الـ «هوت كوتير».. الرغبة في التفرد أساسها والفخامة عنوانها

الـ «هوت كوتير».. الرغبة في التفرد أساسها والفخامة عنوانها
TT

الـ «هوت كوتير».. الرغبة في التفرد أساسها والفخامة عنوانها

الـ «هوت كوتير».. الرغبة في التفرد أساسها والفخامة عنوانها

الترجمة الحرفية لـ«هوت كوتير» هي الخياطة الرفيعة، أما بمعناها المتعارف فهي الموضة في أحلى وأغلى حالاتها، لأنها ببساطة تختزل فن الخياطة التي لا يبخل عليها المصممون بأي شيء يمكن أن يضفي عليها التفرد والتميز حتى يبرروا أسعارها النارية.
ولد مفهوم الـ«هوت كوتير» في باريس في القرن التاسع عشر، ليس على يد فرنسي، بل على يد خياط إنجليزي هو تشارلز فريدريك وورث. في الأساس وجهها للطبقات الأرستقراطية، وسيدات البلاط الفرنسي اللواتي كن يردن فساتين تميزهن عن باقي السيدات بغض النظر عن سعرها والجهد الذي يبذل فيها. ولا يزال هذا ما يحدد هذا المجال: فساتين فريدة من نوعها بتصاميم لا تتكرر، تمنح صاحبتها شعورا بقيمتها وقيمة ما تلبسه من جهة، ولا تضعها في موقف حرج في حالة إذا ما حضرت سيدة أخرى نفس المناسبة بنفس الفستان، من جهة ثانية.
لا يزال الكثيرون يعتبرون هذا المجال بمثابة ناد نخبوي جدا، لا تدخله إلا القليلات، كما لا يتجرأ على الخوض فيه سوى مصممين بارعين ومنتقين بعناية من قبل «فيدرالية الموضة الفرنسية»، وهي المنظمة المسؤولة عن أسابيع الموضة الباريسية عموما، والـ«هوت كوتير» خصوصا. فهذه الأخيرة تلعب دور شرطة الموضة بعدم سماحها لأي كان، بأن يحصل على لقب «كوتيرييه» أو خياط بمستوى رفيع من دون أن يستوفي كل شروطها. شروط غير معقدة لكنها تضمن استمرارية المهنة ونخبويتها في الوقت ذاته، ومنها أن تكون للمصمم خبرة طويلة في التفصيل على المقاس، وأن يكون له معمل أو ورشة عمل في باريس، توظف ما لا يقل عن 20 حرفيا، كما يجب أن يقدم تشكيلتين في العام، الأولى لموسمي الربيع والصيف، والثانية لموسمي الخريف والشتاء. ونظرا للحرفية العالية التي تتطلبها كل قطعة والوقت الذي تستغرقه ويقدر بأكثر من 700 ساعة في بعض الحالات، فإنه ليس مستبعدا أن يعكف على تنفيذها نحو عشرين شخصا في الوقت نفسه لإتمام كل تفاصيلها المترفة في الموعد المحدد. وهذا ما يبرر سعرها، الذي يقدر بنحو 8000 جنيه إسترليني لقطعة بسيطة للنهار، وأكثر من 70.000 لفستان سهرة أو زفاف، حسب نوعية القماش المستعمل والترصيعات والتطريزات التي تدخل فيه. ويقال إن بعض الفساتين قد تصل إلى الملايين. وتتعامل أغلب بيوت الأزياء مع ما يعرف بالأنامل الناعمة، وهي خياطات محترفات في جانب من الجوانب، سواء الخياطة أو التطريز أو الترصيع وما شابه من تفاصيل يسهرن عليها بسعة صدر حتى تخرج بالشكل المطلوب والمنتظر. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن عددهن يقدر بـ2.200 خياطة في فرنسا، وأهم ما يتميزن به الصبر وعين ثاقبة ويد ثابتة، عدا عن ولاء شديد للدار التي يعملن فيها. فقد تبدأ الواحدة العمل في سن الصبا وتبقى مع الدار نفسها حتى سن التقاعد.
