ديمقراطيو أريزونا يراهنون على التعليم والصوت اللاتيني لقلب موازين القوى

«الشرق الأوسط» تواكب الحملة الانتخابية الأميركية لمرشحين في ولاية جون ماكين

جانب من فعالية انتخابية لمرشحين ديمقراطيين في فينيكس («الشرق الأوسط»)
جانب من فعالية انتخابية لمرشحين ديمقراطيين في فينيكس («الشرق الأوسط»)
TT

ديمقراطيو أريزونا يراهنون على التعليم والصوت اللاتيني لقلب موازين القوى

جانب من فعالية انتخابية لمرشحين ديمقراطيين في فينيكس («الشرق الأوسط»)
جانب من فعالية انتخابية لمرشحين ديمقراطيين في فينيكس («الشرق الأوسط»)

خمسة مرشحين، وعشرات التلاميذ والأساتذة، ومئات اللافتات الانتخابية، اجتمعت صباح السبت على وقع أغاني تايلور سويفت وكاتي بيري في غرب مدينة فينيكس في ولاية أريزونا، قبل 3 أيام من انتخابات التجديد النصفي. والهدف تحفيز المتطوعين لدفع أكبر عدد ممكن من الناخبين للإدلاء بأصواتهم.
وكان في مقدمة لائحة المتحدثين في هذا التجمع الانتخابي الديمقراطي، مرشحة ولاية أريزونا لمجلس الشيوخ كريستن سينما، والمرشح لمنصب حاكم الولاية ديفيد غارسيا، والمرشحة لمنصب المدعي العام (وزير العدل) في الحكومة المحلية جانويري كونتريراس.
ولم يكن اختيار هؤلاء المرشحين مقر «منظمة أريزونا للتعليم» لإطلاق آخر جهود الحملة قبل اقتراع الثلاثاء صُدفة، بل جاء عن إدراك لقدرة الفاعلين في قطاع التعليم على تغيير الرياح السياسية لصالحهم.
وتُعدّ أريزونا ولاية «حمراء» في معظمها، فقد صوّتت لصالح المرشح الجمهوري ميت رومني بفارق 10 نقاط في سباقه على البيت الأبيض مع باراك أوباما عام 2012، ولصالح الرئيس دونالد ترمب بفارق 4 نقاط. ورغم الانتقادات الحادة التي كان يتبادلها مع سيناتور الولاية الراحل جون ماكين، فإن تغيّر التركيبة الديمغرافية في أريزونا، والارتفاع المتوقع لنسبة مشاركة الشباب الثلاثاء المقبل، يُقلّصان الفارق بين الديمقراطيين والجمهوريين في الانتخابات النصفية، ويُنذران بمفاجآت محتملة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
«لا أحد يُدرك أهمية التعليم والمشاركة السياسية أكثر من ديفيد غارسيا»، وفق إيان دانلي، مدير حملة المرشح الديمقراطي. ويضيف دانلي لـ«الشرق الأوسط» من وراء نظارات تقيه شمس أريزونا الحارة: «هذا الأستاذ في جامعة ولاية أريزونا، خريج نظام التعليم العام وخيرُ شاهد على ما سبّبه تقشف السنوات الأخيرة من تدهور في جودة التعليم بمختلف أنحاء الولاية».
سعى كل من الجمهوريين والديمقراطيين في أريزونا إلى استغلال الحراك الذي يقوده قطاع التعليم لتسجيل نقاط سياسية في السباق الانتخابي المحتدم. وتحوّل المعلمون والأساتذة والطلبة في هذه الولاية من ناخبين «صامتين»، إلى فاعلين سياسيين ذوي تأثير منذ أن رفضت الحكومة المحلية في أبريل (نيسان) الماضي مطالبهم بتحسين الأجور والاستثمار في المدارس والمناهج التعليمية، خاصة في المناطق الريفية، بسبب محدودية الميزانية المخصصة للتعليم. وعقب أكبر إضراب في قطاع التعليم في تاريخ الولايات المتحدة، شمل 50 ألف معلم وناشط في ولاية أريزونا، وافق مجلس الشيوخ المحلي على زيادة رواتب المعلمين بـ20 في المائة بحلول عام 2020. واستخدم الحاكم الجمهوري دوغ دوسي هذا القانون الذي وقّع عليه في أبريل لدعم حملة إعادة انتخابه.
تقول ماريا غونزاليس، وهي معلمة وعضوة سابقة في الحزب الجمهوري، إن ما قام به دوسي «خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست كافية». وتابعت وهي تحمل لافتة بنفسجية عليها شعار «غارسيا يدعمنا»، أن «الميزانية المخصصة للتعليم تراجعت منذ الانكماش الاقتصادي (عقب الأزمة المالية لعام 2008)، ما انعكس سلباً على مستويات تعليم أطفالنا. فكثير من أقسامنا مكتظة، وعشرات المعلمين استقالوا في السنوات الماضية احتجاجاً على الوضع الراهن. نحتاج إلى عمل المزيد».

