كيف غيرت ميغان ماركل النظرة إلى الجينز؟

بعد أن ظهرت بفستان منه وجينفر لوبيز في حذاء عالٍ

ميغان ماركل وفستان من «كارولينا هيريرا» - من عرض إمليو دي لامورينا - من عرض جايمي واي هوانغ جنكينز للخريف - نجمة بوليوود بريانكا شوبرا وتنورة من الجينز
ميغان ماركل وفستان من «كارولينا هيريرا» - من عرض إمليو دي لامورينا - من عرض جايمي واي هوانغ جنكينز للخريف - نجمة بوليوود بريانكا شوبرا وتنورة من الجينز
TT

كيف غيرت ميغان ماركل النظرة إلى الجينز؟

ميغان ماركل وفستان من «كارولينا هيريرا» - من عرض إمليو دي لامورينا - من عرض جايمي واي هوانغ جنكينز للخريف - نجمة بوليوود بريانكا شوبرا وتنورة من الجينز
ميغان ماركل وفستان من «كارولينا هيريرا» - من عرض إمليو دي لامورينا - من عرض جايمي واي هوانغ جنكينز للخريف - نجمة بوليوود بريانكا شوبرا وتنورة من الجينز

كل الدلائل تشير إلى أن الدنيم أو الجينز سيحتل حيزاً مهماً في خزانة المرأة العصرية خلال الخريف والشتاء المقبل. فهذه الخامة لن تقتصر على بنطلون أو جاكيت الجينز؛ بل ستشمل قطعاً أخرى بعد مباركة دوقة ساسكس، ميغان ماركل، لها بظهورها بفستان يغطي نصف الساق وحزام يحدد الخصر من تصميم كارولينا هيريرا. هذه النقلة الجديدة للدنيم تدفعنا لرصد تعامل الموضة مع هذه الخامة منذ بداياتها المتواضعة إلى دخولها مجال الموضة الراقية.
ففي منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في 20 مايو (أيار) 1873 حصل الأميركيان جاكوب ديفيس وليفي شتراوس على براءة اختراع للسراويل الجينز المصممة من نسيج الدنيم، الذي ظهر في وقت سابق لهذا التاريخ، بعد أن وضعا التصميم الأول للجينز بإضافة المسامير وشكل الجيوب المعروف حتى الآن.
في البداية، كان الجينز خامة تقتصر على عمال المناجم، ثم طبقة العمال والمزارعين بشكل عام؛ لأنهم كانوا يحتاجون إلى ارتداء ملابس متينة يمكن أن تتحمل الطبيعة القاسية، ونوع الأعمال البدنية التي يقومون بها. وظل مقتصراً على هذه المهمة حتى بدايات الخمسينات من القرن العشرين، بدأ الجينز يتسلل ليكون صيحة رائجة بفضل نجوم السينما، مثل مارلون براندو وجيمس دين. وهنا بدأ يتحول من مفهوم السروال المتين والعملي إلى مفهوم التمرد، وهو ما جعله مرفوضاً في المدارس وبعض الأماكن العامة. في ذلك الوقت كان الجينز أكثر رواجاً بين الرجال، ولم تكن تتصور المرأة الأنيقة أن تعانقه يوماً بالأحضان. في عام 1935 خرجت علامة جينز «ليفايز» Levi›s بتصميم للنساء على صفحات مجلة «فوغ» لأول مرة، لكنه لم يشهد رواجاً إلا بعد أن ظهرت به مارلين مونرو في فيلمها the river of no return «نهر اللاعودة» 1954، ثم أعادت الكرة في فيلم «ذي ميسفيتس»، ليتحول بين ليلة وضحاها إلى صيحة نسائية، ولا سيما بعد اعتماده من قبل بعض نجمات أخريات، مثل الممثلة الفرنسية بريجيت باردو التي كانت صاحبة الفضل في ظهور صيحة الـ«تي شيرت» الأبيض مع الجينز الأزرق، التي تحولت بدورها إلى صيحة كلاسيكية إلى الآن.
منذ ذلك الحين لم يختف الجينز من المشهد على الإطلاق، بل أصبح موضة تعبر عن كل حقبة حسب معاييرها واتجاهاتها، فنرصد في أوائل ستينات القرن الماضي ظهور صيحة الفلير Flair، أي جينز بخصر ضيق وأرجل فضفاضة بعد أن كان مقتصراً على القصة التقليدية التي تسمى box. وفي أواخر الستينات وتحديداً في عام 1969 طرحت علامة «ليفايز» درجات فاتحة من الجينز، فلم يعد مقتصراً على الأزرق الداكن كما كان في السابق. هذا لا يعني أن يخرج عن إطار اللون الأزرق المميز، وبخاصة أن هناك سبباً تاريخياً وتقنياً وراء ارتباط الجينز بهذا اللون، فمنذ بداية ظهوره منذ أكثر من 140 عاماً تمت صباغته بصبغة النيلي الطبيعية؛ لأنها لا تخترق النسيج القطني مثل باقي الأصباغ، لكنها تستقر فوق الطبقة الخارجية فقط للنسيج. وهذا ما يفسر اللون الأزرق للجينز من الخارج، بينما يبقى بالأبيض المميز لخطوط القطن من الداخل. وظلت هذه الطريقة أحد أصول صناعة الجينز. وتاريخ الجينز يفسر أنه منذ البداية كان اختياراً شعبياً، باركته دور الأزياء العالمية في وقت لاحق، فقال عنه المصمم الراحل جياني فيرساتشي، بعد تقديمه مجموعة من الجينز مستوحاة من موسيقى الراب «أنا مقتنع بأن الجينز الذي ظهر كملابس للعمل هو مزيج رائع من الماضي والحاضر، وسيكون بمثابة موجة المستقبل» حسب مجلة «فوغ» في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) 1988. وظلت لمسات كبار المصممين ترتقي بالجينز وتغير مكانته، فلم يعد مجرد بنطلون كلاسيكي بعد أن أدخلت عليه خيوط الليكرا المطاطة لتطوعه حسب اختيار كل مصمم ورؤيته. مع الوقت تحول من قطعة قماش للعمال إلى قطعة مُفعمة بالأنوثة، ولا سيما مع موضة بنطلونات الجينز الضيقة التي روّج لها المصمم الفرنسي هادي سليمان خلال الفترة التي قضاها في دار «ديور هوم».
