علاقة ترمب مع وسائل الإعلام تثير مزيداً من الجدل في واشنطن

شبكة «سي إن إن» بصدد رفع دعوى قضائية لإجبار البيت الأبيض على استمرار اعتماد مراسلها

قضية أكوستا (يمين) تعيد إلى الأذهان ما حدث عام 1966 حينما أوقف البيت الأبيض أوراق اعتماد مراسل مجلة «نيشن» (أ.ب)
قضية أكوستا (يمين) تعيد إلى الأذهان ما حدث عام 1966 حينما أوقف البيت الأبيض أوراق اعتماد مراسل مجلة «نيشن» (أ.ب)
TT

علاقة ترمب مع وسائل الإعلام تثير مزيداً من الجدل في واشنطن

قضية أكوستا (يمين) تعيد إلى الأذهان ما حدث عام 1966 حينما أوقف البيت الأبيض أوراق اعتماد مراسل مجلة «نيشن» (أ.ب)
قضية أكوستا (يمين) تعيد إلى الأذهان ما حدث عام 1966 حينما أوقف البيت الأبيض أوراق اعتماد مراسل مجلة «نيشن» (أ.ب)

قيل الكثير في الصحافة حول ما حدث في المؤتمر الصحافي بالبيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية النصفية للكونغرس الأميركي. وأُثير الكثير من الأسئلة حول السلوك المهني لمراسل شبكة «سي إن إن» جيم أكوستا، وحقه في طرح الأسئلة والإصرار على الحصول على إجابة. وهل فعلاً تجاوز أكوستا المعايير المهنية. وفي المقابل هل يحق للرئيس أن يمنع الصحافيين من طرح الأسئلة. في ذلك المؤتمر الصحافي دخل جيم أكوستا مع الرئيس ترمب في سجال لفظي.
بدأ أكوستا سؤاله قائلاً: «السيد الرئيس، أريد أن أذكّرك بإحدى العبارات التي أدليت بها في أثناء الحملة الانتخابية». وطرح أكوستا سؤالاً حول قافلة المهاجرين القادمين من الحدود المكسيكية إلى أميركا وأسباب وصف ترمب لها بأنها نوع من الغزو للولايات المتحدة، كما أنه صوّر المهاجرين على أنهم أشرار وشياطين. وجادل ترمب بأنه يريد أن يأتي المهاجرون إلى الولايات المتحدة لكن بطريقة شرعية. ورد أكوستا بأن ذلك ليس غزواً، ورد ترمب قائلاً: «اتركني أُدِر البلد وأنت تدير (سي إن إن)».
وصمم أكوستا على طرح سؤال آخر حول مدى قلق ترمب من التحقيقات حول التدخل الروسي في الانتخابات. وجاء رد ترمب: «هذا يكفي... هذا يكفي... ضع الميكروفون جانباً». وصمم أكوستا على طرح سؤال حول قلق ترمب من احتمالية الإدانة. وتضايق ترمب وابتعد قليلاً عن المنصة التي كان يقف عندها فيما أسرعت المتدربة بالبيت الأبيض لأخذ الميكروفون من يد أكوستا. وعاد ترمب ليقول: «(سي إن إن) يجب أن تكون خجلانة من أن يعمل بها شخص مثلك... أنت شخص وقح ومزعج ويجب ألا تعمل في (سي إن إن)». ووقف أكوستا يجادل الرئيس دون ميكروفون.
وفي أعقاب ذلك المؤتمر أعلن البيت الأبيض أن أكوستا ضايق المتدربة التي حاولت أخذ الميكروفون من يديه، وأنه أهانها، ولذلك تم وقف أوراق اعتماده كمراسل لدى البيت الأبيض لأنه اعتدى على المتدربة بطريقة غير لائقة. وردت شبكة «سي إن إن» قائلة إن وقف تصريح أكوستا جاء بسبب طرحه الأسئلة الصعبة، واتهمت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز بالكذب. وتسربت أنباء عن أن شبكة «سي إن إن»، «تدرس رفع دعوى قضائية ضد جهاز الخدمة السرية الذي أوقف تصريح أكوستا».
وقال المحامي فلويد إبرامز المتخصص في قضايا الإعلام، إن شبكة «سي إن إن»، «لديها قضية قوية تعتمد على نص حرية الصحافة»، واتهم الرئيس ترمب بمحاولة ترهيب الصحافيين الآخرين بالتهديد بوقف أوراق اعتمادهم إذا طرحوا أسئلة لا تعجبه، خصوصاً أن أكوستا طرح أسئلة حول موضوعين كان ترمب يريد تجنبهما.
وتصاعد الجدل بين مدافع عن حق أكوستا في طرح الأسئلة، ومهاجم يتهمه بإساءة الأدب والتعامل مع الرئيس من دون احترام. الغريب أن دونالد ترمب خلال خوضه السباق الانتخابي مرشحاً للرئاسة وصف أكوستا في مؤتمر صحافي في مايو (أيار) 2016، بأن تقريره يمثل مهنية عالية، وقال مخاطباً أكوستا: «لقد شاهدتك على التلفزيون وما قدمته هو الجمال الحقيقي». لكن في أول مؤتمر صحافي للرئيس ترمب في 11 يناير (كانون الثاني) 2017، بعد فوزه، حاول أكوستا طرح سؤال على الرئيس المنتخب حول روسيا، وتجاهل ترمب السؤال، ودعا مراسلين آخرين لطرح أسئلة. ودخل أكوستا في جدال مع سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض، حول وصف ترمب للإعلام بأنه عدو الشعب. وكتبت ساندرز مقالات كثيرة في الإعلام الأميركي تدين تصرف أكوستا وتقول: إن «مراسل البيت الأبيض يجب ألا يتحول إلى ناشط سياسي». وقالت لصحيفة «واشنطن بوست» إن شبكة «سي إن إن» «وضعت أكوستا في موقف لا يمكن الدفاع عنه. لكن كلما أصبح أكوستا أكثر تحدياً زاد نسبة المشاهدة على القناة وعلى الإنترنت».
