التحضيرات اكتملت لمصالحة جعجع ـ فرنجية وطي مآسي العقود الأربعة

رئيس «المردة» أطلع أهالي ضحايا «مجزرة إهدن» على ظروف التقارب مع «القوات»

الوزير والنائب الراحل طوني فرنجية (موقع المردة)
الوزير والنائب الراحل طوني فرنجية (موقع المردة)
TT

التحضيرات اكتملت لمصالحة جعجع ـ فرنجية وطي مآسي العقود الأربعة

الوزير والنائب الراحل طوني فرنجية (موقع المردة)
الوزير والنائب الراحل طوني فرنجية (موقع المردة)

أنجزت التحضيرات السياسية واللوجستية، الممهّدة للقاء الذي سيجمع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس «تيّار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية، وإنهاء الصراع التاريخي بينهما، ما يؤسس لمصالحة تزيل رواسب الماضي وتطمئن جمهور الفريقين بعدم العودة إلى الوراء. وشكّل اللقاء الذي عقده فرنجية مع أهالي الضحايا الذين سقطوا في «مجزرة إهدن» التي وقعت في العام 1978، الدلالة الأبرز على مضي الطرفين بالذهاب إلى مصالحة تاريخية.
الأجواء الإيجابية التي تسبق اجتماع الزعيمين المارونيين «اللدودين»، لا تقتصر على قيادات الطرفين والمحازبين، بل تنسحب على جمهورهما الذي يراقب عن كثب مآل المصالحة التي ستحكم علاقتهما في المستقبل. وأوضح القيادي في تيّار «المردة» النائب السابق كريم الراسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأرضية باتت جاهزة للقاء الذي سيجمع الوزير فرنجية والدكتور جعجع»، مشيراً إلى أن «الاجتماع المرتقب ليس الأول بينهما، إذ سبق والتقيا في بكركي برعاية البطريرك بشارة الراعي، وتبع ذلك تواصل دائم بين كوادر (القوات) و(المردة) في مناسبات عدّة».
وكانت «مجزرة إهدن» (شمال لبنان) وقعت في 13 يونيو (حزيران) من العام 1978، نتيجة هجوم شنته وحدة مقاتلة من «القوات اللبنانية» يومذاك، واستهدفت عائلة فرنجية، وقضى في تلك المجزرة 31 شخصاً من أبناء منطقة زغرتا وأنصار تيار «المردة»، أبرزهم الوزير طوني فرنجية (نجل الرئيس الراحل سليمان فرنجية ووريثه السياسي ووالد رئيس تيّار «المردة» الحالي سليمان فرنجية) وزوجته وطفلتهما، وذلك بسبب خلافات عميقة بين حزب «الكتائب اللبنانية» برئاسة بيار الجميل وقوات الحزب بقيادة نجله الرئيس الراحل بشير الجميل من جهة، وتيّار «المردة» برئاسة الرئيس سليمان فرنجية ونجله طوني من جهة أخرى.
وأشار الراسي إلى أن «الارتياح يسود الآن جمهور الحزبين على الأرض، ولم يعد هناك أثر لرواسب الصراعات الموروثة»، لافتاً إلى أن «لقاء فرنجية بأهالي الضحايا جرى خلاله توضيح للمراحل التي مرّت بها علاقة (القوات) و(المردة)، وشرح لهم أهمية المصالحة المسيحية والوطنية في تقارب الطرفين». وقال: «لم تكن عملية إقناع كلّ الناس بالمصالحة سهلة، وكان هناك تحفّظ وغضب من البعض»، لافتاً إلى أن «المستهدف بـ(مجزرة إهدن) كان طوني فرنجية وعائلته الذين قضوا فيها مع الآخرين، وبالتالي سليمان فرنجية هو أكبر المضحّين من أجل هذه المصالحة، والمطلوب من الدكتور جعجع مبادرة تعيد الاعتبار لذوي الضحايا».
ويأتي تقارب الفريقين، غداة اشتداد خصومتهما مع «التيار الوطني الحرّ» برئاسة جبران باسيل، الذي وصفه الرئيس ميشال عون بـ«المتصدّر للسباق الرئاسي»، لكنّ القيادي في «المردة» كريم الراسي، لفت إلى أن «التفاهم ليس هدفه المعركة الرئاسية المقبلة، بقدر ما يهدف إلى إزالة رواسب التاريخ الأسود بين الفريقين، وتطمين جمهورهما بعدم العودة إلى الوراء»، لافتاً إلى أن فرنجية «كان أول من بادر إلى التقرب من جعجع عندما اتصل بالأخير لحظة خروجه من السجن (في العام 2005)، وكانت ردّة فعل جعجع سلبية حينها»، مشيراً إلى أنه «إذا كانت المصالحة مفيدة في معركة رئاسة الجمهورية فهذا أمر إيجابي أيضاً»، ومشدداً على أن «التفاهم مع فرنجية سيكون أقوى وأصدق، وليس بحاجة إلى ورقة سريّة، كما حصل في (تفاهم معراب)».
ويحمّل تيار «المردة»، جعجع، مسؤولية «مجزرة إهدن»، ويؤكد أن الأخير كان قائداً للقوة العسكرية التابعة لـ«القوات اللبنانية» التي كانت الفصيل العسكري لحزب «الكتائب»، التي نفّذت الهجوم على إهدن، في وقت نفى جعجع هذا الأمر مرات عدّة، وأشار إلى أنه أصيب بيده إصابة بالغة عند أطراف مدينة إهدن، ونقل إلى المستشفى، ولم يكن مسؤولاً عن النتائج التي أسفرت عن ذاك الهجوم.
وترفض «القوات اللبنانية» اتهامات جرى تسويقها في هذا الملف، لكنها تحاذر الغوص فيها حتى لا تعكّر صفو المصالحة العتيدة. ويشدد مصدر في «القوات» لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الهدف الذي يعمل له الجميع، هو طي صفحة أليمة خرج المسيحيون فيها خاسرين»، مشيراً إلى أن «الاتصالات التي شهدتها الأسابيع والأيام الماضية، بددت الكثير من الالتباسات، وهي ستتوّج بلقاء الدكتور جعجع وسليمان فرنجية قريباً»، معتبراً أن «مصارحة فرنجية لذوي الضحايا الذين سقطوا في (مجزرة إهدن)، تعبّر عن شجاعة كبيرة لدى الرجل، وحكمته في العمل على تجاوز مرحلة أليمة يجب أن تبقى من الماضي».
واعتبر النائب السابق سليم كرم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التقارب بين (القوات) و(المردة) يسير بخطى ثابتة، وإن كانت بطيئة أو جزئية». ولفت كرم الذي كان عضواً في كتلة «المردة» إلى أن «هذه المصالحة تفرضها مصالح الطرفين، وهي تؤسس لتحالف رئاسي والوصول إلى الهدف الذي يريده كلّ من فرنجية وجعجع، المرشحين لرئاسة الجمهورية». وقال: «كما حصل تفاهم بين (القواتيين) و(العونيين) أفضى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، قد يحصل تفاهم مماثل بين (القوات) و(المردة) يفضي إلى انتخاب أحدهما رئيساً للبلاد، وبالتالي نحن أمام بوادر معركة رئاسية بامتياز».
وشدد النائب السابق سليم كرم، على أن «اللقاءات التي عقدها فرنجية مع ورثة الضحايا الذين سقطوا في (مجزرة إهدن)، تهدف إلى إقناع هؤلاء بالخطوة التي سيقدم عليها، وهي طي صفحة الصراع مع (القوات اللبنانية) المستمر منذ أكثر من أربعة عقود»، كاشفاً أن «بعض أقارب الضحايا يرفضون المصالحة». وقال إن هذا الأمر «تجلّى من خلال انكفاء نحو 40 في المائة ممن يوالون لآل فرنجية عن الانتخابات الأخيرة، بسبب اللقاءات التي حصلت بين قيادات الطرفين»، معترفاً بأن «المسيحيين لديهم مرض تاريخي وهو رئاسة الجمهورية الذي خرب البلد».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.