشستر يونايتد الـ40 مليون جنيهاً إسترلينياً مبلغاً مناسباً مقابل الاستعانة بمدرب يبدو قادراً على استعادة كبرياء النادي المحطم.
ومع ذلك، فإن هذا ليس العام 1986، ولم يعد مانشستر يونايتد ذلك العملاق النائم الذي ينتظر شخصاً يملك القوة والعزيمة اللازمة لكي يظهر أمام الآخرين في الدوري الممتاز الصورة التي ينبغي أن يكون عليها نادي كرة القدم الحديث.
في الواقع، تعج بطولة الدوري الممتاز اليوم بالكثير من الأندية الناجحة، في وقت تتوافر الأموال بكل مكان، ولن يتمكن حجم مانشستر يونايتد بمفرده من التفوق على أموال مانشستر سيتي أو نشاط وحيوية ليفربول أو التناغم الذي تبديه الأندية البارزة في لندن. وإذا رغب مانشستر يونايتد من مدربه الجديد محاكاة ما حققه بوكيتينو داخل توتنهام هوتسبر، فإنه لا بأس في ذلك مطلقاً، لكن سيتعين على النادي منحه قدرا كافيا من الوقت وألا يسيطر عليه الذعر إذا لم تبدأ أمطار البطولات في الهطول فوراً.
أما الخطأ فسيكون أن يتوقع مسؤولو النادي من المدرب الجديد الذي سيختارونه محاكاة ما أنجزه سير أليكس فيرغسون، لأن هذا التوقع لن يكون واقعياً. الحقيقة أن بطولة الدوري الممتاز الإنجليزي لم تعد بالصورة التي كانت عليها من قبل، فلم تعد اليوم تسمح بتقدم نادٍ واحد لمسافة بعيدة للغاية عن باقي الأندية على نحو شبه دائم. وبينما يبدو مانشستر سيتي في طريقه للهيمنة على البطولة على امتداد المستقبل المنظور، مع كامل الاحترام لليفربول، فإن الكثير يعتمد على مدة إقامة غوارديولا. وكان تشيلسي ذات وقت في وضع مشابه تحت قيادة مورينيو، لكن هذا تبعه تعاقب 11 مدرباً على النادي.
وثمة فكرة سائدة اليوم حول أن المدربين مجرد عناصر غير ذات أهمية حقيقية تتقاضى مبالغ مالية ضخمة في كل الأحوال، وأنهم يعملون بمثابة مناطق عازلة ما بين اللاعبين والجماهير، ويحمون ملاك الأندية من موجات الغضب عندما تبدأ الأمور تتخذ منحى سيئاً.
المؤكد أن هناك مبالغة مستمرة في تقدير نفوذ المدربين، خاصة في عصر يبدو أن المدربين ووكلاء أعمالهم يملكون النفوذ الحقيقي الأكبر، وإن كان نموذج بوكيتينو وتوتنهام هوتسبر يكشف كيف أن وجود الرجل المناسب في النادي المناسب يخلق اختلافاً هائلاً.
وبالنظر إلى ما مضى، يتضح أن آرسنال كان ذكياً في قراره بتعيين آرسين فينغر لأن معرفة الأخير بكرة القدم الأوروبية مكنته من الدخول إلى سوق تعذر على آخرون الوصول إليها ونجح في بناء فريق قادر على حصد البطولات دون الحاجة للمنافسة أمام القوة المالية لمانشستر يونايتد.
وخلال الفترة الأولى له مع النادي، بدا مورينيو مثالياً لتشيلسي نظراً لأن نشاطه وحيويته على الصعيد التكتيكي تمكنا من إصلاح سنوات من غياب التناغم والاتساق عن أداء الفريق. وبالعودة إلى الحاضر، فإنه سيكون من المجحف إنكار حقيقة أن الألماني يورغن كلوب ترك تأثيراً هائلاً داخل ليفربول، من حيث تحديد أسلوب لعب الفريق واستقدام لاعبين يتناسبون مع النظام القائم داخل الفريق وإثباته أن أسلوب اللعب عالي الطاقة الذي يتبعه بمقدوره تحقيق نتائج.