الأصوات اللاتينية

يراهن ديفيد غارسيا على رسالته الانتخابية وحماسة أنصاره لقلب موازين القوى، والتغلّب على استطلاعات الرأي التي تضع منافسه الجمهوري في المقدمة بفارق كبير يصل إلى 13 نقطة، وفق توقعات موقع «ريل كلير بوليتيكس». ويقول غارسيا، لـ«الشرق الأوسط» بابتسامة عريضة إن «التحدي الرئيسي الذي نواجهه اليوم هو تحسين معدلات المشاركة وتحفيز الناخبين على التصويت». وأضاف هذا المرشح الذي يشارف على الخمسين، وهو يستعد لركوب حافلة انتخابية برفقة فريقه وزوجته وابنته: «أريزونا ولاية متنوّعة للغاية من حيث تركيبتها السكانية واهتماماتها، لكن هذا الاختلاف ليس معكوسا على مستوى ممثليها. هدفنا هو تغيير الوضع القائم، وتحقيق نسب تمثيل عادلة على المستويين المحلي والوطني».
وفي مسعى لتحسين فرص مرشحها، ركّزت حملة غارسيا بشكل أساسي على تشجيع التصويت بين الجاليات اللاتينية المعروفة بمستويات مشاركة متدنية عبر البلاد، إلى جانب أصوات الشباب الذين لا يهتمّون عادة بالانتخابات دون المستوى الرئاسي. واعتمد فريق غارسيا على أساليب تقليدية كالتجول في أحياء سكنية بحافلة انتخابية، وطرق أبواب ناخبين لاستطلاع آرائهم واهتماماتهم. وأكد دانلي أن حملته طرقت أبواب 70 ألف أسرة خلال الأسابيع الماضية. أما الأسلوب الثاني، فيقوم على توزيع الإعلانات السياسية، والاتصال بالناخبين هاتفيا وعبر وسائط التواصل الاجتماعي.
ويراهن الديمقراطيون في الجنوب الأميركي بشكل عام على الأصوات اللاتينية، خاصة أن الانتماءات الحزبية في الولايات المتحدة أصبحت مرتبطة أكثر فأكثر بالهوية العرقية. ويُصوّت 3 أرباع الناخبين اللاتينيين في أريزونا لصالح الديمقراطيين، فيما تذهب 60 في المائة من أصوات البيض إلى المرشحين الجمهوريين، وفق مجلة «بوليتيكو». كما يشير استطلاع رأي نشرته «بوليتيكو» و«أي أي آر بي»، أن 26 في المائة من ناخبي أريزونا اللاتينيين يدعمون أداء الرئيس ترمب، فيما يعارضه 72 في المائة منهم، ويدعم 22 في المائة فقط إعادة ترشيح دوسي الثلاثاء المقبل.
وفيما تركّز حملة الديمقراطيين، وفي مقدّمتها حملة سينما التي تنافس الجمهورية مارثا ماكسالي على مقعد السيناتور المتقاعد جيف فليك، على التعليم، يُوسّع الجمهوريون قاعدتهم الانتخابية عبر حملات عنوانها «مكافحة الهجرة غير القانونية».

أفكار جنونية

استفاد المرشحون الجمهوريون في الولاية المحاذية للمكسيك من خطاب الرئيس ترمب حول «اجتياح حملة المهاجرين الأراضي الأميركية». وصوّر الرئيس المرشّحة لمجلس الشيوخ سينما على أنها «متطرفة جدا» خلال تجمع انتخابي عقده في أريزونا قبل أسبوعين، كما وصف أي ناخب يصوّت لصالح «حزب الحدود المفتوحة» بـ«المجنون». وفي إطار جهود الساعات الأخيرة، كتب ترمب في تغريدة أمس: «إن سمحنا لسينما، فإن المخدرات والجريمة والتهريب ستنتشر في أريزونا بمستويات كبيرة. صوتوا لمارثا». وأثار الرئيس محاور مشابهة في تغريدة أخرى نشرها أمس لدعم دوغ دوسي، قال فيها إن «دوغ يقوم بعمل رائع. إنه قوي في (مواجهة) الجريمة و(حماية) الحدود والتعديل الدستوري الثاني. كما يحب جيشنا وقدامى المحاربين. صوتوا لدوغ، إنه يحظى بدعمي الكامل».
كما اتّجه ابن ترمب، دونالد جونيور، قبل أيام إلى أريزونا لتعزيز فرص المرشحة الجمهورية ماكسالي، التي أصبحت من أشد الداعمين للرئيس الأميركي بعدما هاجمته بقوة خلال حملته الانتخابية وبداية فترته الرئاسية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