ظلت الموضة تركز على البنطلون الجينز باعتباره الاختيار الأكثر رواجاً، ولم تأخذ نسيج الدنيم إلى قطع أخرى إلا على استحياء، ففي منتصف الثمانينات ظهرت السترات والقمصان المصممة من الدنيم الأزرق، لكن رواجها لم يضاهِ الجينز.
لكن، ورغم أن عروض الأزياء لا تخلو منه، فإنه ظل مقتصراً في الغالب على البنطلون أو القميص أو الجاكيت، وبين الحين والآخر قِطعٌ أُخر يجس بها المصممون نبض الشارع. أحياناً بتطريزه، وأحياناً بصياغة معاطف أو فساتين منه. كانت مبتكرة ولافتة للانتباه، لكنها لم تلهب الخيال أو تؤجج الرغبة فيها، لم تتمكن من أخذ هذا النسيج إلى مرحلة جديدة أكثر تنوعاً وثراءً. الآن، هي تُعول على ميغان ماركل التي ظهرت مؤخراً بذلك الفستان لدى حضورها مباريات كأس بولو سينتابيال، كان زوجها الأمير هاري طرفاً فيها. كان اختيارها الفستان مناسباً جداً بحكم أن المباريات كانت تجري في الهواء الطلق؛ الأمر الذي استدعى الحاجة إلى خامة قوية تقيها من أي مطبات يمكن أن تعترضها. لحسن الحظ، لم تكن هناك أي مطبات، بل العكس تماماً، أثار بلونه الأزرق الداكن وتصميمه الأنثوي الإعجاب. فرغم أنه لم يكن من الحرير أو الموسلين وغيره من الأقمشة المترفة، فإنه كان عصرياً بكل المقاييس. وظّفته الدوقة بذكاء ليعكس أسلوباً بدأت ترسخه منذ الإعلان عن علاقتها بالأمير البريطاني. للتخفيف من قوة قماشه أضافت إليه حزاماً يحدد الخصر ويكسر رتابة لونه وحقيبة بتوقيع دار «جى كرو»، ونظارة شمسية من مجموعة «مايكل كورس». وكانت النتيجة إطلالة موفقة للغاية، أكدت أن ميغان ماركل على العكس من كايت ميدلتون أكثر جرأة في اختياراتها، ولا تخاف أن تجرب الجديد.
لم تمر سوى أيام قليلة حتى تصدر الجينز وسائل التواصل الاجتماعي والمجلات. فقد ظهرت المغنية جينفير لوبيز بـ«بوت» مبتكر من الجينز، من تشكيلة دار «فيرساتشي» الأخيرة. بتصميمه المبتكر والمغرق في الجرأة، لا يمكن سوى تصنيفه بالصيحة التي سببت صخباً في عالم الموضة. فهو يمتد إلى الركبة ومزود بحزام وجيوب بحيث يبدو للوهلة الأولى وكأنه بنطلون واسع فقدت المغنية السيطرة عليه. اختلفت الآراء حوله، بين معجب وساخر، لكنه في كل الأحوال حصل على تغطيات إعلامية لا تُقدر بثمن. فقد نفذ من الأسواق رغم سعره المرتفع.
وتوافق منسقة الأزياء المصرية، يمنى مصطفى، على أنه ليس خياراً عملياً يناسب موضة الشارع، بقدر ما هو صرعة تغذي وسائل التواصل الاجتماعي وحاجتهم إلى منتجات غريبة تثير جدلاً. من جهة أخرى، فإنه يشير إلى أن مصممي الأزياء قرروا أن يستغلوا هذه الخامة التقليدية بشكل جديد وفي منتجات متنوعة. وتعلق يمنى أيضاً بأن «الجينز بشكل عام صيحة أطلت في الصيف وستبقى منتعشة في الخريف والشتاء الحاليين». وعن طريقة التنسيق المتصدرة المشهد تقول «إطلالة الجينز بالكامل قوية، وهي صيحة عادت من تسعينات القرن الماضي، والجديد فيها أن دور الأزياء الكبرى قدمت اختيارات مختلفة، تراعي الأناقة بكل صورها».
نجمة بوليوود بريانكا تشوبرا، وهي أيضاً صديقة دوقة ساسكس، ظهرت مؤخراً في تنورة من الجينز متوسطة الطول من علامة «كارولينا هريرا»، نسقتها مع قميص منقوش لتؤكد على أن التنورة الجينز التي كانت قد اختفت في التسعينات، عادت لتنافس البنطلون التقليدي. ثم نذهب إلى اختيار أكثر أناقة من مجموعة «فيكتوريا بيكهام» التي قدمت تصميماً لسترة عصرية من الجينز مع بنطلون باللون نفسه لتبدو وكأنها تايور عصري يجمع بين الكلاسيكية والعصرية.
وتعود يمنى مصطفى لتؤكد، أن الجينز لن يظل قطعة عملية للأبد؛ بل سيُصبح خياراً مهماً حتى في مناسبات السهرة والمساء. وتقترح «تنسيق بنطلون جينز بلون داكن مع قميص أبيض، يمكن أن يضفي إطلالة أنيقة، خصوصاً إن تم تنسيقه مع كعب عالِ بلون صارخ، مثل الأحمر أو الفوشيا، أو بنقشة النمر التي تتصدر موضة الخريف المقبل».
أما عن درجة لون الجينز الأكثر شعبية، فتقول إنه الأزرق الداكن، أي اللون الأساسي لهذه الخامة؛ لأنه قابل للتجديد بسهولة أكبر، ويظهر ذلك جلياً في تصاميم «كارولينا هريرا» و«رالف لورين» وغيرهما. وتشرح يمنى أن «الأزرق الداكن يناسب كل الأجسام ودرجات البشرة، كما أن تنسيقه مع لون قوي في حذاء وحقيبة أو مجوهرات يرتقي بأي إطلالة مهما كانت بساطتها. وهذا لا يعني أن تنسيق الأزرق الداكن مع درجة هادئة تحاكي لون البشرة أو الوردي البودري مثلما الذي ظهرت به ميغان ماركل غير مناسب. هو فقط يمنح إطلالة مختلفة أكثر هدوءاً واتزاناً.
فحسب قول رالف لوران الذي لا يشبع منه بحيث يظهر في معظم عروضه، إن لم نقل كلها، فإن سر نجاحه يكمن في طريقة تنسيقه مع باقي القطع. وهذا ما نجحت فيه دوقة ساكس بتنسيقه مع حزام ناعم وحذاء كلاسيكي.