اليوم، يحتاج مانشستر يونايتد إلى حل ذكي، زاوية جديدة للهجوم. لقد حاول النادي استنساخ فيرغسون (بينما تبدل الكثير للغاية على مدار أكثر عن عقدين)، كما رحل عنه مؤخرا الخبير الأبرز بمجال التدريب (مورينيو) دون أن يحقق نجاحاً يذكر.
حتى هذه اللحظة، لم يتحول أولد ترافورد بعد إلى مقبرة للإمكانات التدريبية الواعدة، وإن كان يسهل على المرء تخيل إمكانية حدوث ذلك، خاصة لدى النظر إلى الفترة الطويلة التي اضطر خلالها ليفربول للانتظار حتى يستعيد تألقه بعد انتهاء فترة هيمنته الكروية. واليوم، يبدو الاختيار القادم بمنصب المدرب داخل أولد ترافورد فرصة لوضع بصمة مميزة في تاريخ النادي.
والسؤال هو: هل يرغب النادي في إعادة اكتشاف الاستمرارية أم أنه سيسمح بحالة سحق مستمرة للمدربين؟ في الواقع، يدرك مانشستر يونايتد جيداً أهمية التحلي بالصبر أكثر من أي ناد آخر - في الحقيقة انتظار فيرغسون الطويل لانفراجة كبرى يعد بمثابة جزء من تاريخ النادي المحفور على الجدران - لكن العنصر المحوري اليوم لتحقيق النجاح قد يكمن في استيعاب مسألة أن العملية في حد ذاتها أشبه بالدورة.
للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً لم يعد مانشستر يونايتد في موقف يمكنه من الاعتماد على اسمه وسمعته لإرهاب المنافسين، خاصة داخل الملعب. ورغم امتلاك النادي المال، فإنه اليوم ليس وجهة جذابة للاعبين بذات المستوى الذي تتميز به أندية أخرى.
وتتمثل المهمة الكبرى التي ستواجه أي مدرب جديد للفريق في البناء من جديد ومحاولة توحيد صفوف النادي ولم شمله. وفي هذا الإطار، يحق للمرء التساؤل حول ما إذا كان الفرنسي زين الدين زيدان بنجاحه في الحصول على بطولة دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متعاقبة مؤهل لهذه الوظيفة، أو ما إذا كان يمكن التفكير بجدية في الاستعانة بالإيطالي أنطونيو كونتي بعد الفترة المضطربة التي قضاها في تشيلسي. ومن الممكن أن يضع النرويجي أولي غونار سولسكاير المدرب المؤقت حالياً نفسه في وضع جيد إذا ما أبلى بلاءً حسناً خلال الشهور القليلة المقبلة. ومع أن مانشستر يونايتد ربما لا يسعى في ظل الظروف العادية للاعتماد بصورة دائمة على مدرب فريق مولده النرويجي، فإن الوضع الذي يواجهه النادي حالياً غير عادي بالتأكيد، خاصة وأن غالبية الحلول التقليدية جرى اختبارها واتضح قصورها.
أما الميزة التي تقف إلى صف سولسكاير فهي ارتباطه الواضح بالنادي واستعداده للبقاء لفترة طويلة إذا نجحت الأمور، الأمر الذي رغب فيه فيرغسون في المقام الأول. ومع هذا، يبقى بوكيتينو واحداً من المدربين الذين يبقون لفترات طويلة مع أنديتهم هو الآخر، ولديه سجل مؤكد وناجح على مستوى الدوري الممتاز وأوروبا. ويبدو أن التساؤل الوحيد المرتبط به حالياً ما إذا كانت لديه القدرة والشجاعة على خوض مشروع إعادة بناء آخر قريباً بعد نجاحه مع توتنهام في «وايت هارت لين» الجديد.
بوكيتينو أمام معضلة الاختيار بين يونايتد وريـال مدريد... أو البقاء في توتنهام
مسؤولو مانشستر يرونه الرجل الأنسب للمرحلة مع ترقب ما سيحققه سولسكاير
بوكيتينو أمام معضلة الاختيار بين يونايتد وريـال مدريد... أو البقاء في توتنهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة