11 سبتمبر... العيد الحركي لتنظيم «القاعدة»

الظواهري محاولاً بيع إرث بن لادن في أسواق العنف المزدحمة

الظواهري وابن لادن
الظواهري وابن لادن
TT

11 سبتمبر... العيد الحركي لتنظيم «القاعدة»

الظواهري وابن لادن
الظواهري وابن لادن

خرج أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، دون أن يفاجئ أحداً على مستوى التوقيت، فالكل مترقب؛ الأتباع والمناصرون ووسائل الإعلام والمحللون الاستراتيجيون، إذ جرت العادة أن يستثمر التنظيم الإرهابي مناسبة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، للتأكيد على تسيده المشهد العنفي، في سنوات خلت، ثم على بقائه على قيد الحياة إبان صعود تنظيم داعش، واليوم على وقع انكسارات الخلافة «الداعشية» تنبعث «القاعدة» مجدداً في مناطق متعددة، وتحاول أن تأتي بالجديد لملء الفراغ الذي سببه خفوت الصوت «الداعشي» وانحساره.

بعد سبعة عشر عاماً على «حدث الأحداث»، كما تحرص الولايات المتحدة أن تبقيه في صدارة الذاكرة الجمعية، باعتباره حدثاً كونياً، وبالجذوة والحماسة نفسها يحرص تنظيم القاعدة على إعادة الاعتبار لغزوته الأضخم في مسيرته الطويلة، وتحولاته من تنظيم جمع شتات العرب وميّزهم عن الأفغان إلى ابتلاع لتيارات جهادية مسلحة محلية، ثم لقاء بن لادن والظواهري، والاتفاق مع قادة عسكريين على تصدير الثورة «القاعدية»، وجعلها تياراً معولماً يستهدف جغرافيا العالم، ويعبر انتحاريوه الحدود ويتمركزون في شكل تنظيمات صغيرة ومعسكرات تجنيد في كل قارات العالم.
تنظيم القاعدة بعد رحيل بن لادن خسر رمزية الشخصية، ليعود الظواهري ويحقنها في الحدث (11 سبتمبر) ليتحول إلى ما يشبه العيد الحركي للتنظيم، كما هو الحال في أعياد مشابهة لتنظيمات راديكالية ثورية، لكنها سرعان ما تحيلها إلى أعياد استقلال وطنية، في حين أن تنظيم القاعدة يستلهمه كمحرك لإعادة شرعيته في الساحة العنفية «الجهادية»، خصوصاً في مناطق التوتر في العراق وسوريا التي ساهم بقاء تفجر الأوضاع فيها في ولادة تنظيمات عديدة محلية تحاول النأي عن «القاعدة» و«داعش»، كي لا تدخل بوابة الشهرة وهو ما يعني الاستهداف والتوصيف القانوني بالإرهاب. زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري يجتهد في تعويض كاريزما بن لادن وكلماته المرتجلة ذات التأثير النفسي البالغ على أنصاره، بأن يصور فيديوهات يقرأ فيها من شاشة أمامه، حيث تفضحه عيناه وهو يحاول التحديق في الكلمات، لكن محتوى هذه الكلمات، سنة بعد سنة، وبحسب وضعية تنظيم القاعدة على الأرض، يتصاعد على مستوى دقة الرسائل التي يوجهها ودخول شرائح جديدة من المستهدفين بخطابه، كما رأينا في هذا العام.
كلمة الظواهري هذه السنة، ربما كانت أهم كلماته وأكثرها تضميناً للرسائل المبطنة، فهو خطاب حركي نموذجي على مستوى اللغة بتقديم رسائل مزدوجة وإيصال رسائل متنوعة لشرائح مختلفة، إضافة إلى أنه بُني على استراتيجية واضحة في اختيار المفردات والخطاب، وهو ما يرقى به من مجرد خطاب ردة الفعل إلى خطاب تأسيس الفعل والتحريض على اتخاذ موقف، كما هو الحال في خطابات زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن، وإن كان الظواهري يفتقد الكثير من الرمزية والكاريزما على مستوى الإلقاء واللغة الجسدية.
الظواهري في خطاب هذه السنة استبدل ذكر أحداث 11 سبتمبر بالتذكير بالهجمات الأميركية على أفغانستان في استثمار لحالة التردي في الحالة الأفغانية، الذي ما زال مستمراً مع فشل في السيطرة على حركة طالبان، أو تقليم أظافرها، وجرها إلى طاولة الحوار.
وحين عرج على تحليل العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، لجأ إلى استخدام مفردات الخطاب الأصولي السياسي، مذكراً بصدام الحضارات، وأن الحرب دينية صليبية، وليست سياسية أو اقتصادية، وأنه يجب أن يتضافر الجميع حتى من لا يؤمن بـ«القاعدة» في التصدي لهذه الحملة الشرسة ضد الإسلام، حسب قوله، داعياً ولأول مرة زعماء المسلمين، وهي لفظة هجينة على خطاب «القاعدة»، الذي لا يعترف بشرعية أي دولة إسلامية، وربما هذا الإبهام هو محاولة لفتح باب التأويل تجاه تحول موقف «القاعدة» من إردوغان تحت ضغط الشعبية الكبيرة داخل الإسلام السياسي وجماعة «الإخوان» الأم الرؤوم لـ«القاعدة» والتنظيمات العنفية التي انشقت عنها، لا سيما أن إشارة الحرب الاقتصادية تحيل إلى تحليلات إسلاموية مجنحة تجاه أزمة «الليرة التركية».