> تشهد سوق الجينز انتعاشاً كبيراً في الولايات المتحدة الأميركية تحديداً. فالعالم الماضي سجل نمواً لم يشهده منذ عام 2013، أي بما يعادل 95 مليار دولار مقارنة بـ91 مليار دولار في العام الذي سبقه. وحسب الدراسات، فإن عشاق هذه الخامة أصبحوا يريدون تجربة تصاميم جديدة بعد سنوات طويلة من التصاميم الضيقة. وهذا ما لباه المصممون واستفادوا منه، بدءاً من دار «كالفن كلاين» التي قدم مصممها راف سيمونز في العام الماضي مجموعة من بنطلونات الجينز بقمصان من الخامة واللون كليهما. وبما أن ذلك كان في أول عرض قدمه للدار، فإنها حصلت على اهتمام كبير من قبل متابعي الموضة وعشاق راف سيمونز في الوقت ذاته. هذا العام أيضاً التحق به عدد من المصممين، مثل توم فورد الذي قدمه في سترات بلون داكن وأكتاف حادة وبنطلونات جينز واسعة، و«ماكسمارا» التي قدمته على شكل تايورات وهلمّ جرا من بيوت الأزياء. وكان من الطبيعي أن تتلقف محال الموضة الشعبية مثل «زارا» و«توب شوب» و«أيتش إن إم» هذا التوجه، وطرح تصاميم بأسعار تناسب ممن ليست لديهم القدرة لشراء قطعة بتوقيع توم فورد أو كالفن كلاين أو فيرساتشي.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.