المناصرون لمبدأ عدم تجاوز المعايير الصحافية المهنية وإبداء الاحترام في طرح الأسئلة الصحافية على الرئيس قالوا إن ترمب لم يهاجم أبداً حرية الصحافة وإنما انتقد الأخبار المزيفة والأكاذيب في وسائل الإعلام التي تنشر الدعاية بدلاً من نشر الأخبار، ولم يقم أبداً بمنع أي برنامج أو وقف أي جريدة، ولم يتخذ أي إجراء ضد حرية هؤلاء الذين يكذبون من أجل لقمة العيش. وأشار البعض إلى أن تصريح العمل كمراسل صحافي في البيت الأبيض هو امتياز يُمنح للشخص وليس حقاً، ولذا يمكن وقف التصريح في أي وقت بسبب سوء السلوك، وهو ما حدث مع جيم أكوستا.
وقد شهدت واشنطن موقفاً مشابهاً منذ أكثر من 50 عاماً حينما أوقف البيت الأبيض أوراق اعتماد الصحافي روبرت شيريل مراسل مجلة «نيشن»، الذي كان معروفاً بتحدي السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين في ما يتعلق بحرب فيتنام. وعندما تقدم شيريل بطلب تصريح صحافي في البيت الأبيض عام 1966 خلال رئاسة الرئيس جونسون رُفض طلبه، وتكرر الرفض عام 1972 خلال إدارة نيكسون. وقال البيت الأبيض إنه يشكّل خطراً أمنياً، مما دفع الصحافي إلى رفع دعوى قضائية استمرت طويلاً وقررت محكمة الاستئناف في النهاية أن الدستور ينص على حرية الصحافة ويمنع وقف إصدار تصريح صحافي من البيت الأبيض لأي صحافي بشكل تعسفي، أو لأسباب غير مقنعة، وتم رفض وقف إصدار الاعتماد على أنه غير دستوري.
ويقول المختصون في المعايير المهنية إنه يجب أن يكون هناك توازن بين حق الصحافي وحدوده المهنية وبين واجب المسؤول ودوره وحدوده في الرد. وجادل البعض بأن ترمب يسدد هجمات إلى الصحافة لصرف الانتباه عن الأحداث والأمور المحرجة له. وجادل فريق آخر بأنه يتعين على كل المؤسسات أن تبذل قصارى جهدها لمنع الرئيس ترمب من تركيز الضوء على تصرف الصحافيين بدلاً من الاهتمام بالقضايا الرئيسية والأحداث التي تفرض نفسها وتثير أسئلة تحتاج إلى إجابات من قِبل المسؤولين في البيت الأبيض.
تقول ريبكا هاينز أستاذة الصحافة والإعلام، إن الصحافيين مثل جيم أكوستا متدربون تدريباً جيداً ولديهم عقود من الخبرة في ما يتعلق بالسلوك المهني. ويسأل الصحافيون أسئلة صعبة وأحياناً يضايقون الأشخاص الذين يقومون بإجراء مقابلات معهم لكنهم لا يفعلون ذلك ليكونوا أشخاصاً سيئين وإنما للحصول على الإجابات عن الأسئلة الصعبة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا خلافية مهمة.
من جانب آخر لم يشهد البيت الأبيض رئيساً أميركياً هاجم الإعلام مثلما فعل الرئيس ترمب، الذي وصف وسائل الإعلام بأنها العدو الحقيقي للشعب، وشارك في خطاب مناهض بشكل موسع ضد وسائل الإعلام. المشكلة هنا أن الإعلام وحرية الرأي وحرية الصحافة جزء لا يتجزأ من الديمقراطية الأميركية، ومنصوص على هذه الحرية في الدستور الأميركي، لأن وظيفة الإعلام هي الرقابة وتمييز الحقيقة حول القضايا المحلية والوطنية والدولية والنشر لتعريف الناس ومساعدتهم على اتخاذ قرارات.
نقطة أخرى تثيرها هاينز تتعلق بالطريقة التي قامت بها متدربة البيت الأبيض بنزع الميكروفون من يد أحد الصحافيين، إذ كان يمكن لموظفي البيت الأبيض اتخاذ طرق أخرى أكثر احترافية مثل قطع صوت الميكروفون الذي يحمله أكوستا على سبيل المثال. وتحذّر أستاذة الصحافة والإعلام من قبول رواية البيت الأبيض حول إساءة أكوستا إلى المتدربة، فهذا الاحتكاك لم يكن مناسباً ولم يكن خطأ أكوستا الذي كان يقوم بواجبه وليس خطأ المتدربة التي نزعت الميكروفون من يديه، فهي كانت تعتقد أنها تقوم بالوظيفة المطلوبة منها، وإنما كان خطأ من خلق هذه البيئة غير المواتية للتواصل مع الصحافيين، وتكرار وصف ترمب للصحافة بأنها العدو الحقيقي للشعب.


