تهديد تركيا أكراد سوريا يضع أميركا في مأزق

TT

تهديد تركيا أكراد سوريا يضع أميركا في مأزق

هدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشن هجوم جديد لطرد الأكراد من مناطق شمال شرقي سوريا محاذية لبلاده، حيث للقوات الأميركية وجود بارز.
وتزامنت تهديدات أنقرة مع استهداف القصف التركي خلال الأيام الأخيرة مواقع لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية؛ العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، التي تقاتل المتطرفين إلى جانب واشنطن.
وسارعت الولايات المتحدة الأميركية، شريكة تركيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلى احتواء التوتر، في إطار سعيها للحفاظ على المقاتلين الأكراد، الذين يشكلون شريكاً رئيسياً لها في قتال تنظيم داعش.
وشنت القوات التركية، منذ عام 2016، هجومين عسكريين ضد القوات الكردية في سوريا، استهدف آخرهما منطقة عفرين في شمال محافظة حلب، وتمكنت من السيطرة عليها مع فصائل سورية موالية لها في مارس (آذار) الماضي.
وكرر إردوغان، منذ ذلك الحين، تهديده بالتقدم شرقاً داخل مناطق سيطرة الأكراد.
لكن محللين يقولون إن توقيت تهديداته الأخيرة يجعلها تبدو أكثر جدية الآن؛ حيث قصف جيشه مواقع عسكرية كردية في مناطق كوباني وتل أبيض، خصوصاً أن الظروف مواتية لأنقرة الآن على الساحة الدولية.
فعلى صعيد الملف السوري؛ أبرمت تركيا اتفاقية مع روسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي جنبت هجوماً كانت القوات السورية تعد له على إدلب (شمالي غرب)، آخر أبرز معاقل الفصائل المعارضة في البلاد.
وتحسنت علاقتها مع واشنطن بعد فترة من الفتور، بعد الإفراج عن القس الأميركي آندرو برانسون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويسعى إردوغان من خلال قصف المناطق الكردية في الشمال إلى اختبار مستوى تقبل الولايات المتحدة هجوماً محتملاً.
ويقول الباحث في «مركز الأمن الأميركي الجديد» نيكولاس هيراس، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنه يحاول معرفة إلى أي مدى يمكنه المضي في عملية عسكرية شرق الفرات قبل أن تعترض الولايات المتحدة».
وتصنف تركيا «وحدات حماية الشعب» الكردية جماعةً «إرهابية»، بينما تعدّها واشنطن حليفاً استراتيجياً في الحرب ضد تنظيم داعش.
ويسبب تصاعد اللهجة إحراجاً للولايات المتحدة، خصوصاً أن «قوات سوريا الديمقراطية» تسعى لإنهاء هجومها على آخر جيوب التنظيم في شرق سوريا، لكنها علقت عملياتها بعد القصف التركي.
ويقول الباحث في مركز «سنتشوري فاونديشن» آرون لوند: «الولايات المتحدة تشعر بالحرج؛ فهي تريد إنهاء الهجوم على التنظيم». وأضاف أن اعتماد الأميركيين على القوات الكردية في القتال ضد المتطرفين يعطي هذه القوات «تأثيرا كبيرا على القوة العظمى» الأميركية.
وبعد أيام قليلة من إعلان «قوات سوريا الديمقراطية» تعليق عملياتها العسكرية، قام الجنود الأميركيون بتسيير دوريات للمرة الأولى في المناطق الحدودية الكردية التي قصفها الجيش التركي.
كما سيرت القوات الأميركية والتركية أيضا دوريات مشتركة قرب مدينة منبج الشمالية في إطار «خريطة طريق» وضعها الحليفان لنزع فتيل التوتر.
وقال الباحث في الشؤون السورية فابريس بالانش: «إذا تنازلت الولايات المتحدة لتركيا، فلن يعود بإمكانها الاعتماد على الأكراد».
ويرى الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو أن تعليق القتال «رسالة واضحة» من «قوات سوريا الديمقراطية» إلى التحالف الدولي. وأشار الخبير إلى أنهم يقولون لهم: «نحن نقاتل معا، ونحن شركاء، وعندما نواجه تهديدات فعليكم صدها».
وقال جيفر أوغلو إن كثيراً من مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» المرابطين على جبهة دير الزور يتحدرون من بلدات يسيطر عليها الأكراد على الحدود التركية. وبين الخبير أن «منازلهم وعائلاتهم تعرضت للهجوم» وفي هذه الظروف «من الصعب التركيز على القتال؛ الصعب أساساً».
وتعرضت «قوات سوريا الديمقراطية»، بعد أن تمكنت من التقدم في مناطق عدة، لنكسة في نهاية أكتوبر الماضي بسبب الهجمات التي قام بها «الجهاديون» وسوء الأحوال الجويّة. وعدّ الباحث في «المعهد الأطلسي» آرون شتاين أن التنظيم سيخسر في نهاية المطاف وإن منحته التوترات مهلة، مشيرا إلى أن «التنظيم هزم عسكرياً ولو استمر بالمقاومة. إن الولايات المتحدة ستنهي المهمة في نهاية الأمر».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.