يحبس العالم أنفاسه ترقبا لمعركة إدلب التي يخشى كثيرون من أنها قد تكون أسوأ كارثة إنسانية في هذا القرن. وفي ظل إدراك مسلحي المعارضة في المحافظة الواقعة شمال غربي سوريا، والتي تعد المعقل الأخير لهم في البلاد، أن هذه المعركة ستكون على الأرجح هي الأخيرة لهم، تزداد التساؤلات حول مدى قدرتهم على الصمود في وجه قوات النظام ومن ورائهم روسيا وإيران، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الألمانية من القاهرة.
المعارضة المسلحة، التي توصف بـ«المعتدلة»، وعلى لسان النقيب ناجي مصطفى المتحدث الرسمي باسم «الجبهة الوطنية للتحرير» تؤكد استكمال استعداداتها لاحتمال انطلاق المعركة في أي لحظة.
وشدد مصطفى، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية: «سنصمد وسنعمل على نقل دفة المعركة من الدفاع للهجوم... وضعنا الكثير من الخطط للتعامل مع كافة السيناريوهات... كما استعددنا للدور الذي سيلعبه سلاح الطيران الروسي أو محاولة تقسيم المحافظة لأكثر من منطقة ومحاصرة تلك المناطق تمهيدا لإضعافها وإسقاطها تدريجيا كما حدث في مناطق أخرى».
وحول إمكانية أن تتعاون الجبهة، المدعومة من تركيا، مع «هيئة تحرير الشام» والتي تشكل جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) عمودها الفقري، قال المتحدث: «التطورات العسكرية هي التي ستقرر الخطوات بأرض المعركة... ونحن بالجبهة الوطنية لدينا ما يقرب من 80 ألف مقاتل».
وتأسست الجبهة الوطنية من قبل 11 فصيلا من فصائل «الجيش الحر» في شمال غربي سوريا، أبرزهم أحرار الشام وجيش إدلب الحر. واعتبر القيادي في ذات الجبهة حسام سلامة أن هناك نقاطا تصب في صالح المعارضة في المعركة المحتملة، وقال: «هناك خلافات متراكمة بين جيش النظام والميليشيات المتحالفة معه، ويتردد أن قوات حزب الله اللبناني ربما لن تشارك... والأهم هو أنه لم يتم حصار المحافظة كما حدث بالغوطة».
وردا على تساؤل حول تناقض موقف تركيا ما بين رفضها لاستقبال المدنيين اللاجئين لحدودها جراء القصف الأخير لإدلب، وبين ما يتردد عن السماح لبعض قيادات «هيئة تحرير الشام» و«تنظيم حراس الدين» بدخول أراضيها، أجاب سلامة: «لقد استقبلت تركيا الكثير جدا من اللاجئين السوريين... وبالنهاية لكل دولة طاقة استيعابية لا تستطيع تجاوزها... وعلى أي حال، بإمكان النازحين التوجه لمناطق السيطرة التركية بسوريا أي مناطق درع الفرات أو عفرين... أما ما يقال عن استقبالها لقيادات وعوائل فصائل بعينها، فهذا من الشائعات التي يطلقها النظام لإحداث شق بين الأهالي والمقاتلين على اختلاف انتماءاتهم للإيحاء بأن بعض الفصائل هربت وتركتهم بمفردهم بساحة المعركة».
ويرى المحلل العسكري السوري أحمد رحال أن قوة المعارضة في هذه المعركة لن تكون هينة، في ظل وجود دعم تركي قوي لها. وأضاف رحال: «هناك عشرات الآلاف من المقاتلين ممن قدموا كمهجرين إلى إدلب لرفضهم لاتفاقيات المصالحة مع النظام بمناطقهم، وهؤلاء بما يملكون من تدريب قتالي عال وما بحوزة البعض منهم من أسلحة قد يشكلون كنزا لا ينضب لفصائل المعارضة».
واستبعد رحال إمكانية عقد تركيا لتفاهمات تخدم مصالحها الذاتية فقط على حساب المعارضة، واعتبر أن «حجم التعزيزات العسكرية التي أرسلتها تركيا للحدود السورية خلال الأيام الماضية، وحصول بعض فصائل المعارضة بإدلب على الكثير منها ينفي هذا الطرح».
وكشف رحال عن جهد كبير تضطلع به كل من المؤسسة العسكرية والاستخبارات التركية لحل المنظمات والفصائل الموضوعة على قوائم الإرهاب الدولية والمتواجدة بإدلب، وذلك على أمل تهيئة الأجواء للتوصل إلى اتفاق سياسي مع الجانب الروسي بشأن المحافظة.
