عروض الأزياء... سخاء ميزانياتها وسحر أماكن عرضها يعززان أهميتها تجارياً

مصمم دار «لويس فويتون» يفتتح عبر «إنستغرام» مجدداً ملف الـ«كروز»

سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»
سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»
TT

عروض الأزياء... سخاء ميزانياتها وسحر أماكن عرضها يعززان أهميتها تجارياً

سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»
سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»

نشر نيكولا غيسكيير، مصمم «لويس فويتون» في الأسبوع الماضي تعليقا على صفحته في «إنستغرام»، يعلن فيها أن عرض الدار الفرنسية من خط «الكروز» القادم، والمفترض أن يكون في الثامن من شهر مايو (أيار) العام المقبل، سيقام في نيويورك. ولمن لا يعرف أي شيء عن عروض «الكروز» فهي تقام سنوياً في شهر مايو، لهذا ليس غريباً أن يكون أول ما سيتبادر إلى الذهن بعد قراءة التعليق أن الوقت جد مبكر عن الإعلان عن مكان العرض. غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فقد يكون الأمر أيضاً تسويقاً، أو بالأحرى تذكيراً بأن الأزياء التي عُرضت في شهر مايو الماضي قد تم طرحها مؤخراً في المحلات لتنافس تشكيلات الخريف والشتاء التي أصبح وقتها محسوباً، لأنها ستتعرض قريباً إلى حملة تنزيلات كبيرة للتخلص منها لتحل محلها أزياء الربيع والصيف. خط الكروز في المقابل هو لكل المناسبات ولا يعترف بموسم أو فصل.
تعليق نيكولا غيسكيير يؤكد حقيقة باتت تعرفها أوساط الموضة جيداً، وهي أن البحث عن مكان مناسب لإقامة عرض الـ«كروز» بالنسبة لأي دار أزياء، أمر في غاية الأهمية. يبدأ قبل عام تقريباً من العرض إن لم يكن أكثر، بواسطة فريق متخصص، تقتصر مهمته على البحث عن وجهات تُلهب الخيال. الشرط أن تربطها بالدار علاقة ما، مثل وجود زبونات مهمات فيها، تريد استقطابهن أو الإبقاء عليهن، أو افتتاح محل رئيسي فيها وما شابه من أمور. فهذا الخط، كما تؤكده أرقام المبيعات، أصبح بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً لبيوت الأزياء والمصممين على حد سواء، وبالتالي لا يمكن التهاون فيه أو الاستهانة به.
لا تهم تكلفة عروضه حتى وإن تعدت الملايين من الدولارات، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل دار تستضيف نحو 600 ضيف أو أكثر على حسابها الخاص. من رحلات جوية من الدرجة الأولى إلى إقامة في فنادق فخمة من فئة الخمس نجوم، مروراً ببرامج ترفيهية لا تنتهي. فعندما أقامت «شانيل» عرضها في دبي لأول مرة، مثلاً، تردد أنها صرفت نحو 1.7 مليون دولار أميركي. المبلغ رغم ضخامته إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العرض لا يستغرق أكثر من 20 دقيقة تقريباً مُبرر لأنه يُرسخ مكانتها ويُشعل الحلم بمنتجاتها، لا سيما وأنها تعرف مُسبقاً أنها ستسترجع هذه الملايين أضعافاً مضاعفة. فهذا الخط يشكل حالياً نحو 70 في المائة من المبيعات بالنسبة لجميع بيوت الأزياء. ما يؤكد أهمية ذلك، تصريح سابق لرئيس دار «شانيل» التنفيذي برونو بافلوفسكي، أنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث المبيعات، وأحياناً الأولى، من بين الثمان تشكيلات التي تقدمها الدار سنوياً.
ما يُحسب له أنه يبقى في المحلات مدة أطول من التشكيلات الموسمية الأخرى. فبالإضافة إلى مراعاته لتغيرات أحوال الطقس فإنه يأخذ بعين الاعتبار تغيرات الخريطة الاجتماعية والاقتصادية أيضاً.
دور أزياء أخرى لم تُقصر في هذا المجال، مثل «ديور» و«غوتشي» و«لويس فويتون» و«برادا» وغيرهم ممن لهم الإمكانيات لإقامة عروض بإخراج ضخم. يؤكدون دائماً أن هذه العروض ليست عن الأزياء وحدها بقدر ما هي محاولة لتقديم تجربة يخصون بها ضيوفاً منتقين بعناية يريدونهم أن ينغمسوا في عالمهم الخاص، ولا بأس في الوقت ذاته أن يستقطبوا زبائن جدد لهم طموحات بدخول هذا النادي في يوم من الأيام. فحتى إن لم يتمكنوا من حضور هذه العروض، أو شراء قطعة أزياء باهظة الثمن، فإنهم سيُوفرون لشراء حقيبة يد أو حذاء أو حتى عطر، يحمل اسم الدار ويحملهم إلى عالم بعيد لا يربطهم به سوى الحلم والأمل.