مقالات ذات صلة

مدير «إف بي آي» سيستقيل قبل تنصيب ترمب

الولايات المتحدة​ مدير «إف بي آي» كريستوفر راي (أ.ب)

مدير «إف بي آي» سيستقيل قبل تنصيب ترمب

 قالت شبكة «فوكس نيوز»، الأربعاء، إن مدير مكتب التحقيقات الاتحادي كريستوفر راي سيستقيل من منصبه في وقت ما قبل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

تقرير: «تايم» ستختار ترمب «شخصية العام»

قال موقع «بوليتيكو» على الإنترنت، اليوم (الأربعاء)، نقلاً عن 3 مصادر مطلعة، إنه من المتوقع أن تختار مجلة «تايم» دونالد ترمب «شخصية العام».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

اخترق مؤشر ناسداك مستوى 20 ألف نقطة يوم الأربعاء، حيث لم تُظهر موجة صعود في أسهم التكنولوجيا أي علامات على التباطؤ.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ سوريون يحتفلون بسقوط الأسد في شوارع دمشق في 8 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ما دور الناشطين السوريين بواشنطن في مرحلة ما بعد الأسد؟

«الشرق الأوسط» تستعرض آراء الناشطين السوريين في عاصمة القرار واشنطن، وتسألهم عن تقييمهم لسقوط الأسد ودورهم في المرحلة المقبلة.

رنا أبتر (واشنطن)

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
TT

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)

أظهر موقع «داون ديتيكتور» الإلكتروني لتتبع الأعطال أن منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» المملوكتين لشركة «ميتا» متعطلتان لدى آلاف من المستخدمين في الولايات المتحدة، اليوم (الأربعاء).

وأبلغ أكثر من 27 ألف شخص عن وجود أعطال في منصة «فيسبوك»، وما يزيد على 28 ألفاً عن وجود أعطال في «إنستغرام»، وبدأ العطل في نحو الساعة 12:50 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة.

وذكر موقع «داون ديتيكتور» أن «واتساب»، تطبيق التراسل المملوك لـ«ميتا»، توقف عن العمل أيضاً لدى أكثر من ألف مستخدم. وتستند أرقام «داون ديتيكتور» إلى بلاغات مقدمة من مستخدمين.

وربما يتفاوت العدد الفعلي للمستخدمين المتأثرين بالأعطال. وقالت «ميتا» إنها على علم بالمشكلة التقنية التي تؤثر في قدرة المستخدمين على الوصول إلى تطبيقاتها. وذكرت في منشور على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «نعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها بأسرع ما يمكن ونعتذر عن أي إزعاج».

وكتب بعض مستخدمي «فيسبوك» و«إنستغرام» على منصة «إكس» منشورات تفيد بمواجهتهم عطلاً يعرض لهم رسالة «حدث خطأ ما»، وأن «ميتا» تعمل على إصلاح العطل. وأدّت مشكلة تقنية في وقت سابق من العام الحالي إلى عطل أثّر في مئات الألوف من مستخدمي «فيسبوك» و«إنستغرام» عالمياً. وواجهت المنصتان عطلاً آخر في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنهما عادتا إلى العمل إلى حدّ كبير في غضون ساعة.