خلافات الحكام على السلطة تعمّق جراح الجنوب الليبي

بين تراجع الخدمات ونقص الوقود... وهيمنة الجماعات المسلحة

أحد أحياء فزان التي تعرضت للإقصاء والتهميش («الشرق الأوسط»)
أحد أحياء فزان التي تعرضت للإقصاء والتهميش («الشرق الأوسط»)
TT

خلافات الحكام على السلطة تعمّق جراح الجنوب الليبي

أحد أحياء فزان التي تعرضت للإقصاء والتهميش («الشرق الأوسط»)
أحد أحياء فزان التي تعرضت للإقصاء والتهميش («الشرق الأوسط»)

عندما جرى اختطاف مسؤول طبي يُدعى «مفتاح» في مدينة سبها، الواقعة على بعد نحو 800 كلم إلى الجنوب من طرابلس، على يد مسلحين، لم يكن الأمر مجرد حالة معزولة، بل حلقة في مسلسل طويل لوقائع الخطف التي تعرض لها عشرات الليبيين خلال الأسابيع الأخيرة بهدف الحصول على فدى مالية من ذوي المخطوفين وقبائلهم.
في هذا الإقليم المنسي، المعروف تاريخياً باسم «فزان»، تنتشر جماعات من المتطرفين وقطاع الطرق بين دروب طويلة تربط مدناً عدة. وفي هذا السياق، قال مسؤول أمني في سبها «بعد أن هجمت ثلاث سيارات على مفتاح، وهو في طريقه إلى عمله، ابتعدت به عشرات الكيلومترات، ثم اتصلت بقبيلته لسداد مبلغ يقدر بنحو نصف مليون دولار، أو قتله».
وبينما يستعد لتفقد الدروب الصحراوية المجاورة، يضيف المسؤول شاكياً: «إمكاناتنا ضعيفة، وسياراتنا الصحراوية قليلة، وتسليحنا بسيط؛ مجرد بنادق كلاشينكوف، بينما الجماعات الإرهابية تملك مدافع عيار (14.5) ولا نعرف كيف نتصرف في مثل هذه الأحوال».
يحرص معظم القادة الأمنيين والقبليين في الجنوب على عدم التورط في خلافات مع حكام الشمال المتصارعين بين سلطتين، إحداهما بقيادة فايز السراج في مدينة طرابلس غرباً، والأخرى برئاسة عبد الله الثني في مدينة البيضاء شرقاً.
بدوره، يؤكد عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي، وهو مجلس يمثل قبيلة التبو التي تتمركز في الجنوب، الذي كان في السابق مستشاراً لرئيس مجلس النواب، ولعب دوراً في تهدئة الأوضاع في مدن عدة، أن «الخدمات في المدن الرئيسية بالمنطقة تراجعت إلى حد مخيف، رغم أن الجنوب يحوي مخزوناً ضخماً من النفط والغاز والمياه والذهب، وغيره». ويقول بنبرة مليئة بالاحتجاج، «يبدو أن جنوب ليبيا سقط من ذاكرة الحكام المتصارعين على السلطة... في حين أن جماعات (داعش) وآخرين من المسلحين التشاديين يشنون هجمات على أبناء الجنوب، دون أي قدرة على الحماية من جانب الأجهزة المسؤولة في الدولة».
في فزان تنتشر قبائل «التبو» و«الطوارق» و«أولاد سليمان» و«المقارحة» و«القذاذفة» و«زويّة»، بالإضافة إلى من يطلق عليهم «الأهالي». وقد دخلت معظم هذه القبائل في صراعات مسلحة خلال الشهور الماضية. ويبدو أن هذا الأمر مكَّن مسلحين غرباء من استغلال الموقف، والتمركز بسيارات الدفع الرباعي، المزودة بالمدافع على تخوم المدن، بحثاً عن الأموال.
وتستهدف عمليات الخطف شخصيات ثرية، أو شخصيات تنتمي لقبائل يمكنها أن تلزم أبناءها بالمشاركة في سداد المبلغ المطلوب للمسلحين، لإنقاذ أحد أفرادها. وقد تراجعت حركة السيارات بين مدن الجنوب، بعد تزايد سطوة المسلحين على الطرق، وأصبح الانتقال من مكان إلى آخر، حتى بين الأقارب، محفوفاً بالمخاطر. كما سيطرت جماعات متطرفة على شاحنات نفط مخصصة لكثير من محطات التموين في مدن فزان.
في عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، كانت توجد خمسة مطارات جوية، تعمل على ربط سكان الجنوب بباقي ليبيا، وكذلك بالعالم الخارجي مباشرة. لكن كل هذه المطارات باتت متوقفة الآن، حسب عبد المجيد الذي أوضح أن «حكام الشمال يعلنون بين وقت وآخر عن تخصيص ملايين الدولارات لمدن فزان. لكن لا نرى شيئاً على الأرض. فأين تذهب كل هذه الأموال؟ لا أعرف».