المتعارف عليه في مايو من كل عام أن السفر إلى مكان بعيد وجديد مثل هافانا بكوبا أو لوس أنجليس أو اليابان أو جنوب كوريا وما شابه من وجهات، يعتبر جزءاً مهماً من التجربة ككل. هذا العام، وخلافاً للأعوام السابقة، كان اللافت أن أغلب بيوت الأزياء الفرنسية أو المملوكة لمجموعات فرنسية مثل «إل إف إم إتش» و«كيرينغ» اختارت البقاء في فرنسا، فيما أعطى انطباعاً بأنه حملة ترويجية للسياحة المحلية. بينما اختارت «شانيل» «لوغران باليه» وسط باريس، توجهت «غوتشي» إلى آرلز، جنوب فرنسا و«لويس فويتون» إلى «سانت بول دي فنس» أيضاً بجنوب فرنسا و«ديور» إلى «شانتيلي» شمال باريس. لا يمكن اتهام أي من هاته البيوت، بالتقشف أو بأنها تريد تقليص ميزانياتها، لأن هذا ليس وارداً. ما يمكن قوله إنه، وبكل بساطة، كان دعماً للاقتصاد الفرنسي، الذي تضرر في عهد فرنسوا هولاند، الرئيس الفرنسي السابق وانتعش في عهد الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون. وهكذا قدمت دار «غوتشي» عرضها في مقبرة رومانية قديمة، أشار إليها دانتي في كتابه «الجحيم»، الأمر الذي زاد من رهبة الأجواء ودرامية الأزياء. قالت الدار إن الحضور تعرفوا فيها على مكان تاريخي. لكن ما لم تتوقعه الدار أنها روجت بطريقة غير مباشرة للمنطقة التي لم يكن يضعها السياح ضمن أولوياتهم من قبل.
«ديور» هي الأخرى بقيت في فرنسا واختارت قصر شانتيلي، وتحديداً إسطبله الشهير الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، لكن أنظارها وروحها كانت موجهة نحو المكسيك. منذ الثانية الأولى التي بدأ فيها العرض، ظهرت فرقة مكسيكية مكونة من 8 فارسات على صهوة جياد وهن في فساتين بتنورات واسعة وطويلة تشدها من الخصر أحزمة عريضة من تصميم الدار في صورة أرادتها المصممة ماريا غراتزيا كيوري أن تكون امتداداً حملة نسوية بدأتها منذ توليها الإدارة الفنية للدار.
من جهتها، اختارت «لويس فويتون» الريفييرا الفرنسية. تبريرها أنها شهدت افتتاح أول محل لها فيها خارج باريس. كان ذلك في عام 1908، وقالت إنه كان تلبية لطلبات زبائن من أمثال الكاتب فرانسيس سكوت فيزتجرالد وفرنسواز ساغان وويليام سومرست موغام، ممن كانوا يعشقون المنطقة ومنتجات الدار على حد سواء. ولمزيد من التبرير، أشار مصممها غيكسيير أن اختيار متحف مايغت بالذات كمسرح للعرض يُمثل نوعاً آخر من السفر. أي السفر بمعنى الاكتشاف. رأي ربما كانت غابرييل شانيل ستختلف معه لو سمعته وهي على قيد الحياة، لأن فكرتها عن السفر هي البحر بمياهه اللازوردية وشعابه المرجانية والترحال من منطقة إلى أخرى برفاهية.
وهذا تحديدا ما احترمته الدار في عرضها لعام 2019. ظلت وفية لفكرة الـ«كروز» كما رسمت هي خطوطه في بداية القرن الماضي، إلى حد القول إن كارل لاغرفيلد ترجم هذه الخطوط بأسلوب شبه حرفي بتشييده سفينة أطلق عليها اسم «لابوزا» وصل طولها إلى 148 متراً. للدلالة على حجمها الكبير، فإنها استوعبت نحو 900 شخص استضافتهم الدار على حسابها. حينها صرح مصممها لاغرفيلد أنه كان ينوي أن يأخذهم في رحلة «كروز» حقيقية على شواطئ سانت تروبيه لمدة 24 ساعة، لكن لأسباب لوجيستية تم إلغاء الفكرة والاكتفاء ببناء سفينة تتوفر فيها كل عناصر الراحة، وتحاول المزج بين الإبهار والحقيقة، بإضافة مؤثرات مهمة مثل صوت طائر النورس والأبواق التي افتتح بها العرض، إضافة إلى الموج المتلاطم وما شابه من أمور.
لكن القاسم المشترك بين كل هؤلاء كانت الأزياء، بأقمشتها وألوانها وخطوطها. فالزبون إلى أي محل من محلات هؤلاء، من الآن إلى شهر فبراير (شباط) المقبل، سيلمس مدى نعومتها وخفتها كما سيُنعشه تفتح ألوانها ودعوتها لمعانقة الصيف والحياة. سيكتشف كيف أنها مناسبة لكل الفصول والمواسم وبأنها قطع يمكن أن تبقى معه طويلاً إن تريث في اختيارها، لأنها مزيج جميل بين أزياء موسمي الخريف والشتاء وموسمي الربيع والشتاء.