وأوضح: «المحاولات تجري مع قيادات هيئة تحرير الشام وفصيل حراس الدين الأشد تطرفا لإقناع بعض القيادات المحلية والعناصر الأجنبية تحديدا منهما بالخروج من سوريا... وبالفعل البعض منهم وافق وخرج بالفعل، والبعض الآخر وافق على قضاء فترات عقوبة بسيطة بالسجون التركية... أما العناصر السورية فتأمل تركيا في تسوية أوضاعهم».
أما أستاذ القانون الدولي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول سمير صالحة فتحدث عن عدد من النقاط الرئيسية التي توضح أسباب حرص بلاده على الدفاع عن إدلب وحلفائها المحليين هناك.
وقال: «هناك أكثر من خط أحمر تعمل القيادات التركية السياسية والعسكرية على عدم المساس بها بتلك المعركة: الأول منها قطع الطريق على موجات واسعة من اللجوء السوري إلى أراضيها، والثاني قطع الطريق على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من المشاركة بتلك المعركة بما قد يمهد عودتها إلى مناطق تل رفعت وعفرين، والثالث وهو الأهم هو أن خسارة المعارضة لإدلب يعني ببساطة تقدم النظام ووصوله للحدود التركية. بهذا تكون تركيا قد خسرت نفوذها العسكري والسياسي بالملف السوري، وسيكون لزاما عليها مراجعة مواقفها بشأن سوريا وكذلك علاقاتها مع بقية الدول الضامنة لاتفاقات آستانة (إيران وروسيا) بعدما كان الاتفاق المتعلق بإدلب قد أرسى نفوذا تركيا في المحافظة بما تضمنه من نشر نقاط مراقبة بها».
وحذر قائلا: «الجميع يتجاهل أن كثيرا من فصائل المعارضة قد قبلت باتفاقيات خفض التصعيد بضغط ووساطة تركية، والآن بإلغاء التفاهم التركي الروسي الإيراني، قد تنهض هذه الفصائل وتصنع مشهدا سياسيا وعسكريا جديدا».
أما المحلل العسكري إلياس فرحات فلا يتفق مع الآراء السابقة في قوة موقف المعارضة المسلحة بإدلب. وقال: «صحيح أن المعارضة المسلحة بإدلب بشقيها المتطرف وما يسمى منها بالمعتدل تمتلك سلاحا ثقيلا وعدد مقاتلين يفوق حاجز المائة ألف، وصحيح أيضا أن هذه المعركة ستكون الأخيرة بالنسبة لهم ومن ثم فليس أمامهم سوى القتال حتى النهاية... إلا أن هذا لا يعني التقليل من قدرة سلاح الطيران الروسي أو النظامي على حسم المعركة».
أما رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، فاعتبر أن اندلاع المعركة من عدمه من الأساس يتوقف على التفاهمات المتوقع حدوثها بين الروس والأتراك. وأوضح: «تركيا لا تزال تطلب المزيد من الفرص لمنع حدوث المعركة عبر طرح سيناريو فصل التنظيمات الجهادية عن المعتدلة ومحاولة إخراج ما يقرب من خمسة عشر ألف عنصر أجنبي مقاتل من البلاد وإدخال العناصر المحلية بتسويات سياسية».
وتوقع في حال فشل المساعي التركية ونشوب معركة أن تكون «محدودة بسبب الضغط الدولي في ظل وجود ثلاثة ونصف مليون مدني بالمحافظة».
أما أوضاع المدنيين من أهالي إدلب فقد لخصها الناشط المدني بالمحافظة رائد الفارس بالقول إنهم «يعيشون لحظات رعب وخوف كبيرين بانتظار المجهول».
وأوضح: «بدأ بعض الأهالي، وبالتحديد القاطنون بالمناطق القريبة من مواقع سيطرة النظام بالنزوح صوب الحدود التركية، إلا أنهم لا يحاولون عبورها خشية تعرضهم للاعتداء من حرس الحدود التركي المعروف بتعامله الخشن مع اللاجئين». ونفى ما يتردد عن وقوف تركيا وراء المظاهرات التي تخرج بالمحافظة تأكيدا على رفض نظام الأسد، معتبرا إياها «صرخة منهم لجذب الانتباه الدولي ومنع معركة لن تستطيع المعارضة أو الشعب كله حتى لو حمل السلاح الانتصار فيها».
لا خيار أمام مقاتلي إدلب سوى الصمود لصد قوات النظام
خبراء ومعارضون يتحدثون عن معركة الشمال السوري
لا خيار أمام مقاتلي إدلب سوى الصمود لصد قوات النظام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة