سيكون الملف الليبي عنواناً رئيسياً في الكلمة التي سيلقيها اليوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما سيكون أحد محاور المحادثات التي سيجريها على هامش أعمال الجمعية العامة مع عدد من المسؤولين، كالرئيس الأميركي دونالد ترمب، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
واستبقت مصادر الإليزيه الخطاب الرئاسي، وكذلك الاجتماع الوزاري الذي التأم أمس في الأمم المتحدة، بحضور ممثلي الدول الدائمة العضوية والجامعة العربية وإيطاليا، إضافة إلى عدد من دول المنطقة والمنظمات الدولية، بتوضيح موقف باريس من التطورات الحاصلة في ليبيا، ومن الاستحقاقات التي تم الالتزام بها، خصوصاً بمناسبة المؤتمر الذي استضافته العاصمة الفرنسية في 29 مايو (أيار) الماضي.
وكان واضحاً أن باريس تسعى للتقليل من أهمية اختلاف مقاربتها عن المقاربة الإيطالية، والتأكيد على أن البلدين «يسيران على خط واحد»، وأنهما متفقان على أمرين أساسيين: الأول، التأكيد على دعم مهمة الأمم المتحدة في ليبيا، ومبعوث الأمين العام غسان سلامة. والثاني، التمسك بـ«وحدة الموقف الدولي» إزاء الملف الليبي.
وأضافت هذه المصادر أن هناك «حاجة ملحة» لإبراز وحدة الموقف الدولي إزاء توفير الأمن لليبيا. ويتمثل ذلك بمحاربة التنظيمات الإرهابية من جهة، ومن جهة ثانية الضغط بالوسائل كافة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في طرابلس. وفي هذا السياق، فإن وزير الخارجية الفرنسي دعا أمس إلى «إبداء مزيد من الحزم حيال الذين يرغبون بفرض الأمر الواقع لمصلحتهم الخاصة» في ليبيا، واللجوء إلى عقوبات «ضد الجماعات المسلحة التي تهدد طرابلس».
وحقيقة الأمر أن باريس تنتابها شكوك لجهة التزام الأطراف الليبية بقرارها في مؤتمر باريس إقرار قانون انتخابي في مجلس النواب، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وكانت هذه النقطة تحديداً مصدر اختلاف في الرؤى بينها وبين روما. وكان من المقرر أن تستضيف اجتماعاً أواسط هذا الشهر لتقويم ما تحقق وما لم يتحقق، إلا أن ما جرى ويجري في طرابلس أطاح به.
من هنا، فإن المصادر الرئاسية (وكذلك وزير الخارجية) تندد بقوة بوجود «مجموعة من الأطراف الفاعلة» التي تسعى إلى نسف المسار السياسي «لأن لها مصلحة في الوضع القائم، والاستفادة مالياً من نظام تغلب عليه المنافع، وينخره الفساد». وفي المقابل، تعتبر باريس أن قطاعات واسعة من الشعب الليبي، وعلى رأسها القبائل، تريد تقدم المسار السياسي، وعنوانه الأول الدستور والانتخابات.
ويبدو واضحاً أن استمرار الوضع الأمني على تدهوره، خصوصاً في العاصمة، لا يشجع كثيراً على توفير الظروف المثلى لإجراء الانتخابات التي تتطلب بداية قانوناً انتخابياً. والحال أن مجلس النواب الموجود في طبرق عجز حتى اليوم عن التوافق على إقرار مثل هذا القانون. ومن هنا الزيارات المتكررة التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي إلى ليبيا لدفع الأطراف الفاعلة للاستمرار في العملية السياسية التي «استثمر» الرئيس ماكرون فيها كثيراً. كذلك، فإن باريس تريد أن يحقق غسان سلامة نتائج عجز المبعوثون السابقون عن تحقيقها؛ والطريق إلى ذلك عبر الانتخابات، لتوفير شرعية جديدة لا نزاع حولها، بعكس ما هو حال الوضع الراهن، حيث تتنافس حكومات وميليشيات، ولا أحد يعترف بالآخر.
وعند سؤال المصادر الفرنسية عن حظوظ الوصول إلى إقرار قانون انتخابي، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، تبدو الشكوك واضحة لديها، إذ تعتبر أن هذا المشروع أصبح «أمراً صعباً، تحديداً بسبب المستفيدين من الوضع القائم، ورفضهم الخروج منه». من هنا، مطالبة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بمزيد من «الشدة» في التعامل مع هؤلاء، و«فرض عقوبات على الميليشيات التي تهدد طرابلس»، ودعوة المصادر الرئاسية المسؤولين والسياسيين الليبيين إلى «تحمل مسؤولياتهم، وإنفاذ ما التزموا به»، وإعادة التأكيد على ضرورة أن تظهر الأسرة الدولية «متحدة» في مقاربتها للملف الليبي.
وقد تساعد هذه المواقف على التقريب بين باريس وروما، رغم «التوتر» الذي يشوب علاقات البلدين بسبب ملف الهجرات. وخلال الأسابيع الماضية، تعاقبت زيارات المسؤولين في البلدين إلى ليبيا، وكل يروّج لرؤيته للحل. وما زالت روما مصرة على استبعاد فكرة الانتخابات قبل نهاية العام، بانتظار توافر ظروف أفضل لإجرائها. وكان وزير الخارجية الإيطالي قد أعلن، في 12 سبتمبر (أيلول) الحالي، أن بلاده «لا تسعى للاشتباك مع فرنسا» بشأن ليبيا، وهو موقف دبلوماسي لا يشبه الاتهامات التي وجهها وزير الداخلية زعيم اليمين المتطرف الإيطالي ماتيو سالفيني إلى باريس بداية الشهر نفسه، من دون تسميتها، باعتبار أنها «تهدد استقرار شمال أفريقيا، لا بل أوروبا، لأسباب اقتصادية خاصة بها». ولمزيد من الوضوح، أضاف الوزير الإيطالي أنه يفكر بـ«جهة ذهبت للحرب في ليبيا، حيث لم يكن لها أن تذهب، وبجهة تحدد تواريخ للانتخابات من دون أن تخطر حلفاءها أو الأمم المتحدة والليبيين».
وكان سالفيني يشير بذلك إلى «القمة» التي نظمتها فرنسا صيف 2017، بين قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، من غير دعوة جهات أخرى، ما اعتبرته روما سحباً للبساط من تحت رجليها لإبعادها عن الملف الليبي، رغم علاقتها الوثيقة بطرابلس، ورغم كونها الباب الذي يعبر منه المهاجرون واللاجئون من ليبيا إلى أوروبا. وتتهم روما باريس بأنها تدعم حفتر، بينما هي تراهن على السراج.
وتريد إيطاليا تنظيم مؤتمر، أواسط نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في جزيرة صقلية، بحضور الأطراف الليبية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، ربما لاستعادة المبادرة، والرد على «التفرد» الفرنسي بالملف.
«شكوك» فرنسية إزاء موعد الانتخابات الليبية
لودريان طالب بعقوبات على ميليشيات طرابلس... وروما تخطط لمؤتمر موسع
«شكوك» فرنسية إزاء موعد الانتخابات الليبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة