زحلة مهددة بـ«الظلمة» نتيجة تمدد الخلاف السياسي

نية وزارة الطاقة استعادة امتياز شركة كهرباء المدينة أطلقت سجالاً بين القوى المتناحرة

TT

زحلة مهددة بـ«الظلمة» نتيجة تمدد الخلاف السياسي

فُتح السجال بين القوى السياسية المتناحرة باكراً بخصوص ملف الكهرباء في مدينة زحلة الواقعة شرق لبنان؛ إذ تمدد الخلاف العوني – القواتي، كما العوني – الكتائبي إلى «عروس البقاع»، وهو لقب لطالما رافق المدينة على مر السنوات، بعد زيارة قام بها وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل إلى زحلة، معلناً نية الوزارة استعادة امتياز «شركة كهرباء زحلة» إلى مؤسسة كهرباء لبنان، مع الاستمرار بتوفير التيار الكهربائي 24 ساعة يومياً وبتكلفة أقل من التكلفة الحالية.
وتتمتع زحلة، بخلاف المناطق اللبنانية كافة، منذ 4 سنوات بالتيار الكهربائي طوال ساعات اليوم بعد نجاح تجربة قادها مدير عام مؤسسة «كهرباء زحلة» أسعد نكد، بعدما قامت المؤسسة بالحلول مكان المولدات الكهربائية لتغطية التقنين، مقدمة فاتورة موحدة تشمل تعرفة مؤسسة «كهرباء لبنان» المعتمدة حالياً، يضاف إليها الاستهلاك من الطاقة المولدة من «كهرباء زحلة».
إلا أن التجربة التي أثنى عليها الجميع طوال السنوات الماضية، وتمت الدعوة لاعتمادها في باقي المناطق اللبنانية في ظل فشل الدولة بتأمين الكهرباء للمواطنين والتقليل من ساعات التقنين، تواجه اليوم تحدياً كبيراً مع اقتراب انتهاء الامتياز المُعطى لشركة «كهرباء زحلة» والمحدد في نهاية العام الحالي. فرغم إعلان وزير الطاقة أن «كهرباء لبنان» ستواصل تقديم الخدمة لمنطقة زحلة وبكلفة أقل، من دون أن يكشف عن خطته، فإن عدداً كبيراً من أهالي المدينة كما سكان نحو 20 بلدة من بلدات منطقة البقاع الأوسط تستفيد من خدمات «كهرباء زحلة»، يتخوفون من غرقهم مجدداً في «الظلمة» على غرار باقي المناطق اللبنانية لاعتبارهم أن ما لم تتمكن الدولة من تأمينه في باقي مدن وقرى لبنان لن تؤمّنه لا شك في زحلة.
وقد أجمع نواب وقياديون في حزبي «القوات» و«الكتائب» على التشكيك بالوعود التي أطلقها وزير الطاقة، ففي حين صعّد النائب الكتائبي السابق إيلي ماروني بوجهه قائلاً: «كفى هرطقة، ولو أنك تهتم بالمناطق التي تعيش الظلمة الكهربائية، بقدر اهتمامك بإعادة التقنين إلى زحلة، لكنا وإياك بألف خير»، نبّه النائب عن حزب «القوات» في المدينة، جورج عقيص من «تضييع إنجاز تأمين الكهرباء 24 ساعة يومياً في زحلة على مائدة التجاذبات»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على وجود «شكوك كبيرة حول قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تأمين الخدمة نفسها لأهالي المدينة رغم وعود الوزير أبي خليل».
واعتبر عقيص أنه «مع اقتراب تاريخ انتهاء الامتياز المُعطى لـ(كهرباء زحلة)، نكون أمام تدبير من اثنين، وبخاصة إذا ما افترضنا أننا سنبقى في ظل حكومة تصريف أعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات، وفي كنف مجلس نيابي غير قادر على التشريع، الأول يقول باسترداد (كهرباء لبنان) الامتياز مع ارتفاع احتمال تعريض زحلة لخسارة الإنجاز الذي تغنينا فيه بإضاءة المدينة 24 على 24. وبالتالي، بدل أن نقدم خدمات إضافية لزحلة التي تعاني على الصعد كافة، نكون سحبنا منها خدمة سبق أن أُمّنت». أما التدبير الآخر، بحسب عقيص، فيقضي بـ«تمديد الامتياز المُعطى للشركة لسنة واحدة أو لمدة معقولة، رغم وجود حكومة تصريف أعمال، على أن يتم ذلك تحت عنوان الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة».
ويرفض عقيص تصوير الموضوع وكأنه استكمال للمواجهة السياسية القواتية – العونية، مؤكداً أن قيادة «القوات» لم تتخذ أي قرار في هذا المجال، وتركت الأمر لأهالي المدينة وممثليها، وقال «نحن مثلاً نتمسك بوجوب تخفيض التسعيرة، سواء تم التمديد لـ(كهرباء زحلة) أو أعيد الامتياز لـ(كهرباء لبنان)، لكننا لن ننفك نسأل عن مضمون الخطة والضمانات التي لم يكشف عنها وزير الطاقة».
بالمقابل، يعتبر «التيار الوطني الحر» أنه تتم مقاربة الملف من منطلق «النكاية والمناكفات السياسية»، وتشدد مصادره على أن القرار بشأنه عائد أولاً وأخيراً لوزير الطاقة، الذي هو الوزير الموكل رفع توصياته إلى مجلس الوزراء، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك أمراً واقعاً يجب التعامل معه، باعتبار أنه نهاية العام الحالي ينتهي الامتياز المُعطى لـ(كهرباء زحلة)؛ ما يوجب التحرك للتعامل مع المسألة، وبخاصة أنه في حال لم تشكل الحكومة الجديدة قبل الواحد والثلاثين من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لن نكون أصلاً قادرين على تجديد الالتزام الذي لا يمكن أن يمر إلا عبر قانون يصدر عن مجلس النواب».
وكان وزير الطاقة حاسماً مؤخراً حين قال «نحن من يحدد الأولويات وكل هذا لمصلحة الزحليين، فلسنا هنا للانتقام من أحد وقبل انتهاء الامتياز الحالي سيكون الحل». واللافت أن أسعد نكد، الذي قرر العونيون عدم وجوب تمديد الامتياز المُعطى لشركته، خاض الانتخابات النيابية مؤخراً على لائحة «التيار الوطني الحر» في زحلة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.