من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء
TT

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

أُدرك اليوم ونحن نقترب من نهاية عام ميلادي ومولد عام جديد أننا تناولنا التاريخ على مدار السنوات الماضية بوصفه مصدرا للإلهام أو العظة أو التجربة، وقليلا ما سعينا للنظر لهذا التاريخ الإنساني على أنه قد يكون مصدرا للترفيه الإنساني؛ أَوَليس التاريخ انعكاسا لتجارب البشر، التي منها الطريف والترفيهي أيضا؟ فالإنسان هو الإنسان بكل ما له وما عليه، ولا يتغير عبر الزمن، وقد رأيت أن أخصص اليوم مقالا مختلفا بعض الشيء، فنغوص في بعض الحقائق الخفيفة على القلب لتعيد إلينا ابتسامة ولو خافتة ونحن على أعتاب العام الجديد، خاصة أن المواطن العربي من المحيط للخليج يحتاج لهذه الاستراحة الفكرية بعد إصابة وجدانه السياسي ببعض القرح.. ومن هنا نبرز هذه الحقائق الثلاث:
أولا: إن قاعدة النصب والاحتيال ليست مقصورة على طبقة بعينها، فالنصب صنعة قد يقوم بها الشخص حتى مع الملوك والرؤساء والذين يقعون ضحية لها حتى من أقرب الناس إليهم، ولكنني أعتقد أن أعظم عمليات الاحتيال السياسي على القيادة هي المحفورة باسم «غريغوري بوتيمكين Potemkin رئيس وزراء «كاترينا الكبرى» إمبراطورة روسيا، فبعدما استولت روسيا على ممتلكات واسعة من الدولة العثمانية، سعى الرجل لإقناع الإمبراطورة بنجاح سياسته الاستعمارية والهادفة لاستعمار هذه الأراضي، فما كان منه إلا أن دعا الإمبراطورة لرحلة نهرية لتشاهد بنفسها من المركب عملية الاستيطان، وكانت حيلته مكونة من مجموعة من القرى المتحركة التي كانت تحتل المناطق التي تمر من أمامها سفينة الإمبراطورة، حيث يقوم المواطنون الروس بالتلويح للإمبراطورة وإطلاق صيحات السعادة والحب والترحيب لها، وفي المساء يجري فك القرى سريعا ونقلها إلى المناطق التي من المقرر أن تمر أمامها السفينة في اليوم التالي، وهكذا تقتنع الإمبراطورة بأن الأرض قد عُمرت، وأن الناس يدعون لها ويهللون لها بالرخاء والسعادة، وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا مأجورين من قبل رئيس الوزراء. وقد كان السفراء الأجانب يبدون إعجابهم الشديد بعظمة بوتيمكين الذي استطاع أن يضع سياسة استعمارية واستيطانية ناجحة كل هذا النجاح، مما جعل الناس تطلق على من يسعون لخديعة القيادة السياسة، مصطلح «مدن بوتيمكين» أو «سرابات بوتيمكين». وعلى ما يبدو، فإن «كاترينا الكبرى» كانت تتشكك في أكاذيب رئيس وزرائها في الصباح، ولكنها تنساها وهي في أحضانه في المساء، فلقد كان الرجل عشيقها، وهو ما سمح له بأن يمر بهذه الخديعة بلا مساءلة.
ثانيا: وبعيدا عن السياسة، فإنه ما من شك في أن الفرنسيين كانوا مصدرا للإلهام الثقافي، ولو سألت عن مصدر هذا الثراء لأرجعه كثير من الفرنسيين إلى أن لديهم مجموعة من الفلاسفة والمفكرين والأدباء أكثر من أي دولة أخرى، ولكن كثيرين منا ينسون أن فرنسا تقود العالم في صناعة الأزياء، وهذا ليس بجديد، بل يمكن إرجاع ذلك إلى عهد الملك لويس الرابع عشر أعظم ملوك فرنسا وأكثرهم هيلمانا، مما جعل فرنسا منارة الأزياء، ولكن هذا ليس بالضرورة صحيحا في كل المناسبات، فنحن جميعا نلبس رابطة العنق والاسم الدارج لها هو «كرافتة»، ويعتقد أغلبنا أنها بدعة فرنسية، ولكن بعض المصادر التاريخية تشير إلى غير ذلك، فهي بدعة كرواتية الأصل دخلت البلاط الملكي في عهد لويس الرابع عشر من خلال أحد التجار الكروات المتعاملين مع القصر، ويقال إن الملك عندما رأي الرابطة أعجبته فاستفسر عنها وبدأ يرتديها، فتبعته في ذلك كل الحاشية والأرستقراطيين، فأصبحت بعد ذلك جزءا من اللبس المتحضر، وحقيقة الأمر أنها لم تكن على شكلها الحالي، بل كانت تغطي أغلبية القفص الصدري من خلال كرانيش مختلفة، لأن الجاكيت كان مفتوحا وليس مغلقا مثل اليوم.