في الخطاب ذاته، دعا الظواهري «المجاهدين» إلى الانتقال إلى شمال غربي أفريقيا، وليس أفغانستان، ولفظة «المجاهدين» عادة ما يشير بها الظواهري إلى شريحة «العائدين من أفغانستان»؛ هذه الشريحة التي تعتبر رأس مال «القاعدة»، بعد أن أخفقت في تجنيد الأجيال الجديدة من المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية، التي عادة ما تميل إلى منافس «القاعدة»، تنظيم داعش الأكثر وصولاً إلى هذه الفئة، عبر قدرته على الاستقطاب الرقمي، وقطيعته مع مفهوم «المرجعية» أو حتى رمزية قادة «الجهاد»، طلب الظواهري منها السفر إلى المنطقة الجديدة التي تستثمرها «القاعدة»، وهي شمال غربي أفريقيا بشكل أساسي.
اللافت في كلمة الظواهري أنه لم يتحدث عن أحداث سياسية، أو قضايا تحشيدية متصلة بنشاط تنظيم القاعدة في مناطق التوتر، أو التعليق على جديد الأزمات المتصلة بتلك المناطق في العراق وسوريا وشمال غربي أفريقيا، بل أشار إلى حدثين أساسيين لا يتماسان مع تأثير التنظيمات الإرهابية، وهما: أزمة نقل السفارة إلى القدس، وأزمة الروهينغا، ويعود ذلك في هذا التوقيت إلى استثمار كل الأحداث الساخنة التي تحظى بتعاطف عدد أكبر من الشرائح يتجاوز حتى العالم الإسلامي، باعتبار أنها مظالم؛ لكثيرٍ من الدول والأحزاب والجمعيات الحقوقية موقفٌ أخلاقيٌ وإنسانيٌ منها.
الظواهري، في كلمته، خالف السائد لدى تنظيم القاعدة من عدم التعرض لملالي طهران التي تحتضن قيادات التنظيم الشابة، ومنها نجل بن لادن، فقام بالهجوم على إيران عبر نقد مشروع الحوثيين باعتباره جزءاً من المشروع الصفوي، كما وصفه، لكنه عاد ليحمل الولايات المتحدة الأميركية السبب في بقاء الحوثيين في اليمن، وأنها تدعمهم رغم عداء الحوثيين لهم، وترديدهم «الموت لأميركا»، وأبعد من ذلك اعتبر أن الأزمة السورية هي أيضاً مخطط أميركي، وما إيران وروسيا و«حزب الله» إلا أدوات للمخطط الصليبي في المنطقة الذي تقوده أميركا حصراً. ورغم سذاجة مثل هذا التناول السياسي وسطحيته، لكن الظواهري وغيره من قيادات ومنظري «القاعدة» يصرّون عليه لأسباب استراتيجية تتصل بتركيز الاستهداف، وتوحيد الجهود ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، واعتبارهم عدوها الأول، كما أن توحيد منطق «الاستعداء» والتركيز على استهداف أميركا أكثر تأثيراً عند أنصار «القاعدة» وأجدى في استقطاب المقاتلين والكوادر الجديدة.
على مستوى اللغة، استخدم أيمن الظواهري، في كلمته المكتوبة والمعدة سلفاً، لغة مغايرة للغة «القاعدة» أو منافسه تنظيم داعش، فهو يبتعد عن العبارات اليقينية والحاسمة، ويحاول استخدام الأسلوب الحجاجي الفكري أو التحليلي، وتتكرر عبارات وأساليب غير مألوفة، فالعنوان يطرح سؤال: كيف نواجه أميركا؟ وفي المتن نعثر على عبارة «فهم طبيعة عداء الكفار».
خطاب الظواهري يعكس محاولة حثيثة منه لإبقاء جذوة «القاعدة» مشتعلة على مستوى الإعلام الذي يرى، كما قال ذات مرة، أن نصف معركة «المجاهدين» تكمن فيه، وهو بهذا التنقل بين القضايا والمواقف والرسائل المزدوجة واللغة ذات الطابع السياسي يريد أن يقدم تنظيم القاعدة ككيان مستقل له رأيه في الأحداث السياسية معلقاً وشارحاً ومحذراً، معتمداً على إرثه التاريخي الذي كانت ذروته تفجير برجي التجارة، في محاولة لبيع تلك الصورة التي ما زالت عالقة في الأذهان ودلالاتها المكثفة في سوق العنف المزدحم جداً بالتنظيمات ومناطق التوتر وبؤر الفوضى.


مقالات ذات صلة

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التقى حليفه دولت بهشلي الخميس الماضي وسط تأكيدات عن خلافات بينهما (الرئاسة التركية)

حليف إردوغان استبعد الخلاف معه... وهاجم مَن يخدمون «أولاد بايدن» بالتبني

أشعل رئيس حزب «الحركة القومية»، شريك حزب «العدالة والتنمية» في «تحالف الشعب»، جدلاً جديداً حول حلّ المشكلة الكردية في تركيا، ونفى وجود أي خلاف مع الرئيس إردوغان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.