انتقادات لخطابي عباس ونتنياهو في الأمم المتحدة

أولمرت وباراك يهاجمان رئيس الوزراء الإسرائيلي «المغرور»... و«حماس» تعتبر أن الرئيس الفلسطيني يهدد المصالحة

يهود أميركيون يتظاهرون ضد دولة إسرائيل أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال إلقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلمته في الجمعية العامة أول من أمس (رويترز)
يهود أميركيون يتظاهرون ضد دولة إسرائيل أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال إلقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلمته في الجمعية العامة أول من أمس (رويترز)
TT

انتقادات لخطابي عباس ونتنياهو في الأمم المتحدة

يهود أميركيون يتظاهرون ضد دولة إسرائيل أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال إلقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلمته في الجمعية العامة أول من أمس (رويترز)
يهود أميركيون يتظاهرون ضد دولة إسرائيل أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال إلقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلمته في الجمعية العامة أول من أمس (رويترز)

حظي الخطابان اللذان ألقاهما في الجمعية العامة للأمم المتحدة كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بردود فعل رافضة ومتذمرة في الجانبين. ففي إسرائيل انتقد اليمين الحاكم خطاب عباس وامتدح خطاب نتنياهو واعتبره «أقوى خطاب لقائد إسرائيلي عبر التاريخ»، فيما هاجمه اليساريون والليبراليون معتبرين أنه «متبجح ومغرور». وفي الجانب الفلسطيني، اعتبر قادة السلطة وإعلاميون خطاب نتنياهو استفزازياً وخطاب عباس قوياً وصادقاً، فيما اعتبرت حركة حماس كلام الرئيس الفلسطيني تهديداً للمصالحة و«استنساخاً للفشل».
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور صائب عريقات، إن «نتنياهو اعتلى درجة أخرى في مستوى أكاذيبه وتحريضه، في كافة المواضيع التي تناولها خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة».
وبدا أن الإسرائيليين يجمعون على الإشادة بنتنياهو على ظهوره «القوي والجذّاب» في الصحافة الغربية وأمام السياسيين والرأي العام، خصوصاً فيما يتعلق بإيران، وما كشفه للعالم عن المنشأة النووية السرية في طهران وغيرها، ولكن انتقادات واسعة سمعت ضده أيضاً، خصوصاً عندما وضع قضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني كقضية جانبية. وهاجمه بشكل خاص رئيسا الحكومتين الإسرائيليتين الأسبقان. فقال إيهود أولمرت: «لقد نفذت عمليات بطولية في عهد رئاستي للحكومة. بعضها تبدو كالخيال تحسبها قصص فيلم سينمائي، لكننا لم نركض إلى المنابر لنتحدث عنها». وقال إيهود باراك: «نتنياهو يظهر أمام العالم متبجحاً مغروراً وهو بذلك يسيء لإسرائيل أولاً ويجعلها محطاً للكراهية. لكن الأهم أنه لا يبشر بأي أمل للمواطنين. يشيد ببطولات حربية ويعد بمزيد منها، وينسى أن الناس انتخبوه ليصنع السلام». ولخص باراك: «خطاب نتنياهو لامع على المستوى الفني والقريب ونتائجه مدمرة استراتيجياً».
وأبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية ما قاله مسؤول في الاستخبارات الأميركية لوكالة «رويترز» للأنباء، حول ما أظهره نتنياهو من بطولات، فقال إن «المعلومات التي طرحها مضللة قليلاً. فأولاً، نحن نعرف عن هذه المنشأة (في طهران) منذ فترة. وهي مليئة بالخزائن والأوراق، وليس بأنابيب الألمنيوم الموصولة بأجهزة طرد مركزية. ثانياً، مثلما يعرف الجميع، لا يوجد فيها أي شيء يمكن أن يسمح لإيران بالخروج من الاتفاق النووي بسرعة». وقال مسؤول أميركي آخر للوكالة نفسها، إن الولايات المتحدة تعلم بشأن المنشأة التي «كشفها» نتنياهو، وهي عبارة عن «مخزن» يتم فيه الاحتفاظ بـ«وثائق وأرشيف» للبرنامج النووي. أي أن المكان معروف لأجهزة الاستخبارات ونتنياهو لم يكشف شيئاً.