في التسعينات تسرع البعض بنعي هذا القطاع، على أساس أن جيل العضوات المنضويات فيه بدأ يختفي وعددهن يتقلص، إما بسبب تقدمهن في العمر أو بسبب الأزمات الاقتصادية التي توالت على العالم، وعصفت بزبونات الولايات المتحدة الأميركية تحديدا. لكنه في السنوات الأخيرة شهد انتعاشا منقطع النظير، بفضل جيل جديد من الزبونات المتعطشات للتفرد من أسواق جديدة مثل روسيا، والصين، ومنطقة الشرق الأوسط. وإذا كن في الشرق الأوسط قد ورثن حب الـ«هوت كوتير» عن أمهاتهن وجداتهن، فإنهن في روسيا والصين جديدات على هذا المجال ويردن أن يثبتن إما قدراتهن الشرائية أو ذوقهن بشراء كل ما غلا ثمنه واستعصى على الآخرين الحصول عليه. بالإضافة إلى إدراك بعضهن أن بعض هذه الفساتين يمكن أن تصبح في يوم من الأيام قطعا نادرة تباع في المزادات بسعر مضاعف، تماما مثل الجواهر أو اللوحات الفنية. هذا الجيل الجديد من الزبونات، بالإضافة إلى تطورات أخرى، على رأسها تطور وسائل التنقل، ساعد أيضا على ولادة أساليب جديدة للتسويق. فبعد أن كان مفروضا على الزبونة أن تحضر إلى باريس ما لا يقل عن ثلاث مرات، لأخذ المقاسات وإجراء البروفات والرتوشات قبل حصولها على القطعة، أصبح من الممكن ألا تخرج من عقر بيتها وتحصل على ما تريد، وذلك بأن تختار ما يروق لها من على شاشة فيديو، والاتصال بالمصمم بعد العرض مباشرة، الذي يرسل لها خياطة تقوم بكل اللازم.
وقد أكدت هذه الاستراتيجية نجاحها، بدليل أنه، إلى عهد قريب، لم يكن متوقعا أو مفترضا في الـ«هوت كوتير» أن تحقق الكثير من الأرباح على أساس أنها «برستيج» يعكس صورة الدار وبريقها، وكل ما هو مطلوب منها ألا تسبب أي خسائر مادية كبيرة، إلا أنها، وحسب الكثير من بيوت الأزياء الكبيرة، أصبحت بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا. سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لدار «ديور» مثلا، صرح بأنها تشكيلات «ديور كوتير» الأخيرة، سواء تلك التي صممها بيل غايتون، المصمم الذي خلف جون غاليانو لفترة قصيرة، أو راف سيمونز، مصممها الحالي، تحقق الكثير من الأرباح. وأضاف أن المشكلة التي واجهها في الموسم الماضي هي ما إذا كان بالإمكان تلبية كم الطلبات التي انهالت عليها من كل صوب، فهناك حدود للقوة الإنتاجية خصوصا أن إيجاد أنامل ناعمة متخصصة ليس بالأمر الهين والمتاح.
والمثير أنه حتى عقد مضى لم تكن بيوت الأزياء تذكر زبونات من آسيا أو روسيا، لأنها لم تكن تتصور أنهن يمكن أن يتذوقن الـ«هوت كوتير» ويقدرن فنيتها. فالمال الجديد، كما هو متعارف عليه تاريخيا، يميل إلى الاستعراض والتباهي أكثر مما يميل إلى الفنية، لكن الأيام بينت كم كانوا خاطئين. فهؤلاء، وبغض النظر عن الأسباب والحوافز، يستحققن لقب منقذات لهذا القطاع. فحتى إن لم يفهمن أصولها وأبجدياتها ومعانيها الحقيقية، فإنهن استحلين طعمها، وهذا وحده يكفي لإنعاشها. ثم إن الموضة أولا وقبل كل شيء هي تغطية الجسم بشكل يمنح إطلالة خاصة وشعورا بالسعادة وليس من الضروري أن يتعامل معها الكل من منطلق فكري أو فني، وهذا ما بات المصممون يدركونه ولا يستنكرونه.
