كان مدوّياً ما حصل في فرنسا اليوم (الثلاثاء) من تطورات وضعت إيران في ورطة حقيقية لا ينفع معها خطاب النفي، وهي كانت في غنى عنها بعدما أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات عليها اثر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، وعدم مجاراة حلفائه الأوروبيين له. أما الآن، وبعد ما استجد في فرنسا، فستجد طهران نفسها في موقف صعب جداً.
فعندما يكشف مصدر دبلوماسي فرنسي أن وزارة الاستخبارات الإيرانية "أمرت" بالتخطيط لاعتداء قرب باريس كان يستهدف تجمعاً لمعارضين إيرانيين في المنفى في 30 يونيو (حزيران) لكنه أُحبط، لا يكون الأمر مناورة أو رسالة مبطنة، بل هو إعلان لواقعة مثبتة حكماً.
وفي التفاصيل، قال المصدر الفرنسي نفسه إن "إدارة العمليات في وزارة الاستخبارات – الإيرانية - أمرت" بالاعتداء، وإن سعيد هاشمي مقدم هو من وجه الأمر المباشر للقيام بالعملية التي كانت تستهدف تجمعا لحركة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني في فيلبنت قرب باريس.
وفي وقت لاحق، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن "الاعتداء الذي أحبط في فيلبنت يؤكد الحاجة إلى نهج متشدد في علاقاتنا مع إيران".
وجاء في بيان لوزراء الخارجية والداخلية والمالية الفرنسيين: "تم إحباط محاولة اعتداء في فيلبنت في 30 يونيو الماضي. هذا العمل البالغ الخطورة على أرضنا لا يمكن أن يبقى بلا رد".
وأضاف البيان الرسمي: "بعيداً عن التأثير على نتائج الإجراءات الجنائية المتخذة ضد المحرضين والمنفذين والمتورطين في مشروع الاعتداء هذا، اتخذت فرنسا تدابير وقائية هادفة ومتوازنة على شكل تبني تدابير وطنية بتجميد أصول الإيرانيين السيد أسد الله أسدي والسيد سعيد هاشمي مقدم وكذلك إدارة الأمن الداخلي في وزارة الاستخبارات الإيرانية".
وأسدي المولود في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1971 في إيران، هو الدبلوماسي الذي كان معتمداً في فيينا وأوقف في ألمانيا للاشتباه بتورطه في قضية التخطيط المفترض لاعتداء فيلبنت. وسمح القضاء الألماني الاثنين بتسليمه الى القضاء البلجيكي.
وفوق هذا كله، اتخذت باريس خطوة دبلوماسية عميقة الدلالة، بتجميدها إرسال سفيرها الجديد إلى طهران، بما يجعل العلاقات بين الجانبين شبه مقطوعة عمليا.
عملية أمنية
والواقع أن اليوم شهد إطباقاً فرنسياً حاسماً على بنى تحتية أمنية لإيران على الأراضي الفرنسية، فقد أفادت الشرطة بأن حوالى 200 شرطي قاموا منذ الساعة السادسة (04:00 ت. غ) بـ12 عملية دهم وتفتيش في مقر "مركز الزهراء في فرنسا" ومنازل أبرز مسؤوليه. وأوضحت أن أسلحة ومواد أخرى صودرت، وأن 11 شخصاً أوقفوا أبقي 3 منهم محتجزين قيد التحقيق.
يذكر أن "مركز الزهراء في فرنسا" الكائن في بلدة غراند سانت في الشمال، هو أحد المراكز الشيعية الرئيسية في أوروبا. وقالت شرطة باريس إن العملية "تندرج في إطار التصدي للإرهاب"، مضيفة أن نشاطات المركز "تجري متابعتها بدقة بسبب تأييد قادته الواضح لمنظمات إرهابية كثيرة وحركات تروّج أفكاراً مخالفة لقيم الجمهورية".
نفي إيراني
ولم يكن مستغرباً أن تسارع إيران إلى نفي الاتهامات التي وجهتها فرنسا إلى الدبلوماسي الإيراني بالتورط في خطة 30 يونيو. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي في بيان: "ننفي مجددا وبشدة هذه الاتهامات وندين اعتقال الدبلوماسي الايراني ونطالب بإطلاق سراحه فوراً".
واعتبر البيان قضية فيلبنت "مؤامرة تتطابق مع اهداف النظام الاميركي والنظام الصهيوني لتخريب العلاقات الآخذة في التحسن بين إيران وأوروبا". ودعا "السلطات الفرنسية إلى التحلي بالواقعية حيال إيران"، محذراً "مرة أخرى من أيدي الأعداء الذين يسعون إلى تخريب العلاقات الطويلة الأمد بين إيران وفرنسا ودول أوروبية مهمة أخرى".