موسكو: التصعيد الإرهابي في إدلب يعرقل تطبيق اتفاق سوتشي

كثفت تحركاتها لحسم مصير مخيّم الركبان

TT

موسكو: التصعيد الإرهابي في إدلب يعرقل تطبيق اتفاق سوتشي

صعّدت موسكو لهجتها حيال نشاط الفصائل المتشددة في إدلب، واتهمتها بعرقلة تنفيذ الاتفاق الروسي - التركي على إقامة منطقة منزوعة السلاح. وبالتزامن مع انتقادات وزارة الخارجية الروسية لـ«جبهة النصرة» والفصائل المتحالفة معها، تحدثت وزارة الدفاع عن «تصعيد متواصل» تشهده مدينة إدلب خلال الأسبوعين الأخيرين. وحمَلت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا بقوة على «الإرهابيين الذين يعرقلون تنفيذ اتفاق سوتشي» ولفتت إلى «استفزازات يومية باتت المنطقة تشهدها».
ورغم إقرار الدبلوماسية الروسية بأن ثمة «نجاحات فعلية تحققت على الأرض على طول حدود مدينة إدلب»، فإنها استدركت في إيجاز صحافي أسبوعي أمس، أنه «من السابق لأوانه الحديث عن استكمال تطبيق اتفاق إقامة المنطقة منزوعة السلاح وسط استمرار الإرهابيين في تنفيذ استفزازات يومية».
وكان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان اتفقا خلال قمة جمعتهما في سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي على إجراءات تضمن التهدئة في منطقة إدلب، تشمل سحب عناصر الفصائل المسلحة والأسلحة الثقيلة كافة من شريط بعمق ما بين 15 و20 كيلومترا بحلول منتصف الشهر الماضي.
وتجنبت موسكو توجيه انتقادات إلى تركيا التي أخذت على عاتقها التزامات بدفع المعارضة السورية لتنفيذ الاتفاق. وأعلن الكرملين أكثر من مرة أن «أنقرة قامت بجهد كبير لتطبيق الاتفاق».
وفي مقابل المرونة التي أبدتها موسكو تجاه أنقرة، تصاعدت اللهجة الروسية تدريجيا ضد المعارضة السورية، وأعلنت وزارة الدفاع عدة مرات خلال الأسبوعين الأخيرين عن وقوع انتهاكات كبرى لنظام وقف النار من جانب الفصائل المسلحة. وأعلن «المركز الروسي للمصالحة»، أمس، أن 8 عسكرين سوريين جرحوا جراء قصف مسلحين لبلدة في محافظة اللاذقية.
وأشار رئيس المركز، الفريق فلاديمير سافتشينكو، إلى أن «المجموعات المسلحة غير الشرعية تواصل انتهاكاتها لنظام وقف الأعمال القتالية في منطقة إدلب، وتم رصد 4 عمليات قصف في المنطقة خلال الساعات الـ24 الماضية، بما فيها قصف بلدة خربة العروس بريف اللاذقية، الذي أسفر عن إصابة 8 من عناصر القوات الحكومية السورية بجروح».
بالتزامن، حملت وزارة الدفاع الروسية بقوة على واشنطن واتهمتها مجددا بعرقلة محاولات تطبيع الوضع حول مخيم الركبان السوري قرب الحدود الأردنية الذي يعيش فيه نحو 50 ألف لاجئ في ظروف صعبة. وأكدت موسكو، بعد أن سهلت أخيرا دخول قافلة مساعدات أممية إلى المخيم بعد مماطلة طويلة، أن «الوضع في مخيم الركبان كارثي».
وقال رئيس «المركز الوطني الروسي لإدارة الدفاع» ميخائيل ميزينتسيف الذي يترأس مركزا لإعادة اللاجئين السوريين أسسته موسكو قبل شهور، إن «رفض الجانب الأميركي ضمان أمن المنطقة حول قاعدة التنف، أخر وصول المساعدات الإنسانية إلى المخيم».
وزاد ميزينتسيف خلال اجتماع مشترك (ضم ممثلي وزارتي الخارجية والدفاع) لمركز إعادة اللاجئين عقد أول من أمس في موسكو، أن «ثمة حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لإيجاد حلول مبدئية لضمان عودة السوريين الذين وجدوا أنفسهم في ظروف معيشية بالغة الصعوبة في (الركبان) إلى أماكن إقامتهم الدائمة في سوريا».
لكن المناقشات التي دارت في اجتماع المركز الروسي أظهرت أن موسكو بدأت نشاطا مكثفا لتسوية الوضع في مخيم الركبان، بالتزامن مع تصعيد انتقاداتها لواشنطن؛ إذ أفاد ممثل وزارة الخارجية في الاجتماع إيليا مورغولوف بأن موسكو أطلقت نقاشا موسعا حول الموضوع مع الجانب الأردني، ومع الأميركيين. وزاد أن الحكومة الأردنية «أعربت عن موافقتها على العمل مع موسكو في إطار خريطة طريق لتفكيك وإغلاق مخيم الركبان». وأوضح أمام الاجتماع الذي حضره ممثلون عن الحكومة السورية أن «الجانب الأردني أكد، خلال جلسة مناقشات للمركز الروسي - الأردني المعني بقضية اللاجئين السوريين انعقدت في عمان يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اهتمامه بإزالة مخيم الركبان في أسرع وقت ممكن بعد نقل جميع اللاجئين والنازحين المقيمين فيه إلى سوريا».
وأوضح الدبلوماسي الروسي أن «الأولوية بالنسبة للأردن تكمن في إغلاق المخيم، الأمر الذي يتطلب، حسب الأردنيين، تكثيف العمل المشترك مع المقيمين هناك لا سيما من قبل السلطات السورية».
وأفاد بأن عمان ستستضيف بعد غد الأحد، اجتماعا مشتركا للمندوبين عن روسيا والأردن والولايات المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية لمناقشة الوضع في مخيم الركبان. وأشار ممثل الخارجية الروسية إلى أن «غياب نهج مشترك» للأطراف العاملة على حل قضية «الركبان» يعرقل التقدم في تسوية الملف، موضحا أن أطرافا عدة؛ بينها «برنامج التغذية العالمي»، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والولايات المتحدة، تدعو لتكثيف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المخيم، في حين يؤكد مندوب الأردن لدى الأمم المتحدة أن الأولوية لـ«نقل اللاجئين إلى سوريا في أسرع وقت ممكن». على صعيد متصل، اشادت وزارة الدفاع الروسية بما وصفت بأنها «نجاحات على صعيد عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم» وأشار ميزينتسيف خلال الاجتماع المخصص لمناقشة ملف اللاجئين، إلى أن أكثر من 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري عادوا إلى مناطقهم، بينهم 260 ألف لاجئ من خارج سوريا.
ولم يحدد المسؤول العسكري الروسي الفترة الزمنية التي استغرقتها عودة الأعداد التي تحدث عنها، لكنه أضاف أنه «خلال الأسبوع الماضي عاد 7028 مواطنا سوريا، بينهم 5241 شخصا من الخارج، و1787 شخصا من مناطق مختلفة داخل البلاد».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.