ووجه معلقون عديدون انتقادات لنتنياهو، فكتب المراسل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شمعون شيفر، إن الاستنتاج المطلوب في أعقاب خطاب نتنياهو، وتأكيده أن إيران مستمرة في محاولة التسلح نووياً، وأن «حزب الله» يملك خطة لإطلاق صواريخ دقيقة باتجاه إسرائيل، يعني «أننا نقف على عتبة الحرب». واعتبر أن استمرار إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، في انتهاج «سياسة مواجهة» مع إيران يمكن أن يؤدي إلى مقتل «الآلاف». وشدد على ضرورة الاستعانة بـ«الدول العظمى كي تتوصل إلى تسوية مع إيران. ليس لدى إسرائيل وحدها الوسائل والقدرات لمنع طهران من الحصول على القنبلة».
وحذر شيفر من أن نتنياهو يضع كل رصيده في أيدي الرئيس دونالد ترمب، ويقود إلى الانفصال عن أوروبا بشكل كامل، على اعتبار أنها «متسامحة» مع إيران. وشدد على أنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن «نتنياهو حصل على حبة دواء مهدئ عندما كرر ترمب القول إنه يفضّل حل الدولتين. وثمة أهمية هنا أيضاً للإشارة إلى خلاصة الأمر: لا توجد خطة حقيقية لدى الأميركيين. وكافة الأقوال حول (صفقة القرن) ليست جدية. كما أنه لا توجد أي مبادرة من جانب نتنياهو لوضع أفق للحل. ونتنياهو يؤمن بأن استمرار الوضع الحالي في المناطق (المحتلة) جيد لإسرائيل».
ورأى مراسل صحيفة «معريب» في نيويورك، شلومو شمير، أن «رسالة نتنياهو ضد إيران هي عملية إعلان حرب، وتصريح واضح ومتشدد، لا لبس فيه، بأن إسرائيل لن توقف جهودها السرية والعلنية بهدف إحباط ولجم تطلعات إيران لتطوير سلاح نووي». وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اعتبر شمير أن «نتنياهو فنّد وسخّف الاتهامات لإسرائيل بأنها نظام (أبارتهايد)، ولم يتردد في وصف عداء الأمم المتحدة لإسرائيل بأنه عداء للسامية. لكن ما كان ناقصاً في الخطاب، هو تصريح واضح حول استعداد إسرائيل لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة».
أما خطاب عباس، فقد قابلته حركة حماس بتحميله كل التبعات المترتبة على أي خطوات قد تستهدف قطاع غزة. ووصفت الحركة، في بيان، خطاب عباس «بأنه خطاب مكرور يستعرض الحالة التي أوصلت الفلسطينيين إليها سياساته». وقالت الحركة «إن وصف المقاومة من على منبر الأمم المتحدة بأنها ميليشيا وإرهاب، ورفضه لسلاحها، هو طعنة نجلاء في خاصرة الشعب وتاريخه ومقاومته وشهدائه، وهدية مجانية للاحتلال».
ورأت الحركة أن الخطاب كان في «مجمله خطاباً مكرراً يستعرض الحال الذي وصلت إليه القضية بفعل سياسات الرئيس، ونتيجة أخطائه في عدم توقع سلوك الأطراف المختلفة رغم تحذيرات كل الفصائل». واعتبرت أن دعوة عباس للاستمرار في مسار المفاوضات ما هو إلا «استنساخ للفشل ومضيعة للوقت، وفرصة ممنوحة للاحتلال يستغلها لتغيير الواقع السياسي عبر الاستيطان والتهويد وغيره».
واتهمت الرئيس الفلسطيني بأنه استخدم منبر الأمم المتحدة لإعلان «الانفصال» عن قطاع غزة، وتهديد أهله وسكانه بالمزيد من العقوبات، ما يشكل «خطراً على النسيج الوطني الفلسطيني ومستقبل المصالحة»، وفق البيان.
من جانبها، وصفت «الجبهة الديمقراطية» خطاب عباس بأنه كان دون ما ينتظره الفلسطينيون بالإعلان عن تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني حول قطع العلاقات مع إسرائيل، معتبرة أن الخطاب خالف تلك القرارات. وشددت على ضرورة أن يقوم الرئيس عباس بـ«استنهاض المقاومة الشعبية الشاملة والتحول إلى حالة من العصيان الوطني ونقل القضية إلى المحافل الدولية لنزع الشرعية عن الاحتلال».
أما «الجبهة الشعبية» فرأت أن الخطاب كان «باهتاً ومخيباً للآمال»، ولم يكن بمستوى «التحديات الجسيمة» للقضية الفلسطينية. واعتبرت أنه استند إلى أسس مكررة مرتكزة على برنامج يؤمن بالتسوية والمفاوضات، وهو ما «ثبت فشله» من خلال التجربة على مدار ربع قرن.
واعتبرت خطابه بشأن غزة لا يساهم إطلاقاً في دفع عجلة المصالحة، بل يزيد من حالة الشرذمة، مشددة على ضرورة دعوة الإطار القيادي المؤقت بصورة عاجلة من أجل إطلاق حوار وطني شامل جاد.
ودعت الرئيس عباس إلى الإجماع الوطني والتحرك وفق خطة واستراتيجية وطنية موحدة تؤمن عبور الفلسطينيين إلى مرحلة جديدة، بدلاً من الرهان على المفاوضات والحلول المجربة والفاشلة، وفق بيانها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».