تشكيلي مصري يبرز الجمال الذي قضت عليه تغيرات أنماط الحياة

من لوحات المعرض
من لوحات المعرض
TT

تشكيلي مصري يبرز الجمال الذي قضت عليه تغيرات أنماط الحياة

من لوحات المعرض
من لوحات المعرض

«الفن مثل اللعب، واللوحة الفنية تشبه اللعبة»، فلسفة خاصة في عالم الإبداع يعكسها معرض «لعب اليوم»، للتشكيلي المصري الدكتور أشرف ذكي، الأستاذ بجامعة «فاروس» بالإسكندرية، الذي يحتضنه «غاليري ضي» للفنون بالقاهرة في الوقت الحالي.
يضم المعرض 80 لوحة، تتوزع أساليبها الفنية بين الأكاديمية والتكعيبية والسريالية، وبين ما تحمله من تنوع في الألوان والأشكال، واختلاف المضمون بين الجمال والخيال والإبداع.
يقول الفنان الدكتور أشرف ذكي لـ«الشرق الأوسط»: «في هذا المعرض اعتبر نفسي ألعب، مثل الموسيقي الذي يلعب بآلاته ليمتع جمهوره بالألحان؛ فهو لعب مفيد له مذاقه الخاص، كما أنه ليس لعباً ذا طابع رياضي، بل فني، فكما لعبتُ قديماً على شاطئ البحر أو في حواري الإسكندرية، التي أنتمي إليها، أحاول اليوم أن أنقل بصدق معالم هذه الأماكن، لكن برؤية خاصة؛ لذا كان اختياري اسم (لعب اليوم) للمعرض».
مع التجول بين معروضات وأعمال المعرض يمكن أن نلاحظ مفردات أخرى من الماضي عبّر عنها الفنان، مثل أدوات إعداد الشاي والقهوة، مثل «السبرتاية» والإبريق والفنجان، وفي جانب آخر الأسماك والقوارب والسفن. عن ذلك يقول ذكي: «هذا المخزون الفني بداخلي، إلى جانب الأحاسيس والعواطف والمشاعر حاولت أن أجسدها عبر اللوحات الفنية، لأعبر عن أهداف عدة، تماماً كالرياضة واللعب، فالفن مثل اللعب لا يُحصر في اتجاه واحد، بل له خطط وأساليب متنوعة».
ويستطرد: «أقوم بتدريس الفن لطلاب الفنون الجميلة، وأول هدف لي هو هدف تعليمي، حيث أحث الطلاب على عمل تكوينات فنية؛ فهذه المفردات التي أعبر عنها هي محاكاة للشكل عبر مخزون الذاكرة البصرية، فأنا أستثير فيهم تنمية الخيال، والإتقان في إنتاج عمل فني مميز، لإعادة الفنان الذي يبتكر ليس فقط على الأساس اللوني».
تحمل لوحات ذكي أيضاً، هدف الجمال، الذي قضى عليه تغير نمط الحياة الاجتماعي والاقتصادي؛ فهو يحاول أن يبسط للناس الفن وجمالياته من خلال مفردات بسيطة، وبخاصة تلك التي تتعلق بالبحر والشاطئ والأسماك، ولأجل تحقيق ذلك يبحر صاحب المعرض في عوالم المدارس الفنية الأكاديمية والتكعيبية والسريالية.
ويضيف: «لجأت في بعض اللوحات إلى الأسلوب الأكاديمي الناقل للواقع كما هو، كما لجأت إلى الأسلوب التكعيبي وكذلك السريالي، اللذين اعتبرهما ينتميان إلى أصول فرعونية، أعبّر بهما عن رؤى فنية بلا حدود ودون قيود؛ وهو ما أضفى تنوعاً حتى لا يمل الجمهور المتلقي».
يلجأ صاحب المعرض إلى الزخارف في لوحات أخرى، وهو بذلك يحمل هدفاً جديداً يتمثل في وجوب الاهتمام بحضارتنا والاعتزاز بها؛ فهو يلجأ إلى الزخارف الفرعونية والقبطية والإسلامية، بصفتها رموزاً يؤكد من خلالها على الهوية العربية والشرق أوسطية.

يذكر أن الفنان الدكتور أشرف ذكي حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون، ونال الكثير من الجوائز الفنية، أهمها حصوله هذا العام (2018) على جائزة بينالي «سوبياكو» في إيطاليا متفوقاً على فنانين من خمس وأربعين دولة، حيث يعد أول فنان عربي يتم منحه هذه الجائزة، كما نال جائزة من سمبوزيوم الفن المصري - الأردني 2018، والجائزة الأولى لورشة عمل في الأوبرا المصرية في عام 2013.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.