رغم أن هذا الخط يشهد انتعاشا كبيرا في العقود الأخيرة، فإن البداية كانت في عام 1919 على يد الآنسة غابرييل شانيل. خلال عطلاتها في دوفيل والريفييرا الفرنسية، انتبهت أن هناك شريحة كبيرة من الناس تبحث عن الشمس في عز الشتاء، ولم تكن تجد أزياء ملائمة، من حيث الأقمشة والتصاميم. كان النساء يقضين إجازاتهن في الشواطئ الفرنسية أو على اليخوت بأزياء رسمية تُقيدهن وتحرمهن من الانطلاق، فما كان منها إلا أن طرحت مجموعة بأقمشة منتعشة مثل القطن والجيرسيه، علماً بأن هذا الأخير، أي الجيرسيه، لم يكن يستعمل من قبل في التصاميم الأنيقة. كان استعماله يقتصر على الملابس الرجالية الداخلية. لكنها بحسها المعهود، وحسبما يقول البعض أيضاً، لشح ميزانيتها آنذاك، استعملته في بنطلونات واسعة وجاكيتات مريحة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خزانة المرأة الأنيقة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، التي وجدت فيها بُغيتها وراحتها. ومع ذلك لم تتبلور الفكرة كخط مستقل وقائم بذاته، بل ظلت فقط على شكل مجموعات جانبية ومحدودة جداً. بعد مرور قرن من الزمن، وتحديداً في عام 2000، أحيى كارل لاغرفيلد هذا التقليد. لكن شتان بينه في الماضي وبينه الآن. على العكس من غابرييل شانيل، حلق به كارل لاغرفيلد إلى عوالم بعيدة بلغة سلسة وراقية جعلت الكل ينتظره بلهفة. طبعاً لا ننسى أن الإمكانيات المتاحة له أكبر مما كانت تتوفر الآنسة غابرييل عليه في بداية القرن الماضي. بحس تجاري قوي، انتبهت الدار أن النتائج مضمونة ولا يمكن أن يستهان بها في عصر أصبحت فيه للموضة عدة أوجه تتطلب أدوات متنوعة لتجميلها وتلميعها حتى تتميز عن غيرها. منذ عام 2000 لم يعد هذا الخط يقتصر على من يتوفرون على يخوت أو إمكانيات عالية فحسب، بل أصبح يخاطب كل امرأة أنيقة تريد أزياء لا تعترف بزمان أو مكان. وهكذا زادت قوته سنة بعد سنة، خصوصاً مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وازدهارها. فقد قربت البعيد وحولت الصورة إلى أداة للتسويق. ومن هنا كان لا بد لهذه العروض أن تكون مبهرة شكلاً ومضموناً. الشكل من خلال الأماكن البعيدة التي تختارها والإخراج والديكورات وغيرها، والمضمون من خلال أزياء تجمع الكلاسيكي بالعصري مع بعض الابتكار الجريء الذي لا يتوفر في التشكيلات الموسمية التقليدية. كارل لاغرفيلد، الذي يمكن القول إنه كان عراب هذا الخط، شعر بأن الموضة بشكلها القديم، موسم للخريف والشتاء وموسم للربيع والصيف، لم تعد تكفي أو تُلبي حاجة أسواق عالمية متعطشة لأزياء لا تقل جمالاً وابتكاراً. مهم أن تكون بأسعار أقل مع الاستفادة منها في مناسبات ومواسم أكثر، بغض النظر عن أحوال الطقس. الآن قد لا يكون هذا الخط محتكراً من قبل النخبة فحسب، لكنه لا يزال يتضمن بين ثناياه وفكرته، كل معاني الرفاهية والفخامة. فهذا ما تريد هذه العروض الضخمة، التي تقام في أماكن بعيدة أن ترسخه.


مقالات ذات صلة

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

لمسات الموضة أقراط أذن من مجموعة «شوتينغ ستار» من الماس والذهب الأصفر والجمشت (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

للكثير من بيوت الأزياء أو المجوهرات ولادتان: ولادة تأسيسية؛ بمعنى تاريخ انطلاقها، وولادة ثانية تكون في الغالب إبداعية تبث فيها روحاً فنية تغير مسارها وتأخذها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة يقدر سعرها بأكثر من مليون دولار والأحجار هي السبب (فابيرجيه)

بيضة «فابيرجيه» الجديدة بمليون دولار… فمن يشتري؟

بيضة بمليون دولار.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

من المفترَض ألا يفاجئنا المصمم برونيللو كوتشينيللي، وهو يقدم لنا درساً عن الزواج المثالي بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو الذي يبيع لنا بدلات…

جميلة حلفيشي (لندن)

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.