وعلى أي حال، فإن هذه البدعة سرعان ما بدأت تتطور تحت اسم «الكرافاتة» اشتقاقا من كلمة «كرواتيا»، مما جعل أحد المؤرخين يداعبنا فيؤكد أنها «الوسيلة التي من خلالها تقوم دولة صغيرة مثل كرواتيا بوضعنا جميعا في أغلال الأعناق»، ولكننا يجب أن نشكر الإخوة الفرنسيين لتطويرها من شكلها البدائي، وإلا صرنا اليوم مرتدين ما يشبه مفارش السفرة المصغرة ذات الكرانيش.
ثالثا: كثيرا ما يعاني شخص من اسمه، فالاسم ليس خيارا لنا، وتسمية الذرية كانت ضمن أمور كثيرة شغلت المجتمعات المختلفة، ولكن الرأي استقر اليوم على أن ينسب الإنسان لأبيه ومن بعده لجده أو للقب الأسرة الذي إما يأتي كناية عن مدينة أو وظيفة.. إلخ، ولكن بعض الدول تضع اسما إضافيا تعطفه على اللقب أو الجد، وهو أمر شائع تاريخيا في إسبانيا، وجرى نقله من خلال الاحتلال إلى كثير من الدول اللاتينية، وهو لقب الأم ليكتمل النسب عندهم.
وأيا كانت الرؤيا، فإن أغرب أنظمة التسمية على الإطلاق كانت في تقديري للنظام الروماني، فهناك 12 اسما يجري الاختيار منها مثل «جايوس» أو «تايتوس» أو «ماركوس».. إلخ، ونظرا لأنها 12 اسما فقط، فإنه يجري اختصار كل واحد فيها بالحرف الأول ليوضع قبل الكلمة فيعرف الجميع الاسم المقصود، أما الاسم الثاني فكان نسبة إلى العشيرة التي ينتمي إليها، والاسم الأخير كان اسم الأسرة ذاتها، فمثلا «يوليوس قيصر» كان اسمه «جايوس» من عشيرة «يوليي» والاسم الأخير لأسرة قيصر، وفي حالة تشابه الأسماء مثلا، يجري وضع تعريف في نهاية كل اسم يميز صاحبه، مثل «الكبير» أو «الصغير» أو «الأفريقي». أما النساء الرومانيات، فنظرا لوضعيتهن الاجتماعية المتدنية نسبيا عند الرومان، فإنهن كنّ يُنسبن لآبائهن من خلال تأنيث لقبها، فيصبح اسم ابنة ماركوس أنطونيوس على سبيل المثال «أنطونيا»، وفي حالته خصيصا، فإن ابنتيه سميتا بالاسم نفسه أيضا دون تمييز بين الكبرى أو الصغرى.
والاختلاف الاسمي جاء أيضا في دول الشرق الأوروبي حيث كانت عملية النسب للأب أو الزوج توضع من خلال تأنيث نهاية اللقب فيعود على المرأة أو الزوجة.
واستنادا إلى الحقائق الثلاث الماضية، يبدو أن الحكم الأساسية التي يجب أن نأخذها منها هي:
الخدعة السياسية يجب ألا تكون مبنية على أكذوبة كبيرة مثل نقل قرى بأكملها كالتي ابتدعها بوتيمكين. كما أننا يجب أن نحمد المولى لمفهوم ارتقاء الأذواق، وإلا كنا جميعا مضطرين للبس ما يشبه المفرش الصغير بدلا من رابطة عنق صغيرة. وأخيرا نحمد الله أن الجيوش العربية قهرت الدولة الرومانية وإلا كانت أسماؤنا اليوم أقل ما توصف به أنها سريالية.. وعام سعيد عليكم جميعا.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».