وبعد شهور من الاقتتال، أصبحت غالبية قبائل الجنوب تبحث عن حل للمعاناة التي تعيشها، خصوصاً بعد أن ظهر على الساحة خصوم جدد للجميع، وهم الجماعات المسلحة المكونة من متطرفين ومتمردين قادمين من دول أخرى. ونتيجة لذلك أصبحت وفود قبلية تنتقل من اجتماع لاجتماع، أملاً في إصلاح ما يمكن، كان آخر هذه الاجتماعات في مكتب عميد بلدية مدينة تازربو، حيث تشعب الحديث إلى اجترار ذكريات إقليم فزان، حين كان في النصف الأول من القرن الماضي، من مراكز مقاومة الاحتلال الأجنبي المهمة بسبب وجوده في قلب الصحراء.
ورغم أن عدد سكان فزان يبلغ نحو نصف مليون نسمة، أي ربع عدد سكان إقليم طرابلس تقريباً، إلا أن الخدمات التي يتلقاها السكان تعتبر ضئيلة مقارنة بطرابلس. يقول أحد قادة القبائل معلقاً على ذلك، «لم يصل من السلع الغذائية المدعومة إلى مدن فزان خلال الشهور الأخيرة، سوى نحو مليوني دولار، مقارنة بما وصل إلى إقليم طرابلس، التي تقدر قيمتها بنحو 25 مليون دولار... وهذا ينطبق على باقي الخدمات... ظلم في القِسمة، وتدهور في مرافق الصحة والتعليم والزراعة».
وتتشابه شكاوى برقيات أرسلها قادة قبليون وعمداء بلديات من إقليم فزان إلى الشمال، في الآونة الأخيرة، حيث يتضمن معظمها تحذيراً من نزوح للسكان من المنطقة، ومن انتشار الجماعات المتطرفة والمسلحة القادمة من خارج ليبيا، بالإضافة إلى النقص الحاد في السيولة بالمصارف التي ما زالت تعمل، ومنها فروع المصارف الزراعية.
وحتى 19 من الشهر الحالي، لم تكن ميزانيات عدة بلديات قد وصلت إلى مصارف فزان. وفي هذا الصدد يقول مسؤول في بلدية تازربو، البالغ عدد سكانها نحو عشرة آلاف نسمة، «مئات العائلات نزحت من هنا، بعد تدهور الأمن، وانتشار المسلحين، وإغلاق معظم المصارف لأبوابها».
في السياق ذاته، يؤكد عبد المجيد أن الحكومتين المتنافستين لا تتحركان إلا إذا حدثت مشكلة كبيرة في الجنوب، حيث تسارع كل منهما للإعلان عن تخصيص أموال لمدن الجنوب «لكن للأسف لم نر أي إنفاق على الأرض».
وبينما يشكو الناس من العوز، قامت مجموعة مسلحة في مدينة «أم الأرانب» بخطف عدد من المواطنين، كما جرت عملية أخرى ضد نحو عشرة من أبناء منطقة الفقهاء، فيما قام «الدواعش» باختطاف عدد آخر من أبناء الجنوب. وبهذا الخصوص يقول رئيس الكونغرس التباوي «حدث كل هذا بشكل متتابع... لقد استشهد أيضاً خمسة من أبناء التبو. وأربعة من أهالي المنطقة الجنوبية. فأين المسؤولون من كل هذا؟».
ومع دخول فصل الشتاء، بدأ السكان يعانون من نقص حاد في أسطوانات غاز الطهي، وتضاعفت أسعار الأسطوانة عدة مرات خلال أسابيع، خصوصاً في مدينة مرزق. فيما يسرد أبناء المدينة معاناتهم اليومية مع نقص العلاج، والاضطرار إلى السفر براً عبر الطرق البرية الطويلة وغير الآمنة للوصول إلى طرابلس أو بنغازي.
ومما زاد الطين بلة، توقف ماكينة التصوير الخاصة بجوازات السفر في مرزق، وهو ما أرغم المواطنين الراغبين في العلاج خارج ليبيا على السفر مئات الكيلومترات باتجاه مدن الشمال من أجل استخراج جواز سفر. يعلق عبد المجيد على هذا الوضع قائلاً: «هذه جريمة. فكيف يُطلب من الإنسان المريض أن يقطع كل هذه المسافة لكي يستخرج جواز سفر. كثير من المسافرين يموتون قبل الوصول للشمال... والسفر على هذه الطرق المتفرعة من طريق سبها - طرابلس أصبح مجازفة»، مضيفاً أن الحالة التي وصل إليها الجنوب «باتت مروعة... فلو نجوت من الإرهاب، فلا توجد أمامك أدوية في المستشفيات... مستشفيات غير صالحة للاستعمال... شلل في الخدمات بمدن مرزق، وسبها، وأوباري، وأم الأرانب، والقطرون وغيرها».