ومع ذلك، وعلى الرغم من المحاولات المستميتة التي يقوم بها بعض المصممين منذ فترة لإخراجها من عزلتها أو إنزالها من برجها العالي، فإنها كما أكدت لنا خلال أسبوع باريس لخريف 203 وشتاء 2014 الأسبوع الماضي في باريس، بكل بريقه وأناقته وترفه، أنها لا تزال إما من نصيب امرأة ذات إمكانيات عالية، أو من نصيب المجلات البراقة التي تبيع لنا الحلم على أجسام نجمات يتهادين بها في مناسبات السجاد الأحمر.. فحتى المصممون الراغبون في التجديد والتخفيف من غلوها، أثبتوا أنهم لا يستطيعون الانسلاخ عن ثقافتها تماما، خصوصا وأنه أصبح من الممكن أن تحقق الأرباح، بعد أن ظلت لعقود مجرد لوحة فنية تمتع حاسة النظر بالنسبة للأغلبية ممن لا يستطعن إليها سبيلا، ولا تستمتع بجمالياتها وملمسها سوى قلة من النساء المتذوقات والمقتدرات. أكد الأسبوع أيضا أنها لا تزال أولا وأخيرا المنبر الذي يستعرضون فيه قوتهم الحرفية وخصوبة خيالهم. فمسموح لهم هنا بأن يشطحوا بهذا الخيال بعيدا، لأنهم يعرفون مسبقا أن أغلب هذه الأفكار والتصاميم ستترجم فيما بعد في أزياء جاهزة، بعد أن يتم تخفيفها من بعض التفاصيل التي قد يستغرق تنفيذها ساعات طويلة من الزمن وجهود مضنية حتى تأتي القطعة على شكل فستان فريد من نوعه. محاولات المصممين التي تم ذكرها، تتلخص في تصاميم أقرب إلى الأناقة العملية منها إلى الدرامية أو الفانتازية حتى تناسب العصر ومتطلباته، وكل مصمم قام بهذه المهمة بطريقته الخاصة. فقد لعب كارل لاغرفيلد على رموز دار «شانيل» وجاذبيتها، في حين بدا راف سيمونز، مصمم دار «ديور» وكأنه يريد الخروج عن جلباب السيد كريستيان ديور بعض الشيء، بعد أن اكتسب الثقة وحقق النجاح في تشكيلته للموسم الماضي. فقد غابت الدرامية والأنوثة المغرقة في الرومانسية وحلت محلها دراما من نوع جديد وعملي تخاطب كل نساء العالم وتريد أن تدخلهم لعبة الموضة الراقية بسلاسة. أما المصمم الإيطالي جيورجيو أرماني، فأبدع في خطه «أرماني بريفيه» وقدم تشكيلة حالمة كل ما فيها يهمس بالأناقة الراقية والهادئة من خلال ألوان تتباين بين الوردي والبيج والأبيض وتصاميم اختفت فيها المبالغات المسرحية. شملت مجموعة من التايورات المكونة من التنورات وبنطلونات الحرير بالإضافة إلى فساتين سهرة من الدانتيل لم يظهر فيها الأسود إلا في قطع معدودات. بواقعيتها ورقتها، قد تكون هذه أجمل تشكيلة قدمها المخضرم الإيطالي في خطه الراقي حتى الآن.
الفرنسي جون بول غوتييه، قدم بدوره تشكيلة وحشية إلا أنها من أفضل ما قدمه منذ بضع سنوات، شهد فيها بعض التراجع والتذبذب. صحيح أنها تصرخ بنقوشات كائنات الغاب، إلا أن كل ما فيها يشي بحرفية عالية وخيال مبدع، بما في ذلك تسريحات الشعر المطبعة التي كادت تسرق الأضواء من الأزياء لولا تزاوجهما الناجح.
بطلة هذه التشكيلة، التي شملت 43 قطعة، كانت هي النمرة التي ظهرت في معظم الأزياء وكل الإكسسوارات والماكياج تقريبا، من الجوارب إلى المعاطف والجاكيتات والتنورات. وطبعا كان الفرو بالإضافة إلى الريش حاضرين بقوة، ولو في الياقات أو الحواشي.
في عرضي كل من إيلي صعب ودار «فالنتينو» كانت اللغة مختلفة تماما، أكثر نعومة ورقة تلعب على الرومانسية وما تريده المرأة حتى وإن لم تبح به علانية. الأول قدم عرسا إمبراطوريا غنيا بالتطريزات والأقمشة المترفة والتصاميم التي تخاطب مناسبات المساء والسهرة تحديدا. فقد تجاهل مناسبات النهار تماما، بدليل أنه لم تكن هناك قطعة واحدة يمكن أن تناسبه لا من حيث التصاميم أو الأقمشة والتطريزات، فضلا على الأوان التي كانت تستحضر درجات الجواهر المتوهجة مثل ألوان الياقوت والزمرد والماس وغيرها. ورغم تنوع التصاميم، على الأقل تفاصيلها مثل الياقات المستديرة أحيانا، والمفتوحة أحيانا أخرى، أو التفاصيل المطرزة على الظهر وما شابه، فإن الذي سرق الأضواء هو فستان العروس المطرز بالكامل بالترتر والخرز والذي احتاج إلى ثلاث وصيفات ليحملن ذيله الطويل. هذه الفخامة لم تغب أيضا في دار «فالنتينو» التي قدم فيها الثنائي ماريا غراتسيا تشيوري وبيير باولو بيكيولي فساتين ومعاطف قالا إنها تتضمن الكثير من المفاجآت بلعبهما على الرقة والقوة في الوقت ذاته. الرقة في التصاميم والألوان والتطريزات، والقوة في استعمالهما لأول مرة أقمشة رجالية نجحا في حقنها بجرعة أنثوية مثيرة.
