«طوابير النقود» في الخرطوم تزداد في ظل أزمة سيولة

«طوابير النقود» في الخرطوم تزداد في ظل أزمة سيولة
TT

«طوابير النقود» في الخرطوم تزداد في ظل أزمة سيولة

«طوابير النقود» في الخرطوم تزداد في ظل أزمة سيولة

منذ أشهر والسودانيون يقضون معظم يومهم بحثاً عن «نقودهم»، يتجولون بين ماكينات صرف النقود الآلية طوال النهار وآناء الليل دون جدوى، يستجدون هذه الآلات علها تجود عليهم ببعض من «مدخراتهم»، لكنها «تأبى» أن تجود ببعض الجنيهات «ضعيفة القدرة الشرائية».
يقول أحد المواطنين في لهجة يائسة: «بدأت البحث مترجلاً عن صراف آلي من منطقة الحاج يوسف شرق الخرطوم»، وهي منطقة تبعد أكثر من عشرة كيلومترات من المكان الذي التقيته فيه، ويتابع: «تنقَّلت من ماكينة إلى أخرى دون جدوى حتى وصلت إلى السوق الأفرنجي (وسط الخرطوم)»، ويتابع: «لا أدرى كيف سأشتري الحليب لأطفالي الذين ينتظرون... وراتبي داخل هذه الماكينات اللعينة».
ويعاني السودان من أزمة سيولة مستحكمة منذ عد أشهر، وباتت إزاءها البنوك، وماكينات الصرافة الآلية، خاوية على عروشها من النقود. ويجهد المواطنون بمشقة بالغة في استخراج أموالهم من البنوك، حتى مرتباتهم لا يستطيعون استخراجها لعدم توفر السيولة. واتخذت الحكومة سياسات صارمة لامتصاص السيولة، واستعادة الكتلة النقدية إلى الجهاز المصرفي، وضبط سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وبناء عليها حددت سقف السحب النقدي من البنوك في ميزانية عام 2018.
وفي بادئ الأمر، حددت سقفاً للسحب النقدي من حسابات العملاء، بحدود 10 إلى 20 ألف جنيه يومياً (100 إلى 200 دولار) ولاحقاً عجزت البنوك عن تلبية طلبات عملائها، لهذا المبلغ المحدود من النقد، فاضطر البنك المركزي لضخ عملات جديدة تُقدَّر بنحو 6 مليارات جنيه للبنوك التجارية، مشترطاً صرفها عبر الصرافات الآلية، لكن الصرافات الآلية مبرمجة على إتاحة إمكانية السحب بحدود 2000 جنيه في اليوم فقط (الدولار 47.5 جنيه في السوق الرسمية)، وهو مبلغ لا يفي باحتياجات كثير من الأسر اليومية.
وكان رئيس الوزراء معتز موسى قد أعلن رسمياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سياسة تقشف اقتصادي لخمسة عشر شهراً، وتستمر حتى الأول من ديسمبر (كانون الأول)، تحت ذريعة كبح «جماح التضخم» الذي قارب 70 في المائة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
وترافق مع هذه السياسات خفض البنك المركزي لقيمة الجنيه السوداني لثلاث مرات خلال العام الحالي، ليبلغ سعره الرسمي 47.5، فيما يتجاوز سعر الصرف الموازي 50 جنيهاً بكثير.
وبحسب متابعة «الشرق الأوسط»، فإن الإجراءات التقشفية لم تفلح في تحقيق أي من أهدافها حتى الآن، إذ واصلت السوق الموازية تحديها للسوق شبه الرسمية، بفرق يتراوح بين 4.5 و6.5 جنيه لكل دولار، ليبلغ تدني سعر صرف الجنيه السوداني مداه الأقصى، وفي الوقت ذاته لم تعد السيولة إلى البنوك التي تعاني من شلل شبه تام، ولم تعد لها الثقة التي فقدتها جراء سياسات التقشف، فيما ارتفعت الأسعار، وحدثت أزمة في الخبز والوقود، حولت حياة سكان العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى إلى «طوابير يومية».
يقول أ. ي. ويعمل موظفاً، إنه طاف على معظم «ماكينات صرف النقود» في الخرطوم، لتطالعه عبارة «Out of Cash» على شاشاتها، أما تلك التي تحتوي على نقود، فحولها طوابير طويلة من المنتظرين، ويضيف: «بحكم كوني مضطراً، اصطففت في أحد الطوابير، وحين وصلتُ إلى الماكينة كانت النقود قد نفدت منها، فانتقلت إلى طابور آخر دون جدوى، فعدت أدراجي بخفَّي حنين».
أما داخل البنوك، فإن الأمر بات فوق الوصف؛ طوابير ممتدة إلى خارج البنوك، ومعاناة شديدة يحصل بعدها الشخص على 500 جنيه (7 دولارات) لا تكفي لشراء أبسط مقومات اليوم.
وأدت أزمة النقد الحادة التي يعيشها السودانيون إلى بروز أنواع جديدة من الحيّل التجارية، إذ برزت ظاهرة «استئجار الحسابات وبطاقات الصرف الآلي، وتأجير أشخاص للوقوف في الطوابير، وغيرها من الحيل التي يستخدمها الناس للحصول على نقد».