علاوة على ذلك كله، أغلقت معظم محطات الوقود أبوابها بسبب نقص البنزين والديزل. يقول عبد السلام محمود، وهو مسؤول محطة لتموين السيارات على طريق سبها، إن جماعات مسلحة تستغل الفراغ الأمني استولت على حصته من البنزين. وأضاف هذا الرجل، الذي ينتمي لقبيلة «أولاد سليمان» كبيرة العدد: «نريد من ينجدنا».
في فزان تنتشر آلاف الآبار المغذية للنهر الصناعي الذي تعتمد على مياهه مدن الشمال. ويوجد حول بلدة تازربو وحدها نحو مائة بئر من هذا النوع. وبين حين وآخر يستهدف المسلحون مضخات الآبار لتعطيل تدفق المياه، في محاولة للتأثير على صناع القرار في طرابلس والبيضاء، كما حدث مرات عدة منذ الصيف الماضي حتى الآن.
لقد كانت أنظار الليبيين تتجه إلى محاولات دولية وإقليمية لتوحيد الدولة تحت سلطة محددة المعالم. لكن يبدو أن كل الجهود ما زالت تراوح مكانها، بما فيها المؤتمر الأخير الذي انعقد برعاية إيطالية في مدينة باليرمو قبل أسبوع. وبدلاً من التوصل إلى حكومة واحدة، أصبح الانقسام في البلاد يثير مخاوف الجميع، ويعزز من تدهور أوضاع إقليم فزان. على سبيل المثال، فإن تمويل الخدمات في تازربو يعتمد على الحكومة المؤقتة في البيضاء، بينما تعتمد بلديات أخرى مجاورة في الإقليم على حكومة الوفاق المنافسة في طرابلس.
الأخطر من ذلك كله يكمن في ارتفاع وتيرة التنافس على الصعيد العسكري، حيث شهدت طرابلس مؤخراً اجتماعات لقادة جماعات مسلحة محسوبة على المجلس الرئاسي، لترتيب نشر قوات موالية للسراج في فزان، في محاولة على ما يبدو لاستباق جهود يقوم بها الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، لبسط يده على كل الإقليم. ولا تعطي حالة تربص لميليشيات عدة للسيطرة على طرابلس، فرصة لقوات حكومة الوفاق للانتقال للجنوب أو التأثير فيه. كما أن استقالة نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، موسى الكوني، ابن قبيلة الطوارق ذات الحضور في فزان منذ بداية العام الماضي، ساهم في فقد المجلس بوصلة الجنوب، رغم وجود نائبين آخرين يمثلان المنطقة، إلا أنهما لا يعكسان أي ثقل قبلي يذكر، وذلك بسبب ارتباط أحدهما بجماعة «الإخوان»، وضعف الآخر على المستوى السياسي والاجتماعي، كما يقول المستشار السابق لرئيس مجلس النواب.
ويوجد مسؤول عن الجنوب كذلك في الحكومة المؤقتة، إلا أن مكتبه الدائم يقع في بنغازي، وليس في فزان، يعلق على ذلك عيسى عبد المجيد بقوله «كان ينبغي على المجلس الرئاسي أن يعين بديلاً لموسى الكوني... كما كان ينبغي على الحكومة المؤقتة أن يكون مكتبها الخاص بالجنوب في إحدى مدن فزان. وعدم اهتمام حكومتي الشرق والغرب بالجنوب أدى لانتشار الفوضى، والإرهاب، و(الدواعش)».
وبعيداً عن هذا التشتت، يعوِّل قادة قبائل في فزان على نتائج زيارات قام بها المشير حفتر لدول مثل تشاد والنيجر في الأسابيع الماضية لكبح جماح المسلحين الذين يخترقون الحدود الجنوبية.
وسبق للعميد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم الجيش، أن شدد على ضرورة رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي حتى يتمكن من الإسراع في مهمته للقضاء على العصابات المسلحة التي تخترق الحدود، وتثير الفوضى في الجنوب. وقال إن «الجنوب بات عرضة لعدد من المجموعات المسلحة القادمة من وراء الحدود، ولعصابات إجرامية أخرى... دخلوا حين وجدوا أرضاً مفتوحة ومستباحة. وانتشر خطف المواطنين، والابتزاز، وطلب الفدى».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.