* جون بول غوتييه يثأر لنفسه ويرد على انتقادات تيم بلانكس برسالة مفتوحة
* رغم أن معظم المتابعين لأسبوع الموضة الباريسي الأخير اتفقوا أن جون بول غوتييه استعاد عافيته بعد مواسم عادية جدا لم يقدم فيه جديدا أو مثيرا، فإن تيم بلانكس، محرر الأزياء المعروف في موقع «ستايل دوت كوم»، كان له رأي آخر؛ فقد اعتبر العرض باهتا لم يعبر عن قوة لا في الأفكار ولا في الإخراج، الأمر الذي أثار حفيظة المصمم الفرنسي واعتبره نقدا شخصيا أكثر منه مهنيا.
وفيما يشبه السيناريو الذي حصل في العام الماضي بين كاثي هورين محررة أزياء صحيفة «نيويورك تايمز»، وإيدي سليمان مصمم دار «سان لوران»، الذي لم تعجبه انتقاداتها ورد عليها برسالة مفتوحة اتهمها فيها بالتحيز لراف سيمونز مصمم دار «ديور» ووصفها بالتنمر - قام جون بول غوتييه بالمثل، وأرسل عبر «تويتر» رسالة مفتوحة للمحرر المعروف. ومع أن ردة فعل كل من المصممين غوتييه وسليمان واحدة تقريبا، وهي الاستنكار والرغبة في الدفاع عن النفس، إلا أن الطريقة التي كتب بها غوتييه رسالته جاءت مختلفة عن تلك التي كتبها مصمم دار «سان لوران» الجديد، من ناحية أنها عبرت عن برودة أعصاب مصحوبة بالحجة.
الانتقاد الذي أثار حفيظته، على ما يبدو، كان رأي تيم بلانكس بأن العهد الذي كان يتوقع فيه الناس أن يصبح غوتييه ملك الموضة الفرنسية قد ولى من دون رجعة، وبأن مشاركة نبيلة بيناتيا، وهي فتاة من أصول مغاربية فازت في برنامج واقع في فرنسا وشغلت العالم بتعليقاتها التي تنم عن سذاجة بالغة تميل إلى الجهل أحيانا، رخصت العرض.
جون بول غوتييه رد قائلا في رسالته: «عزيزي تيم، في وقت مضى كنت تحب عروضي، لكن ذلك الوقت ولى على ما يبدو، وأنا أحترم ذلك. لكن في الوقت ذاته، فإن تيم بلانكس الذي أعرفه سابقا، لم يكن ليكتب بهذه الطريقة العدوانية التي تميل إلى الشخصي أكثر منها إلى الموضوعي والمهني، فأنا دائما أستعين بفتيات من كل الطبقات الاجتماعية والمستويات، ووصفك لأي شخص بأنه من مستوى متدنٍّ، هو برأيي رخيص. في المستقبل، وعوض أن تشعر بالملل في عروضي، يمكنك استغلال وقتك في مكان آخر، مثلا أن تقرأ عن تاريخ الموضة لتوسع آفاقك وتعرف أن الفستان المكون من عدة طبقات من الموسلين (ميل فوي) مثلا، لا يستحضر (سان لوران)، بل كان مستلهما من فستان صممته نينا ريتشي في عام 1967 تكريما لجيرار بيبار الذي توفي أخيرا. أما إذا انتابك بعض الحنين للوقت الذي كنت تعتبرني فيه وريث عروض الموضة الفرنسية، فأقترح عليك أن تزور معرضي الخاص باستوكهلم، الذي سيحط قريبا في بروكلين ثم لندن. وأتمنى لك زيارة ممتعة».
تجدر الإشارة إلى أن كلا من كاثي هورين وتيم بلانكس، من أهم محرري الأزياء في الساحة حاليا، والسؤال حاليا: هل هناك حدود للنقد فعلا؟ بمعنى أن هناك خطا رفيعا بين الشخصي والمهني، أم أن مصممي الأزياء لم يعودوا يتقبلون الرأي الآخر ويشعرون أن من حقهم الدفاع عن أنفسهم، خصوصا أنهم أكثر من يعرف الجهد الذي بذلوه لتنظيم عروضهم والوقت الذي استغرقه كل فستان حتى يأتي بصورة تعبر عن رؤيتهم.



تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.