وتحولت العملات «الكاش» نفسها إلى تجارة جديدة قائمة بذاتها، إذ ينشط حول البنوك أو بعض المكاتب والمتاجر، أناس يستبدلون بالشيكات غير القابلة للصرف نقوداً سائلة، مقابل ربح قد يصل إلى 10 في المائة من قيمة أصل الشيك، بحسب حاجة طالب النقد.
ودون التوقف عند معاناة الناس جراء أزمة السيولة، مضى رئيس الوزراء في السياسة التي أطلق عليها «سياسة الصدمة» لإصلاح الاقتصاد، دون وضع اعتبار لضعف البني التحتية للتعامل المالي الإلكتروني، وانتشار الأمية وضعف خدمة الإنترنت في البلاد، وقلة انتشار المصارف في أنحاء البلاد.
كما أن كثيرين يرفضون قبول النقود الآلية، بمن فيهم جهات حكومية، بل إن بعض المؤسسات التي كانت تقبل الدفع الآلي قبل «الأزمة الحالية»، أخفت الماكينات، واشترطت على زبائنها الدفع نقداً، لكن حكومة معتز موسى ماضية في «صدمتها».
إذ أعلن الرجل في تغريدة على موقع التواصل «تويتر»، أول من أمس، أن مجلس الوزراء أجاز مصفوفة الدفع الإلكتروني، وقال: «تبنَّت الحكومة إتاحة الدفع الإلكتروني لكل خدماتها، تيسيراً للمواطنين، ولتعزيز الحكومة والشفافية»، وتابع: «بدأنا مع خدمات الكهرباء، واليوم وزارة الداخلية وبنك السودان سيتحملان تكلفة مصروفات الخدمة».
ويقول المحلل الاقتصادي أبو القاسم إبراهيم، إن أزمة السيولة أدت لكساد الأسواق، باعتبارها أداة لتحريك النشاط الاقتصادي، ويضيف: «انعدام السيولة، أو اكتنازها عند فئات محددة، يسبب جموداً في الاقتصاد، بتراجع الطلب على السلع والخدمات».
ويرى إبراهيم أن الأزمة حولت العملة المحلية نفسها إلى سلعة، تجلَّت في وجود أسعار مختلفة للبيع بالنقد وبالشيكات، فيما أصبحت الشيكات نفسها سلعة تباع وتشترى، ويضيف: «هذه ظاهرة غير معهودة في الاقتصادات التي واجهت أزمات مثيلة، هذا أمر غريب».
ويتوقع إبراهيم أن تخلق معالجات أزمة السيولة الحالية، أزمة أكبر، وبلوغ التضخم معدلات غير مسبوقة، ويتابع: «بنك السودان المركزي طبع كميات ضخمة من الأوراق النقدية دون تغطية، وضخها في الصرافات الآلية، خارج الجهاز المصرفي، وأدى ذلك لتضخم عرض النقود المتضخم أصلاً منذ عامين»، ويضيف: «طريقة معالجة الأزمة غير صحيحة، ولن تعيد السيولة إلى الجهاز المصرفي».
ويقترح إبراهيم رفع القيود الحكومية على الجهاز المصرفي، ليقوم بتمويل المنتجات التي يتعامل معها الجمهور (تمويل العقارات، السيارات، التعليم، الخدمات التي تقدمها الدولة، ما يمكن أن يؤدي لعودة السيولة إلى الجهاز المصرفي).
ويدعو المحلل الاقتصادي إلى خفض نسبة الفائدة على المرابحات، ويضيف: «تتراوح الفائدة على المرابحات ما بين 10 و15 في المائة، وهي نسبة عالية جداً، ويجب خفضها بحدود 5 في المائة للتشجع على التعامل مع الجهاز المصرفي»، ويتابع: «الإجراءات الحالية لن تعالج مشكلة السيولة في مدة وجيزة، وأي إجراء يتم اتخاذه لا يمكن أن يعيد الثقة في المصارف في أقل من 6 أشهر».
ويقطع إبراهيم بأن «أدواء الاقتصاد السوداني لن تُعالَج دون دعم خارجي واضح، وأن موازنة عام 2019 ستواجه صعوبات جمة، إذا لم يُحذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإجراء معالجات سياسية للأزمة، فأزمة الاقتصاد السوداني لن تعالج دون معالجات للأزمة السياسة الداخلية والخارجية، بما يتيح حصوله على دعم خارجي».
وتسببت «أزمة السيولة» في انتشار تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تهكم فيها النشطاء على سياسات رئيس الوزراء الذي يشغل منصب وزير المالية أيضاً، وعلى تغريداته على «تويتر»، وأطلقوا «هاشتاغ»: «غرِّد كأنك معتز موسى»، الذي يحمل نقداً لاذعاً لتغريدات موسى الذي نشط في إطلاق التغريدات المتفائلة، بعد أيام قليلة تسلمه منصب رئيس الوزراء كأول مسؤول سوداني يتواصل عبر هذه الوسائط مع الناس.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.